قراءة لنتائج «حزب الله» في الانتخابات اللبنانية

بحصرية السلاح وقوة المال عزز الحزب تمثيله للطائفة الشيعية

أنصار «حزب الله» يعربون عن تأييدهم في بعلبك لزعيم الحزب حسن نصر الله خلال ظهوره في جولة الانتخابات اللبنانية بداية الشهر الحالي (رويترز)
أنصار «حزب الله» يعربون عن تأييدهم في بعلبك لزعيم الحزب حسن نصر الله خلال ظهوره في جولة الانتخابات اللبنانية بداية الشهر الحالي (رويترز)
TT

قراءة لنتائج «حزب الله» في الانتخابات اللبنانية

أنصار «حزب الله» يعربون عن تأييدهم في بعلبك لزعيم الحزب حسن نصر الله خلال ظهوره في جولة الانتخابات اللبنانية بداية الشهر الحالي (رويترز)
أنصار «حزب الله» يعربون عن تأييدهم في بعلبك لزعيم الحزب حسن نصر الله خلال ظهوره في جولة الانتخابات اللبنانية بداية الشهر الحالي (رويترز)

أظهرت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية التي أجريت أوائل شهر مايو (أيار) الحالي تقدما مهماً لـ«حزب الله»، وأعادت تثبيت موقعه بوصفه أحد أبرز الفصائل على الساحة اللبنانية، كما سلّطت النتيجة الضوء من جديد على مواصلة إطباق الحزب الميليشياوي على قاعدته الشعبية على الرغم من الصعوبات غير القليلة التي يواجهها داخلياً. ويرى مراقبون أن المكاسب الانتخابية المرتقبة التي حققها تشير من ناحية إلى سطوة حصرية السلاح، ومن ناحية أخرى إلى أن قطاعاً من الناخبين الشيعة لا يزال متجاوباً مع الخطاب الطائفي المتصاعد للحزب، وهو يقدِّم الشأن الأمني على الشأن الاقتصادي.

