ليبيا... توازن قوى جديد

خلافات في الغرب وتقدم للجيش في الشرق... والجنوب يعاني وحيداً

جنود من الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر خلال عرض عسكري في بنغازي يوم 7 مايو الحالي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر خلال عرض عسكري في بنغازي يوم 7 مايو الحالي (أ.ف.ب)
TT

ليبيا... توازن قوى جديد

جنود من الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر خلال عرض عسكري في بنغازي يوم 7 مايو الحالي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر خلال عرض عسكري في بنغازي يوم 7 مايو الحالي (أ.ف.ب)

يتشكل في ليبيا توازن جديد للقوى، من شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً على أرض الواقع. وظهرت في الأيام القليلة الماضية فجوة كبيرة بين المجلس الرئاسي، الذي يقوده من طرابلس (غرباً) فائز السراج المدعوم دولياً، والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الذي يشن حرباً ضروساً ضد بقايا الجماعات المتطرفة في شرق البلاد. أما جنوب ليبيا، فقد ابتعد كثيراً عن اهتمام السياسيين المتنافسين شمالاً، كما يقول العقيد المهدي البرغثي، وزير الدفاع في حكومة الوفاق.
في الأسابيع الأخيرة، أصبحت توجد داخل ليبيا، المنقسمة على نفسها منذ مقتل معمر القذافي في 2011، ثلاث بؤر جغرافية خطرة، يبدو أنها تلعب دوراً كبيراً في رسم آفاق مستقبل مثير للشكوك. الأولى تتمحور حول مدينة درنة التي تقع في الشرق، ولا يفصلها عن الحدود المصرية إلا أقل قليلاً من 300 كيلومتر، وتعج بمتطرفين من جنسيات مختلفة. وتخضع درنة، ذات الوديان والجبال والكهوف، لحصار من الجيش الوطني. لكن في أحدث تطور، استقبل قادة من المجلس الرئاسي في طرابلس وفداً من درنة لبحث إمكان الوقوف معها ضد حفتر. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن يطيل أمد الحرب ضد المتطرفين في الشرق، ويزيد من القلق على الحدود المصرية.
ويقول مفتاح المسوري، ابن درنة، المترجم السابق للقذافي: «لا أدري ما هو السبب الحقيقي وراء ابتعاد درنة، تاريخياً، عن السلطة المركزية». ويضيف أحد الزعماء القبليين بالمدينة: «نحن بين نارين. ننتظر دخول الجيش، ونخشى انتقام الجماعات المتطرفة، ضد الأهالي».
أما البؤرة الثانية، فتقع في طرابلس نفسها، وبالتحديد في منطقة تاجوراء، شرق العاصمة، وهي منطقة تكثر في محيطها الغابات الشجرية والمزارع المنعزلة، وتعد بيئة مثالية لما حدث فيها أخيراً من تحشيد بالدبابات والآليات الثقيلة، من جانب من يوصفون بأنهم متطرفون مذهبيون وجهويون يتعطشون للسيطرة على العاصمة. وقد زاد عدد المتمركزين في تاجوراء خلال الفترة الأخيرة، وظهر فيها كذلك تحالف غريب من مقاتلين من تنظيمات «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان» وغيرهم. ويقوم هذا التحالف بين حين وآخر بتوجيه قذائف صاروخية للمطار الجوي الوحيد العامل في طرابلس، وهو مطار إمعيتيقة. وفي لقاء سابق مع عبد الفتاح بانور، وهو وسيط بين مجموعة تاجوراء وقوات طرابلس، قال: «هذه التطورات سببها سوء تفاهم قديم لم يعالج من الجانبين. والآن، يتفاقم».
وتطرقت تحقيقات أمنية مبدئية في العاصمة إلى أن عناصر «داعش» التي فجّرت مقر مفوضية الانتخابات، قبل أسبوع، ربما انطلقت من تاجوراء، ما دفع السراج إلى إعادة تشكيل القوات ذات الطابع الميليشياوي التي يعتمد عليها في طرابلس، ومنحها مزيداً من الصلاحيات. ويرى عبد الله ناكر، رئيس «حزب القمة»، أن تعدد رؤوس السلطة في البلاد هو أس المشكلة، ويقول: «نريد أن تكون ليبيا دولة مؤسسات، وليست دولة أشخاص».
