بوتين يفتتح «جسر القرم»... الأطول في روسيا والأغلى في العالم

تحدث عن «يوم تاريخي» ومرحلة جديدة في ربط شبه الجزيرة بروسيا

بوتين يفتتح «جسر القرم»... الأطول في روسيا والأغلى في العالم
TT

بوتين يفتتح «جسر القرم»... الأطول في روسيا والأغلى في العالم

بوتين يفتتح «جسر القرم»... الأطول في روسيا والأغلى في العالم

دشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس، مرحلة جديدة في تعزيز الحضور الروسي في شبه جزيرة القرم، بعد مرور أربع سنوات على ضمها إلى روسيا. وشارك بوتين في مراسم احتفالية بافتتاح جسر معلق يمر فوق مضيق كيرتش الواقع بين بحر ازوف والبحر الأسود، ليشكل أضخم مشروع لطريق بري يربط للمرة الأولى أراضي روسيا مع شبه جزيرة القرم. وبرغم أن الطريق سوف يفتح رسميا أمام حركة العبور للمواطنين في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لكن الرئيس الروسي تعمد من خلال مشاركته في الافتتاح التقني للجسر توجيه رسالة قوية إلى أوكرانيا وإلى الغرب الذي فرض عقوبات جديدة على روسيا أخيرا بسبب ملف ضم القرم.
وغدا بوتين أول مواطن روسي يعبر الجسر الذي يصل طوله إلى 19 كيلومترا. ونقلت كاميرات التلفزيون التي رافقت الرحلة أمس، مشاهد صورت على طول الطريق لبوتين وهو يقود شاحنة من طراز «كاماز» على رأس قافلة ضمت 35 من الشاحنات والآليات المختلفة التي ستواصل أعمال التشطيبات النهائية للجسر قبل افتتاحه أمام حركة المرور العادية.
واجتاز بوتين المسافة من آخر نقطة في إقليم كراسنودار جنوب روسيا إلى مدينة كيرتش على الطرف المقابل من المضيق، لتكون المرة الأولى التي يزور فيها شبه الجزيرة برا بعدما كانت زياراته السابقة تتم على متن طائرات عسكرية تحط في قاعدة سيفاستوبول العسكرية الروسية.
وفي تأكيد على المغزى المهم للحدث، استخدم بوتين في بداية الرحلة كلمة «لننطلق» مذكرا بذلك مواطنيه بالكلمة التي أطلقها رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين في بداية أول رحلة لإنسان إلى الفضاء الخارجي في العام 1961.
وأكد الرئيس الروسي أمام حشد من مواطني شبه الجزيرة فور وصوله على «الأهمية التاريخية» للحدث، وقال إن ربط الأراضي الروسية بالقرم «كان دائما حلم الروس منذ عهود القياصرة».
واتهم رئيس الوزراء الأوكراني فولوديمير غرويسمان روسيا بـ«انتهاك القانون الدولي» بإقامتها الجسر، وذلك في مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة الفرنسية. وقال غرويسمان إن «المحتل الروسي (...) يستمر في انتهاك القانون الدولي»، مؤكدا أن «روسيا ستدفع الثمن غاليا جدا». وزاد أن تشغيل الطريق البري سوف يساعد على تطوير شبه الجزيرة ورفع المستوى المعيشي للمواطنين فيها. ووصف المشروع بأنه «الأضخم في تاريخ روسيا»، متعهدا بأن تطلق موسكو «مشروعات إنشائية عملاقة أخرى يمكن أن نصفنها بأنها مشروعات القرن».
وكانت حركة المرور إلى شبه الجزيرة تقتصر حتى الآن على استخدام السفن والعبارات التي تقطع المضيق في عدة ساعات. بينما تم إغلاق كل الطرق البرية التي تربط روسيا بالقرم لأنها تمر عبر الأراضي الأوكرانية التي تحيط بالجزيرة من ثلاث جهات.
ويعد الطريق الذي افتتحه بوتين الجزء الأول من المشروع الضخم، الذي يشتمل على مسرب خاص للسكك الحديد سيتم افتتاحه العام المقبل، وتصبح الحركة إلى القرم ممكنة من الأراضي الروسية عبر حركة القطارات التي تعد الوسيلة الأرخص ثمنا والأوسع استخداما عند الروس.

