«مناورات عكسية» لـ«داعش» بعد فقد الأرض

دعوة العدناني «رمضان شهر الجهاد» تلقى طريقاً

«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
TT

«مناورات عكسية» لـ«داعش» بعد فقد الأرض

«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)
«داعش» تبنى سلسلة اعتداءات انتحارية على ثلاث كنائس في إندونيسيا (رويترز)

بهجمات انتحارية فردية وأسرية كانت تفاصيلها في فرنسا وإندونيسيا وأفغانستان وليبيا أخيراً، ظهر تنظيم «داعش» الإرهابي بقوة من جديد على المشهد، بعد أشهر من «الخفوت» عقب الهزائم التي مُني بها في الأراضي التي كانت تحت سيطرته في سوريا والعراق. الهجمات الداعشية تؤكد أن التنظيم يحاول لفت النظر إليه عقب فرار كثير من عناصره وفقدانه القدرة على السيطرة بعد سنوات من تصدر المشهد الدموي.

قال مختصون في الحركات الأصولية، وخبراء أمنيون، إن التنظيم نشط بقوة الأيام الماضية وقام بـ«مناورات عكسية» لتهديد دول العالم، بعد أن فقد أرض «الخلافة المزعومة». وأضاف الخبراء لـ«الشرق الأوسط»، إن استهداف «داعش» لعدد من الدول قبل شهر رمضان محاولة منه لإحياء دعوة عمرها 3 سنوات بأن رمضان «شهر الجهاد»... والتنظيم يعمل الآن من خلال ثلاثة مستويات: «الخلايا النائمة»، و«الذئاب المنفردة»، و«الأسرة الإرهابية الكاملة».
وشهدت الأشهر الماضية نجاحاً كبيراً في محاربة التطرف على المستوى العسكري، حيث نجح التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية في السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها «داعش»... وقد أسفر هذا عن تراجع كبير في قدرات التنظيم العسكرية والميدانية، ورغم أنه يحاول مواصلة نشاطه عبر شن هجمات خاطفة على بعض الدول، فإنه لم يحقق نتائج تذكر حتى الآن.
وتبنى «داعش» أخيراً اعتداءً إرهابيّاً بالسكين في ميدان «الأوبرا» بباريس أوقع قتيلاً و5 جرحى، وهو الحادث رقم 79 في مسلسل الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية منذ وقوع حادث تولوز الذي عده خبراء نقطة الانطلاق لموجة الهجمات الإرهابية... ووفق معلومات من مصادر مقربة من التحقيقات، فإن «النيابة العامة في فرنسا كانت قد أدرجت منفذ الاعتداء الإرهابي من قبل على قائمة المتهمين بالتطرف».
وفي إندونيسيا، نفذت عائلة من 6 أفراد بينهم طفلتان سلسلة اعتداءات انتحارية استهدفت 3 كنائس في سورابايا ثاني أكبر المدن، ما أدى لمقتل 9 وإصابة 40 آخرين، وأعلن «داعش» مسؤوليته عن الاعتداءات... وتعد التفجيرات التي استهدفت الثلاث كنائس الأكثر دموية منذ سنوات.
وفي أفغانستان، تبنى تنظيم «داعش» قبل أيام الهجوم الذي استهدف مبنى حكوميّاً بمدينة جلال آباد شرق البلاد، وراح ضحيته 15 شخصاً، وخلّف عشرات الجرحى.
كما أعلن «داعش» مسؤوليته عن تفجيرين انتحاريين استهدفا مكاتب المفوضية العليا للانتخابات الليبية في طرابلس، وقتلا ما لا يقل عن 12 شخصاً عندما اقتحم مهاجمون المبنى وأضرموا فيه النار.
وقال أحمد بان، الخبير المتخصص في الحركات الأصولية بمصر، إن اعتداءات «داعش» الأخيرة على فرنسا وإندونيسيا وأفغانستان وليبيا عبارة عن «مناورات عكسية» نتيجة لتراجع سيطرة التنظيم في سوريا والعراق، فالتنظيم يسعى لمفهوم «الخلافة الافتراضية» على الإنترنت لجذب المزيد من الأتباع للقيام بأي عمليات في الدول دون الرجوع له، من خلال ثلاثة مستويات؛ الأول «الخلايا النائمة»، والثاني «الذئاب المنفردة»، والثالث هو مفهوم «الأسرة الإرهابية»، مثلما حدث في إندونيسيا، فضلاً عن تهديداته بتفجير كأس العالم واستهداف لاعبين بأسمائهم، وجميعها محاولة للظهور على المشهد من جديد بعد «خفوت» دام لأشهر.
