السعودية تصدِّر ثقافتها إلى اليابان عبر الرسوم المتحركة

«تلفاز طوكيو» يبث إنتاجاً سعودياً للمرة الأولى في تاريخ الإعلام الياباني

جانب من «كنز الحطاب» أول عمل رسوم متحركة يتم إنتاجه بين السعودية واليابان («الشرق الأوسط»)
جانب من «كنز الحطاب» أول عمل رسوم متحركة يتم إنتاجه بين السعودية واليابان («الشرق الأوسط»)
TT

السعودية تصدِّر ثقافتها إلى اليابان عبر الرسوم المتحركة

جانب من «كنز الحطاب» أول عمل رسوم متحركة يتم إنتاجه بين السعودية واليابان («الشرق الأوسط»)
جانب من «كنز الحطاب» أول عمل رسوم متحركة يتم إنتاجه بين السعودية واليابان («الشرق الأوسط»)

للمرة الأولى في مسيرة الإعلام الياباني، تبث محطة «تلفاز طوكيو» العريقة، اليوم (الأحد)، حلقة الرسوم المتحركة «كنز الحطاب» التي أنتجتها الشركة السعودية «مانجا» التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان بن عبد العزيز «مسك الخيرية»، وذلك بالتعاون مع شركة «توئي أنيميشن» وبرعاية من بنك «ميزوهو» الياباني.
ويعد «كنز الحطاب» أول عمل رسوم متحركة متكامل يتم إنتاجه بالتعاون بين السعودية واليابان، وقد تم تحرير العمل ليكون حلقة تلفزيونية مدتها 22 دقيقة، من المقرر بثها اليوم (الأحد) 20 مايو (أيار)، على مستوى اليابان في وقت الذروة، حيث يعرض العمل حكاية تراثية من الجزيرة العربية، في حين يأتي «كنز الحطاب» ضمن برامج وأنشطة شركة «مانجا» لإنتاج محتوى إبداعي إيجابي وهادف يجذب الأجيال الصاعدة، ويترجم الثقافة المحلية الأصيلة إلى العالم عبر أحد أبرز لغات العصر الحديث.
وقال كبير المنتجين في «تلفاز طوكيو» كائي ياما: «نحن سعداء بأن حلقة (كنز الحطاب) سيتم عرضها للمرة الأولى على شاشات التلفاز في اليابان، حتى قبل بثها في العالم العربي. القصة ذات صبغة عالمية، وتذكرنا بالحكايات التراثية القديمة الرائعة في اليابان، وذات رسالة هادفة. وواثق من أن المشاهدين في اليابان سيتفاعلون معها ويحبونها».
من جانبه أوضح الدكتور عصام بخاري، الرئيس التنفيذي لشركة «مانجا» للإنتاج، أن الشركة تسعى لإيصال الثقافة السعودية إلى العالم في صورة إبداعية تجذب الأجيال الصاعدة، وتقدم لها رسائل هادفة بصناعة وإنتاج سعودي، وبالتعاون مع كبرى دور الإنتاج العالمية، مضيفاً: «ولا شك أن بث حلقة (كنز الحطاب) في محطة شهيرة مثل (تلفاز طوكيو) يعتبر خطوة مهمة في تصدير الثقافة السعودية كونها في بلد مثل اليابان عُرف عنه بأنه معقل صناعة الرسوم المتحركة عالمياً».
من جهته قال رئيس بنك «ميزوهو» في السعودية توشيهارو فوجيوارا، إننا نعتز في بنك «ميزوهو» بأن نكون رعاة لهذا المنتج السعودي الياباني، الذي يندرج كخطوة مهمة تحت الرؤية نفسها التي تسعى إلى تطوير صناعة المحتوى في المملكة.
يذكر أن شركة «مانجا» للإنتاج وقعت عقدين مع شركة «توئي أنيميشن» خلال فعاليات منتدى «مسك» العالمي العام الماضي، لإنتاج مشترك لمسلسل متكامل وفيلم سينمائي بأسلوب الرسوم المتحركة، ليتم بثهما في اليابان والعالم العربي وعدد من الدول حول العالم.
إلى ذلك، قامت وكالة اليابان للتجارة الدولية (جيترو) بدعوة شركة «مانجا» للإنتاج كممثلة لمنطقة الشرق الأوسط، ضمن 12 شركة من حول العالم، لحضور اجتماعات الأعمال المصاحبة لفعاليات «أنيمي جابان» لهذا العام 2018، بحضور الكثير من الشركات اليابانية في مجالات الإنتاج والبث والصناعات ذات العلاقة، للاجتماعات وبحث سبل التعاون والشراكات المستقبلية في مجالات صناعة المحتوى.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».