«آستانة 9» يناقش خفض التصعيد والمعتقلين... وغياب أميركي

بمشاركة الدول الضامنة الثلاث ودي ميستورا والأردن

«آستانة 9» يناقش خفض التصعيد والمعتقلين... وغياب أميركي
TT

«آستانة 9» يناقش خفض التصعيد والمعتقلين... وغياب أميركي

«آستانة 9» يناقش خفض التصعيد والمعتقلين... وغياب أميركي

انطلقت أمس في العاصمة الكازاخية آستانة أعمال جولة المفاوضات التاسعة، بحضور الأطراف الثلاثة الضامنة وقف النار في سوريا (روسيا وإيران وتركيا)، وممثلي الحكومة السورية، وعدد من الفصائل المسلحة القريبة من تركيا، وبينها «جيش الإسلام»، فيما امتنع عدد آخر من المعارضين الذين شاركوا في جولات سابقة عن الحضور.
وشكل الغياب الأميركي تطوراً لافتاً في الجولة الحالية على خلفية التصعيد الأميركي - الإيراني، ما عكس أن واشنطن لم تعد راغبة في المشاركة، حتى لو عبر صفة مراقب، في المسار الذي تشارك إيران برعايته، إضافة إلى الأطراف الضامنة حضر المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بصفة مراقب، بالإضافة إلى حضور ممثل عن الأردن التي تشارك موسكو وواشنطن في رعاية اتفاق خفض التوتر في المنطقة الجنوبية من سوريا.
وينتظر أن تركز هذه الجولة على وضع المعتقلين الذين تم تأجيل النقاش حولهم أكثر من جولة سابقة، بسبب عراقيل وضعها النظام وإيران. كما يتم التركيز على الوضع في مناطق خفض التصعيد وآليات توزيع المهام بين البلدان الضامنة في بعض المناطق، خصوصاً في إدلب، وسط توقعات بأن يتطرق نقاش الضامنين بشكل تفصيلي إلى توسيع الوجود التركي في هذه المنطقة.
وكان لافتاً أن موسكو استبقت الجلسة الموسعة الأولى من المحادثات التي تبدأ اليوم، بالتأكيد على عدم نية الأطراف الحاضرة إدخال تغييرات واسعة على اتفاقات مناطق خفض التصعيد، خلافاً لتصريحات سابقة للوزير سيرغي لافروف في هذا الشأن. وأكد رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرينتيف أن موسكو لا تعتبر أياً من مناطق خفض التوتر في سوريا ملغاة، مشيراً إلى «تغييرات تطرأ عليها وفقاً لمتطلبات عملية التسوية»، علماً بأن لافروف كان أعلن سابقاً أن منطقة خفض التصعيد في غوطة دمشق انتهت، لأن الهدف من تشكيلها تم تنفيذه، و«تم التخلص من الإرهابيين فيها وباتت تحت سلطة الحكومة الشرعية».
ورجح لافرينتيف أن تصدر الدول الضامنة للهدنة في سوريا، بياناً مشتركاً في ختام جلسات «آستانة - 9»، يتضمن تقييم نتائج عمل أطراف العملية ورسم خطط مستقبلية. وذكر أن اجتماعاً لمجموعة العمل بشأن تبادل المعتقلين لدى الطرفين السوريين سيعقد على هامش مفاوضات الدول الضامنة، مشيراً إلى أن «قرارات هذه المجموعة سنأخذها في الاعتبار في عملنا». وقلصت هذه التصريحات من سقف التوقعات حول ملف المعتقلين الذي كان يفترض أن يكون محوراً رئيسياً للبحث، وأن تعمل موسكو على تحقيق تقدم جدي حوله، وفقاً لتعهدات قدمتها للمعارضة في وقت سابق.
وانتقد لافرينتيف غياب واشنطن، معتبراً ذلك تخلياً من جانبها عن دعم جهود المجتمع الدولي لتسوية الأزمة السورية سلمياً.
وعكس حديث لافرينتيف عن تغييرات على مناطق خفض التصعيد إشارة إلى توجه روسي لدعم موقف النظام حول إجراء مراجعة وإدخال تعديلات على اتفاق المنطقة الجنوبية. وكانت وسائل إعلام روسية نقلت عن مصادر حكومية سورية مطلعة أن الأرضية باتت مهيأة لإبرام اتفاق جديد بين الدول الضامنة حول منطقة جنوب غربي البلاد، بعد انقضاء مهلة اتفاق منطقة خفض التصعيد فيها الموقع في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مرجحة «ألا ينسف الاتفاق المرجح ما سبقه من اتفاقات، وأن يمثل تطويراً لها».
وأضافت: «اليوم لم يعد هناك حرب في سوريا، إلا ضد المجموعات الإرهابية كـ(جبهة النصرة) أو (داعش)، ونتصور أن يتم الانتقال من مناطق خفض التصعيد إلى مناطق الأعمال القتالية ضد المجموعات الإرهابية».
ولفتت إلى اجتماعات مكثفة شهدها الجنوب السوري في الآونة الأخيرة بين مركز المصالحة الروسي وبين ممثلين عن الحكومة السورية من جهة، وممثلين عن الفصائل المسلحة من جهة أخرى، واتصالات على مستوى الضامنين.
على صعيد آخر، لفتت أوساط روسية إلى أن النتيجة الرئيسية التي يسعى الضامنون للتوصل إليها هي «ضبط إطار التحرك الثلاثي للدول الضامنة على ضوء المتغيرات التي وقعت، خصوصاً بعد الضربة الغربية وتنشيط التحركات الدبلوماسية لواشنطن وباريس، بالإضافة إلى التوافق على آلية لمواجهة الوضع الجديد في ظل التهديد باستمرار المواجهة غير المباشرة بين طهران وتل أبيب».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.