كرة القدم... في مرمى الثقافة

كتّاب مصريون يرونها نصاً مفتوحاً للفرح بالفن

كرة القدم... في مرمى الثقافة
TT

كرة القدم... في مرمى الثقافة

كرة القدم... في مرمى الثقافة

بعيداً عن أجواء الحروب والصراعات في أرجاء كثيرة من المعمورة، سيعرف العالم في الرابع عشر من الشهر المقبل، حرباً أخرى، لكنها هذه المرة سلمية وشفافة و«عادلة» أيضاً، تدور رحاها داخل مستطيل أخضر. في ذلك اليوم، ستتنافس الدول المشاركة، وبينها 4 دول عربية، للفوز بكأس العالم «المونديال» 2018 الذي تستضيفه روسيا، وتنطلق منافساته في طقوس كرنفالية مبهجة، تختلف من بلد إلى آخر، في 14 يونيه المقبل.
ما الذي يجمع بين الإبداع، الذي يعتبره كثيرون نوعاً من اللعب وكرة القدم؟ بين المثقف اللاعب؟ هنا آراء عدد من الكتاب المصريين:
يقول الروائي ناصر عراق: «كرة القدم عشقي الأول: مارستها وأنا طفل وصبي وفتى، كنت أقلد أشقائي الكبار المغرمين بها، ولأني نشأت في حي شعبي (شبرا الخيمة) على أطراف القاهرة، فقد أتيح لي ممارسة اللعبة في الحواري والشوارع الخالية يومياً لمد ساعات طويلة قبل أن يتكدس البشر والحجر والمركبات في هذا الحي العتيق، فلا نجد مكاناً نزاول فيه هوايتنا المفضلة».
يتابع عراق: «كرة القدم لم تعد مجرد لعبة يمارسها هواة مفتونون بالركض خلف الساحرة المستديرة، وإنما غدت تلبي مطالب حيوية عدة للإنسان في العصر الحديث، يمكن إيجازها - بحسب عراق - في هذه النقاط:
أولاً: الحفاوة بالعمل الجماعي، فكرة القدم تعد نموذجا مثاليا للعمل الجماعي تذكّر الإنسان الحالي بماضيه البعيد جداً، وذلك عندما نجا الإنسان الأول من الانقراض بسبب العمل الجماعي من أجل الصيد لتناول الطعام، أو مواجهة عدوان الوحوش الضارية وتقلبات الطبيعة القاسية.
ثانياً: قيمة العدل في التو واللحظة، وهي قيمة مفتقدة في زمن التوحش الرأسمالي الحالي، فهذه اللعبة الجميلة يتنافس فيها فريقان متساويان في عدد اللاعبين، ومن يخطئ منهم يحاسب في الحال، ومن ينجح في إحراز الهدف يكافئ فوراً بالتصفيق والهتاف ورفع صوره.
أما السبب الثالث، فيوجزه عراق في فكرة لافتة، هي أن كرة القدم تبجل فضيلة المهارة، حيث يتلقى اللاعب الماهر مكافآت لا حصر لها من أموال طائلة وشهرة عالمية وإعجاب مثير، وأيضاً تحفيز قيمة الابتكار في أمور كثيرة تخص كرة القدم من أول ملابس اللاعبين والحكام، حتى أساليب التصوير ونقل المباريات على الهواء مباشرة، مروراً بالمعلقين والمحللين، فالكل يعمل جاهداً لتطوير ملكاته ليظل قادراً على الوجود والمنافسة، وهكذا يفاجأ المشاهدون في كل مسابقة عالمية بقفزات نوعية في هذه المجالات كافة.
وتبقى السعادة أهم الأشياء التي تحققها كرة القدم، فالمنافسة الشريفة والإثارة الدائمة والمهارة اللافتة والتمريرة الذكية... كل ذلك يمنح المتابع قدراً من السعادة يتحرر به من أسر الرتابة اليومية والهموم الدائمة، ولا ريب في أن إنسان العصر الحديث صار أسيراً للرتابة والهموم.
أما الروائي والناقد سيد الوكيل فيقول: «أذكر في هذا السياق القصة الشهيرة للكاتب السكندري (محمد حافظ رجب) وأعني قصة (الكرة ورأس الرجل) وبطلها رجل وجد أن اللاعبين فشلوا في إحراز هدف، فأعطاهم رأسه يلعبون بها، فأحرزوا أهدافاً كثيرة. للقصة طابع (ابسيردي) عبثي وساخر، حيث أصبحت الرأس التي كانت رمزاً للحكمة والفلسفة، في خدمة الأرجل والأجساد، وكأنما الكاتب ينعي عصر العقل الذي عرف بالحداثة. القصة تندد بعملية الاستبدال التي نعيشها في عصرنا هذا، حيث أصبح للجسد وجمالياته ومهاراته في عصر الصورة حضور أكبر كثيراً من الفكر والمعرفة والثقافة. بالنسبة لي فالأمر ليست هكذا، بل هو عملية استبدال ثقافة بثقافة أخرى تناسب عصر الصورة، بعد أن قدم عصر الكتابة كل ما عنده، ثم أسلم قيادة العالم للصورة. وهكذا يجب أن نقرأ الأمر في سياق حضاري، كجزء من نقلة نوعية في التاريخ البشري».