بعض المراقبين ركز على أن الأصوات التي صبّت لصالح «حزب الله» وحليفه الشيعي «حركة أمل»، اللذين حصلا معا على 26 من أصل 27 مقعداً شيعياً في البرلمان اللبناني، أكدت أن الطائفة الشيعية في لبنان، على عكس الطوائف الأخرى، ما زالت تعطي الأولوية للاعتبارات الأمنية على حساب الشأن الاقتصادي. وهذا الأمر تجلى بشكل واضح في مناطق نفوذ الميليشيا المدعومة من إيران في جنوب لبنان والبقاع على الرغم من ازدياد نسبة الفقر في المنطقة الأخيرة، وفقاً لتقرير «التقييم السريع للفقر في لبنان» الذي نشرته الأمم المتحدة، ويعد البقاع من أفقر المناطق في لبنان؛ حيث يعيش 38 في المائة من السكان تحت خط الفقر.
من ناحية أخرى، يشدد مراقبون لبنانيون على أنه يستحيل الفصل بين احتفاظ «حزب الله» بسلاحه حصراً - بخلاف سائر الأحزاب اللبنانية - وتمتعه بقوة تمويلية ضخمة مصدرها بصفة أساسية إيران، وهيمنته على الصوت الشيعي في مناطق نفوذه، وإغلاقه مناطق سيطرته في وجه القوة المنافسة.
- تفاوت جنوبي - بقاعي
إزاء هذا الواقع، بدأ في الفترة الأخيرة كثير من أفراد الطائفة الشيعية من منطقة البقاع، المتاخمة لسوريا في شرق لبنان، يعبِّرون عن امتعاضهم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها المنطقة. وهؤلاء يشكون بالخصوص من التهميش الذي يطالهم، في حين يصب السواد الأعظم من أموال الحزب وتقام المشروعات التنموية في الجنوب اللبناني. وحسب هؤلاء، فإن الميليشيا المدعومة من إيران تخص باهتمام خاص منطقة الجنوب بحجة قربها الجغرافي من إسرائيل، التي أنهت احتلالها للبنان عام 2000 ومن ثم خاضت حرباً دمرت جزءاً لا بأس به من بنية لبنان التحتية بذريعة الرد على عملية لـ«حزب الله» عام 2006.
- نسبة الإقبال
في المقابل، على الرغم من أن «حزب الله» قاد حملة كبيرة داخل معاقل بيئته الطائفية لإقناعها بالاقتراع خلال انتخابات مايو الأخيرة، فلقد لوحظ أن نسبة الإقبال على التصويت لم تتعدّ 49 في المائة في جميع أنحاء لبنان.
ووفق الخبير المختص في شؤون «حزب الله»، علي فضل الله، الذي أشار إلى «تبدّل ولو بنسبة محدودة»، لدى جمهور «حزب الله» الذي بات مهتماً أكثر بالقضايا الخدماتية والتنموية، فالشعب لديه مطالب كثيرة ويشعر بأن الحزب لا يعطي أولوية للمسائل المعيشية. و«بغض النظر عن تأييد البيئة الشيعية المطلق للحزب في صراعه مع إسرائيل، فإنه عندما يتعلق الأمر بإدارة الملفات الاجتماعية والتنموية، فليس الكل راضياً عن أدائه في الدولة» حسب فضل الله. ومن ناحية أخرى، يرى مراقبون للحالة الشيعية في لبنان أن التململ الجماهيري ازداد بعد ظهور «قضايا فساد ارتبطت بها شخصيات تابعة للحزب في البقاع، في انتهاك واضح للمبادئ التي رفعها الحزب ورددها قادته، وسط غياب شبه تام للمشروعات التنموية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة»، والكلام هنا لأحد أبناء منطقة البقاع من الطائفة الشيعية.
- حجم ما تحقق
مع ذلك، وفق الصحافي المخضرم بول خليفة، لم تؤثر جميع هذه الانتقادات سلباً على النتائج التي حققها الحزب الذي عزز عدد مقاعده البرلمانية في الانتخابات؛ إذ سمح قانون التمثيل النسبي الجديد للائتلاف الشيعي بتحقيق نتائج مهمة؛ إذ صبَّ أكثر من 85 في المائة من أصوات الطائفة الشيعية لصالح «حزب الله» و«حركة أمل»، وأغلق عملياً مناطق بوجه منافسيه، في حين مكّنه هذا القانون من اختراق معاقل الطوائف الأخرى.
وبحسب الخبير الإحصائي كمال فغالي، فإن كتلة «حزب الله» ستضم 45 مقعداً برلمانياً؛ أي ثلث البرلمان، إذا جرى احتساب مقاعد حلفائه مثل الحزب القومي السوري الاجتماعي وحزب المردة المسيحي.
يذكر أن الحزب؛ مستقوياً بحصرية السلاح، كان فعلياً فرض اعتماد هذا القانون.
وفي السياق نفسه، كان أمين عام الحزب حسن نصر الله قد تعمَّد في خطاباته الانتخابية حضّ الناخبين على الاقتراع قائلا إنه سيذهب إلى مدن وقرى بعلبك - الهرمل (البقاع الشمالي) إذا وجد الإقبال على الانتخابات متدنياً. كذلك قال في حديث ما قبل 6 مايو؛ أي يوم الانتخابات: «على الجميع أن ينتخب، من دون التذرع بزيارة السيدة زينب أو الإمام الرضا أو الإمام الحسين لأنهم هم سيقولون لكم: اذهبوا وانتخبوا ومن ثم عودوا لزيارتنا». وفي خطاب آخر، اتهم نصر الله كل مَن ينتقد اللائحة الانتخابية لـ«حزب الله» في منطقة بعلبك - الهرمل بأنهم «حلفاء الجماعات المتطرفة»؛ أي «داعش» و«جبهة النصرة»، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الوطنية، متعهداً: «لن نسمح لحلفاء (النصرة) و(داعش) بتمثيل سكان بعلبك – الهرمل».
بناءً عليه، ثمة من يرى أن الطائفة الشيعية اللبنانية ما زالت ترى في «حزب الله» الحامي الأول للبلاد في حال نشوب الحرب مع إسرائيل، وكذلك ضد «الإرهاب» (بمعنى قوى الإسلام السنّي المتشدد). ويقول بول خليفة في هذا الصدد: «لذلك ليس من معارضة جدية تُذكر للحزب ضمن قاعدته الشعبية، بل على العكس يتمتع الحزب بشرعية قوية عندما يتعلق الأمر بالنضال ضد إسرائيل والتكفيريين»، على حد تعبيره.
في المقابل، هناك من يقول إن ما قدَّمته الميليشيا المحسوبة على إيران لقاعدتها الطائفية يتعدى الشعور بالأمان في حال الحرب، بل يتمثل أساساً في زرع الشعور بالزهو والثقة والغلبة في المجتمع الشيعي، ودفعه إلى اعتبار أنه بات قوة رئيسية داخل الدولة اللبنانية. ذلك أنه حتى نهاية الحرب الأهلية (1975 - 1990) كان الاعتقاد الشاسع أن المجتمع الشيعي بمعظمه ينتمي إلى الفئات الاجتماعية المحرومة مثل الفلاحين والعمال اليدويين، ويعيش في المناطق الريفية والضواحي الفقيرة. وانعكس هذا الشعور بالتهميش أيضاً على الحكومات اللبنانية حتى بدايات التسعينات. وتُظهر الدراسات حول البيروقراطية اللبنانية التي سبقت الحرب الأهلية أن الطائفة الشيعية كانت - نسبياً - الأقل تمثيلاً في الإدارة. ووفق أحد المواطنين الشيعة - فضَّل عدم الكشف عن هويته - «قبل ظهور (حزب الله)، كانت النظرة إلينا نظرة تعالٍ، وكانت لدينا وظائف بسيطة، وكنا نشغل أدنى المناصب في الإدارات اللبنانية»... أضف أن الطائفة الشيعية كانت غير راضية عن قلة اكتراث الحكومة اللبنانية باحتلال إسرائيل أراضي واسعة من جنوب لبنان الذي يعد معقلاً للطائفة الشيعية، أو تحكُّم الفدائيين الفلسطينيين بالمنطقة هناك، أو الاحتلال العسكري الذي بدأ في الثمانينات.
ولكن، لاحقاً شهدت فترة أواخر الثمانينات - وبالتحديد عام 1989 - تغييرات كبيرة لصالح الطائفة الشيعية اللبنانية؛ إذ رفع «اتفاق الطائف» حجم التمثيل البرلماني الشيعي (من 19 مقعداً إلى 27 مقعداً، من إجمالي 128 مقعداً)، كما وضعها على قدم المساواة مع السنّة، والأهم من ذلك أنه سمح لـ«حزب الله» بالاحتفاظ بترسانته العسكرية بذريعة المقاومة ضد إسرائيل، في حين حُلت جميع الميليشيات الحزبية اللبنانية الأخرى.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».