أدب الأطفال يحقق قفزات نوعية في لبنان

نشاط حول كتاب للطفل

أدب الأطفال يحقق  قفزات نوعية في لبنان
TT

أدب الأطفال يحقق قفزات نوعية في لبنان

أدب الأطفال يحقق  قفزات نوعية في لبنان

شهد أدب الأطفال باللغة العربية تطوراً ملموساً في السنوات العشر الأخيرة في لبنان. تغيرت الشكاوى، واختلفت التطلعات أيضاً. لم يعد الناشر أو المسؤولون عن الاختيارات مجرد تجار أو همزة وصل بين الكاتب والطفل. صار بينهم متخصصون في أدب الطفل، وحَمَلة شهادات عليا في المجال. الصغار يعيشون تجربة لم تُكتب لسابقيهم، والدور، لحسن الحظ، في عدد منها، تواكب التحولات، وتحاول أن تسد الثغرات، مع كتاب وفنانين ورسامين هم أيضاً يحاولون مجاراة مرحلة مفصلية لم تعد سهلة في متطلباتها. لكن ما يشكو منه الجميع هو غياب الأرقام الرسمية أو الدراسات الجادة التي تساعد الدور على تعديل عملها أو تقويمه تبعاً للحاجات الحالية أو المتوقعة خلال سنوات. وبدل أن تقدم الوزارات المعنية في لبنان المعلومات للدور، فإن الناشر هو الذي يجتهد ليستطلع الاحتياجات من خلال عمله مع المدارس والأهل والمؤسسات.
وتقول جوانا المير مديرة النشر لقسم كتب الأطفال في «دار سمير» التي احتفلت بعامها السبعين قبل سنتين: «ليت هناك إحصاءات تقوم بها نقابات، أو وزارات، تعطينا مؤشرات حول الجو العام. فقد يكون الأطفال على مستوى باللغة العربية أفضل من الذي نتوقعه. في الوضع الحالي نحن نعمل وفق انطباعات أحيانا وتصورات تقريبية». كل دار لها رأيها لكنّ هناك اتفاقاً على أن الأطفال يقرأون أكثر وهم في سن صغيرة، أي من سنّ الثالثة إلى السابعة، وقد يمتد اهتمام الأهل إلى نهاية المرحلة الابتدائية، لكن القبضة العائلية تتراخى بعد ذلك. ويعتمد الأمر على الطفل نفسه، إن كان قد اختار الاستمرار في مصاحبة الكتاب أو تفضيل أمور أخرى.
هؤلاء الأطفال يحتاجون لإحاطة وتشجيع مستمرين كي يحافظوا على علاقتهم مع الكتاب. وتعزو د. شيرين كريدية صاحبة «دار أصالة» سبب إقبال صغار الأطفال في سن مبكرة على القراءة إلى الاهتمام الكبير الذي توليه العائلة اللبنانية لتعليم أولادها وتفوقهم في دراستهم، وكذلك إلى طبيعة المناهج الحديثة وطرائق التعليم التي باتت ترى في المطالعة جزءاً رئيسياً من العملية التعليمية، في الصف كما في البيت وفي العطلة الصيفية. وتضيف كريدية: «بات هناك وعي لدى المعلمات بأهمية القراءة، وأن الطفل لا يدرك المفاهيم إلا من خلال الكتب والمطالعة وقراءة القصص، وهذا لم يكن موجوداً سابقاً».
وإذا كان الأهل قد تعودوا الذهاب إلى معرض الكتاب وشراء الكتب، فإن التردد على المكتبات بشكل دوري، لم يدخل بعد في تقاليد الأسر، وفي أسلوب تنشئة أطفالها. لذلك فإن أغلب الكتب التي تباع إن لم يكن لوزارات أو مؤسسات ومدارس، فهي التي تُطلَب للمطالعة من قبل المعلمات أو تلك التي يتم شراؤها في معرض الكتاب.
واحدة من المشكلات التي تواجه التربويين في لبنان هي تشجيع الأهل لأولادهم على قراءة الكتب الأجنبية على اعتبار أن العربية هي لغتهم الأم التي سيتكلمونها يوماً، أما وقد ثبت أن إهمال العربية لن يؤدي إلى النتائج المرجوة، فقد استيقظ بعض الاهتمام ولو متأخراً. وتقول الدكتورة نبيهة محيدلي صاحبة «دار الحدائق»: «هذه عقدة تجد طريقها ليحل مكانها عقدة التكنولوجيا. من الملاحَظ أن نظرة الأهل اختلفت عن السابق، ويعتقدون أن عزوف أطفالهم عن الإقبال على الكتب العربية هو مشكلة، وتراهم يشكون من هذا الأمر ويضعون اللوم على التكنولوجيا. لا يخلو الأمر من بعض الأهالي الذين يعتبرون أن عزوف أولادهم عن العربية يمكن أن يُعوّض بلغات ثانية، ويضعون اللوم على عدم وجود كتب جذابة وروايات شبيهة بالروايات الأجنبية». وتعي دور النشر بشكل عام أن الفجوة بين العامية والفصحى تشكل عائقاً أحيانا أمام الأطفال: «الكتاب بدورهم يدركون أن دورهم هو تقريب لغتهم من العامية، واختيار الألفاظ البسيطة، والعبارات المناسبة لكل فئة عمرية، سواء كان الكتاب مترجماً أو مؤلفاً بالعربية، وهذه مهمة ليست دائماً بالسهلة»، حسب جوانا المير. وتضيف: «الفجوة بين المحكي والمكتوب موجودة في كل اللغات، ونحن تعلمنا الفصحى ولغات أجنبية ولم تكن لدينا كل التسهيلات والكتب المسلية المتوفرة اليوم»، محمِّلة الأهل بعضاً من المسؤولية عن التراخي.