وكانت التجربة الوحيدة في التاريخ لربط شبه الجزيرة بروسيا عبر ممر بري لم تعش أكثر من 150 يوما، إذ أقام الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية جسرا للسكك الحديدية في خريف العام 1944 نقل عليه خلال خمسة شهور آليات عسكرية ومعدات وجنودا قبل أن تدمره في فبراير (شباط) 1945 عاصفة ثلجية قوية. واتخذ المشروع الذي تعهد بوتين بإطلاقه بعد مرور شهور قليلة على ضم شبه الجزيرة في 2014 بعدا سياسيا مهما في ظل الحصار الغربي والعقوبات التي فرضت على روسيا، كما اتخذ «بعدا وطنيا رمزيا فائق الأهمية بالنسبة إلى بوتين كونه شكل تحديا لقدرته على الوفاء بالتزاماته»، وفقا لتعليقات وسائل إعلام أمس.
وكان قرار ضم القرم قوبل برفض دولي واسع، وأعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبلدان أخرى حليفة لهما فرض عدة رزم من العقوبات طاولت شركات ومؤسسات وشخصيات روسية وأوكرانية ساعدت على «سلخ شبه الجزيرة عن أوكرانيا» وفقا للوصف الغربي. وجاءت أحدث لائحة عقوبات أعلنها الاتحاد الأوروبي أمس وطاولت خمس شخصيات بسبب «انخراطهم في تنظيم الانتخابات الرئاسية الروسية في القرم». وأوضح مصدر أوروبي أن بروكسل أدرجت في هذه اللائحة مسؤولين من اللجنتين المحليتين للانتخابات في القرم، وذلك بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي في وقت سابق أنه ينوي فرض قيود جديدة على «المسؤولين عن الإخلال بوحدة الأراضي الأوكرانية».
وقال المجلس الأوروبي في بيان إنه تمت معاقبة هؤلاء المسؤولين «لتورطهم في تنظيم الانتخابات الرئاسية الروسية في 18 مارس (آذار) في شبه جزيرة القرم وفي سيفاستوبول اللتين تم ضمها بشكل غير قانوني»، مشيرا إلى أنهم «دعموا بذلك ونفّذوا سياسات تزعزع سلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها واستقلالها».
واعتبرت لجنتا الانتخابات في القرم هذه الخطوة «غير بناءة»، مشيرة إلى أن كل إجراءات المسؤولين في لجنة الانتخابات المركزية في القرم تتطابق مع الدستور الروسي والمعايير الدولية. كما رفضت لجنة الانتخابات المركزية الروسية القرار الأوروبي ووصفته بأنه يندرج في إطار الضغوط السياسية على روسيا ولا يراعي حق المواطنين في القرم في التعبير عن رأيهم.
في المقابل قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن موسكو «تحتفظ بحق الرد على أحدث إجراء معاد من جانب الاتحاد الأوروبي». واعتبرت أن «النتيجة العملية الوحيدة» لهذه العقوبات هي «تصعيد» مشاعر «الغضب، الأمر الذي يعوق إمكانية الحوار والتعاون مع روسيا».
إلى ذلك، أثارت التكلفة الباهظة لإنشاء «جسر القرم» سجالات واسعة في روسيا، بعدما غدا المشروع «الأغلى ثمنا على المستوى العالمي». ووصلت تكاليف بناء الجسر إلى نحو سبعة مليارات دولار. وأجرت وسائل إعلام روسية مقارنات مع أضخم طريق معلق مماثل شقته الصين بين مدينتي شانغهاي ونانكين بطول 165 كيلومترا. وبتكلفة بلغت نحو ثلث قيمة جسر القرم. وحملت تدوينات معلقين على شبكات التواصل الاجتماعي انتقادات للإنفاق الباهظ الثمن مع تلميحات إلى وقوع عمليات فساد، وذكر بعضها أن المقارنة بين المشروعين الروسي والصيني تكشف أن تكلفة إنشاء المتر الواحد في الطريق الصيني بلغت نحو 8800 دولار في مقابل نحو 200 ألف دولار لكل متر في جسر القرم. علما بأن بوتين فاخر في كلمته بأن كل المعدات ومواد البناء والتقنيات التي استخدمت لإنشاء الجسر روسية المنشأ، ما يعني أن تحدي بناء الجسر حمل بعدا آخر تمثل في رد عملي على سياسات العقوبات وفرض قيود على صادرات عدة إلى روسيا، كونها التجربة الأولى لإقامة مشروع ضخم بهذا الحجم لا يعتمد على مواد أولية أو تقنيات مستوردة من خارج البلاد وفقا لما جرت عليه العادة خلال العقدين الأخيرين.
وفي سياق متصل ندد الكرملين الثلاثاء بتفتيش مكاتب قناة «روسيا اليوم» ووكالة «ريا نوفوستي» الرسميتين الروسيتين من قبل أجهزة الأمن الأوكرانية في كييف معتبرا أنه «عمل فاضح ومشين». وصرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في لقاء صحافي بأنها «أفعال مشينة وفاضحة»، وطالب بـ«رد صارم وحازم» من قبل المنظمات الدولية ومحذرا من «إجراءات رد مستقبلية».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».