نازحو ليبيا بين تجاهل السلطات و«ظلم التصنيفات السياسية»

181 ألف شخص تبددت آمالهم بالعودة إلى ديارهم بعد «احتلالها من غرباء»

جانب من نازحي مدينة تاورغاء في صحراء قرارة القطف شرق بني وليد («الشرق الأوسط»)
جانب من نازحي مدينة تاورغاء في صحراء قرارة القطف شرق بني وليد («الشرق الأوسط»)
TT

نازحو ليبيا بين تجاهل السلطات و«ظلم التصنيفات السياسية»

جانب من نازحي مدينة تاورغاء في صحراء قرارة القطف شرق بني وليد («الشرق الأوسط»)
جانب من نازحي مدينة تاورغاء في صحراء قرارة القطف شرق بني وليد («الشرق الأوسط»)

مات ثلاثة أفراد من عائلة سالم الأشقر في معارك للجيش الليبي بمدنية بنغازي (شرق البلاد)، ورحل ما تبقى منهم إلى مصراتة، (غرب البلاد)، وتبددت آمالهم في العودة إلى ديارهم بعد «احتلالها من غرباء».
سالم، الذي كان يمتلك متجراً في المدينة قُبيل اندلاع ثورة فبراير (شباط) 2011. واحد من نحو 181 ألف ليبي، نزحوا عن ديارهم عقب الاشتباكات التي أعقبت الثورة، وتغول الميليشيات المسلحة في أنحاء البلاد، وفقا لآخر إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة.
لكن مواطني بنغازي ليسوا وحدهم الذين أخرجتهم الاشتباكات من ديارهم إلى مدن أخرى كمصراتة وطرابلس. فقد تسببت الانتماءات والتصنيفات السياسية في عمليات ثأرية، وتصفية حسابات بين بعض أبناء القبائل والبلدات، أسفرت عن عمليات نزوح كبيرة من مئات المناطق، وفي مقدمتها مدينتا بنغازي وتاورغاء، اللتان تمثلان الأكثر عدداً. لذلك لم تختلف قصة سالم عما سواها من قصص أبناء مدينة تاورغاء، الذين أُجبروا على النزوح بعد «إحراق ديارهم والاستيلاء على ممتلكاتهم» بعد سقوط الرئيس الراحل معمر القذافي.
يتكون نازحو بنغازي من عائلات انخرط بعض أفرادها في صفوف المتشددين، أو ناصبوا العداء للمشير خلفية حفتر، القائد العام للجيش الوطني، أو ينتمون فكرياً لما يسمى (مجلس شورى ثوار بنغازي)، أو لأنصار الشريعة، بالإضافة إلى مواطنين عاديين.
يقول سالم في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «تركنا كل أملاكنا وراء ظهورنا: المنازل والمتاجر وانتقلنا للعيش بين مصراتة وطرابلس»، مشيراً إلى أن الجهود التي بذلها محمد العماري زايد، نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، مع المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة، بشأن إعادتهم إلى ديارهم «لم تسفر عن أي شيء إلى الآن».
وأضاف سالم موضحا: «أنا وأسرتي لسنا ضد (عملية الكرامة) التي شنها الجيش في بنغازي، لكننا نطالب بحق جميع المطرودين في العودة إلى منازلهم ومحالهم... لكن هذه العودة لن تتم».
ولم تشغل قضية عودة نازحي بنغازي بال المسوؤلين كثيراً، باستثناء العماري ذي التوجه الإسلامي، الذي سبق أن دعا المبعوث الأممي إلى فتح حوار مع نازحي بنغازي، وتأمين عودتهم إلى ديارهم. ورغم أن سلامة أبدى موافقته على فتح حوار معهم، والاستماع إلى آرائهم، وضمان مشاركتهم في النقاش حول الأزمة الليبية، إلا أن شيئا لم يحدث منذ نهاية العام الماضي.