«في نهاية التسعينات كان الأكثر شيوعاً هي الكتب المترجمة التي تقدم معلومات مفيدة للأطفال مع صور جذابة، ثم بدأت سلاسل المطالعة التي تواكب المناهج الحديثة، وتلك التي تعنى بالطفولة المبكرة». تقول كريدية التي تحمل ماجستير في أدب الأطفال وشهادة دكتوراه في النشر، وتدربت في دار نشر أجنبية، وهي تعمل حالياً مع فريق شكَّلته من خلال نشر إعلانات، واختبار مهارات وغربلة للوصول إلى أفضل الكُتّاب والرسامين: «نحن نتناقش ونتحاور حول المواضيع والنصوص والرسوم والإخراج، لنخرج بالرؤية النهائية، وهذا ما يجعل العمل مميزاً. ما نقوم به، طالع من دراسة ورؤية وليس اعتباطياً»، تكمل كريدية. وجوانا المير من «دار سمير» توافق على أن الوصول إلى المهارات بات أسهل: «منذ 12 عاماً كان الوصول إلى الرسامين والكتاب المناسبين أمراً دونه صعوبات كثيرة. الإنترنت سهّل المهمة، بات بإمكاني أن أبحث عن الكتّاب وأتعرف إلى نصوصهم، أو الرسامين وأطلع على رسومهم قبل الاتصال بهم أو بدء التعاون معهم. بل إن هناك إقبالاً غير مسبوق على الكتابة للطفل، وعلى التوجه للرسم له»، وفق د. محيدلي.
وتختم صاحبة «دار الحدائق»: «وهناك وعي أكبر بحاجاته ونحن سعداء بهذا الحراك المتصاعد. ولكن من ملاحظاتنا أن كثيراً من هذه التجارب ينقصها العمق والتجريب والتأصيل. ويسيطر عليها الاستعجال، والاستخفاف، نتيجة غزارة المعلومات والالتقاط السريع ووجود برامج (الفوتوشوب)».
وتقول جوانا المير: «الإمكانيات الفنية والمواهب متوفرة، ليست هنا هي المشكلة، بالعكس هناك جهود كبيرة تُبذَل، لكن الناشر والكاتب والرسام، ليسوا وحدهم من يستطيعون حل كل المشكلات، هناك بنية متكاملة يشارك فيها الأهل والموزع والمجتمع، وعناصر كثيرة أخرى. الإنترنت مثلاً صار حجة. كنا ننافس كتاباً فرنسياً أو إنجليزياً صرنا ننافس شبكة إلكترونية مفتوحة على عالم هائل»، بحسب ما تقول جووانا المير.
وتذهب د. كريدية أبعد من ذلك وتقول: «ينقصنا المرح، الطرافة في المواضيع وطريقة الكتابة. أحيانا نغامر، ونتجرأ، لكننا نصطدم بشروط المدرسة، علينا أن نعترف بأننا لا يزال لدينا الكثير من التابوهات، والمواضيع التي لا يحب الأهل أن نتطرق إليها. نحن بحاجة إلى البساطة والنكتة والظرف، والصدر الرحب من الأهالي والهيئات التعليمة. نعرف كناشرين ما يحب الأطفال ونجيب على احتياجاتهم».
ولصاحبة «دار الحدائق» رأي مشابه، إذ ترى أن «الطفل يحتاج إلى أدب ومغامرات وتشويق وتحليق في الخيال أكثر مما يحتاج من التوجيه والتأديب المباشر والرسائل القيمية التي لا نغفل أهميتها عند الأهل ودورها في التربية، ولكن ليس على حساب ما يجذب الطفل ويخاطبه ويحترم عقله. لذا تقع على عاتق الناشر مسؤولية التمييز فيما يختار للنشر، ويقع على عاتق النقاد إبداء الرأي والملاحظات».
هناك دور كانت تصد مجلات للأطفال باتت تعيد تقييم دورها. منذ مدة توقفت «دار الحدائق» عن إصدار المجلتين الورقيتين اللتين كانت تصدرهما وهما «أحمد» و«توتة توتة»، وتعمل حالياً على دراسة إمكانية صدورهما بحلة جديدة مع صعوبة ذلك يوماً عن يوم. فالمتغيرات في التكنولوجيا و«الميديا» سريعة جدّاً، ولا يواكبها دراسات وأبحاث. وتشرح د. محيدلي: «نرى أن المفاهيم تبدلت، وتوصيف الطفل والطفولة واحتياجاتهم وعلاقتهم مع الأهل ومع مجلاتهم تحتاج إلى إعادة نظر، في دورها وأهدافها ومحتواها. فليس من المقبول أن تبقى أبواب المجلات كما كانت عليه، خصوصاً في أبواب المعلومات، والمقالات وطفل اليوم قادر على أن يتواصل ويصدر مجلته بنفسه».



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.