ويخلص الوكيل بقوله: «أصبحت كرة القدم ثقافة تنتج أغانيها وشعاراتها، ورموزها من اللاعبين، وفي عالم القرية الواحدة، تجاوزت كرة القدم حدود الجماهيريات المحلية والانحيازات الوطنية والقومية، لتصبح تمثيلاً بازغاً لثقافة العولمة، يمكنك مثلاً ملاحظة أن الأجيال الشابة من جماهير كرة القدم، في بلد كبير مثل مصر، أكثر اهتماماً بالأندية العالمية من اهتمامها بأندية بلدها، ولا تندهش أن تجد روابط لمشجعي برشلونة وريال مدريد في مصر، على القدر نفسه من الحماس والتنافس كالذي كان بين الأهلي والزمالك في الماضي.. الأهم من ذلك أن كرة القدم نموذج لاقتصاد العولمة أيضاً، الإعلانات وصفقات النجوم، والأدوات والأحذية والملابس المرتبطة بهم، إنه اقتصاد عابر للقارات تتهافت عليه الدول الكبرى، وتعتقد بعض الأنظمة أن امتلاكها، أو حتى تنظيم أحد المونديالات سيضعها على رأس العالم. لكن المشكلة، أن ثقافة الصورة هي ثقافة هنا والآن، فكل هذه الشهرة والجماهيرية تنتهي مع صافرة الحكم، وتعاود من جديد بشروط ولاعبين جدد وربما جماهير جديدة، فهي ثقافة لا تمنح الخلود الذي منحته الكتابة لنجومها عبر التاريخ. ربما من أجل هذا يتأسى محمد حافظ رجب لرأس الرجل».
من جانبه، قال الروائي محمد بركة: «إن ما يخطر ببالي حين أفكر لماذا أشجع فريقاً محلياً مثل نادي الزمالك، ومنتخب الفراعنة، أو فريقاً مثل ريال مدريد ومنتخب السامبا على المستوى العالمي، أتأكد أن ما يجعلني أهتم بهذه الأجواء هي فكرة العدالة الفورية... المطلقة. فداخل المستطيل الأخضر تتم ترجمة الجهد والإصرار واللعب الجماعي، وأيضاً المهارات الفردية إلى أهداف رائعة تسكن الشباك وسط هتافات مدوية آتية من حناجر المشجعين».
ويضيف: «في هذا الحيز لا توجد فرصة للرشوة أو التلاعب بالأدلة أو الضغط على شهود العيان، وغيرها من الممارسات التي تهدد بقاء فكرة العدالة في واقعنا. أيضاً يهيئ لي أن حماس وحرارة كرة القدم تقدم بديلاً حضارياً مقبولاً لبقايا العدوانية والرغبة في سحق الآخر. حيث ما زال ظل كل ذلك الماضي كامناً في أعماقنا وورثناه عن إنسان ما قبل التاريخ وعصر الغابات والكهوف.
ويتابع بركة: «إن الرغبة في الفوز وانفعالنا بالفرص الضائعة تذيب كل الحواجز وتصنع رابطاً إنسانياً مدهشاً بيننا وبين أشخاص لم نرهم قبل الآن، وربما لن نراهم مرة أخرى مدى الحياة. في هذه الأجواء تسقط النظريات الفكرية وتتوارى الآيديولوجيات فلا صوت يعلو فوق صياح الجماهير وصخب فرحتها».
أما الكاتبة والروائية سهى زكي، وهي من عشاق الساحرة المستديرة فتقول: «لا ينفصل واقع الكاتب المصري عما يدور حوله من أحداث وفعاليات مهمة كرة القدم أحد الأنشطة الرياضية التي فرضها الواقع، فالمثقف المصري غالباً ليس من ذلك النوع المنفصل عما يدور حوله وكثير من المثقفين والكتاب لديهم ميول كروية، بل إن بعضهم ينسي موضوعيته ويتحيز لفريق كرة معين ويتابع بشغف ما يجري ويفرح ويحزن. كرة القدم تحديداً هي نوع استثنائي من الرياضة، حيث استحقت عن جدارة ذلك اللقب القديم الذي منح لها (الساحرة المستديرة)، فهي على الرغم من أنها تقسم المشجعين حسب فرقهم فهي أيضاً تجمع الكل وقتما يلعب المنتخب، وكأنها طقس مقدس يجتمع علي احترامه الجميع بلا استثناء، فعندما يكون المنتخب أمام فريق آخر فتجد كل الفرق المتناحرة قد أصبحوا على قلب رجل واحد.
تتابع زكي، واصلة الخيوط بين الفن واللعب: الأحداث المصاحبة لمباريات كرة القدم وشخصيات اللاعبين الاستثنائية، هم في الواقع أشخاص ملهمون وربما آخر الملهمين في واقعنا المصري ذلك الشاب الشهير «مو»، محمد صلاح... ما فعله صلاح ابن البيئة الريفية البسيطة لم يستطع فعله ساسة أو إعلاميون... لذلك يعتبر محمد صلاح سفيراً حقيقياً لمصر.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.