ليبيا: متطرفو درنة يفقدون الاتصال مع أبرز قادتهم

بينهم الذراع اليمنى لمختار بلمختار وضابط مصري مفصول كان ينشط في سيناء

جنود من الجيش الوطني الليبي خلال عرض عسكري في بنغازي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الوطني الليبي خلال عرض عسكري في بنغازي (أ.ف.ب)
TT

ليبيا: متطرفو درنة يفقدون الاتصال مع أبرز قادتهم

جنود من الجيش الوطني الليبي خلال عرض عسكري في بنغازي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الوطني الليبي خلال عرض عسكري في بنغازي (أ.ف.ب)

مع تقدم الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في مدينة درنة التي تسيطر عليها جماعات مسلحة في شرق البلاد، منذ عام 2011 كشفت مصادر أمنية، وأخرى على صلة بتحركات المتشددين، عن فقدان المقاتلين المتطرفين في المدينة ذات التضاريس الوعرة الاتصال مع أبرز قادتهم.
وقال ضابط في الاستخبارات العسكرية: «تمكنا من تدمير جهاز رئيسي ومتقدم تقنياً للاتصالات والمراقبة والتجسس كان يخص متطرفين في درنة». وأضاف أن من بين القادة الذين انقطعت اتصالاتهم بباقي المجاميع المسلحة في درنة، ضابط مصري مفصول من الخدمة، وعلى علاقة بجماعات متشددة في سيناء ومدن مصرية أخرى، يعرف بلقب «المهاجر»، وجزائري يلقب بـ«الأفغاني». وقال إن هذا الأخير «يعد الذراع اليمنى للجزائري مختار بلمختار»، أحد أكبر زعماء المتشددين في غرب أفريقيا.
أدى هجوم الجيش على درنة إلى ارتباك في صفوف الجماعات المتشددة التي كانت تتمركز في الجبال والوديان المحيطة بالمدينة. ووفقاً لمصدر قريب من أوساط الجماعات المسلحة، فقد المتطرفون في درنة، وهم من جنسيات ليبية ومصرية وتونسية وجزائرية وغيرها، قنوات الاتصال مع قادتهم.
وذكر المصدر أسماء قياديين مصريين قال إنهم استوطنوا درنة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وترأسوا مجموعات مسلحة، ويعرفون بألقاب «خُضير» و«سعيد» و«العسال» و«عبد الحق» و«أبو فاطمة». وقال إن معظمهم من تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي بايع «داعش» وغيّر اسمه إلى «ولاية سيناء».
وأضاف أن من بين القادة المختفين أيضاً شخصيات عربية جنسياتها غير معروفة. وذكر ألقاب عدد من هؤلاء من بينهم «أبو قتادة» و«الهواش»، إضافة إلى قيادي «مهم ومخضرم» يعرف في أوساط متشددي درنة بـ«جمال الدين».
ويعتقد أن «المهاجر» أصيب في قصف سابق قام به الجيش على مواقع المتطرفين في درنة، ثم اختفى في المدينة، قبل إطباق الجيش الحصار عليها أخيراً، مثل قادة آخرين مصريين وتونسيين. ويعتقد أن معظم هؤلاء انتقلوا إلى مناطق صحراوية في الجنوب والغرب، ومنهم «خضير» الذي أوقف مع مجموعة مقاتلين قرب طرابلس.
وحصلت السلطات الليبية على معلومات وفيرة من «خضير» تتعلق بتحركات عدد من قادة المتطرفين في درنة. لكن يبدو أن غياب التعاون بين السلطات الأمنية في غرب البلاد وشرقها يعيق الاستفادة القصوى من هذه المعلومات. ويوجد مسؤولون حكوميون في طرابلس كانوا ينتمون فيما مضى إلى جماعات مصنفة لدى دول عدة بأنها «إرهابية». ويعتقد أن بعضهم يقف وراء حملة ضد دخول الجيش درنة.
وحاول الجيش طوال أشهر إقناع قيادات بالمدينة بتدخله لفك الارتباط بين المسلحين المحليين والجماعات المتطرفة الأخرى، خصوصاً تلك التي تضم قياديين وعناصر من خارج ليبيا، إلا أن المفاوضات باءت بالفشل. ومع بدء العمليات العسكرية في المدينة، ارتفعت أصوات دولية تدعو إلى «إيصال المساعدات الإنسانية إلى درنة المحاصرة». وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في ليبيا ماريا ريبيرو في بيان، إن «النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية يتواصل ليصل إلى مستويات حرجة، وترد تقارير تفيد بنقص في الأغذية».
وأظهر الجيش تصميماً على تنفيذ خطته لاستعادة المدينة. فبالتزامن مع الهجوم العسكري واسع النطاق، وعد العناصر الإرهابية التي ستسلم نفسها بـ«محاكمة عادلة، خلافاً للعناصر التي يتم القبض عليها متلبسة بحمل السلاح ومقاومة القوات المسلحة الليبية والأجهزة الأمنية والانتماء إلى عصابات إرهابية». كما تعهد عدم معاقبة العائلة التي يتحدر منها الإرهابي.
