«عطر الروح»... متاهة من العلاقات الإنسانية المتشابكة

تبتعد عن الدراما النمطية في الخليج

بطلة «عطر الروح» الفنانة الكويتية هدى حسين
بطلة «عطر الروح» الفنانة الكويتية هدى حسين
TT

«عطر الروح»... متاهة من العلاقات الإنسانية المتشابكة

بطلة «عطر الروح» الفنانة الكويتية هدى حسين
بطلة «عطر الروح» الفنانة الكويتية هدى حسين

قضايا حسّاسة لم تتعرّض لها الدراما الخليجيّة بهذه الصيغة سابقاً، وتفاصيل جريئة تدخل خفايا علم النفس وأسراره في مسلسل «عطر الروح» الذي تعرضه «MBC دراما» في رمضان. يتكرّر في هذا العمل ثالوث البطلة هدى حسين، والكاتب علاء حمزة، والمخرج محمد القفاص إثر نجاحهما معاً في العام الماضي، ليجتمعوا مجدداً في عمل يتوقع من نوعٍ خاص، يشارك في بطولته عبد المحسن النمر وحسين المنصور وعبير أحمد. يرصد المسلسل حكاية عطر، الأم والزوجة المحبة، وهي في الوقت نفسه طبيبة نفسيّة سابقة، تملك قدرات علميّة وعقليّة كبيرة، حيث تمكنت من تحويل شخص ضعيف ومن ذوي الاحتياجات الخاصة إلى إنسان قوي لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلاً، وهو ما اعتبر خطأ طبياً أوقفت بسببه عن مزاولة مهنة الطب بحكم قضائي. وتدخل المرأة في متاهة من العلاقات الإنسانية المتشابكة والتغيرات الحادة في حياتها وحياة أسرتها والناس المحيطين بها.
توضح الفنانة هدى حسين «أننا أمام دراما تغوص في منطقة جديدة فيها التشويق والإثارة، ونبتعد فيها عن الدراما النمطية المتعارف عليها في الخليج، والكاتب علاء حمزة يتميّز بهذا النوع من الأعمال، وهذا ثاني عمل لنا معاً، وأتوقع أن يلقى هذا العمل نجاحاً مضاعفاً، وهو الثاني أيضاً مع المخرج محمد القفاص الذي يحب الأعمال التي فيها هذا النوع من الغموض». وتلفت حسين «إنني أقدم شخصية الدكتورة عطر، التي تعيش مع زوجها (محمد السلمان) وابنها الوحيد (محمد سفر)، وأختها وزوج أختها، وهي أسرة تعيش ببساطة، بعدما توقفت عن ممارسة عملها في مجال الطب النفسي قبل 20 عاماً، لأنها ابتكرت تقنيات رفضها الوسط الأكاديمي العلمي الذي كانت تعمل فيه، فأوقفت عن العمل بأمر من المحكمة».
وعن التعاون مع الممثلين، تثني حسين على «التزام عبير أحمد» وتقول «إنها ممثلة متمكنة من أدواتها وهي تؤدي دوراً جميلاً». تشيد هدى حسين بالتعاون مع عبد المحسن النمر معلقة: «تجمع بيننا كيمياء جميلة، وكنا نبحث عن عمل رومانسي لكن ما حصل أننا اجتمعنا في عمل كان فيه نداً لي، ويقدم شخصيّة جميلة ستكون حديث الناس في رمضان، كما أن دور حسين المنصور جديد عليه على ما أعتقد، وهو صديق وزميل ويقدّم شخصية طبيب منافس». وتضيف أن «هذا العمل أعطى فرصة لعدة ممثلين في أدوار منتقاة لهم من قبل المخرج محمد القفاص».
ويرى الفنان عبد المحسن النمر في المسلسل فرصة ليلتقي بهدى حسين للمرة الثانية على الشاشة الصغيرة. ويلفت إلى أن «التجربة الأولى بيننا حققت نجاحاً ملموساً، وجاءتنا الفرصة لنلتقي معاً في شخصيتين، إحداهما تقودها هدى والثانية أقودها أنا، وأتمنى أن يجد العمل استحساناً من الجمهور». ويشير النمر إلى أن «المسلسل يعتمد موضوعاً فيه أبعاد سيكولوجية، ويأخذ اتجاهاً أعمق من الموجود في بقية الأعمال، حول كيفية تطويع النفس الإنسانية من خلال علم النفس والوعي الكامل بشكل أكاديمي وكيف تتعامل معها رقمياً وفي إطار الأوهام، من خلال دكتورة نفسية متميزة تحاول أن تطبق علمها على مستوى الواقع، ولها تجاربها الخاصة التي تصطدم فيها بحالة معينة فتجني ثماراً سيئة». ويكشف النمر: «أقدم دور عدنان محور الشر في العمل، وهو فاحش الثراء، شخصيته مليئة بالشر لكنها مبررة درامياً، ويحصل في سياق الأحداث صدام دائم مع الدكتورة النفسية. الشخصية جديدة علي شكلاً ومضموناً».
من جانبه، يكتفي الممثل حسين المنصور بذكر كلمات قليلة عن دوره في «عطر الروح»، ليقول: «أؤدي شخصية الطبيب يعقوب، يخوض صراعاً مستمراً مع الطبيبة عطر التي تؤدي دورها هدى حسين»، مثنياً على العمل مع «هذه الممثلة الذكية التي تحسن اختيار مسلسلاتها وما تقدمه للجمهور»، واعدا الجمهور بدراما اجتماعية تحبس الأنفاس ومختلفة عن السائد في الدراما الخليجية.
من جانبها، توضح الفنانة عبير أحمد: «أقدّم شخصية المرأة الصبورة على زوجها، رقيقة المشاعر والتي تخاف عليه، إلى أن تحصل أحداث تولّد عندها مشكلات كثيرة نتيجة سوء فهم منها لبعض الأمور، ومع ذلك تظل مثالاً للزوجة الصالحة». ورغم أن مشاهدها مع هدى حسين قليلة، تؤكد عبير أحمد: «مجرد ظهوري في مشهد واحد معها يشكل بصمة في مسيرتي»، واصفة العمل بـ«الراقي والذي سيحدث ضجة ويثير جدلاً إيجابياً عند عرضه، خصوصاً في حلقاته الأخيرة». وتعتبر أن أجواء التصوير، كانت سلسة ولم نشعر بها، كما كان بيننا ألفة ومحبة كممثلين، كما أن العمل هو أول لقاء لي مع المخرج محمد القفاص، مشددة على كونه منظماً ودقيقاً في عمله».
أما الكاتب علاء حمزة، فيشير إلى أن «هذا ثاني لقاء يجمعني بهدى حسين فهي قامة وقيمة فنية، أستمتع بالكتابة لها وبمشاهدتها... لأنني أجد أداءها أجمل من خيالي وأبعد». ويشير إلى أن «الجديد في دراما (عطر الروح) هو الدخول إلى نفس كل شخصية تظهر على الشاشة، والتنقيب هناك عن مكامن الأسرار وكوامن الدهشة». ويشرح أن بطلة العمل شخصية صعبة جداً فهي طبيبة نفسية، عنيدة، متحدية، ومقاتلة شرسة، لا تحتاج كي تفجر طاقاتها إلاّ لأن تستفزها». ويؤكد «أنني أقدم فناً صعباً، لأن الجمهور لم يعد سهلاً، وكلما حاولنا اختبار عمقه، فاجأنا بأغوار أبعد»، ويضيف أن «جمهورنا العربي كما لم يدرك بعد كثير».



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.