العقيد تركي المالكي... نسر إعلامي على خط النار

متحدث تحالف دعم الشرعية في اليمن سلاحه المصداقية والشفافية

العقيد تركي المالكي... نسر إعلامي على خط النار
TT

العقيد تركي المالكي... نسر إعلامي على خط النار

العقيد تركي المالكي... نسر إعلامي على خط النار

إنه دائماً محطّ الأنظار والسمع، وهو يتعالى في سماء لا تشوبها الغيوم السوداء. يصعد أكثر بعد أن يشتت بوارق الإضاءة المزيفة التي تتلاشى سريعاً من أرض العدو. يقصف كل ما هو غير صحيح حتى خارج قواعد الاشتباك الإعلامي. يرى بدقة من برج مراقبة «تحالف دعم الشرعية في اليمن» كل شيء في خرائط العمل الميداني وخارجه الذي يمثله المحيط الإعلامي الواسع، فيبني من معطيات الأول مصداقية تغطي الرادارات في الثاني التي ترصد بالخطأ، أو تتعمد الأخطاء.
يرتدي العقيد تركي المالكي زي الطيران ليحلق، يحمل في جعبة العسكري الإصرار والنجاح. وفي منبر الإعلام يحمل المصداقية والشفافية ليؤكد عبرهما أنهما السلاح الأنفع، والأكثر ديمومة، أمام مرحلة إعادة اليمن إلى عروبته. وينطلق في أروقة الجناح المرئي تحت الأضواء، ويظهر مبشرا بالانتصارات في أزمة حاولت الميليشيات الإيرانية خلق وهم أنها الفاعلة في الميدان. وأمام كل ذلك كان يعطي العنوان، لتتفرغ بعدها طوابير الانقلاب لمحاولة تشتيت العنوان ذاك، لكنها تفشل إلا أن تقول الحقيقة في ميدان الحرب.
في خضم أحداث اليمن التي بدا وشيكاً حجم الانتصارات التي حققها التحالف في وضع الحوثيين في زجاجة، كانت مسارات التساؤل هل ما تقوم به المملكة العربية السعودية على رأس هذا التحالف في إطار عسكري فقط؟ بيد أن المالكي كان في مرحلتين يوجز ويفصّل، عسكرياً وإنسانياً، لأن «عاصفة الحزم» لا تكتمل إلا بالأمل الذي تستعيده قوات التحالف وشركاء العمل الإغاثي، ذلك أن الأهم هو اليمن بكل تفاصيله الذي يستحق أن يكون كما كان في تاريخه العروبي الأول.

إبان الحروب تبرز الحاجة الأهم لما يوازي العمل العسكري، لا سيما أمام تسارع قطار الإعلام والحاجة لإطلاع الرأي العام على صغير المواضيع وكبيرها. ذلك أن انتشار الإشاعات و«الأخبار الزائفة» أمر معتاد في الحروب، لكون المصادر على الأرض شحيحة. وفي وجه الإشاعات و«الأخبار الزائفة» تحرص المؤسسات الإعلامية الرصينة على أخذ المعلومات من مصادرها... حيث تُقاد الجبهات.
في الحرب العالمية الثانية كان للمذياع (الراديو) الدور الأكبر في نقل الأحداث الحربية، وكان يعمل بشقين عسكري وإخباري، لكنه ظل قاصراً عن أداء الأدوار سوى في حشد الشارع أمام الفكرة الواحدة التي يمكن نفيها بسهولة.
بعد ذلك، في الحرب التي خاضها العرب أو فرضت عليهم، يتذكر البعض إذاعة «صوت العرب» في حرب «نكستهم» عام 1967، وكانت المبالغات و«الانتصارات» الوهمية التي سوّقتها أمثولة للإعلام العاطفي وغير موضوعي الذي يجني على أصحابه.
و«حرب فيتنام» أيضاً في عقد الستينات الميلادية من القرن الماضي، كانت محطة مهمة للإعلام، ولكن لئن غاب المتحدث الرسمي عنها، فإن التلفزيون كان العنصر الإعلامي الجديد المؤثر على الساحة. وكان له دوره البارز في نقل الوقائع، لا سيما الخيبات الأميركية في فيتنام، التي فعلت فعلها داخل المجتمع الأميركي بعدما غدا مطلعاً على تفاصيلها.