ونشر «داعش» قبل 3 أيام صورة مرعبة تظهر «إرهابيين» وهم يقطعون رأسي نجمين كرويين ممددَيْن على أرضية ملعب كرة قدم، قبل أسابيع من انطلاق نهائيات كأس العالم في روسيا... وتعد هذه المرة الثانية التي يهدد «داعش» فيها بمهاجمة المونديال، بعد أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين نشر صورة لميسي، والنجم البرازيلي نيمار مقتولين من قبل «إرهابيين».
وقال مراقبون إنه قبل عامين اعتمد «داعش» من خلال منشوراته تطبيق فكرة «الذئاب المنفردة» التي يدعو من خلالها أتباعه في أي مكان بالعالم إلى تنفيذ عمليات إرهابية بأي شكل وبأي طريقة، دون الاعتماد على تخطيطات موسعة.
وأضاف المراقبون أن خطر «الذئاب المنفردة» بدأ يظهر الآن بعد سقوط التنظيم فعلياً، وذلك بسبب عوامل ثلاثة وهي: الأولى الخطورة الذاتية لفكرة «الذئاب المنفردة» نفسها. والثانية أنه مع سقوط التنظيم فإننا الآن أمام مشكلة «الفارين» من «داعش»، خصوصاً هؤلاء الذين خرجوا من بلدانهم دون أن تتمكن أجهزة الاستخبارات من التعرف عليهم وتحديد هوياتهم. والثالثة الوجود الإلكتروني الحقيقي للتنظيم، وقدرته على استقطاب أتباع جُدد.
وسبق أن حذر مسؤولون دوليون من أن تنظيم «داعش» سيعمل على إقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الناشطين... ولم تتوقف وكالة «أعماق» ذراع التنظيم الإعلامية عن البث وتبني الاعتداءات والحض على تنفيذ هجمات، فيما لا يزال من الممكن الاطلاع بسهولة على نشرات التنظيم المتوافرة بلغات عدة، وهي تدعو مؤيدي «الخلافة»، أياً كانوا، وأكثر من أي وقت مضى إلى التحرك، وتمدهم بنصائح وشروح لتنفيذ اعتداءات قاتلة.
وقال الباحث عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن التنظيم يُجند عناصر جُدداً عبر الإنترنت، ويعرِّفهم طرق صناعة المتفجرات واستخدام الأسلحة وكيفية الهروب من مراقبة السلطات في الدول، وهؤلاء الأشخاص المجهولون هم «الذئاب المنفردة» أو «الخلايا النائمة»، ويتم التواصل مع هؤلاء المجندين الجُدد عبر حسابات وهمية وأسماء حركية وعبارات وألفاظ لا يعرفها إلا هم.
ويقول الخبراء إن الغرب واجه مأزقاً خطيراً تمثل في عودة مُقاتلي «داعش» إلى دولهم عقب خسائره في سوريا والعراق. وأكدوا أن «الخطورة الأكبر التي تُسبب لأوروبا فزعاً ليست في العمليات التي قد يقوم بها عناصر التنظيم، لكن في التمدد الداعشي والدعوة لمبادئ التنظيم واكتسابه أنصاراً ومتعاطفين جُدداً، حينها قد يكون من الصعب السيطرة على زحفهم وانتشارهم».
وعن هدف «داعش» من تنفيذ هذه الهجمات قبل أيام من حلول شهر رمضان، قال بان، إن «داعش» يُكثف من دعايته في شهر رمضان لأنه من وجهة نظره «هو شهر الجهاد»، وهذا ما يريد توصيله لعناصره المقاتلة للقيام بعمليات إرهابية خلال رمضان لنيل الثواب - على حد زعمهم - لافتاً إلى أن التنظيم يحاول أن يستغل أي ثغرة في أي دولة لينفذ من خلالها لتنفيذ أي من عملياته.