وينفذ الجيش عملية معقدة لطرد المتطرفين من المدينة، بسبب اختلاط المقاتلين المحليين بآخرين أجانب مدربين جيداً ولديهم خبرات سابقة من معارك مماثلة في سيناء والعراق وسوريا والجزائر ومالي. وعثر الجيش على مخابئ لأسلحة متوسطة وثقيلة ومراكز اتصالات وأنفاق تحت الأرض. ويتقاسم معظم المقاتلين المحليين الرافضين لدخول الجيش، ضواحي المدينة ومداخلها الرئيسية، مع تمركزات لمقاتلين أجانب ينتمون إلى تنظيمات متطرفة مختلفة لها امتداد داخل ليبيا وفي دول الجوار.
ويفترض أن «خُضير» ما زال محتجزاً لدى السلطات القضائية الليبية، بالنظر إلى وجود ضغوط من دول إقليمية متهمة برعاية الإرهاب، للإفراج عن متطرفين محتجزين في غرب ليبيا بينهم «خضير» نفسه. ويقول مصدر في النيابة الليبية إن تحركات «خضير»، وفقا لما اعترف به لسلطات التحقيق، تبين إلى أي مدى يملك قادة المتطرفين في المنطقة، حرية الحركة عبر الحدود من خلال مطارات وموانئ بحرية.
وبحسب نصوص التحقيقات التي أمكن الاطلاع عليها، فقد ظل «خضير» على اتصال مع «المهاجر» في درنة حتى أسابيع قليلة مضت. وتنقل بين دول بالمنطقة مع مجموعة تتكون من نحو عشرين من «أنصار بيت المقدس» الفارين من سيناء المصرية، وكانت إحدى تلك الرحلات عبر طائرة شحن عسكرية. كما استخدم مرافئ بحرية من ساحل طرابلس إلى درنة مرات عدة.
وأقر «خضير» في التحقيقات بأنه تلقى ومجموعته تدريبات في معسكر يقع جنوب عاصمة لدولة مجاورة لليبيا من الجنوب لمدة تسعين يوماً. ثم انتقل إلى دولة خليجية متهمة برعاية الإرهاب، وأقام فيها مع مجموعته (نحو 20 عنصراً) لمدة أسبوع، ثم نقلوا جميعاً بالطائرة إلى دولة ثالثة مجاورة لليبيا أيضاً، ودخلوا ليبيا متسللين من الحدود البرية.
واستقر «خضير» ومن معه من مسلحين في بلدة صبراتة في غرب طرابلس، حيث وجد هناك مجموعات أخرى من «أنصار بيت المقدس» تقوم بتدريبات عسكرية وسط مزارع الزيتون. وفي تلك الأيام اجتاحت البلدة قوات من الجيش الليبي التابع لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، وتم طرد المتطرفين من صبراتة. وفر «خضير» ومجموعته وعشرات آخرين من «أنصار بيت المقدس» إلى منطقة الخُمس الساحلية الواقعة إلى الشرق قليلاً من طرابلس.
ويقول «خضير» في التحقيقات إن بقاءه في الخُمس لم يدم طويلاً، إذ انتقلت مجموعات «أنصار بيت المقدس» من المنطقة، عبر البحر، إلى درنة التي تبعد عن الحدود المصرية نحو 250 كيلومتراً. وفي درنة اجتمع مع «المهاجر»، وجرى تهيئة المجموعة كي تتسلل عبر الحدود المصرية لتنفيذ عمليات داخل مصر، إلا أن انتشار قوات من الجيش المصري على طول الحدود مع ليبيا وطلعات طيران المراقبة، حالت دون دخول «خضير» ومن معه إلى مصر.
وتفيد المعلومات بأن قادة المتشددين في درنة انقسموا إلى فريقين عقب ضربات الطيران التي وجهها الجيش الليبي خلال الشهور الثلاثة الماضية، لخمسة معسكرات على الأقل لتدريب المتطرفين. الفريق الأول اختار البقاء في المدينة والاعتماد على بناء التحصينات وحشد المقاتلين وتهديد السكان المناوئين لوجوده، مع تلقي الدعم المعنوي والإعلامي من بضعة مسؤولين في طرابلس، وذلك للتصدي لأي محاولة من الجيش لدخول درنة، والفريق الثاني اختار التسلل من درنة إلى وجهات أخرى.
وكان «خضير» و«سعيد» و«المهاجر» من الفريق الثاني، بينما فضل كل من «الأفغاني» (جزائري) و«جمال الدين» (جنسيته غير معروفة) و«أبو الليث» (مصري) و«صليل» (مصري) البقاء داخل درنة. وظل كل من «أبو الليث» و«صليل» يتمركزان مع عناصر موالية لهما، في منطقة مسجد الصحابة بوسط المدينة.
ويقول مصدر في نيابة مصراتة إن عملية القبض على «خضير» جرت في شرق طرابلس، بعد أيام من هروبه من درنة. وتابع موضحاً: «وفقاً لما اعترف به خضير، فقد انتقل مع القيادي المصري سعيد من درنة، إلى منطقة الهروج الصحراوية، والواقعة على بعد نحو 500 كيلومتر جنوب شرقي سرت. وتم في تلك المنطقة تقسيم العناصر الفارة من درنة وغيرها إلى مجموعتين... واحدة مع سعيد ما زالت متمركزة في الهروج، وواحدة بقيادة خضير انتقلت إلى موقع يسمى العلالقة في صبراتة» غرب طرابلس.
وكانت سلطات الأمن الليبية قد بدأت وقتها رصد نشاط المتطرفين الذين أخذوا في العودة إلى صبراتة مرة أخرى. وتقول التحقيقات إن «خضير» كان حريصاً على زيادة عدد المقاتلين في مجموعته، فلجأ إلى تجنيد شريحة من الشبان المصريين العاملين في الصيد على سواحل مدينة زوَّارة المجاورة. وبعد أن اجتازت مجموعته دورات تدريبية سريعة على القتال، بدأ بالتحرك بها عبر رتل من السيارات، إلى شرق البلاد، في محاولة لتوجيه ضربات من الخلف للجيش في المنطقة الشرقية.
واعترضت قوات من مصراتة رتل «خضير» على الطريق الساحلية قرب منطقة الخُمس. وأضاف مصدر في الاستخبارات العسكرية أنه جرى إحالة المقبوض عليهم للنيابة بعد أن قام ضابط في غرفة عمليات البنيان المرصوص، وهو برتبة عميد، بالتحقيق مع المجموعة.
ومن بين قيادات متطرفي درنة المختفين المصري «العسال» الذي اختار الخروج مع «خضير» و«المهاجر» و«سعيد» من المدينة، قبل أن يطبق الجيش الحصار عليها في الأسابيع الأخيرة. وترجح التحقيقات المبدئية أنه توجه إلى الحدود المصرية في محاولة للدخول مع مجموعة من «أنصار بيت المقدس» إلى مصر، بالتنسيق مع «المهاجر».
ويقول مصدر يعمل قرب هذه الجماعات في شرق ليبيا إن «العسال» شوهد مع نحو عشرين من عناصر «أنصار بيت المقدس» في منطقة قريبة من قرية «قصر الجدي» الليبية التي تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود مع مصر من ناحية الساحل. وتقول آخر المعلومات إن «العسال» وجماعته «يبدو أنهم توغلوا أكثر ناحية الشرق إلى أن تقطعت بهم السبل في وهاد وعرة ملاصقة للحدود المصرية تسمى وادي النصراني».
ويعد «العسال» الذي بدأ حياته في مصر مهندساً للطرق من القيادات الشابة والملهمة للمئات من تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذين فروا من مصر إلى دول في المنطقة بسبب ضربات الجيش في شبه جزيرة سيناء، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة. وسبق أن قاد «العسال» عمليات قتالية ضارية لصالح تنظيم داعش في العراق. ويفيد مصدر أمني يعمل على مراقبة المتطرفين أن «العسال» تعامل بشكل مباشر مع زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في الموصل، قبل أن تحررها القوات العراقية. ويضيف أن هذا المصري انتقل بعد ذلك إلى سوريا وشارك في معارك «داعش» في الرقة، ثم انتهى به المطاف في درنة.
وأدى التنافس على تولي الزعامة في درنة بين قيادات مختلفة خلال الشهور الماضية إلى تشتت ولاءات العناصر المحلية والعربية والأجنبية التي تعمل تحت إمرتها وإضعاف جبهة المتطرفين. ويقول المصدر نفسه إن سمعة «العسال» كقائد خاض معارك في العراق وسوريا سبقته إلى درنة، وأثارت قلق شخصيات مثل «المهاجر» و«أبو قتادة» و«سعيد» و«الهواش» و«الأفغاني» و«عبد الحق».
وأدى التنافس بين القيادات كذلك إلى ظهور ما لا يقل عن خمس مجموعات داخل درنة وما حولها، يحمل كل منها اسم «المرابطون»، كتنظيمات غير محددة الملامح، لأن عناصر كل منها تبدو متباينة الولاءات ما بين «القاعدة» و«داعش» و«الإخوان». ويوحد بين كل هؤلاء العداء للجيش الليبي. وكلما زاد ضغط الجيش، زاد مستوى التنسيق والتعاون بين خصومه.
وتجد هذه الجماعات غطاء سياسيا وإعلامياً مما يسمى «مجلس شورى مجاهدي درنة»، وكذلك من بعض الشخصيات في طرابلس في كل من المجلس الرئاسي ومجلس الدولة.
وتكونت شخصية «المهاجر» البالغ من العمر 39 عاماً في درنة التي انتقل إليها قبل خمس سنوات من سوريا. وحصل على نفوذه في ليبيا، من خلال قربه من أحد زعماء تنظيم «أنصار الشريعة» المعروف في المدينة بلقب «بن قمو»، وهو سجين سابق في غوانتانامو. وكان «بن قمو» من بين ثلاثة يهيمنون على توجيه الرأي داخل المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) في ليبيا، من خلف الستار، إلى جوار اثنين أحدهما قيادي في جماعة «الإخوان»، والثاني قيادي في «الجماعة الليبية المقاتلة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة». وهذان الأخيران ورد اسمهما في لائحة عربية للشخصيات والكيانات الإرهابية صدرت الصيف الماضي.
وأسقط الليبيون «المؤتمر الوطني» في انتخابات 2014 وتراجع نفوذ «بن قمو» في درنة، بعد اقتتال بين مؤيدي «داعش» و«القاعدة». وأعطى هذا فرصة لـ«المهاجر» كي يستقل بنفسه في العمل، بعيداً عن «بن قمو»، بعد أن أصبحت لدى هذا المصري موارد مالية وقتالية كبيرة في وديان درنة الوعرة، إضافة إلى احتفاظه، وقتها، بعلاقات قوية مع مجموعات متطرفة في ضواحي المدينة مثل الفتايح والسيدة خديجة وباب شيحة وميدان الصحابة. وتتهمه السلطات في القاهرة بالوقوف وراء تنفيذ هجمات إرهابية ومحاولة اغتيال مسؤولين في مدن مصرية.
وتعرض «المهاجر» لأكبر خسارة، أخيراً، حين قصف الجيش الليبي مواقع للإرهابيين في درنة. وأصيبت معه في هذا القصف غالبية القيادات التي كانت قد وصلت حديثاً إلى المدينة في رتل آخر من المقاتلين من منطقة الخُمس. كما أدت عمليات الجيش في الأيام الماضية إلى تدمير شبكة الاتصالات الخاصة بالمتطرفين في المدينة، وهي شبكة متقدمة يقدر ثمنها بنحو ثمانية ملايين دولار، وكان يديرها مهندس عراقي، ولا يعرف إن كان ما زال على قيد الحياة أم قُتل في تلك الغارة.
ويقول مصدر على علاقة بعمليات الجيش إن «القصف الدقيق بالطيران قلَّم أظافر تلك القيادات وزعزع موقفها. فقد لحقت خسائر كبيرة بمعسكرات التدريب في درنة، لكن الأهم هو تدمير الرتل الذي كان قد جاء من الخُمس، واستقر في منطقة الفتايح جنوب المدينة، وكان فيه من القيادات المهمة والمعروفة في أوساط متشددي درنة، أسماء تحمل ألقاب أبو عبد الله (مصري) وأبو المنجد (مصري) وأبو قتادة (مصري) والمقدسي (جزائري) وأبو حسن (تونسي) وأبو حسام (فلسطيني)، بينما أصيب المهاجر أثناء وجوده في محور الظهر الحمر في أقصى جنوب المدينة».
وشكل «المهاجر» تنظيم «المرابطون» في درنة، وهو الاسم نفسه الذي تحمله جماعة بلمختار النشطة في جنوب ليبيا وجنوب الجزائر وشمال مالي. ويقول مصدر على صلة بالجماعات المتطرفة في درنة: «لم نعرف أبدا منهج المهاجر منذ حط مع جماعته في المدينة قبل سنوات. فهو بايع (داعش)، وفي الوقت نفسه يعد بلمختار الموالي لـ(القاعدة) مثله الأعلى. كما أن له علاقات متشعبة مع تنظيمات متشددة متباينة التوجهات في المدينة وخارجها. ولهذا ظهرت تنظيمات أخرى في جبال درنة تحمل اسم (المرابطون) لكن بقيادات مختلفة ومتنافسة».
ويعتقد أن إصابة «المهاجر» جعلت حالته الصحية تتدهور. وفي الأسبوع الماضي تلقى ضربة أخرى حين تمكن الجيش الليبي من حصار اثنين من أبرز مساعديه وكاتمي أسرار عملياته، في ضاحية «شيحة» في درنة، ويدعى الأول «أيمن» والثاني «سرور». ولم يعرف بعد إن كانا قد قُتلا أو أصيبا أو ألقي القبض عليهما.
أما الجزائري الملقب بـ«الأفغاني» فيعد الأهم في أوساط المتطرفين في درنة. ويعد اختفاؤه وانقطاع التواصل معه منذ أيام، ضربة قاصمة للجماعات المتشددة عبر ليبيا ودول أخرى. ومن بين المعلومات التي أمكن جمعها عنه من مصادر مختلفة في شرق البلاد، أنه كان من أكبر قادة تنظيم «أنصار الشريعة» في بنغازي منذ سيطرة المتطرفين على المدينة في 2012 حتى إخراجهم منها بواسطة الجيش العام الماضي. ويعد من المقربين من «أبو ختالة» الذي اعتقلته الولايات المتحدة الأميركية في بنغازي عام 2014 بتهمة الإرهاب.
ورغم ولائه لبلمختار الرافض للعمل تحت راية «داعش»، تمكن «الأفغاني» من مد خيوط التعاون مع معظم الجماعات في ليبيا، بما في ذلك التواصل والتنسيق مع قيادات من «داعش» ومن «الإخوان» ومن «الجماعة المقاتلة» ومن «أنصار بيت المقدس». ولدى «الأفغاني» البالغ من العمر 40 عاماً، خبرات استقاها من قيادته لتنظيم «القاعدة» في شمال مالي بتكليف من بلمختار. وينسب إليه مناصروه وقوفه وراء عمليات عدة استهدفت مراكز عسكرية في بلدان أفريقية، وقتل وخطف رعايا أجانب ومحليين في دول بالساحل الأفريقي، بداية من عام 2004 إلى أن انتقل إلى ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي.



في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

TT

في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

بعد يومين اثنين من هجوم «حماس» على البلدات والمواقع العسكرية القائمة في غلاف غزة، يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، طلب عدد من الضباط الإسرائيليين الاجتماع بنظرائهم من أجهزة الأمن الفلسطينية، وأبلغوهم بأن «إسرائيل التي يعرفونها حتى اليوم لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى».

لم يقولوا هذه الكلمات بلهجة توحي بمضمون العداء والتهديد. لكنها قيلت بمنتهى الصرامة. كان الوجوم طاغياً على الوجوه. فهؤلاء الضباط يعرفون بعضهم جيداً. هم الطاقم الذي يمثّل حكومة إسرائيل، من جهة، والحكومة الفلسطينية، من جهة ثانية، والمهمة الموكلة إليه هي القيام بما يعرف على الملأ بـ«التنسيق الأمني» بين الطرفين. اجتماعات هؤلاء الضباط مستمرة منذ توقيع اتفاقات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية قبل 30 سنة، وهي تُعقد تقريباً بشكل يومي.

وعلى عكس الانطباع السائد لدى كثيرين، لم يقتصر التنسيق بينهم أبداً على الملفات الأمنية. كانوا يجتمعون في البداية لغرض تطبيق الاتفاقات ومنحها طابعاً إنسانياً. اهتموا بقضايا تحسين العلاقات التجارية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً الأمنية. اهتموا ذات مرة بمنح تصاريح العودة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين عادوا من الشتات واستقروا في الوطن. واهتموا بتسهيل خروج وعودة الطلبة الفلسطينيين الجامعيين وجلب عمال فلسطينيين إلى إسرائيل واستيراد البضائع الفلسطينية إلى إسرائيل أو تصديرها إلى الخارج. نظموا دوريات مشتركة لضمان سلطة نفاذ القانون التي كان فيها الضباط والجنود يتناولون الطعام معاً، وصاروا فيها يتقاسمون رغيف الخبز.

دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

وقد شهدت العلاقات بينهما طلعات ونزلات كثيرة، وكان عليهم أن يمتصوا الأحداث العدائية. ففي الطرفين توجد قوى حاربت الاتفاقات ولم تطق سماع عبارة «عملية السلام». بدأ الأمر عام 1994 بمذبحة الخليل التي نفذها طبيب إسرائيلي مستوطن، والتي رد عليها متطرفون فلسطينيون بسلسلة عمليات انتحارية في مدن إسرائيلية. وعندما تمكن اليمين المتطرف في إسرائيل من اغتيال رئيس الوزراء، اسحق رابين، بهدف تدمير الاتفاقات مع الفلسطينيين، حصل تدهور جارف في العلاقات بين الطرفين.

وعندما فاز بنيامين نتنياهو بالحكم، أول مرة سنة 1996، زاد التوتر وانفجر بمعارك قتالية بين الجيش الإسرائيلي وبين ضباط وجنود في أجهزة الأمن الفلسطينية. وعند اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، كادت تقع حرب بينهما. وعاد الجيش الإسرائيلي ليكرس الاحتلال وعادت الأجهزة الفلسطينية إلى قواعد منظمة التحرير وأيام الكفاح. لكن قادة الطرفين، بمساعدة الأميركيين ودول مختلفة، حاولوا تطويق الأوضاع.

وظل أعضاء فريقي التنسيق الأمني يلتقون وينسقون. تعاملوا مع بعضهم البعض على أساس المصالح المشتركة «بيزنِس»، لضمان الحد الأدنى من التواصل. وكل من الطرفين يعترف بأن الأمر ضروري وحيوي، برغم أن الشعبويين في إسرائيل يعتبرون ذلك استمراراً لاتفاقات أوسلو وتمهيداً للاعتراف بدولة فلسطينية، فيما بعض الفلسطينيين يعتبر ذلك تهادناً مع إسرائيل وتعاوناً معها «ضد المقاومة». ولكن رغم هذه الانتقادات من أطراف في الجانبين، يصمد فريق التنسيق في وجه تشويه جهوده. فالضباط من الطرفين يدركون أن فك التنسيق ثمنه باهظ، فلسطينياً وإسرائيلياً.

والجديد الآن أن الضباط الإسرائيليين يأتون إلى الاجتماعات وهم يؤكدون أنهم ينوون الاستمرار في التنسيق لكن الفلسطينيين «سيجدون إسرائيل مختلفة». كانوا صادقين. ورسالتهم هذه كانت موجهة ليس فقط للضباط أو المسؤولين الفلسطينيين، بل للشعب الفلسطيني كله... ومن خلاله إلى كل العالم.

دمار واسع في قطاع غزة بعد سنة على الحرب الإسرائيلية (الشرق الأوسط)

«واحة الديمقراطية».. لم تعد موجودة

مع مرور سنة كاملة على الحرب في غزة، يمكن القول إن إسرائيل تغيّرت بالفعل، منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. مقولة الجنرالات الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين يرددها جميع القادة الإسرائيليين السياسيين سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، كما يرددها القادة العسكريون من كل الأجهزة. يريدون تثبيت فكرة أن إسرائيل تغيّرت في عقول شعوب المنطقة والعالم. والواقع، أن هذه الفكرة باتت حقيقة مُرّة.

فإذا كان هناك من يعتبر إسرائيل «فيلّا جميلة في غابة موحشة» أو «واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» أو «دولة حضارية» أو «جبهة متقدمة للغرب في الشرق» أو «دولة التعاضد السكاني» أو «دولة القيم وحقوق الإنسان»، فإن كثيراً من قادتها وقسماً كبيراً من شعبها تنازلوا، كما يبدو، عن هذه المفاهيم تماماً، في أعقاب ما حصل في 7 أكتوبر. صاروا معنيين باستبدال هذه الصفات. فالفيلّا أصبحت الغابة. والواحة باتت منطقة جرداء. والدولة الحضارية باتت تتصرف كوحش جريح. والتعاضد السكاني صار جبهة واحدة ضد العرب. والقيم وحقوق الإنسان ديست بأقدام الجنود ودباباتهم وغاراتهم. كأن إسرائيل تريد أن يتم النظر إليها بوصفها جرافة تدمر كل ما ومن يعترض طريقها، أو كأنها «دولة الانتصار على كل أعدائها».

تُعبّر الأرقام في الواقع عن نتيجة هذا التغيّر في طريقة تصرف الإسرائيليين. إذ تفيد إحصاءات الحرب في قطاع غزة بأن 60 في المائة من البيوت والعمارات السكنية مدمرة، والبقية متصدعة أو آيلة إلى الانهيار وغير آمنة. وفي مقدمها المستشفيات والعيادات الطبية والمساجد والكنائس والجامعات والمدارس ومخيمات اللاجئين. كلها دُمّرت بقرارات لا يمكن سوى أن تكون «مدروسة» ولأغراض «مدروسة»، بحسب ما يعتقد كثيرون. أما حصيلة القتلى فتقترب من 42 ألفاً، ثلثاهم نساء وأطفال. والجرحى أكثر من 100 ألف. وهكذا تدخل الحرب في غزة التاريخ كواحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وفق تقرير لصحيفة «هآرتس» اعتمد تدقيقاً للبيانات بما في ذلك معدل ووتيرة الوفيات، إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع.

تقول الصحيفة إنه في الوقت الذي يتشبث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من المتحدثين الإسرائيليين بحجتهم المفضلة، وهي اتهام المجتمع الدولي بالنفاق فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة، والادعاء بأنه يتجاهل الصراعات والكوارث الإنسانية الأخرى، فإن الأرقام المسجلة حتى الآن تجعل الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما). وبما أن عدد سكان غزة لا يتجاوز مليوني شخص، وعدد القتلى يضاهي 2 في المائة من السكان، فإن مقارنة بسيطة مع إسرائيل تبيّن أنه لو قُتل في إسرائيل 2 في المائة من السكان لأصبح عدد القتلى 198 ألفاً.

يقول البروفسور، مايكل سباغات، من جامعة لندن للصحيفة: «من حيث العدد الإجمالي للقتلى، أفترض أن غزة لن تكون من بين أكثر 10 صراعات عنفاً في القرن الحادي والعشرين. ولكن بالمقارنة مع النسبة المئوية للسكان الذين قتلوا، فإنها بالفعل ضمن الخمسة الأسوأ في المقدمة». ويضيف سباغات، وهو باحث في الحروب والنزاعات المسلحة ويراقب عدد الضحايا في تلك الأزمات: «إذا أخذنا في الاعتبار مقدار الوقت الذي استغرقه قتل واحد في المائة من هؤلاء السكان، فقد يكون ذلك غير مسبوق».

ووفق حساباته، فإنه في الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قتل نحو 25 ألف شخص، وفقاً للأمم المتحدة. وفي الإبادة الجماعية للإيزيديين على يد تنظيم «داعش»، في عام 2015، تشير تقديرات الخبراء إلى أن 9100 شخص قتلوا، نصفهم من خلال العنف المباشر والنصف الآخر بسبب الجوع والمرض، بالإضافة إلى الآلاف الذين اختطفوا.

عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تشكو من أن الحكومة تتجاهل مصيرهم (أ.ف.ب)

ومنذ بدء الحرب في غزة، بلغ متوسط معدل الوفيات نحو 4 آلاف وفاة شهرياً. بالمقارنة، في السنة الأولى من الحرب في أوكرانيا، بلغ معدل الوفيات 7736 شهرياً، بينما في أكثر سنوات الحرب دموية في العراق، في عام 2015، كان عدد القتلى نحو 1370 شهرياً. في هاتين الحربين، كان العدد الإجمالي للقتلى أعلى بكثير مما كان عليه في الحرب في غزة، لكن هذين الصراعين استمرا، وما زالا مستمرين، لفترة أطول بكثير.

الحرب في غزة تبرز أيضاً بالمقارنة مع حروب تسعينات القرن العشرين، على غرار الحرب في دولة يوغوسلافيا السابقة. واحدة من هذه المناطق كانت البوسنة، وفي أسوأ عام من الصراع، 1991، كان متوسط عدد القتلى شهرياً 2097، والعدد الإجمالي للقتلى على مدى أربع سنوات كان 63 ألفاً.

الفرق الأبرز بين بقية حروب القرن الـ21 والحرب في قطاع غزة هو حجم الأراضي التي تدور فيها المعارك وعدم قدرة المدنيين غير المشاركين على الفرار من المعارك، وخاصة نسبة الضحايا بين إجمالي السكان. امتدت الجبهات في أكبر حروب هذا القرن، في سوريا والعراق وأوكرانيا، على مدى آلاف الكيلومترات ووقعت المذابح في مئات المواقع المختلفة. والأهم من ذلك، أن المدنيين في تلك الأماكن يمكنهم، حتى ولو بثمن مؤلم، الفرار إلى مناطق أكثر أماناً. ففي سوريا، غادر ملايين اللاجئين إلى بلدان أخرى، مثل الأردن وتركيا ودول أوروبية. كما غادر مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين مناطق خط المواجهة وانتقلوا غرباً.

أما في غزة البالغة مساحتها 360 كلم مربعاً، أي جزءاً بسيطاً من حجم أوكرانيا، فقد اندلع القتال في كل مكان تقريباً من أرجائها، ولا يزال مستمراً. لقد تم تهجير معظم سكان القطاع، لكن هروبهم إلى المناطق التي حددها الجيش الإسرائيلي كمناطق آمنة لم يساعد دائماً، وقتل العديد منهم في هذه المناطق أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف المعيشية في هذه المناطق المصنفة إنسانية، قاسية للغاية، إذ يعاني اللاجئون من الاكتظاظ والمرض ونقص المأوى الآمن ونقص الأدوية وأكثر من ذلك.

والمشكلة الأكبر أن كثيراً من هذه الفظائع تم ويتم بقرارات واعية من المسؤولين الإسرائيليين. فإذا وصلت معلومة للمخابرات الإسرائيلية أو شبهة بأن فلاناً ناشط في «حماس»، كان يتم قصف بيته على من فيه، بلا انذار أحياناً أو بإنذار وجيز. وإذا دخل عنصر يعتبر «مطلوباً»، من أي تنظيم فلسطيني، إلى مقهى، كان يتم قصف المقهى على من فيه. وحتى المسجد كان يتم تدميره أيضاً في حال اشتبهت إسرائيل بأن شخصية ما تختفي داخله.

التغيير الجديد... نظرة فوقية

في الماضي كان الإسرائيليون يقومون بمثل هذه الممارسات، لكنهم كانوا يخجلون منها. يحاولون التستر عليها. كانوا يكسرون ويجبرون. فمقابل القتل والبطش كانوا يبرزون قصصاً لجنود قدموا المساعدة. ظهر معترضون نددوا بالبطش ضد الفلسطينيين الأبرياء. أما اليوم فلم يعد هناك شيء من هذا. كثيرون في إسرائيل باتوا يقولون إنه لا يوجد في نظرهم أناس أبرياء. فالعائلات الفلسطينية تساند أولادها، ولذلك يجوز معاقبتها. الطفل الفلسطيني سيكبر ويصبح جندياً، ولذلك فلا يجب أن ترحمه.

وإذا كان شبان مخيمات اللاجئين يقاومون، فيمكن أن يتم حرمان كل سكان المخيم من الماء والكهرباء والبنى التحتية، عقاباً لهم. بات الفلسطينيون «حيوانات»، بحسب وصف وزير الدفاع يوآف غالانت المفترض أنه من يرسم سياسة الجيش. والحقيقة أن هذه النظرة الفوقية تجاه الفلسطينيين صارت سائدة اليوم في المجتمع الإسرائيلي، ورغم أن هذا الاستعلاء هو بالذات ربما ما أوقع إسرائيل في إخفاقات 7 أكتوبر. باغتتها «حماس»، بلا شك، بهجوم شديد يومها. ولولا أن مقاتلي الحركة وقعوا في مطب أخلاقي شنيع، ارتكبت خلاله ممارسات مشينة ضد المدنيين الإسرائيليين، لكان هجومهم اعتُبر ناجحاً، بغض النظر عن النتائج التي أدى إليها لاحقاً. فقد احتلوا 11 موقعاً عسكرياً وأسروا عدداً من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي.

صور وتذكارات لإسرائيليين خُطفوا أو قُتلوا في هجوم «حماس» على موقع «سوبر نوفا» الموسيقي في غلاف غزة يوم 7 أكتوبر العام الماضي (إ.ب.أ)

لكن التغيير الذي أرادت إسرائيل أن يظهر للعرب، انسحب أيضاً على إسرائيل نفسها. لقد تغيرت تجاه الإسرائيليين أنفسهم. انتهى الخجل في السياسة الداخلية. فالائتلاف اليميني الحكومي، في نظر منتقديه، بات يسن قوانين تتيح الفساد، مثل القوانين التي تضرب استقلالية القضاء، والقانون الذي يضعف المراقبة على التعيينات الحكومية بحيث يمكن تعيين موظفين غير مؤهلين في مواقع إدارية رفيعة، والقانون الذي يوفر لرئيس الحكومة المتهم بالفساد تمويلاً لمصاريف الدفاع عن النفس في المحكمة من خزينة الدولة. أما القضاة في إسرائيل فباتوا يخافون الحكومة ويصدرون قراراتهم وفقاً لأهوائها، في كثير من الأحيان.

والأكثر من ذلك، لم تعد إسرائيل اليوم تتعامل مع حياة الإنسان الفلسطيني أو اللبناني بأنها رخصية، بل أيضاً مع حياة الإنسان الإسرائيلي. فالحكومة باتت تستخدم منظومة «بروتوكول هنيبعل»، الذي يقضي بقتل الجندي الإسرائيلي مع آسريه، حتى لا يقع في الأسر.

في معركة مارون الراس الأخيرة في الجنوب اللبناني، أمر الضباط جنودهم بخوض القتال لمنع عناصر «حزب الله» من أسر جثة جندي، وكلفها الأمر مقتل ستة جنود وجرح أكثر من عشرة. والمواطنون الإسرائيليون المحتجزون لدى «حماس» في غزة، مهملون، كما تقول أسرهم التي تتهم نتنياهو بأنه يرفض التوصل إلى صفقة تبادل تضمن إطلاق سراحهم.

وبدل احتضان عائلات هؤلاء المحتجزين، ينظم مناصرون للائتلاف اليميني الحاكم حملة تحريض عليهم ويعتدون على مظاهراتهم الاحتجاجية. وفوق ذلك كله، تبدو الحكومة وكأنها تشجع اليمين المتطرف على مهاجمة قيادة الجيش، فهي لم تحاسب مجموعات منهم نظّمت اعتداءات على معسكر للجيش، ولم تمنع حتى اعتداءات مستوطنين على الجنود الذين يحمونهم في الضفة الغربية.

إسرائيل اليوم صارت خانقة أيضاً للإسرائيليين الذين يفكرون بطريقة مختلفة عن الحكومة. كلمة سلام صارت لعنة. والخناق يشتد حول حرية الرأي والتعبير. واتهام المعارضين بالخيانة صار أسهل من شربة ماء.

والتغيير الأكبر، على الصعيد الداخلي، هو أن رئيس الحكومة ورؤساء ووزراء ائتلافه الحكومي، يعملون على المكشوف لتغليب مصالحهم الذاتية والحزبية على مصالح الدولة. ويقول منتقدو نتنياهو إنه يعرف أن الجمهور لا يريده في الحكم وينتظر أن تنتهي الحرب حتى يسقطه، ولذلك هو يعمل، ببساطة، على إطالة الحرب ليبقى في السلطة.

في ذكرى 7 أكتوبر، تبدو إسرائيل بالفعل وكأنها تغيّرت. قيادتها الحالية مصممة على تأجيج الصراع أكثر وتوسيعه. لا يهدد ذلك فقط بمزيد من التأجيل للتسوية مع الفلسطينيين، بل يخاطر أيضاً بحروب فتاكة قادمة تورثها إسرائيل لأبنائها وبناتها.