- عصر الفضائيات
بدأ وهج الفضائيات مع «حرب الخليج الثانية» (1991 - 1990)، وكانت قناة «سي إن إن» الأميركية ذات حضور كبير. ومعها ثبتت قاطرة الإعلام، وبالأخص من الصحافة المصوّرة الحقائق، غير أن الأهم كان الإيجاز الصحافي اليومي من قبل «قوات التحالف»، الذي كان منطلقه العاصمة السعودية الرياض.
الرياض، في الواقع، كانت «رأس الحربة» في مواجهة عدوان صدام حسين على الكويت إعلاميا، وكذلك عسكرياً. وكان المجتمع العربي والدولي أمام طلة عسكرية سعودية مُبهِرة، ولمع العقيد (حينها) أحمد الربيعان، الذي كان «دبلوماسي الكلمة» منتصراً أمام سيل الهجمات الإعلامية، حتى وصل إلى رتبة لواء. وعيّن بعد الحرب بسنوات قائدا للمنطقة الشرقية قبل أن يحال للتقاعد.

- «عاصفة الحزم»
في «عاصفة الحزم»، التي انطلقت بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز نصرة للشعب اليمني من الانقلاب الحوثي في مارس (آذار) 2015، كان التفوق الإعلامي حاضراً، وبصيغة متجددة. هذه المرة، كان الوجه الأبرز في بدايتها للعميد أحمد عسيري (نائب رئيس الاستخبارات حالياً، ولقد رُقّي أثناء عمله متحدثا للتحالف إلى رتبة لواء). ولقد جاءت إطلالة عسيري أيضاً قوة تُضاف إلى العمل الحربي، وكان في إيجاز يومي لأكثر من أربعين يوماً في اطلاع تام على ما يدور في الميدان.
بعدها، في عام 2017، أصبح منبر «تحالف دعم الشرعية» شاغراً، مع تزايد الاهتمام بمتابعة أحداث اليمن، وتفاصيل التقدم الذي تحرزه القوات المشتركة في الميدان. ومن ثم، كان الجميع بانتظار مَن سيملأ المكان ويمسك بدفة الإعلام، مسانداً الحربة العسكرية بحربة إعلامية لها المزايا التي تحتاج إليها مهام عملية «إعادة الأمل».
وبالفعل جرى ترشيح عشرين ضابطاً سعودياً لتولّي المهمة. كانت مرحلة التقييم والاختيار دقيقة، تبحث عن الإجادة و«الكاريزما» وحسن الاطلاع والإحاطة بالتفاصيل والتعامل معها بشفافية تشبه أزيز الرصاص... وهنا صعد إلى المنبر طيار سعودي يتملكه الشغف والعزيمة، ليصبح مصدر الخبر والمحتوى، الذي أقلع من مدرج تميز آخر في كيان وزارة الدفاع السعودية.
هذا الضابط الطيار هو العقيد الركن تركي المالكي. إنه طيار أقلته المرحلة نحو آفاق منظومة إعلامية، وكان قائد الإعلان عن كل رحلة إعلامية على منبر «قوات التحالف»، والرجل الذي لم يرضَ بغير الامتياز طوال مراحل دراسته في التعليم العام والتعليم العسكري.

- دراسته وتأهيله العسكري
تخرج تركي المالكي في كلية الملك فيصل الجوية بتفوّق، وتم ابتعاثه نظير تميزه إلى الولايات المتحدة مباشرة، لمواصلة دراسة الطيران، وحصد هناك درجات أكبر في التفوق، حتى بات خبيراً في خريطة العمل الجيوسياسي.
وعاد المالكي إلى المملكة برتبة ملازم أول - ضابط طيار على طائرات «إف 15» التي تلقى دوراتها وذلك في أواخر التسعينات الميلادية. وأكمل خلال السنوات اللاحقة دورات عدة في المجال العسكري، وحصل على شهادة الماجستير من كلية القيادة والأركان في الرياض وحمل شارتها الحمراء التي أحاطت برتبته العسكرية كأحد العناصر البارزة في مهام عمله. وكان بارزاً في أوائل اللقطات من مركز قيادة «عاصفة الحزم»، بل كان منذ انطلاقتها الأولى في أتون المعركة داخل غرفة القيادة وفي جبهات الحرب أيضاً.
«المصدر المسؤول» تلك العبارة الإعلامية المعتادة ما عادت مقروءة أو مسموعة، بل أصبحت تتجسّد في شخص مسؤول ونبيه، ملء السمع والبصر، يقف متأهباً للإجابة على التساؤلات ولو كثرت أمام الإعلاميين. ناطق خبير واثق الحرف حين ينطق، وسيد الكلم المفصل حين يوجز، والبليغ الشامل حين يفصل.
إطلالة المالكي الإعلامية بشّرت بإنجاز أمني يعزّز حماية الوطن. ومع استهلاله الكلامي يتوثق أكثر مربط الثقة، ويدحض تقوّلات من يحاولون تهديد أمن السعودية ويحاولون النيل منها.

