تصاعد الحرب الافتراضية على الإرهاب

«فيسبوك» أزالت 1.9 مليون محتوى متطرف على صلة بـ«داعش» و«القاعدة»

تصاعد الحرب الافتراضية على الإرهاب
TT

تصاعد الحرب الافتراضية على الإرهاب

تصاعد الحرب الافتراضية على الإرهاب

تفشي العنف البصري والتوحش له انعكاسات وخيمة على السلوكيات البشرية قد تفضي إلى إدمان هذا العنف أو السعي في تحقيقه، الأمر الذي يمدنا بتأويل لأسباب تكثيف تنظيم {داعش} دخوله العالم الافتراضي على الرغم من المساعي الدولية للحد من ذلك.
وقد أعلنت شركة «فيسبوك» مؤخراً بأنها أزالت أو وضعت إشارات تحذير على ما يصل إلى نحو 1.9 مليون محتوى متطرف على صلة بتنظيم «داعش» أو تنظيم «القاعدة»، وذلك خلال الربع الأول من هذا العام، ويعد ذلك عدداً مهولاً يشير إلى استمرارية المتطرفين في الوصول إلى الآخرين من خلال العالم الافتراضي.
وقد امتد ذلك بطبيعة الحال إلى برامج أخرى مثل الـ«يوتيوب» و«فيسبوك» و«غوغل» وحتى «الإنستغرام»، التي لا تزال هذه البرامج حاضنة لمئات التسجيلات المرئية والصور والعبارات التي تحوي عنفاً وتطرفاً، بل إن عدداً كبيراً من هذه الصور يظل مغروساً في العالم الإلكتروني لفترة تمتد إلى أسابيع تزيد من فرص تطرف البعض نتيجة مشاهدتهم للكم الهائل تطرف من الرسائل التحريضية لخطاب الكراهية ومشاهدة الصور الدموية مثل مشاهد التعذيب أو قطع الرؤوس.
ولقد سعى تنظيم داعش منذ بداية تأسيسه بالتواصل الشخصي الذي برع فيه أعضاؤه من خلال إقناعهم بمزايا الانضمام إليهم وأهمية التنظيم ومدى سلطته، وتحوله إلى «يوتوبيا» يتمنى الجميع العيش في ظل خلافتها.
في حين تعاظم مؤخراً دور نشر الصور والتسجيلات المرئية المتفشية في المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تستعرض قوة التنظيم سواء من خلال عمليات الاختطاف والقتل أو التعذيب بسادية مفرطة، أو من جهة أخرى تحمل رسائل للآخرين ونصائح بشن هجمات إرهابية أو تسليط الضوء على مناسبة أو أشخاص ينتمون لجماعة ما. فمثل هذه الرسائل الإعلامية المكثفة تمثل سعياً جاهداً على التأثير على المشاهدين إلى درجة التعاطف والانضمام للتنظيم. وقد تميز «داعش» عن نظرائه بتطوره التقني وقدرته على التغلغل عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستقطاب المتعاطفين، فعلى الرغم من اضطراب فكرته المركزية المتمحورة حول خلافة داعشية في كل من سوريا والعراق، فإن هذا لم يثبط الكثير من المنضمين إلى التنظيم المتناثرين في العالم والذين تآلفوا مع فكرة «الخلافة الداعشية الافتراضية»، أو مساعي الانتقام لأجل التنظيم وقتل الآخرين وإن كان ذلك عشوائياً. وذلك عكس رسالة تنظيم القاعدة التي تمثلت بالوضوح منذ بداية عهدهم، ففي البدء كانت منحصرة بمحاربة القوات السوفياتية في البداية ومن ثم «الكفار» و«أميركا كقوة عظمى مضطهدة للمسلمين».
وكان يظهر التسلسل الهرمي للتنظيم والترويج لقادته كسلطة أعلى تملك إدراكاً أعمق بمآسي المسلمين ودراية في الشريعة تفوق بكثير قدرة المنتمين إلى التنظيم في أسفل الهرم من منفذي الهجمات الإرهابية أو الانتحارية، ممن ترتسم على أوجههم ابتسامة رضا وقناعة بالمبادئ التي غرسها فيهم قادتهم.