وفي مقابل هذا السلوك الذي وصفه سالم بـ«التجاهل»، حشدت لجنة شؤون نازحي بنغازي عددا من المواطنين في مصراتة أمام مقر الأمم المتحدة بالمدينة في الثامن من الشهر الحالي، وبررت ذلك بالقول: «نظراً لعدم اعتراف بعض الأطراف في حكومة الوفاق بوجود عائلات نازحة من المنطقة الشرقية في المنطقة الغربية، فإننا ندعوها للتظاهر أمام مقر الأمم المتحدة لإثبات وجودنا».
وتعد أزمة أوراق الثبوتية إحدى أهم العقبات التي تواجه النازحين من الشرق إلى الغرب، إذ تقول اللجنة إن القادمين من غرب ليبيا يجدون أنفسهم في وضع بالغ الصعوبة بسبب انعدام الوثائق التي تثبت شخصيتهم، مشيرة إلى أن الحكومة في الشرق ترفض إرسال وثائق مثل شهادات الميلاد، وفي المقابل يرفض المسؤولون في غرب البلاد إصدار وثائق جديدة.
وإلى أن يتم إيجاد حل لهذه المعضلة، لا تزال أزمة نازحي تاورغاء تراوح مكانها منذ سبع سنوات، رغم محاولة مئات المواطنين العودة إلى ديارهم، وفقا لقرار اتخذه رئيس المجلس الرئاسي بإعادتهم مطلع فبراير الماضي.
يقول عبد الرزاق قاسم: «مرت حتى الآن 110 أيام على قرار السراج، ونحن نعيش داخل خيام في صحراء قرارة القطف، في ظل أوضاع إنسانية وتقلبات جوية قاسية... وفي ظل استمرار الصراع على السلطة، ونسيان المواطن البسيط، فإنا لن نتقدم»، وتابع متسائلا: «هل يفعلها المجلس الرئاسي ويحل عقدة النزوح الداخلي حتى يتفرغ إلى التهجير الخارجي، أم أنه لن يفك العقدتين؟».
وأمام مجلس الأمن الدولي أشار غسان سلامة إلى معاناة أهالي تاورغاء، وقال: إن «كثيرين منهم يضطرون للبقاء في العراء تحت المطر وتحت أشعة الشمس». فيما تحدث عبد الرحمن الشكشاك، رئيس المجلس المحلي لتاورغاء، أول من أمس، عن التوصل لاتفاق حول بنود مسودة للصلح، والاتفاق السلمي بين مدينتي مصراتة وتاورغاء، مشيراً إلى أنه سيتم خلال اليومين المقبلين التوصل للشكل النهائي والصحيح للمسودة. لكن ناصر إبدوي، أحد مواطني تاورغاء، قال لـ«الشرق الأوسط» إن غالبية أهالي تاورغاء ضد التوقيع على الاتفاق، الذي وصفه بـ«المخزي».
وفسر إبدوي سر هذا الرفض بقوله: «المسودة مكونة من 14 بنداً، تصب جميعها في صالح مصراتة»، لافتاً إلى أن «جميع وعود المجلس الرئاسي بإعادتهم غير جدية».
وأرجع متابعون ليبيون سبب تفريغ مدينة تاورغاء من أهلها، وإضرام النيران في منازلها، إلى خلافات مع مصراتة المجاورة (200 كيلومتر شرق العاصمة)، تعود إلى عصر النظام السابق، مشيرين إلى أن تاورغاء كانت تدعم القذافي، وفور إسقاطه هاجمت كتائب مصراتة المدينة عقاباً لها على اتهامات سابقة بـ«الاعتداء على مدينتهم واغتصاب نسائها»، وهي التهم التي يرفضها أهالي تاورغاء.
ويعيش نحو 42 ألف مواطن من تاورغاء في أماكن متفرقة بمدينتي طرابلس وسبها، (غرب وجنوب البلاد)، فيما اتجه بعضهم إلى بنغازي (شرق ليبيا)، وقد سعى المئات من نازحي تاورغاء الذين يقيمون في بنغازي لتفعيل قرار السراج، لكن ميلشيات مسلحة محسوبة على رئيس المجلس الرئاسي حالت دون ذلك، فافترشوا صحراء قرارة القطف شرق بني وليد (شرق غربي البلاد).



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.