الأميركية ميلودي غاردو تقدم جازاً «أبيض» بنظارة سوداء في الأولمبيا

تذاكر حفلاتها في باريس بيعت مثل الخبز الساخن

المغنية الأميركية ميلودي غاردو
المغنية الأميركية ميلودي غاردو
TT

الأميركية ميلودي غاردو تقدم جازاً «أبيض» بنظارة سوداء في الأولمبيا

المغنية الأميركية ميلودي غاردو
المغنية الأميركية ميلودي غاردو

ليس من السهل أن تفتح صالة «الأولمبيا» في باريس ذراعيها لفنان شاب لم يحقق شهرة عالمية. إن عشاق موسيقى الجاز هم على موعد، أول الشهر المقبل، مع حفلتين للمغنية الأميركية ميلودي غاردو التي سبق لها، قبل سنتين، الوقوف على مسارح أقل عراقة في العاصمة الفرنسية، تمكنت خلالها من أن تشكل حولها حلقة واسعة من المعجبين. ولعل هذا هو ما يفسر حجز كل الأماكن في الحفلتين حال طرحها للبيع.
وإذا كان الجاز مرتبطاً بأصوات قوية لمطربين ومطربات من السود، فإن طريقة ميلودي في «الهمهمة» تضعها في خانة ما يمكن تسميته بالجاز الأبيض. لكن المغنية المولودة في نيو جيرسي لا تهمهم عن عمد، بل لأنها تعاني من نتائج حادث حرمها من مجرد القدرة على التركيز والكلام لعدة سنوات.
في عام 2003، كانت ميلودي شابة مراهقة تركب دراجتها حين اجتاحتها سيارة تسببت في إصابتها بارتجاج في المخ والمكوث في المستشفى سنة كاملة. وهي تؤكد أن العلاج بالموسيقى كان فعالاً في تعافيها. ولأن الكسور في ظهرها كانت تمنعها من الجلوس بظهر معتدل في فراش المستشفى، فقد جاءت لها والدتها بغيتار لكي تسند ظهرها وتعزف عليه. وبما أنها كانت تعرف العزف على البيانو، فقد راحت تستخدم الأوتار مثل المفاتيح، قبل أن تتعلم العزف عليها بشكل صحيح. ومن سرير المرض قامت بتأليف أولى أغنياتها وتلحينها ثم محاولة تسويقها في أسطوانة حملت عنوان: «بعض الدروس»، وكانت تتحدث عن تجربتها في التغلب على جروح الجسد وفترة النقاهة التي تطلبت إرادة حديدية. ومنذ ذلك الحين وميلودي تقبل على الحياة بنهم وشوق لتعويض ما فات، دون أن تجد الشجاعة لكشف عينيها. إنها تخفيهما باستمرار وراء نظارة سوداء.
بدأت نيلودي الغناء في نوادي فيلادلفيا وراحت الإذاعات المحلية تبث أغنياتها، الأمر الذي شجعها على إصدار أسطوانة بعنوان «قلب قلق». وهي كانت في البداية تمزج ما بين الجاز والكانتري ميوزيك، ثم راحت تؤدي أغنيات بيلي هوليداي وجودي غارلاند وبيسي سميث، الأمر الذي لفت إليها نظر المنتج لاري كلاين الذي أنتج لها أسطوانتها الثانية «فزعي الأول والوحيد». وتضمنت الأسطوانة أغنية «من يطمئنني» التي لقيت نجاحاً كبيراً واحتلت مكاناً في قائمة الأغنيات العشر الأكثر مبيعاً.
قبل سنتين زارت ميلودي غاردو باريس ووقعت في غرام المدينة بحيث قررت الاستقرار فيها. وظل حلم الوقوف على مسرح «الأولمبيا» يراودها حتى تحقق أخيرا. وفي مقابلة لها مع القناة التلفزيونية الثانية تحدثت المغنية الأميركية باللغة الفرنسية بطلاقة، وشرحت ما سببه لها حادث الدراجة من تلكؤ في الكلام، وهي الإعاقة السعيدة، بشكل من الأشكال، لأنها جعلتها تغني بهمس مبحوح صار بصمتها الصوتية الخاصة ومفتاح نجاحها الفني.
لم تقتصر حفلات ميلودي على باريس، بل قامت بجولات في مدن مرسيليا وتولوز وليون ونيس وستراسبورغ وأورليان. وهي اليوم حين تتجول في سوق الأزهار، وسط العاصمة، وتشتري رغيفها اليومي، تبدو مثل أي باريسية من بنات المدينة، تحب المظهر الغامض والمتواري خلف النظارة السوداء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».