يأتي تنظيم «داعش» من جهة أخرى بأهداف مضطربة بما هو أشبه ببؤرة تستقطب التخريبيين حيث تحرض الجماعة ككل الأفراد على القيام بالقتل والتعنيف، سواء من خلال «البروباغندا» الداعشية بهدف أعمال العنف وتشويق المشاهد، أو من خلال الانضمام إلى الجماعة والشعور بالانتماء لها، الأمر الذي يؤججه تصاعد هرمون الأكسيتوسين، الذي غالباً ما يتم تفسير إفرازه نتيجة الشعور بالحب أو إدمان تعاطي المخدرات، إلا أنه فعلياً قد يتسبب بمضاعفة الرغبة في أعمال العنف في حالات كثيرة، مثل ما يحدث للمنتمين إلى تنظيمات إرهابية».
والواقع أنه ترتفع لديهم نسبة هذا الهرمون بالدم جراء شعورهم بالانتماء للتنظيم، الأمر الذي يتسبب بالعداء وشيطنة الآخرين، على اعتبار مخالفتهم لهم. التنظيم الداعشي يستمد قدرته في التجنيد عبر استكشاف أولئك الذين يعانون من مشكلات اجتماعية أو نفسية أو أسرية، مثل من يشعر بالنبذ جراء عيشه في مجتمع يخالف قيمه ومبادئه، أو شعوره بعدم تفهم أسرته ومحيطه مشكلاته الخاصة ورغبته بالانضمام ببيئة حاضنة له. إلا أن قدرة داعش الاستفادة من هذا النوع من الأفراد بدأت تخفت مع غياب حلم الخلافة الممتدة واستحالته إلى أهداف تخريبية مبعثرة، بالأخص بعد أن أصبح الذئب المنفرد هو الأكثر شيوعاً في الهجمات الداعشية كونه أسهل في التوجيه عن بعد ودون حاجة إلى التدريب، فتظهر شخصيات مضطربة تغتنم مثل هذه الفرص من أجل إخراج العنف الداخلي وحث على عن المارة أو دهسهم. وذلك على نسق ما حدث مع البلجيكي بينجامين هيرمان، مشرد ثلاثيني قام بطعن شرطيتين في مدينة لييج البلجيكية في نهاية مايو (أيار) قبل أن يطلق النار عليهما مستخدماً أسلحتهما، فيما يظهر متماثلاً مع تسجيلات مصورة لتنظيم داعش نشرت عبر مواقع إلكترونية دعت المشاهدين لمهاجمة عناصر الشرطة واستخدام أسلحتهم لقتلهم. مثل هذا الصنف من الشخصيات يجد في الرسائل الإعلامية التي ينتجها تنظيم داعش ألقاً وجاذبية، ففي البدء كانت فكرة منطقة أشبه «بيوتوبيا» المتطرفين حيث يقوم كل منهم بما يشاء من أفعال عنف ووحشية تحت مسمى التنظيم. وانتقل ذلك إلى حرب عصابات مبعثرة في مناطق مختلفة سواء من خلال هجمات إرهابية مباغتة أو تكثيفها في المناطق التي يسهل فيها التأثير على كثير من الأشخاص سواء نتيجة ضعف الأمن أو القدرة على التأثير على المجتمع. هذا ما حدث من هجمات إرهابية في مدينة سورابايا الإندونيسية من هجمات إرهابية في مايو هذا العام، تضمنت الأب وزوجته وأطفاله ما دون الثالثة عشر، الأمر الذي وصل إلى حد عدم اكتراث البعض بتعريض أسرهم إلى الموت والتضحية بهم. مثل هذه الحيثيات تؤكد مدى تضخم حجم الاضطراب النفسي الذي يعاني منه المتطرفون مما يؤدي إلى عدم الشعور بالتعاطف مع الآخرين أو ما يتصف بالشخصيات «السيكوباتية»، التي قد يمتد بها الأمر إلى التلذذ بتعذيب الآخرين.