في المقابل، تقع البؤرة الثالثة في أقصى الجنوب، وتتمحور حول مدينة سبها، المعروفة بأنها العاصمة التاريخية لإقليم فزان. وتشهد هذه المدينة قتالاً ضارياً بين مسلحين من قبيلتي «أولاد سلميان» و«التبو». ويعتقد أن هناك أطرافاً خارجية تغذي هذه الحرب، حيث تمكنت جماعات متطرفة من استغلال الموقف لصالحها، وحققت انتشاراً كبيراً في كثير من المواقع الصعبة في الصحراء الشاسعة، في ظل انشغال الحكام الشماليين في إقليمي برقة وطرابلس عن مجريات الأحداث. ويقول رئيس الكونغرس التباوي، عيسى عبد المجيد: «من منبركم هذا.. أوجه رسالة لأبناء التبو، وأولاد سليمان، ولكل الليبيين؛ أن تُحل مشكلاتنا من داخل البلاد، لا من خارجها».
يتحدث العالم عن قرب إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ليبيا. ورغم أن كثيراً من السياسيين والقادة داخل البلاد، مثل العقيد البرغثي وناكر، يرون أن هذا هو الحل الوحيد، فإن الأمور على الأرض تجري في طريق مغايرة. وقد كانت الآمال منعقدة أيضاً على قرب الإعلان عن توحيد المؤسسة العسكرية برعاية مصرية. كما أن المبعوث الأممي إلى ليبيا، الدكتور غسان سلامة، أرسل كذلك رسائل مطمئنة عن احتمال عقد مؤتمر مصالحة بين الليبيين، انطلاقاً من تونس. بيد أن مثل هذه المسارات المبشرة أصبحت عرضة لعراقيل عدة.. فكيف تغيرت الأوضاع إلى الأسوأ؟
لا يخفى على أحد أن هناك قوتين إقليميتين كبيرتين تعملان على الملف الليبي. الأولى، كما يقول ناكر، تناصر المشير حفتر، وتحاول أن تجعل له موقعاً في مستقبل البلاد، تحت عباءة الاتفاق السياسي الذي جرى توقيعه في مدينة الصخيرات المغربية قبل عامين. والثانية، كما يضيف، تحاول أن تعيد التيار الإسلامي، بقيادة جماعة «الإخوان» و«الجماعة المقاتلة»، إلى الحكم.
وبعد أن خسر هذا التيار الانتخابات في 2014، ولحقت به هزائم عدة على أيدي الجيش الوطني في الشرق، وعلى يد قوات طرابلسية غير نظامية في الغرب، بدأ في الأسابيع الماضية يلتقط أنفاسه، ويتحرك بجرأة داخل أروقة المجلس الرئاسي نفسه، ويريد أن يعوّض خسائره سريعاً.
ويقول مصدر في وزارة الدفاع في طرابلس: «نراقب هذه التحركات.. لدينا قواتنا. ونعتقد أنه ما زال في الإمكان إجراء انتخابات وإنجاز المصالحة». وقد أجرى البرغثي نفسه مصالحات بين عدة خصوم، قرب العاصمة، وتمكّن من فتح طرق سريعة كانت مغلقة على الساحل الغربي، لكن يبدو أن هذا وحده لا يكفي.
وتمثّل الحرب في درنة (شرقاً) حلقة من حلقات مطاردة حفتر للجماعات المتطرفة. فقد تمكن من هزيمتها في بنغازي، لكن عدداً كبيراً من عناصر هذه الجماعات، وكثير منهم غير ليبيين، تمكنوا من الفرار إلى درنة وإلى تاجوراء وإلى سبها. وقبل أيام، أعلن حفتر بدء ساعة الصفر لتحرير درنة من الجماعات الإرهابية، خلال كلمة ألقاها في حفل تخريج الدفعة الـ51 من الكلية العسكرية.