- استراتيجية إعلامية جديدة
اليوم تملك وزارة الدفاع السعودية استراتيجية جديدة في التواصل مع وسائل الإعلام، ولعل العقيد المالكي أحد أبرز أركانها. إذ أضاف للمهمة المنوطة به الكثير عبر مؤتمرات صحافية أسبوعية وأخرى عاجلة وفقا لظروف سير العمليات. وفي توضيح له عن المهمة التي أوكلت له، يقول المالكي إنه جرى تكليفه من قبل الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد وزير الدفاع، بالتواصل وإطلاع الإعلام على الأحداث بـ«أقصى درجات الشفافية».
هذه منهجية عسكرية صدقت حين قدمت الصورة الصادقة من المواقع في الميدان، وبيّنت أهمية الشفافية المعتمدة لتحقيق أهداف مواجهة انقلاب حوثي ذي امتدادات إقليمية تحاول إغراق اليمن ومحيطه بالتوترات والفتن. ولكن، بإثبات الصورة والأدلة المادية يتحدث العقيد المالكي ويوجز في عباراته. ثم يضيف أن مهمته ليست أن يكون في موقع الدفاع أمام وسائل الإعلام عامة، بل هي تقديم الحقائق والأرقام والأدلة.
يعتلي المالكي منصته أو يفتح هاتفه الجوال مجيباً على اتصالات المؤسسات الإعلامية ليعطيهم الخطوة الأولى «اسأل كما تريد وعما تريد وسأجيب»، كذلك فإن البيانات الصحافية واضحة لغتها مجيبة على السؤال في نطاقه دون تشتيت الإجابات.
من ناحية ثانية، ليس العقيد الطيار مضطراً لتهيئة ما سيقول رداً على أي أسئلة خلال أحاديثه للقنوات والصحف. لا يضع قائمة بالأسئلة المتوقعة أو كيف يرد عليها... بل يقول إن مبدأه يُختصر بـ«أسهل أمر هو قول الحقيقة»، وحقاً، كان ذلك لافتا خلال أحاديثه لقنوات إخبارية عالمية، منها «سي إن إن» الأميركية و«بي بي سي» البريطانية، لأن السيناريو الأوحد الشفافية.
ثم يشرح المالكي، عن الخطط والاستراتيجية الإعلامية، فيقول: «لم يكن سراً أنه استطاع أن يكسر البروباغندا المعادية من إعلام الحوثيين أو من يساندهم، ذلك أن التفاصيل الدقيقة الشفافة هي وصفة الثقة؛ بأن تكون بيانات التحالف ومؤتمراته مصدراً موثوقاً، أولاً أمام وكالات الأنباء العالمية، وثانياً أمام المتابع من داخل اليمن. وعلاوة على ذلك كان تنظيم التحالف لزيارات الإعلاميين للمواقع المتقدمة والسماح لهم بالزيارات الميدانية محور تغيير في دفة الأنباء».

