شخصيات أبعدتها الانتخابات تبحث عن أدوار لاستكمال مسيرتها

ريفي يعطي الأولوية للطعون وحرب يتريث بوضع استراتيجية مستقبلية

جانب من فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية اللبنانية (أ.ب)
جانب من فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية اللبنانية (أ.ب)
TT

شخصيات أبعدتها الانتخابات تبحث عن أدوار لاستكمال مسيرتها

جانب من فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية اللبنانية (أ.ب)
جانب من فرز الأصوات في الانتخابات البرلمانية اللبنانية (أ.ب)

أبعدت الانتخابات النيابية الأخيرة عددا لا بأس به من الشخصيات السياسية الوازنة وبخاصة تلك التي كانت تشكل رموزا أساسية لفريق 14 آذار عن برلمان 2018. ما سيُبعدها تلقائيا عن الحكومة الجديدة التي ستنكب قوى السلطة على تشكيلها بعد انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي الأسبوع المقبل. ولا تزال هذه الشخصيات وأبرزها النائب بطرس حرب، الوزير ميشال فرعون واللواء أشرف ريفي، تحاول استيعاب الصدمة بانتظار انتقالها إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي، وإن كانت أولوياتها تختلف في الفترة الراهنة.
وفيما يفضل حرب التروي قبل وضع استراتيجية مستقبلية، ينكب ريفي حاليا على إعداد ملف للطعن بنتائج الانتخابات، في الوقت الذي أعلن فيه فرعون أنه سيحضر من الآن وصاعدا اجتماعات تكتل «الجمهورية القوية» التابع لحزب «القوات اللبنانية».
ويرى حرب، الذي لطالما شكل أحد أبرز المشرعين في البرلمانات السابقة، أنه «من غير الصائب التخطيط لتكتل سياسي جديد أو غيره من الأطُر، تحت وطأة حدث معين»، هو في الحالة الراهنة الانتخابات النيابية، معتبرا أنه «من الحكمة التروي وعدم استباق الأمور، وإن كان قرارنا واضح باستمرار الالتزام بقضايا الناس والوطن». ويضيف حرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا شيء يستدعي العجلة، ومن المبكر الحديث عن الشخصيات التي سنجتمع معها لاستكمال المسيرة». ويتابع حرب عن كثب المشاورات والحركة الحاصلة لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب وتسمية رئيس حكومة، لافتا إلى أن «قوى السلطة عودتنا أنها حين تتفق، فهي تتفق على البلد والمواطن فتتقاسم الحصص بما يؤمن مصالحها، كذلك حين تختلف يضر ذلك بالبلد أيضا»، ويضيف: «المطلوب إعطاء الأولوية لبناء دولة بعيدا عن الفساد والعمل ليل نهار لمنع انهيار البلد وإعادة المؤسسات للناس بعد أن سُلبت منها».
ولم يتمكن حرب الذي ترشح عن دائرة الشمال الثالثة إلا من حصد 6155 صوتا مقابل 9842 صوتا للنائب عن «القوات» فادي سعد و12269 للنائب عن «الوطني الحر» جبران باسيل. ورد حرب في وقت سابق أحد أسباب خسارته إلى «مخاوف غير صحيحة لدى الناخبين لجهة تأثير وجوده في لائحة غير متجانسة على مواقفه ومبادئه ومساره الوطني»، باعتبار أنه ترشح على لائحة تحالف فيها انتخابيا مع تيار «المردة» الذي يرأسه النائب سليمان فرنجية ومع الحزب «السوري القومي الاجتماعي».
وبخلاف حرب الذي قرر عدم تقديم أي طعن بنتائج الانتخابات النيابية وإن كان يتحدث عن «مخالفات قانونية كبيرة»، ينكب ريفي وفريق عمله على إعداد ملف يتقدم به إلى المجلس الدستوري قبل انتهاء المهلة المحددة في السادس من الشهر المقبل. ويعتبر ريفي أن «السلطة شوّهت العملية الديمقراطية واستنسخت عقل النظام السوري الأمني وزجّت بعض الأجهزة الأمنية بلعبة سرقة أصوات الناس ودفع الناخبين للتصويت للسلطة»، لافتا في تصريح تلفزيوني إلى أنه «تمَ طرد مندوبينا من مراكز الاقتراع وتمَ تهديدهم، كما أن المشنوق لعب دور وكيل الوصاية السورية وتعاون معها وهو تابع دخول الباصات التي نقلت من شارك في الانتخابات»، مضيفا: «لا أحد يستطيع إعدامي سياسيا فهم أخذوا مني موقعاً في مجلس النواب، وهذا لا يقدّم ولا يؤخّر وسأبقى على مبادئي لتحرير لبنان من الهيمنة الإيرانية».
وتتحدث مصادر مقربة من ريفي عن «مخالفات جسيمة وشبهات كبيرة بالتزوير تم توثيقها ستكون جزءا من الملف الذي سنتقدم به إلى المجلس الدستوري» ورغم أن ريفي كان يعول على إنشاء تكتل نيابي باسم «لبنان السيادي» يضمه إلى عدد من النواب، إلا أن نتائج الانتخابات جاءت مخيبة تماما بالنسبة له، فلم يتمكن إلا من حصد 5931 صوتا في مدينته طرابلس مقابل 21300 صوت للنائب نجيب ميقاتي، و9527 للنائب عن «المستقبل» سمير الجسر و9600 صوت لزميله محمد كبارة.
وتفضل مجموعات المجتمع المدني التعاطي مع الانتخابات النيابية كمحطة في مسيرتها التي انطلقت حديثا، فترفض الإقرار بخسارة مدوية وإن كانت خروقاتها اقتصرت على خرق واحد تمثل بفوز الإعلامية بولا يعقوبيان.
ويعتبر الخبير الانتخابي أنطوان مخيبر أن عناصر متعددة أدت لفشل مجموعات المجتمع المدني في تجربته في الانتخابات التي جرت في السادس من مايو (أيار)، أبرزها «التأخير في تشكيل اللوائح، تعدد هذه اللوائح في بعض المناطق، الافتقار للأموال اللازمة كما عدم نجاح قيادة المجتمع المدني بإقناع الناخبين بمشروعها»، ويضيف مخيبر لـ«الشرق الأوسط»: «كذلك فإن غياب الالتزام المفترض توافره من قبل المندوبين والناشطين في يوم الانتخابات أثر على النتائج ككل».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.