وتطرق حفتر إلى أن المساعي السلمية في درنة وصلت إلى طريق مسدود، بسبب تعنت الجماعات الإرهابية. ولا توجد قنوات اتصال بين الجيش الوطني وهذه الجماعات. ويقول قائد عسكري إن المفاوضات التي كان يقوم بها الجيش للحل السلمي في درنة كانت تجري مع قيادات اجتماعية، تنتمي إلى عائلات معروفة وقبائل في المدينة، وليس مع الإرهابيين أنفسهم، بعكس ما يعتقد بعضهم، ويوضح: «هدفنا كان الحصول على إقرار من هذه الزعامات بإخراج أبنائها من صفوف المقاتلين المتطرفين بالمدينة، والتوقف عن تستر البعض على المقاتلين الأجانب».
وتخشى قيادات مناوئة لحفتر، في غرب البلاد، من أن يحقق قائد الجيش الوطني انتصاراً جديداً، بعد انتصار بنغازي العام الماضي، إذا ما تمكن من تحرير درنة من المتطرفين. ولهذا تغيّرت، كما يبدو، بعض التحالفات سريعاً على المستوى العسكري والسياسي. فرغم حصار الجيش للمدينة، قام وفد من «مجلس شورى مجاهدي درنة» بزيارة لطرابلس، يوم الأربعاء الماضي، والتقى بعدد من أعضاء المجلس الرئاسي. وترددت معلومات عن أن الوفد حصل على وعد بالدعم وبالاعتراف الرسمي به من حكام طرابلس كجسم شرعي، رغم تصنيفه من جانب حفتر والحلف الإقليمي الداعم له على أنه «جسم إرهابي». ويقول قائد قبلي: «نحن بين شقي الرحى، ونخشى من أن نتحول لرهائن، إذا ما نشبت الحرب هنا».
وتبدو السلطات في طرابلس هشة ضعيفة غير متماسكة. فوزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني، التابعة للمجلس الرئاسي، لديها قوات منتشرة عبر طوق كبير حول العاصمة، لكنها ليست على تناغم مع هذه الحكومة التي لم تحصل بعد على تصديق البرلمان على عملها. ولخّص العقيد البرغثي الموضوع بالقول إنه «ستكون هناك تسوية (مع السراج)». وتعاني قوات البرغثي من الافتقار إلى الأموال، وجانب من المعدات الأساسية.
ومن جانبه، أكد مسؤول في الوزارة حدوث لقاء بين وفد درنة وقيادات في المجلس الرئاسي، لكنه قال إنه لا يعلم بتفاصيل ما جرى بين الطرفين، وأضاف: «أياً ما كان الأمر، فإن استقبال وفد من درنة يُعد نكاية في الجيش الذي يقوده حفتر، وهذا يعقّد جهود المصالحة ومحاولات الحل».
ويقول مصدر قريب من المجلس الرئاسي إن جماعة «الإخوان»، التي هيمنت في الشهر الماضي على القرار في مجلس الدولة، وهو مجلس استشاري منبثق عن اتفاق الصخيرات، لعبت دوراً في ترتيب اللقاء بين وفد «مجلس شورى مجاهدي درنة» وأطراف في المجلس الرئاسي، الذي يضم في عضويته قيادات محسوبة على الإسلاميين المتشددين. ويضيف هذا المصدر، الذي طلب عدم تعريفه لأنه غير مخوّل له الحديث للإعلام، أن ما تم توقيعه من اتفاق بين الجانبين يؤدي إلى رفع الروح المعنوية للمقاتلين المتحصنين في درنة منذ سنوات، بمن فيهم غير الليبيين، ومن بينهم مصريون.
ووفقاً لمصدر في الاستخبارات الليبية في طرابلس، وهو جهاز مناوئ للمتطرفين، فقد تم الاكتفاء في اتفاق دعم «مجلس شورى مجاهدي درنة»، بذكر اسم المجلس دون أسماء قياداته، أو أي من أعضائه، وهي قيادات ينظر إليها الجيش الليبي وقوى إقليمية باعتبارها قيادات إرهابية.