من جهة أخرى، فإن مشاهدة عدد كبير من المواد والرسائل الإعلامية التي تحوي أعمال عنف يؤثر بالأشخاص، سواء من خلال إقناعهم بأن ما يحدث إقناع المشاهد يثير الحماسة، بالأخص الباحثين عن العنف وإن لم تكن لديهم قناعات سياسية أو دينية معينة، ومن جهة أخرى هناك من تزداد قناعتهم بما يرونه. وقد تفشى في فترة أوج التنظيم بالأخص ما بين عامي 2015 و2016 وقت امتداد نفوذه في كل من العراق وسوريا، ظاهرة انضمام أوروبيين من أديان مختلفة وغير منتمين لأقليات إثنية لتنظيم داعش، وذلك في الفترة التي ظهرت فيها منابر التنظيم وصوته من خلال منشوراته الإلكترونية مثل مجلة «دابق» وشبكة «شموخ الإسلام». وإن كان الاستهداف العسكري لأماكن نفوذهم قد قلص من قدراتهم. لا سيما وأن الغارات الجوية تسببت بقتل أعداد كبيرة من أعضاء التنظيم من بينهم شخصيات مؤثرة في الرسائل الإعلامية للتنظيم مثل مقتل المتحدث الرسمي باسم داعش «أبو محمد العدناني» في عام 2016 والذي أعلن عن بدء «خلافة» داعش ومبايعته للبغدادي في 2014 وقد حملت خطاباته وعيداً وتهديداً مستمراً لأعداء التنظيم. وعلى الرغم من التقهقر الجلي في الامتداد والتجنيد الإلكتروني الداعشي، فإن المحاولات لا تزال مستمرة في المحافظة على الوهج الإعلامي واستغلال التقنيات الإلكترونية الحديثة، مثل ما حدث مؤخراً حين ذاعت صور بتقنية «السيلفي» لمتطرفين تم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، من بينهم شخص التقط صورة «سيلفي» له في نيويورك وقدا بدا انتماؤه لتنظيم داعش من خلال تلثمه بوشاح يحمل شعار التنظيم، وقد كتب على الصورة تعليق يحمل لهجة الوعيد: «نحن في عقر داركم».
ويعبر اللثام عن سرية التنظيم وسعيه في إثارة الذعر في العالم بهجمات إرهابية في أماكن مختلفة بعد أن فقد ما اعتبره «شرعية» بامتداده الجغرافي السابق في منطقة محددة يرد إليها كل من حمل بداخله حلمه المتطرف. صور أخرى منسوبة للتنظيم هددت روسيا بتنفيذ هجمات إرهابية في مناسبة كأس العالم، تضمنت أحدها رجلاً ملثماً يحمل سلاحاً وخلفه يظهر ملعب الفولفوغراد الروسي مع كلمة «انتظرونا» باللغتين العربية والروسية. وعلى الرغم من تميز تنظيم داعش في استغلاله للفضاء الإلكتروني عن غيره من التنظيمات، فإن ضعفه على الساحة في الفترة الأخيرة رفع من ميزان تنظيم القاعدة الذي لا يزال يسعى للنهوض مرة أخرى بالأخص في مناطق امتد فيها نفوذه مثل اليمن. وقد أصدرت «شبكة الملاحم» التابعة لتنظيم القاعدة تسجيلاً مرئياً جديداً يظهر فيه السوداني إبراهيم القوصي الذي كان خبيراً مالياً للقاعدة اعتقل في 2001، ويدعو فيه لشن المزيد من الهجمات في الولايات المتحدة، وقد ظهر في التسجيل تفعيل دور خرائط «غوغل» للاستقصاء عن المناطق المستهدفة. وفي ذلك تحريض واضح للمتطرفين بشكل عام وللمنتمين للتنظيم القيام بعمليات إرهابية واستغلال مناسبة وجود مكان يكتظ بعدد كبير من الأشخاص. فيما من جهة أخرى تهدف التسجيلات المرئية الدموية إثارة الرعب والبلبلة، وهو هدف أزلي للتنظيمات الإرهابية يجمع ما بين البحث عن البريق الإعلامي وتخويف الآخرين.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.