تصادم الإرادات الإقليمية والدولية يعقد تشكيل الحكومة العراقية المقبلة

الصدر يختار مرشحه لرئاسة الوزراء... ويتلقى التهنئة من العبادي ومسعود ونيجيرفان بارزاني

موظفو مفوضية الانتخابات يعاينون صناديق اقتراع في مستودع بالنجف أمس (رويترز)
موظفو مفوضية الانتخابات يعاينون صناديق اقتراع في مستودع بالنجف أمس (رويترز)
TT

تصادم الإرادات الإقليمية والدولية يعقد تشكيل الحكومة العراقية المقبلة

موظفو مفوضية الانتخابات يعاينون صناديق اقتراع في مستودع بالنجف أمس (رويترز)
موظفو مفوضية الانتخابات يعاينون صناديق اقتراع في مستودع بالنجف أمس (رويترز)

في الحنانة بمدينة النجف (160 كم جنوب بغداد)، يتلقى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر التهاني بوصفه الفائز الأول في الانتخابات البرلمانية بعد حصول كتلته على 65 مقعداً برلمانياً حتى الآن. رئيس الوزراء وزعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي الذي حل ثالثاً بعد كتلة «الفتح» التي يتزعمها هادي العامري كان أول مهنئي الصدر، بالإضافة إلى الزعيم الكردي البارز مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ورئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني.
وأعلن مكتب الصدر في بيان له أن «الصدر تلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، مهنئاً إياه بإجراء العملية الانتخابية بأجواء ديمقراطية آمنة وفوز تحالف (سائرون) الوطني وحصوله على المرتبة الأولى ضمن القوائم الانتخابية المتنافسة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018».
من جانبه، اعتبر الصدر أن «هذا الفوز هو إنجاز للشعب العراقي واستحقاقه الوطني أولاً وآخراً»، داعياً إلى «تحقيق تطلعات الشعب في العيش الحر الكريم الذي يصبو إليه». لكن بعيداً عن التهاني وفي المنطقة الخضراء ببغداد التي لم يدخلها الصدر إلا معتصماً عام 2015 ناصباً أمام إحدى بواباتها خيمته الزرقاء فيما يحميه مئات الآلاف من أنصاره، يجري الجنرال الإيراني قاسم سليماني، طبقاً لما تداولته وسائل الإعلام العراقية، مباحثات مع القيادات الشيعية من أجل تشكيل الكتلة الأكبر التي تمهد لتشكيل الحكومة. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن سليماني عقد أول من أمس اجتماعين في بغداد مع أحزاب شيعية بارزة. ونقلت الوكالة عن مصدر حضر الاجتماعين، أن طهران تسعى إلى «تشكيل تحالف واسع، وإعادة جميع الإخوة الأعداء في حزب الدعوة، نوري المالكي وحيدر العبادي، إضافة إلى قائمة الفتح التي يرأسها هادي العامري، وعمار الحكيم، إلى جانب ممثلين لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الكردي». وفي حال فوز الخيار «الإيراني»، فإن «سائرون» تكون قد فازت في الانتخابات من دون أن تتمكن من تشكيل الحكومة. وبالتالي ستنهار آمال كثير من العراقيين في محاربة الفساد المستشري في البلاد، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة بمؤسسات الحكومة.
وفيما يبدو الشيعة على عجلة من أمرهم على صعيد تشكيل الكتلة الأكبر بعد الخرق الذي أحدثه الصدر في هذه المعادلة التي كانت شبه مستقرة، فإن السنة والأكراد ما زالوا مصدومين، إما من النتائج التي حصل عليها هذا الطرف أو ذاك منهم، أو بما يتحدثون عنه عن حالات تزوير لا تزال تمارس على نطاق واسع. وكان المبعوث الأميركي بيرت ماكفورك قد سبق سليماني إلى بغداد، وبذلك فإنه طبقاً لما يراه المراقبون السياسيون، فإن الحضور الأميركي والإيراني إلى بغداد، بينما لم يجف بعد حبر الأصابع البنفسجية، إنما يمثل تصادماً حاداً للإرادات الإقليمية والدولية التي قد تعرقل عملية تشكيل الحكومة.
كتلة «صادقون» البرلمانية التي تمثل عصائب أهل الحق والتي حققت مفاجأة انتخابية لافتة بحصولها على نحو 15 معقداً هذه المرة، بينما كانت تحتل مقعداً واحداً في الدورة البرلمانية المنتهية استبقت هذه التحركات بالقول إن الولايات المتحدة الأميركية تقود حراكاً سياسياً يهدف إلى إبعاد تحالف الفتح وقياداته عن المشهد السياسي. رئيس الكتلة حسن سالم يقول في تصريح إن «هناك تحركات أخيرة لواشنطن للتأثير في الانتخابات العراقية، والتحالفات التي ستحصل لتشكيل الحكومة هي جزء من برنامجها ومخططها للهيمنة على العراق والمنطقة». ويضيف سالم أن «واشنطن تريد عملية سياسية بالعراق توافق أهواءها ومصالحها، وهي تخشى دخول قائمة الفتح للعملية السياسية بهذه القوة، بالتالي فهي تحاول لعب كل أوراقها ورمي كل ثقلها لإبعاد قياداته».
الصدريون لا يبدو عليهم أنهم معنيون كثيراً بلقاءات المنطقة الخضراء الحالية الآن. لكنهم أعادوا طرح مرشحهم لرئاسة الوزراء رسمياً أمس (الثلاثاء). ففي الوقت الذي كان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أعلن الأسبوع الماضي وقبيل إجراء الانتخابات أنه قد يطرح علي دواي محافظ ميسان، مرشحاً لرئاسة الوزراء، فإن الشيخ صلاح العبيدي، المتحدث الرسمي باسم الصدر، أعلن أن «مرشحنا لرئاسة الوزراء هو علي دواي»، مبيناً أن «(سائرون) تفتح أبوابها للحوارات مع كل الكتل السياسية والأحزاب من أجل التفاهم لتشكيل الحكومة»، وشدد على أن «سائرون» لن تفرض على أحد تقبل مرشحها لرئاسة الوزراء.
السياسي السني أثيل النجيفي يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه في «مفاوضات تشكيل الحكومة لا بد أن تتم إعادة النظر في توزيع المقاعد بين الأحزاب المشاركة داخل كل تحالف ومدى انضباطهم وقناعتهم بقيادة تحالفهم ومدى تأثر تلك الأحزاب بالإرادات الخارجية»، مشيراً إلى أن «ذلك يشمل التحالفات التي لا تعتمد على خلفيات حزبية متماسكة».
من جانبه، فإن أستاذ العلوم السياسية وعميد كلية النهرين للعلوم السياسية الدكتور عامر حسن فياض يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «العاملين الإقليمي والدولي سيكونان حاضرين في مجريات الانتخابات العراقية، لكن لا العامل الإقليمي أو الدولي يستطيع فرض شخصية لتولي رئاسة الوزراء، لكنهما يستطيعان رفض شخصية».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.