حذف اسم مؤلف «أبو عمر المصري»... تفسيرات متعددة

حذف اسم مؤلف «أبو عمر المصري»... تفسيرات متعددة
TT

حذف اسم مؤلف «أبو عمر المصري»... تفسيرات متعددة

حذف اسم مؤلف «أبو عمر المصري»... تفسيرات متعددة

ليس جديداً طبعاً أن يحذف اسم كاتب من عمل فني، وهكذا وسط غموض في الموقف وضبابية في الرؤية وهجوم قاس تعرض له المسلسل، تم حذف اسم الكاتب الكبير عز الدين شكري فشير من مسلسل «أبو عمر المصري» المأخوذ عن روايتيه، في الحقيقة أنهم في البداية أشاروا في «التترات» وملصقات الدعاية إلى اسمه وبأن المسلسل مأخوذ عن الروايتين، الأولى تصدر اسمها المسلسل، والثانية «مقتل فخر الدين» إلا أنهم بعد ذلك حرصوا على حذف اسمه من كل شيء متعلق بالمسلسل، وكأنه عمل فني لقيط، وتعددت الأسباب والتفسيرات والمنع واحد!!.
ولم تكن تلك هي السابقة الأولى؛ بل لدينا الكثير من الوقائع التي شاهدنا فيها جرائم أدبية مماثلة، في السبعينات مثلاً فوجئ الشاعر أحمد فؤاد نجم والملحن الشيخ إمام بحذف اسميهما من «تتر» فيلم يوسف شاهين «العصفور» الذي شرع في تنفيذه بعد هزيمة 67 إلا أن معوقات رقابية حالت دون عرضه بضع سنوات، استمع فيه الناس لأول مرة في وسيلة رسمية إلى صوت الشيخ إمام يغني (مصر يا أمه يا بهيه / يا أم طرحة وجلابية / الزمن شاب وأنت شابة / هو رايح وأنت جاية) بكلمات توأمه الفني أحمد فؤاد نجم، قبلها لم يكن هناك وجود رسمي لهما، سوى بعض الأشرطة التي تسجل في جلسات خاصة بعيدا عن عيون أجهزة الدولة بعد أن فشلت محاولة استقطابهما ببرنامج يقدماه في أهم إذاعة مصرية حققت نجاحا عربيا خلال الستينات «صوت العرب»، فصارا من بعدها من أعداء الوطن، الذين لا يجوز التعامل معهم أو الاعتراف بهم.
شاهدت أجهزة الدولة الفيلم واشترطت للتصريح به حذف أي إشارة لأسمي نجم والشيخ إمام، ووافقوا على مضض ببقاء الصوت فقط، حيث استمع الناس لصوت إمام مغنياً، وأسقط في يد يوسف شاهين، لأن البديل لو تمسك بكتابة الأسماء على الشاشة هو مصادرة الشريط، كانت تلك هي تعليمات جهات عليا في الدولة، وهذا هو رأيها القاطع، وأبلغ وزير الثقافة يوسف السباعي وقتها يوسف شاهين بأنه لا محيص عن الحذف، ولم يغفرها لا نجم ولا الشيخ إمام ليوسف شاهين، رغم أنه لا حول له ولا قوة أمام سطوة الدولة، إلا أن نجم ظل حتى رحيله.
من حق عز الدين شكري فشير أن يغضب حقاً وأن يملأ الدنيا باحتجاجه بسبب تجاهل اسمه من تترات وأفيشات المسلسل، إلا أن الغضب ينبغي أن يتوجه لمن يستحقه، ولا أتصور أن كاتبة السيناريو والحوار مريم نعوم لها أي دور في ذلك، حيث تصدر اسمها الملصق الجديد كاتبة فقط للسيناريو والحوار، بينما على المتلقي أن يضيف هو اسم كاتب الرواية أو إن شئت الدقة الروايتين.
مريم قدمت في السنوات الأخيرة الكثير من الأعمال الأدبية مثل (ذات) لصنع الله إبراهيم، و(واحة الغروب) لبهاء طاهر و(سجن النسا) المأخوذ عن مسرحية لفتحية العسال، وكانت تحرص في كل مرة على الإشارة للمصدر الأدبي حتى في أحاديثها (للميديا) لا تنسى أسماء المؤلفين، المشترك بين الثلاثة أعمال الأدبية ورابعهم روايتي فشير، أن صناعها ليسوا ممن تقدم أعمالهم الأدبية في أعمال درامية بإيقاع منتظم، حتى فتحية العسال كانت تكتب أعمالها التلفزيونية مباشرة ولا تستند إلى نصوصها الأدبية، وبالمناسبة فإن النص الأدبي مهما بلغت قيمته لا يعني أنه الوصفة المضمونة لصناعة سيناريو جيد، أحياناً سر وسحر العمل الأدبي تظل كامنة في كونه مقروءاً، ولهذا يظل اختيار العمل الأدبي محاطاً بالكثير من المحددات والاعتبارات.
هذا المسلسل لاقى في الحقيقة الكثير من العوائق بداية من غضب الأخوة في السودان وتم احتواء الموقف، فلا يمكن أو يتصور أحد أن هناك من يسئ إلى دولة لها سيادتها، ولها قبل كل ذلك محبة ودفء لا ينتهي في قلوب كل المصريين وقطعاً كل العرب، هناك حساسية ندركها جميعاً عندما تتم الإشارة إلى أي دولة عربية بأحداث أو مواقف أو شخصيات تنتمي لدولة أخرى، لقد سبق مثلاً في المغرب أن احتجوا بسبب الفيلم المصري «الوعد» إخراج محمد ياسين لأنه قدم مطاردة مع المافيا في «كازابلانكا»، إلا أنهم تفهموا الموقف بعد ذلك، سبق أيضاً أن شاهدت غضب عدد من المصريين بسبب فيلم «لولا» الذي قدمه المغربي نبيل عيوش واعتبروه مسيئاً لمصر وكنت حاضراً تلك الواقعة قبل أكثر من عشر سنوات، عند عرضه الأول في مهرجان (دبي) ويومها صرخ محمود ياسين، مؤكداً أن الفيلم يسئ إلى سمعة مصر لأنه يقدم حياة راقصة أميركية تحترف الرقص في القاهرة، ولكن كالعادة هدأ بعدها الموقف فلا يمكن لعمل فني أن يسيء لدولة.
فشير دخل عالم التلفزيون ككاتب روائي، وأتصورها رغم الظلم الذي حاق به في تجربته الأولى فإنها ليست أبداً الأخيرة، لأن أعماله تنطوي على حس درامي من الممكن استثماره في أعمال مقبلة.
ويبقى السؤال بلا إجابة قاطعة وحتى الآن، لماذا تم حذف اسم المؤلف الأساسي؟، إذا كان صحيحاً أن الدولة هي التي نصحت أو أوحت لشركة الإنتاج بحذف اسمه فتلك قطعاً مصيبة، وإذا كانت شركة الإنتاج هي التي فعلتها لأن هناك من قرر النفخ في الزبادي تحسباً من غضب محتمل للدولة، فالمصيبة أعظم، وأتصورها مع الأسف أعظم!!.



المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.