وأضاف أن أعضاء في كل من المجلس الرئاسي ومجلس الدولة، من زعماء جماعة «الإخوان» و«الجماعة الليبية المقاتلة» (المرتبطة بتنظيم القاعدة)، أشرفوا على إبرام الاتفاق «بهذه الصيغة الغريبة».
وزاد قائلاً إن بعض المسؤولين في طرابلس اقترحوا أن يتم تغيير اسم «مجلس شورى مجاهدي درنة» إلى اسم جديد كـ«أمن درنة» أو «الحرس الرئاسي (تابع للسراج) فرع درنة»، تجنباً للحرج، إلا أن قيادات «مجلس شورى درنة» (وكان معهم قيادي مفصول من مجلس بلدية درنة) رفضوا تغيير الاسم.
وتأتي هذه التطورات المهمة بينما يواصل الجيش الليبي محاولاته لاقتحام المدينة التي ظلت طوال عشرات السنين مصدر قلق للحكام في ليبيا، بسبب انتشار المتطرفين فيها منذ أيام «الجهاد» في أفغانستان والشيشان والعراق وغيرها.
وتبدو المدينة واحدة من الحالات الشاذة عموماً في ليبيا. ويقول المسوري: «هي حالة ناشذة عن السلطة المركزية، سواء الآن أو أيام القذافي أو أيام الملك إدريس.. حتى أيام اليونان، ففي سنة 630، كانت خارج سلطة إقليم المدن الخمس في البحر المتوسط».
وأفاد مصدر عسكري بأن درنة يوجد فيها قادة للمتطرفين من الجزائر وتونس ونيجيريا ومالي والسودان ومصر، أبرزهم زعيم جماعة «المرابطين»، المصري «أبو عمر المهاجر». وقال ضابط في الاستخبارات الليبية: «لا يمكن لبعض حكام طرابلس استقبال وفد من (مجلس شورى مجاهدي درنة)، لو لم يكن هناك موافقة مبطنة من جانب قوى إقليمية تدعم هذا الاتجاه»، وأضاف: «إنه اتجاه يعزز المزيد من الفوضى والاقتتال في ليبيا، ويزيد من القلق لدى المصريين ودول الجوار».
وبالتزامن مع هذه الخطوة الغريبة، بدأت بعض الأصوات ترتفع بالدعوة إلى إنقاذ درنة من حفتر، ويشارك في هذه الحملة مسؤولون في العاصمة، وقادة في أحزاب وتيارات محسوبة على الإسلاميين المتشددين، من داخل ليبيا وخارجها. وظهر خطاب يصف «مجلس شورى مجاهدي درنة» بأنهم «ثوار فبراير (شباط) الذين ساهموا في إسقاط نظام القذافي»، وأن «حفتر مثل القذافي لا بد من التصدي له لتحقيق أهداف الثورة».
تاجوراء
أما في منطقة تاجوراء، التي تقع على الحدود الشرقية لمدينة طرابلس، فقد تشكلت فيها قوات متباينة الأهداف، لكن يوجد بينها توافق على ضرورة اقتحام العاصمة، والتحكم فيها، وهذا يتطلب شن حرب على القوات الطرابلسية التي تنتمي أساساً للمدينة. وتتكون القوات الطرابلسية التي يعتمد عليها السراج من كتائب غير نظامية، لكنها تتلقى الرواتب والدعم من وزارات الدولة، ومنها «قوات كارَه» و«قوات الككلي» و«قوات النواصي». وتقع مناوشات بين حين وآخر بين قوات تاجوراء وبقية القوات الطرابلسية. كما أن القوات الطرابلسية نفسها تدخل بين وقت وآخر في اقتتال في ما بينها على النفوذ.