- رسائل متعددة الأبعاد
رسائل التحالف كما يقول العقيد المالكي، تقوم على عدة أبعاد منها الإنساني والإعلامي والعسكري. ويلفت المالكي حين يراعي في حديثه الجمهور، حين يقول إنه لا يصعد للمؤتمر الصحافي وفي غايته رأي عام محدد. بل يؤكد أن الرأي العام المحلي ثقته في قيادته عالية وفي قواته أيضا، وليس بحاجة لمتحدث لكن حتى يتم الاطلاع على كل شيء، والرأي العام من دول أخرى كذلك. لكن هناك بعد إنساني يحرص المالكي على ذكره هو أن دولا تشارك في التحالف «ينبغي لنا أن نعطيها الأوضاع الميدانية بصدق لأن لها أبناء وإخوة يشاركون في تحالف دعم الشرعية، وعلى الجميع مراعاة ذلك».
هذا، وفي 26 مارس الماضي، عقد العقيد الطيار مؤتمراً صحافياً كان استثنائياً بالفعل. فلقد حضره لأول مرة، وبكثافة، سفراء الدول المعتمدين لدى السعودية، وجرى خلاله عرض الأدلة المادية المؤكدة لاتهامات التحالف للنظام الإيراني بأن صواريخ الحوثيين مصدرها سلطة طهران. وفي هذا المؤتمر الصحافي وُضع السفراء ومعهم طاقم الإعلام الآخر أمام الأدلة ليكونوا مصدراً مهماً أمام دولهم لكشف ألاعيب إيران وحقيقة رعايتها للإرهاب ومحاولتها استهداف السعودية بصواريخها الباليستية.
وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي، تحدث المالكي في مؤتمر صحافي عن عملية جوية ناجحة استهدفت إحدى القيادات الانقلابية اليمنية، وحقاً كانت تلك الشخصية صالح الصماد، القائد السياسي لميليشيا الحوثيين. قال المالكي كلمته ومضى، إلى أن أعلن الإعلام الحوثي ومساندوه الخبر، لاحقاً.
لقد عرض المالكي صورا مرئية لعملية الاستهداف تلك، معلنا في مؤتمره: «صالح الصماد زعيم جماعة إرهابية لا تختلف عن تنظيم داعش»، مبيناً أنه خلال أسبوع واحد فقط خسر الحوثي 425 موقعا وآلية. واليوم، تتقدم القوات المشتركة على الساحل الغربي في اليمن، بعد شهر واحد من مقتل الصماد. وفي ضوء انكشاف خلل كبير في صفوف الحوثيين واستسلام وهروب في جبهات مختلفة، يتفاءل التحالف ويبشّر بقرب علامات النصر.
ختاماً، في إعلام الأزمات والحروب، لا بد للناطق الإعلامي من أن يكون له دور في تبيين ومساندة العمل والرؤية الميدانية... ولكن ماذا ينبغي عليه أن يمتلك ليغير المعادلة نحو النجاح. العقيد تركي المالكي يجيب باختصار: «قوة الإرادة والعزيمة والشفافية والمصداقية».. قبل أن يتابع: «اليمن في مقبل الأيام سيكون آمناً ومستقراً».

- الحُديدة مدينة ومحافظة... في سطور
> تقع مدينة الحُدَيْدَة في غرب اليمن، على ساحل البحر الأحمر. وهي رابع كبرى مدن اليمن بعد صنعاء وتعز وعدن، وتبعد عن العاصمة صنعاء نحو226 كلم. المدينة هي العاصمة الإدارية للمحافظة التي تحمل اسمها، وتعد من أجمل المدن اليمنية.
وفق المراجع، يشكل عدد سكان المحافظة نحو 11 في المائة من إجمالي سكان اليمن، وهو ما يجعلها ثاني كبرى المحافظات من حيث تعداد السكان بعد محافظة تعز. أما من ناحية التقسيمات الإدارية للمحافظة فإنها تضم 26 مديرية. ومن أبرز المدن الأخرى في المحافظة مدينة زبيد التاريخية، الغنية بآثارها الإسلامية النفيسة التي أهَّلَتها لدخول «قائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي»، وكذلك مدينة بيت الفقيه الشهيرة بمعلمين معماريين دينيين مهمين هما الجامع الكبير وجامعة الأشاعر، ثم هناك مدينة الخوخة على الساحل إلى الجنوب من الحُديدة.
ومن الناحية الاقتصادية تُعدّ الزراعة النشاط الرئيسيّ لسكان المحافظة، وهي تتبوأ المركز الأول بين المحافظات اليمنية في إنتاج عدد من المحاصيل الزراعية. ومن أهم محاصيلها الخضراوات على أنواعها والفواكه. كذلك بفضل موقعها في الساحل الجنوبي لتهامة الغني بالأسماك والأحياء البحرية، فإن الصيد البحري يُعدّ من مواردها البارزة. وأخيراً، قامت في المحافظة عدد من المنشآت الصناعية من أهمها مصنع إسمنت باجل، وبعض الصناعات الغذائية والمشروبات الغازية.
أما بالنسبة لمدينة الحُديدة نفسها، فإنها مركز تجاري متميز، وبوابة للاستيراد والتصدير لكونها ثاني أهم موانئ البلاد بعد عدن. ويقدر عدد سكان المدينة بنحو 400 ألف نسمة. وبعدما تعرضت الحُديدة في يناير (كانون الثاني) 1961 لحريق كبير دمر أجزاء واسعة منها، فإنه أعيد بناؤها، لا سيما مرافق مينائها الكبير بدعم من الاتحاد السوفياتي يومذاك. كذلك كان للسوفيات قاعدة بحرية فيها خلال عقدي السبعينات والثمانيات من القرن الماضي.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.