ودعا «داعش» في يونيو (حزيران) عام 2015 أن يكون رمضان هو شهر «الجهاد» و«التعرض للشهادة»، وذلك في تسجيل صوتي منسوب إلى المتحدث باسمه أبو محمد العدناني. وطالب العدناني في التسجيل الذي بثته مواقع وحسابات إلكترونية متطرفة حينها، عناصره بالحرص على «الغزو في هذا الشهر الفضيل والتعرض للشهادة فيه».
كما دعا «داعش» في تسجيل صوتي آخر في يونيو 2017 إلى شن هجمات في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وأستراليا والعراق وسوريا وإيران والفلبين وفرنسا خلال شهر رمضان، ونشر التسجيل الصوتي على قناة التنظيم بتطبيق «تليغرام» ونسب إلى أبو الحسن المهاجر.
وقال الأكاديمي المصري، الدكتور محمد أحمد الدش، إن «التطورات الأخيرة في المواجهة مع تنظيم (داعش) وهزائمه المتلاحقة كشفت عن ترك بعض جنوده مناطق النزاع المسلح في سوريا والعراق، والتوجه إلى دول غربية، تلك التي ينتمي إليها بعض هؤلاء الجنود، وأول ما يتبادر إلى الأذهان هو قيام العائدين إلى بلادهم بعمليات إرهابية داخل هذه الدول على غرار ما حدث قبل ذلك من عمليات تفجيرية منفردة»، مشيراً إلى أن الخطورة الأكبر التي تسبب للغرب فزعاً ورعباً ليست في تلك العمليات وحدها، لكن في التمدد الداعشي داخل بلدانهم نتيجة الدعوة إلى مبادئ التنظيم واكتسابه أعواناً وأنصاراً ومؤيدين ومتعاطفين، حينها قد يكون من العسير السيطرة على زحفهم وانتشارهم، فتصبح تلك البلاد في وقت من الأوقات منطقة نزاع مُسلح.
ويتوعد «داعش» الغربيين دائماً بهجمات «تنسيهم» - على حد زعمه - هجمات نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، كما توعَّد في تسجيلات الدول المُنضمة للتحالف الدولي ضده من بينهما أميركا وروسيا وبعض الدول العربية، بتنفيذ هجمات عنيفة، إذا لم يتوقفوا عن دعم أميركا في هجومها على التنظيم.
وقال مراقبون إن «داعش» بالفعل نفذ تهديداته في فرنسا، وهناك تهديدات كثيرة لم تتحقق بعد، قد تكون قيد التخطيط وقد تدخل فقط ضمن الحرب النفسية من التنظيم لتسهم في رسم الصورة التي يسعى من خلالها لإظهار قدرته على الوصول لجميع أنحاء العالم واكتساب صيت أو نفوذ عالمي.
وسبق أن بث العدناني تسجيلاً صوتيّاً عام 2014 وقال للمتعاطفين مع التنظيم: «إذا لم تنجح في إلقاء قنبلة، أو فشلت في فتح النار على مشرك (على حد قوله) فيمكنك طعنه بسكين أو ضربه بالحجر أو سحقه بسيارة»... وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016 بث «داعش» إصداراً مرئياً، شرح خلاله طريقة استخدام السكاكين في القتل، والإصدار تناول طريقة استخدام السكاكين، والمواضع التي يجب تركيز الطعن فيها، وأفضل أنواع السكاكين ومواصفاتها.
من جانبه، قال اللواء عماد عبد المحسن، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية في مصر، إن الموقف على الأرض بالنسبة لتنظيم «داعش» الإرهابي صعب للغاية بسبب المقاومة العنيفة ضد التنظيم، لذا فهو يلجأ إلى استراتيجية التخويف بعمليات هنا وهناك عبر أشخاص غير معروفين، وهذه دلالة على الوضع الصعب وخسائره المتعددة، وانحسار نفوذه في المناطق التي يستولى عليها، وهروب الكثير من عناصره من أرض «الخلافة المزعومة».
وعن هجمات متوقعة أخرى لـ«داعش» في رمضان، قال أحمد بان، إن «التنظيم أصبح الآن أكثر حرية لأنه تخلص من أعباء القيادة في الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وأصبح الآن شغله الشاغل تهديد العالم».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».