أهالي الرقة السورية ينعمون بالحرية في أول رمضان

مشتاقون لطقوس الشهر الكريم ومشاهدة التلفزيون

بائع سوري يُحضر «الزلابية» وهي عجين مقلي يقدم خلال رمضان في سوق بمدينة الباب في الريف الشمالي من حلب (إ.ب.أ)
بائع سوري يُحضر «الزلابية» وهي عجين مقلي يقدم خلال رمضان في سوق بمدينة الباب في الريف الشمالي من حلب (إ.ب.أ)
TT

أهالي الرقة السورية ينعمون بالحرية في أول رمضان

بائع سوري يُحضر «الزلابية» وهي عجين مقلي يقدم خلال رمضان في سوق بمدينة الباب في الريف الشمالي من حلب (إ.ب.أ)
بائع سوري يُحضر «الزلابية» وهي عجين مقلي يقدم خلال رمضان في سوق بمدينة الباب في الريف الشمالي من حلب (إ.ب.أ)

لم يعد أحمد الحسين مُجبراً على الصوم خوفاً من عقاب قاسٍ، بل هو يصوم اليوم بدافع الإيمان في أول رمضان يحل بعد طرد تنظيم داعش من مدينته الرقة في شمال سوريا.
برغم الدمار الكبير الذي يعم شوارع المدينة وحاراتها، يهنأ سكان الرقة هذه السنة بشهر صيام هادئ لا يتعرض المفطرون فيه للملاحقة أو الصلب أو الاحتجاز داخل أقفاص في العلن في مدينة شكلت لسنوات معقل تنظيم داعش الأبرز في سوريا.
في دوار الدلة في وسط المدينة، يقول أحمد الحسين العامل الأربعيني «كان (داعش) يجبرنا على الصيام ويعاقب كل فاطر ويضعه في قفص من الحديد في ساحة النعيم تحت أشعة الشمس أمام المارة ليكون عبرة». أما اليوم، فبات السكان أحراراً في خياراتهم. ويضيف الحسين، في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية: «سابقاً كان الصيام خوفاً، ولكن الآن الصيام إيمان».
وسيتمكن الحسين وعائلته وأطفاله حتى من متابعة مسلسلات رمضان على التلفزيون، بعدما كان تنظيم داعش يمنعهم حتى من وضع أطباق استقبال الإرسال التلفزيوني.
ويقول الحسين «كنا مشتاقين لطقوس شهر رمضان ومشاهدة التلفزيون... في زمن (داعش) لم نشاهد المسلسلات لأربع سنوات». في وضح النهار في اليوم الأول من رمضان، ينهمك موظفو مطعم في تقطيع اللحم وشيه ولف الساندويتشات وتحضير الوجبات لزبائن قلائل يشربون العصير وينتظرون الغذاء. ويقول صاحب المطعم الصغير المقابل لحديقة الرشيد، دخيل الفرج، «في زمن (داعش) كان ممنوعاً علينا فتح المطعم إلا قبل موعد الإفطار بساعتين» للبدء بتحضير الوجبات، مضيفاً أن «الحسبة» (شرطة داعش) كانت تلقي القبض على كل من تراه يأكل.
لكن اليوم يفتح الفرج مطعمه «لاستقبال الزبائن منذ الساعة العاشرة صباحاً»، وفق قوله، «لأن الناس أحرار، من يريد أن يصوم فهو حر ومن يفطر فهو حر». ومنذ أن طردت «قوات سوريا الديمقراطية» تنظيم داعش من المدينة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عاد عشرات الآلاف من سكانها إلى منازلهم، وإن كان معظمها متضرراً أو حتى مدمراً تماماً جراء الغارات الجوية والمعارك الضارية. في شارع تل أبيض التجاري، يضع بائع عصير السوس والتمر الهندي أمام بناء مدمر تماماً أربعة براميل زرقاء يملأ منها أكياساً بلاستيكية بالعصائر، وينادي على الصائمين لشرائها.
وفي مكان قريب، ينتظر رجال ونساء في طوابير طويلة أمام «فرن الأندلس»، أحد أشهر أفران الرقة حالياً.
وتقول ناديا الصالح، وهي امرأة أربعينية تضع على رأسها حجاباً أسود براقاً، «اشترينا حلويات من أجل الأطفال لنفرحهم برمضان، حتى وإن كنا لا نزال من دون منازل، ولاجئين في بيوت الناس».
عاود «فرن الأندلس» العمل وصنع المعجنات وخبز «المعروك» الشهير بعدما دُمر مرات عدة بسبب المعارك، وفق القائمين عليه. في القسم الخلفي من الفرن، ينهمك عامل بصناعة العجين ثم رش السمسم عليها قبل وضعها في الفرن، فيما تملأ الروائح الشهية المكان.
ويقول صاحب الفرن حنيف أبو بديع «لا يمكن مقارنة العام الحالي بالسنوات العجاف التي عشناها»، مضيفاً: «لا توجد مقارنة أبداً، فبرغم الدمار والخراب الناس سعداء جداً لأنهم استيقظوا من كابوس».
يتجول الرجل الستيني بعباءته البيضاء بين عمال فرنه مشرفاً على سير العمل، وهو الذي عانى من بطش تنظيم داعش في شهر رمضان العام الماضي، إذ سجن ثلاثة أيام وتلقى 40 جلدة وأغلق محله 15 يوماً، والسبب ببساطة أنه بعد إجبارهم على مغادرة المحل من أجل أداء الصلاة، بقي طفل صغير مختبئاً في الفرن.
ويقول أبو وديع «حين أتذكر (داعش) أشعر تلقائياً بالغضب... لكننا هذا العام نصوم دون (داعش)، وسوف نعيش كما نشاء وبكل حرية». في أحد أسواق الخضار القريبة، تقلب امرأة بين الباذنجان بحثاً عن الأفضل، وتختار أخريات بين البندورة والبطاطس أو البرتقال والموز والمشمش. وبرغم سعادة الناس بأجواء الحرية، إلا أنهم لا يزالون يعانون من نقص كبير في الخدمات من مياه وكهرباء، ومن غياب فرص العمل بشكل أساسي.
ويقول حوران الناشف (52 عاماً) «هناك غلاء فاحش ولا عمل»، حتى أن أولاده يبحثون طوال النهار عن أعمال يومية تمكنهم من تلبية حاجات العائلة. ويضيف: «من لديه أموال يحضر إفطاراً، والفقير مثلي يتحسر... يأخذ القليل من الخيار والبندورة والبطاطس لنسلقها».



أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.