مصر ترفض تصريحات أوروبية حول «أوضاع حقوق الإنسان»

TT

مصر ترفض تصريحات أوروبية حول «أوضاع حقوق الإنسان»

رفضت مصر أمس تصريحات رسمية أوروبية تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان، إذ قال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن «هذه التصريحات غير موفقة، ولا تخدم قنوات الحوار والشراكة التي تجمع بين مصر والاتحاد الأوروبي في إطار من الشفافية والاحترام المتبادل».
وكان جهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي قد أعرب عن قلقه أمس إزاء تزايد وتيرة اعتقال نشطاء سياسيين وحقوقيين معارضين مؤخراً في مصر. فيما رد المستشار أبو زيد بالقول إن مصر لديها شواغلها إزاء جوانب متعددة من أوضاع حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الصعوبات الجمة، والمعاملة المزرية التي يعاني منها كثير من المهاجرين واللاجئين، وتجاوزات سلطات إنفاذ القانون، فضلاً عن تزايد أثر تصاعد الحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة، وما يقترن بذلك من مظاهر العنصرية والتمييز والعنف وخطاب الكراهية.
وقالت مايا كوسيانسيتش، الناطقة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، في بيان أمس، إن «العدد المتزايد للتوقيفات بحق مدافعين عن حقوق الإنسان وناشطين سياسيين، ومدونين في الأسابيع الماضية في مصر، يشكل تطورا مقلقا». مضيفة أنه «في الوقت الذي تسعى فيه مصر لترسيخ الديمقراطية ودولة القانون، من المهم احترام التعبير السلمي عن الرأي والانتقاد». وشددت في السياق ذاته على أن «الاستقرار والأمن الدائمين لا يمكن أن يتماشيا إلا مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، والحريات الأساسية بموجب الدستور المصري والالتزامات الدولية».
وخلصت المتحدثة إلى القول إن «المدافعين عن الحقوق الأساسية والديمقراطية يجب ألا يخشوا التعرض لرد... ننتظر من السلطات المصرية أن تحترم الدستور المصري والالتزامات الدولية». وألقت السلطات المصرية مطلع الأسبوع القبض على الناشط المعارض حازم عبد العظيم، بعد أيام على وضع المدون والصحافي وائل عباس قيد الحبس الاحتياطي، في اتهامات تتعلق بنشر أخبار كاذبة. وطالت الحملة أيضاً توقيف مدون الفيديو الساخر شادي أبو زيد، والناشطة السياسية أمل فتحي، والناشط السياسي شادي الغزالي حرب، والمحامي العمالي هيثم محمدين.
من جانبه، أوضح المتحدث باسم الخارجية المصرية في بيان له أمس، أن «مصر دولة قانون، ومنابرها الإعلامية المستقلة والمتنوعة خير شاهد على ما تتمتع به من حرية رأى وتعبير»، مشيراً إلى أنه لا يوجد مواطن في مصر يتم القبض عليه، أو محاكمته بسبب ممارسته نشاطا في مجال حقوق الإنسان، أو لتوجيهه انتقادات ضد الحكومة المصرية، وإنما لاقترافه جرائم يعاقب عليها القانون. وشدد المتحدث على أن مصر دولة مؤسسات تحترم سيادة القانون، واستقلال القضاء، وتعلي من مبدأ الفصل بين السلطات، ضاربا المثل بآليات الرقابة الوطنية الذاتية المعنية بالتعامل مع أي انتهاكات مرتبطة بحقوق الإنسان، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، فضلاً عن مسؤولية مجلس النواب في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية. كما أوضح المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية أن التزام الدولة باحترام حقوق الإنسان ثابت لا غبار عليه، ويتأسس بهدف تحقيق المصلحة الوطنية، وليس إرضاء لأي طرف، بل هو انطلاق من إيمان راسخ بأهمية هذه المبادئ في إرساء دعائم الدولة الحديثة، التي تلبي طموحات وتطلعات شعبها.
ويتهم المدافعون عن حقوق الإنسان النظام في مصر بانتهاك الحريات وإسكات المعارضين. فيما تنفي الحكومة المصرية هذه الاتهامات، مشددة على ضرورة مكافحة «الإرهاب».
وشدد البيان الأوروبي على أنه «في بداية الولاية الرئاسية الجديدة (للرئيس عبد الفتاح السيسي)، نعيد التأكيد على دعمنا للاستقرار المستدام لمصر، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والتنمية بها، مؤسسين على الحوار البنّاء الجاري في إطار أولويات الشراكة المشتركة بيننا».
من جهتها، رفضت النائبة مارجريت عازر، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري (البرلمان)، البيان الأوروبي، مؤكدة في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن «البيان يعبر عن موقف سياسي أكثر من كونه مبنيا على حقائق ووقائع معينة»، مشيرة إلى أنه «لم يتضمن أي أسماء بعينها، ما يؤكد أنه مجرد ورقة للضغط على مصر، عبر إلصاق اتهامات من دون معلومات». وأوضحت عازر أن «كل الإجراءات التي تتم في مصر تجري وفق القواعد القانونية، ويمكن توضيح ذلك إذا أرادوا بشرط ذكر أسماء»، منوهة إلى أن معظم المنظمات الدولية الغربية «لديها ازدواجية في المعايير، وتسعى إلى تشويه صورة مصر الحقوقية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم