قراءة لنتائج «حزب الله» في الانتخابات اللبنانية

بحصرية السلاح وقوة المال عزز الحزب تمثيله للطائفة الشيعية

أنصار «حزب الله» يعربون عن تأييدهم في بعلبك لزعيم الحزب حسن نصر الله خلال ظهوره في جولة الانتخابات اللبنانية بداية الشهر الحالي (رويترز)
أنصار «حزب الله» يعربون عن تأييدهم في بعلبك لزعيم الحزب حسن نصر الله خلال ظهوره في جولة الانتخابات اللبنانية بداية الشهر الحالي (رويترز)
TT

قراءة لنتائج «حزب الله» في الانتخابات اللبنانية

أنصار «حزب الله» يعربون عن تأييدهم في بعلبك لزعيم الحزب حسن نصر الله خلال ظهوره في جولة الانتخابات اللبنانية بداية الشهر الحالي (رويترز)
أنصار «حزب الله» يعربون عن تأييدهم في بعلبك لزعيم الحزب حسن نصر الله خلال ظهوره في جولة الانتخابات اللبنانية بداية الشهر الحالي (رويترز)

أظهرت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية التي أجريت أوائل شهر مايو (أيار) الحالي تقدما مهماً لـ«حزب الله»، وأعادت تثبيت موقعه بوصفه أحد أبرز الفصائل على الساحة اللبنانية، كما سلّطت النتيجة الضوء من جديد على مواصلة إطباق الحزب الميليشياوي على قاعدته الشعبية على الرغم من الصعوبات غير القليلة التي يواجهها داخلياً. ويرى مراقبون أن المكاسب الانتخابية المرتقبة التي حققها تشير من ناحية إلى سطوة حصرية السلاح، ومن ناحية أخرى إلى أن قطاعاً من الناخبين الشيعة لا يزال متجاوباً مع الخطاب الطائفي المتصاعد للحزب، وهو يقدِّم الشأن الأمني على الشأن الاقتصادي.

بعض المراقبين ركز على أن الأصوات التي صبّت لصالح «حزب الله» وحليفه الشيعي «حركة أمل»، اللذين حصلا معا على 26 من أصل 27 مقعداً شيعياً في البرلمان اللبناني، أكدت أن الطائفة الشيعية في لبنان، على عكس الطوائف الأخرى، ما زالت تعطي الأولوية للاعتبارات الأمنية على حساب الشأن الاقتصادي. وهذا الأمر تجلى بشكل واضح في مناطق نفوذ الميليشيا المدعومة من إيران في جنوب لبنان والبقاع على الرغم من ازدياد نسبة الفقر في المنطقة الأخيرة، وفقاً لتقرير «التقييم السريع للفقر في لبنان» الذي نشرته الأمم المتحدة، ويعد البقاع من أفقر المناطق في لبنان؛ حيث يعيش 38 في المائة من السكان تحت خط الفقر.
من ناحية أخرى، يشدد مراقبون لبنانيون على أنه يستحيل الفصل بين احتفاظ «حزب الله» بسلاحه حصراً - بخلاف سائر الأحزاب اللبنانية - وتمتعه بقوة تمويلية ضخمة مصدرها بصفة أساسية إيران، وهيمنته على الصوت الشيعي في مناطق نفوذه، وإغلاقه مناطق سيطرته في وجه القوة المنافسة.
- تفاوت جنوبي - بقاعي
إزاء هذا الواقع، بدأ في الفترة الأخيرة كثير من أفراد الطائفة الشيعية من منطقة البقاع، المتاخمة لسوريا في شرق لبنان، يعبِّرون عن امتعاضهم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها المنطقة. وهؤلاء يشكون بالخصوص من التهميش الذي يطالهم، في حين يصب السواد الأعظم من أموال الحزب وتقام المشروعات التنموية في الجنوب اللبناني. وحسب هؤلاء، فإن الميليشيا المدعومة من إيران تخص باهتمام خاص منطقة الجنوب بحجة قربها الجغرافي من إسرائيل، التي أنهت احتلالها للبنان عام 2000 ومن ثم خاضت حرباً دمرت جزءاً لا بأس به من بنية لبنان التحتية بذريعة الرد على عملية لـ«حزب الله» عام 2006.
- نسبة الإقبال
في المقابل، على الرغم من أن «حزب الله» قاد حملة كبيرة داخل معاقل بيئته الطائفية لإقناعها بالاقتراع خلال انتخابات مايو الأخيرة، فلقد لوحظ أن نسبة الإقبال على التصويت لم تتعدّ 49 في المائة في جميع أنحاء لبنان.
ووفق الخبير المختص في شؤون «حزب الله»، علي فضل الله، الذي أشار إلى «تبدّل ولو بنسبة محدودة»، لدى جمهور «حزب الله» الذي بات مهتماً أكثر بالقضايا الخدماتية والتنموية، فالشعب لديه مطالب كثيرة ويشعر بأن الحزب لا يعطي أولوية للمسائل المعيشية. و«بغض النظر عن تأييد البيئة الشيعية المطلق للحزب في صراعه مع إسرائيل، فإنه عندما يتعلق الأمر بإدارة الملفات الاجتماعية والتنموية، فليس الكل راضياً عن أدائه في الدولة» حسب فضل الله. ومن ناحية أخرى، يرى مراقبون للحالة الشيعية في لبنان أن التململ الجماهيري ازداد بعد ظهور «قضايا فساد ارتبطت بها شخصيات تابعة للحزب في البقاع، في انتهاك واضح للمبادئ التي رفعها الحزب ورددها قادته، وسط غياب شبه تام للمشروعات التنموية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة»، والكلام هنا لأحد أبناء منطقة البقاع من الطائفة الشيعية.
- حجم ما تحقق
مع ذلك، وفق الصحافي المخضرم بول خليفة، لم تؤثر جميع هذه الانتقادات سلباً على النتائج التي حققها الحزب الذي عزز عدد مقاعده البرلمانية في الانتخابات؛ إذ سمح قانون التمثيل النسبي الجديد للائتلاف الشيعي بتحقيق نتائج مهمة؛ إذ صبَّ أكثر من 85 في المائة من أصوات الطائفة الشيعية لصالح «حزب الله» و«حركة أمل»، وأغلق عملياً مناطق بوجه منافسيه، في حين مكّنه هذا القانون من اختراق معاقل الطوائف الأخرى.
وبحسب الخبير الإحصائي كمال فغالي، فإن كتلة «حزب الله» ستضم 45 مقعداً برلمانياً؛ أي ثلث البرلمان، إذا جرى احتساب مقاعد حلفائه مثل الحزب القومي السوري الاجتماعي وحزب المردة المسيحي.
يذكر أن الحزب؛ مستقوياً بحصرية السلاح، كان فعلياً فرض اعتماد هذا القانون.
وفي السياق نفسه، كان أمين عام الحزب حسن نصر الله قد تعمَّد في خطاباته الانتخابية حضّ الناخبين على الاقتراع قائلا إنه سيذهب إلى مدن وقرى بعلبك - الهرمل (البقاع الشمالي) إذا وجد الإقبال على الانتخابات متدنياً. كذلك قال في حديث ما قبل 6 مايو؛ أي يوم الانتخابات: «على الجميع أن ينتخب، من دون التذرع بزيارة السيدة زينب أو الإمام الرضا أو الإمام الحسين لأنهم هم سيقولون لكم: اذهبوا وانتخبوا ومن ثم عودوا لزيارتنا». وفي خطاب آخر، اتهم نصر الله كل مَن ينتقد اللائحة الانتخابية لـ«حزب الله» في منطقة بعلبك - الهرمل بأنهم «حلفاء الجماعات المتطرفة»؛ أي «داعش» و«جبهة النصرة»، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الوطنية، متعهداً: «لن نسمح لحلفاء (النصرة) و(داعش) بتمثيل سكان بعلبك – الهرمل».
بناءً عليه، ثمة من يرى أن الطائفة الشيعية اللبنانية ما زالت ترى في «حزب الله» الحامي الأول للبلاد في حال نشوب الحرب مع إسرائيل، وكذلك ضد «الإرهاب» (بمعنى قوى الإسلام السنّي المتشدد). ويقول بول خليفة في هذا الصدد: «لذلك ليس من معارضة جدية تُذكر للحزب ضمن قاعدته الشعبية، بل على العكس يتمتع الحزب بشرعية قوية عندما يتعلق الأمر بالنضال ضد إسرائيل والتكفيريين»، على حد تعبيره.
في المقابل، هناك من يقول إن ما قدَّمته الميليشيا المحسوبة على إيران لقاعدتها الطائفية يتعدى الشعور بالأمان في حال الحرب، بل يتمثل أساساً في زرع الشعور بالزهو والثقة والغلبة في المجتمع الشيعي، ودفعه إلى اعتبار أنه بات قوة رئيسية داخل الدولة اللبنانية. ذلك أنه حتى نهاية الحرب الأهلية (1975 - 1990) كان الاعتقاد الشاسع أن المجتمع الشيعي بمعظمه ينتمي إلى الفئات الاجتماعية المحرومة مثل الفلاحين والعمال اليدويين، ويعيش في المناطق الريفية والضواحي الفقيرة. وانعكس هذا الشعور بالتهميش أيضاً على الحكومات اللبنانية حتى بدايات التسعينات. وتُظهر الدراسات حول البيروقراطية اللبنانية التي سبقت الحرب الأهلية أن الطائفة الشيعية كانت - نسبياً - الأقل تمثيلاً في الإدارة. ووفق أحد المواطنين الشيعة - فضَّل عدم الكشف عن هويته - «قبل ظهور (حزب الله)، كانت النظرة إلينا نظرة تعالٍ، وكانت لدينا وظائف بسيطة، وكنا نشغل أدنى المناصب في الإدارات اللبنانية»... أضف أن الطائفة الشيعية كانت غير راضية عن قلة اكتراث الحكومة اللبنانية باحتلال إسرائيل أراضي واسعة من جنوب لبنان الذي يعد معقلاً للطائفة الشيعية، أو تحكُّم الفدائيين الفلسطينيين بالمنطقة هناك، أو الاحتلال العسكري الذي بدأ في الثمانينات.
ولكن، لاحقاً شهدت فترة أواخر الثمانينات - وبالتحديد عام 1989 - تغييرات كبيرة لصالح الطائفة الشيعية اللبنانية؛ إذ رفع «اتفاق الطائف» حجم التمثيل البرلماني الشيعي (من 19 مقعداً إلى 27 مقعداً، من إجمالي 128 مقعداً)، كما وضعها على قدم المساواة مع السنّة، والأهم من ذلك أنه سمح لـ«حزب الله» بالاحتفاظ بترسانته العسكرية بذريعة المقاومة ضد إسرائيل، في حين حُلت جميع الميليشيات الحزبية اللبنانية الأخرى.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».