وتكمن خطورة مجموعة تاجوراء في مرونة القيادة الموجودة على رأسها، وقدرتها على استقطاب كل خصوم السراج. وهذه القيادة هي شخصية تلقب بـ«البُقْرَة». وكانت هذه القوة، حتى ثلاثة شهور مضت، تعمل تحت رعاية المجلس الرئاسي نفسه، إلا أن قيامها بالهجوم المباغت على مطار إمعيتيقة، الذي تسيطر عليه قوات طرابلسية موالية للمجلس الرئاسي، دون إذن من السراج، جعل هذا الأخير ينزع الغطاء القانوني عنها.
ويقول الوسيط بين «البُقْرَة» والقوات الطرابلسية، بانور، إن أصل الخلاف يرجع إلى احتجاز قوات طرابلسية لعشرات المواطنين داخل سجون في مطار إمعيتيقة، دون عرض أمرهم على الجهات القضائية. لكن مصدراً في المجلس الرئاسي قال إن هؤلاء المساجين من المنتمين لتنظيم داعش، مشيراً إلى أن جماعات مسلحة من عدة مناطق، من غرب طرابلس ومن الجنوب، بدأت منذ شهور في استثمار الخلاف بين السراج و«البُقْرَة»، والنزوح إلى منطقة تاجوراء وما حولها، وتكوين معسكرات تدريب، وإطلاق الصواريخ بين حين وآخر على المطار. ويعتقد أن من قاموا بتفجير مفوضية الانتخابات أخيراً انطلقوا من هذه المنطقة.
ويزيد زخم قوات المتطرفين في تاجوراء من تعقيد الأمور في طرابلس، خصوصاً بعد أن بدأت قيادات إخوانية، ممن صعدت أخيراً لمواقع مهمة في الحكم في العاصمة، في الضغط على أعضاء في المجلس الرئاسي، وعلى أطراف في السلطات القضائية، للإفراج عن متشددين إسلاميين في سجون المدينة، من بينهم قيادات من جماعة «أنصار بيت المقدس» المصرية، و«أنصار الشريعة» (أقرب إلى «داعش»، وتضم ليبيين وتونسيين)، وغيرهم.
وتهدف مثل هذه التحركات إلى تشكيل ضغط على قوات حفتر المتمركزة حول درنة. فقد جرى قبل يومين تفجير حاجز تابع للجيش، شرق سرت، على يد متطرفين.
- الجنوب... حرب الرابح فيها خاسر
وفي ما يتعلق بتطورات الأوضاع في الجنوب، فما زالت الحرب مستعرة بين مسلحين من قبيلة «أولاد سلميان»، التي كانت تهيمن على إقليم فزان في الزمان الغابر، وقبيلة «التبو»، التي لديها امتداد داخل دول أفريقية مثل تشاد والنيجر.
ويقول عيسى عبد المجيد، رئيس الكونغرس التباوي، إن «ما يحدث هناك حرب الرابح فيها خاسر.. أتمنى المصالحة بين الطرفين (التبو) و(أولاد سليمان)، وأرجوهم أن يجلسوا معاً لحلحلة المشكلة. وعلى مجلس النواب، والحكومة المؤقتة (المنبثقة عنه)، التدخل لوقف الاقتتال والتعويض (جبر الضرر) للطرفين».
وأضاف: «لقد تم توقيع اتفاق في عهد حكومة علي زيدان (قبل 5 أعوام)، وفشل. أرى أن حل المشكلة لا بد أن يكون ليبياً - ليبياً، إما عن طريق مجلس النواب أو عن طريق الحكومة».
لكن ناكر يرى أن المشكلة أكبر، وأنها تتعلق أساساً بتعدد السلطات في البلاد، ويقول: «على أرض الواقع، يوجد قائد أعلى للجيش في الشرق، هو عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وقائد أعلى للجيش في الغرب هو السراج. ولذلك نحن في حاجة إلى توحيد الرأس أولاً.. كما أنه لا بد من وضع دستور. ومن دون هذه الأشياء الرئيسية، تكون كمن يبني على الرمال».
وهذا أمر يؤكد عليه أيضاً العقيد البرغثي، بقوله إن البلاد في حاجة إلى إنهاء الانقسام السياسي، موضحاً: «وجود سلطة موحدة، عبر إجراء الانتخابات، سيجنبنا كل هذه الفوضى».



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.