صنعاء تعيش جنون أسعار وضرائب وإتاوات تنهك التجار

الحوثيون يفتعلون أزمة وقود مع شهر رمضان لإنعاش السوق السوداء

يمنيون يتسوقون لشهر رمضان المبارك أول من أمس في الحي القديم من صنعاء (إ.ب.أ)
يمنيون يتسوقون لشهر رمضان المبارك أول من أمس في الحي القديم من صنعاء (إ.ب.أ)
TT

صنعاء تعيش جنون أسعار وضرائب وإتاوات تنهك التجار

يمنيون يتسوقون لشهر رمضان المبارك أول من أمس في الحي القديم من صنعاء (إ.ب.أ)
يمنيون يتسوقون لشهر رمضان المبارك أول من أمس في الحي القديم من صنعاء (إ.ب.أ)

تشهد أسعار المواد الغذائية في صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ارتفاعاً جنونياً، لتزداد معاناة سكان تراجعت قدرتهم الشرائية بشكل كبير بسبب الحرب، وذلك وفق تقرير للوكالة الفرنسية. وبحسب علي صالح، بائع التمر في سوق صنعاء الرئيسية، فإن «المبيعات ليست جيدة على الإطلاق» قبل بدء شهر رمضان، لأن «أولوية الناس هنا أصبحت تتركز على تأمين المواد الضرورية». وفي هذه الأثناء، منعت ميليشيات الحوثي خلال اليومين الماضيين خروج كميات كبيرة من النفط والغاز عبر شركة النفط اليمنية، من داخل ميناء الحديدة إلى أسواق المناطق التي تقع تحت سيطرتها في إقليمي تهامة وأزال. ورفضت الميليشيات أن تلعب الشركة دوراً في عمليات بيع هذه الكميات، وفق الآليات المتبعة في توزيعها على التجار، وفرضت تحت تهديد السلاح تسليم صافي هذه الكميات لقيادات في الجماعة، تتكفل ببيعها بأسعار مرتفعة جداً، ستفرز، وفقاً لمسؤولين يمنيين، سوقاً سوداء مع أول أيام شهر رمضان، الأمر الذي دفع بعدد كبير من مسؤولي الشركة وموظفيها إلى تقديم استقالاتهم.
ويأتي هذا الإجراء بعد أسبوعين من احتجاز الميليشيات 19 سفينة، أغلبها محملة بالنفط، داخل ميناء الحديدة، وسيطرتها على الكميات الموجودة في خزانات الميناء، ورفضها إخراجها للسوق. وقال وكيل أول محافظة الحديدة، وليد القديمي، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «الميليشيات الحوثية أوقفت كل السفن المحملة بالنفط في الميناء، ومنعت سفناً من الدخول إلا بإذن مشرف الميليشيات الحوثية في الميناء، حتى يتسنى لهم التحكم بشكل مباشر وسريع في جميع ما يدخل من كميات في هذه الأيام التي تسبق شهر رمضان».
وأضاف أن هذا الإجراء والتدخل المباشر في عمل موظفي شركة النفط دفعهم إلى تقديم استقالات جماعية، واشتراط تمكين الشركة والعمل بطاقمها وعدم المتاجرة بالمشتقات النفطية، وهو ما نجحت فيه في وقت سابق، وقلصت حينها عمليات التلاعب قبل التدخل في مهامها.
وأشار إلى أن الحوثيين يستوردون النفط من خلال تجار موالين لهم، ويبيعون الكميات لحظة وصولها إلى ميناء الحديدة لموزعين يتبعون الميليشيات، بعيداً عن إجراءات شركة النفط المسؤولة عن توزيع الحصص على الموزعين، الأمر الذي أنهى دور الشركة في إدارة السوق وتصريف الكميات وفق دراستها وقراءتها للسوق.
وتطرق إلى أن الميليشيات الحوثية احتجزت قبل أسابيع 19 سفينة محملة بالنفط في الميناء. وخلال الأيام الماضية، لم تفصح إلا عن عدد بسيط من هذه الشحنات المحملة على هذه السفن، ولا يزال الباقي موجوداً في رصيف الميناء.
إلى ذلك، ذكر الناشط الحقوقي في الحديدة، عبد الحفيظ الحطامي، أن الميليشيات الحوثية أنعشت السوق السوداء للوقود مع اقتراب شهر رمضان، حيث يزداد إقبال المدنيين على استهلاك الوقود، إذ عمدت إلى إيقاف دخول الوقود والبترول والديزل والغاز إلى ميناء الحديدة، وأقدمت الميليشيات الحوثية على احتجاز 19 سفينة محملة بالوقود، ورفضت دخولها للغاطس في الميناء.
وحذّر من اتساع رقعة المجاعة، خصوصاً في محافظات الحديدة وصنعاء وإب وذمار، جراء الأعمال التي تقوم بها الميليشيات في كل الاتجاهات، ومنها افتعالها أزمة المشتقات النفطية التي تسببت في إغلاق معظم محطات الوقود بالمدينة.
وبالعودة إلى سوق صنعاء القديمة، لا يوجد نقص في المواد الغذائية، إلا أن الأسعار المرتفعة تصعّب على الباعة إيجاد الزبائن القادرين على الشراء.
ويشكو عبد الله مفضّل، وهو أحد سكان المنطقة القديمة، من أن الأسعار «ارتفعت بشكل كبير عشية رمضان، ولم تعد تتناسب مع القدرة الشرائية للسكان، خصوصاً أولئك الذين يملكون بطاقات الدعم».
ويقوم الحوثيون بتوزيع بطاقات دعم على الموظفين الحكوميين تساعدهم على شراء المواد الضرورية، بسبب عدم قدرتهم على دفع الرواتب لهؤلاء الموظفين. ويوضح مفضّل: «الأموال غير متوفرة، والرواتب لم تعد تصل. عليهم (الحوثيون) توزيع بعض الأموال من أجل (تلبية احتياجات) رمضان». وبالقرب منه، في أحد أكشاك السوق، يحذّر أحمد العقبي من أن الوضع «سيء جداً»، مشيراً إلى أن الرواتب «لم تدفع منذ 8 أشهر»، ويتابع: «الله سيتكفل بنا، لكن الأسعار تواصل الارتفاع؛ كل شيء يزداد كلفة». وبحسب سكان، ارتفع سعر كيس الأرز، البالغ وزنه 40 كلغ، بنحو الثلث تقريباً، بينما ارتفع سعر كيس السكر بـ25 في المائة.
ويقوم التجار بدفع عدة ضرائب جمركية، من لحظة وصول البضائع إلى اليمن حتى وقت دخولها منافذ صنعاء، لكن هناك أيضاً نقاط تفتيش أمنية يقوم القيّمون عليها بطلب الأموال في بعض الأحيان للسماح للشاحنات المحمّلة بالبضائع بالمرور.
ويعيش كثير من اليمنيين حالة من الترقب في رمضان، يفكرون في طرق لتحصيل الأموال من أجل دفع الإيجارات وشراء المواد الغذائية الرئيسية التي تستخدم في إعداد طعام الإفطار، مثل الحساء والسلطة.
وتقول يمنية من سكان العاصمة: «بعت قارورة الغاز من أجل تسديد قيمة الإيجار. لم تعد هناك طريقة لأطبخ بها، وليس لدي طحين، ولا أرز». وبالقرب منها، تأكل بناتها قطعة من الخبز ويشربن معها القهوة.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.