السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

معركة الرئاسة... الاستقطاب بين الإسلام السياسي والعسكر

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية
TT

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

لا يدري أحد، أو حتى يستطيع التكهن بما قد يحدث في السودان في غضون الأيام أو الأشهر القريبة المقبلة، فالأزمة الاقتصادية «استحكمت حلقاتها»، فأنهكت هياكل البلاد، وطحنت عظم المواطنين، وحمي صراع السلطة، ليس بين الحكومة ومعارضيها وحدهم، بل حتى داخل المجموعة المتنفذة نفسها.
وانتقلت «الخلافات والصراعات المكتومة» لعقود من دائرة التذمر والهمس إلى العلن، في شكل تصريحات صادرة عن القادة وأحاديث المسؤولين وتذمر المواطنين وأصوات المحذرين من تغيير قد يؤدي إلى «انهيار الدولة»، وتحركت رمال البلاد كلها باتجاه تغيير وشيك، أطرافه معارضون وحكوميون، وإسلاميون وعسكريون.
ويخشى على نطاق واسع من نسخة سودانية لما عرف إبان «ألمانيا النازية» بـ«عملية الطائر الطنان» أو «ليلة السكاكين الطويلة». خلال تلك العملية، نفذ الجيش النازي سلسلة تصفيات سياسية ضد فرقتين شبه عسكريتين اتسمتا بالعنف والطموح، وقتل في ليلة واحدة أكثر من 85 من قيادات الفرقتين، رغم دورهما في تثبيت أركان النازية. ثم استغل أدولف هتلر الحادث لتصفية منتقدي حكمه من بين قادة الجيش النازي الذين نفذوا العملية التي أخذت الاسم الكودي: «الطائر الطنان»!

في محاولة للملمة الصراع الإسلاموي، شهد المقر الكلاسيكي للإسلاميين السودانيين، بضاحية العيلفون شرق الخرطوم، يوم الجمعة 27 أبريل (نيسان) الماضي، أعمال اجتماع مجلس شورى الحركة الإسلامية (الاسم الكودي لإخوان السودان)، بعد تعثر طويل راجت أثناءه أحاديث عن اتجاه لحل الجناح الآيديولوجي للنظام السوداني (الحركة الإسلامية)، أو في أحسن الأحوال دمجه في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، الذي حين أنشئ كان الهدف أن يكون واجهة لها.
وعلى غير العادة، عقد الاجتماع في سرية تامة، بعيداً عن كاميرات وأعين الصحافيين والإعلاميين، ولم تسمع وسائل الإعلام به إلا بعد أن أكمل انعقاده وأعلن توصياته. وأهم أجندة في هذا الاجتماع كانت «حسم مستقبل الحركة»، بين حلها ودمجها وتذويبها في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، لكن الاجتماع خلص إلى تعزيز وجودها، وقرر عقد مؤتمرها العام في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد إلغائه - أو تأجيله - لعام كامل.
واللافت في الاجتماع كان حضور الرئيس عمر البشير، بصفته رئيساً للهيئة القيادية العليا، بعد أن راج قبلها أنه «غاضب» عليها، وأن ما يتم تداوله بشأن حلها يجئ بإيعاز منه شخصياً، لكن مشاركته في اجتماع الجمعة قد تؤكد تغيراً في موقفه، لكن بعض المحللين رأوا أن القصد من المشاركة «الإشراف مباشرة» على ما قد يدور في كواليس الاجتماع. وما يعضد هذا التحليل غياب نائبه الأول رئيس الوزراء بكري حسن صالح، ساعده الموثوق الذي يشغل في الوقت ذاته منصب نائب رئيس الهيئة القيادية، أي تطبيق لـ«ثنائية تبادل الأدوار».
الرئيس البشير، الذي يتردد أنه على خلاف مع بعض رموز وقيادات الحركة الإسلامية التقليدية، طلب في كلمته للاجتماع «إفساح المجال أمام الشباب» في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، ورهن مستقبل البلاد بمشاركتهم، كما طالب بحسب صحيفة «الصيحة»، المملوكة لأحد أقاربه، بالنزول للقواعد ودعمهم، بمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، بما يمكن تفسيره بأنه دعوة للقيادات التاريخية للتنحي.
ومنذ الانقلاب الذي نفذته الحركة الإسلامية السودانية في 30 يونيو (حزيران) 1989، فإن الصراعات بين الإسلاميين الحاكمين بدأت ولم تنته؛ بدأت أثناء عملية التمويه الماكرة لإخفاء هوية الانقلاب، التي كشفها الترابي بمقولته الشهيرة ساعة الانقلاب: «قلت للبشير: اذهب إلى القصر رئيساً، وسأذهب إلى السجن حبيساً».
وتم حبس الترابي مع قادة الأحزاب والحكم المنقلب عليه تمويهاً، وراج بعدها أن نائب الترابي وقتها، علي عثمان محمد طه، أبقى شيخه في السجن أكثر من الفترة المتفق عليها، ورتب الأوضاع بحيث تمكنه من السيطرة على مكامن القوة في النظام.
اللعبة الماكرة لم تنطل على المعارضين ورفاق الحبس، ونقل عن زعيم الشيوعيين الراحل محمد إبراهيم نقد أنه قال للترابي في المعتقل: «كفاك سجناً، فقد جاملتنا كثيراً»، لكنها على ما يبدو انطلت على إسلاميين كثر فأصبحوا «شاهد ما شافش حاجة»، ما أتاح لمجموعة طه التمكين على حساب قائدهم التاريخي.
وتردد بعد فترة من عودة الترابي للأضواء أنه «حل» الحركة الإسلامية لصالح حزب المؤتمر الوطني، الذي أنشئ في الأصل ليكون واجهة أكثر مرونة للإخوان السودانيين، ومنح قادتها «مصحفاً» فهم منه أن حركتهم أصبحت خارج اللعبة السياسية فعلياً.
ثم تواصل التذمر والتنافس و«التعارك» بين الإسلاميين الحاكمين، الذين انقسموا إلى تيارين: «القصر» وهو موال للرئيس، و«المنشية» الموالي لحسن الترابي، نتيجة لما عرف بـ«مذكرة العشرة»، التي وقعها عشرة من قادة الإسلاميين البارزين ضد الترابي، وأدت لاحقاً إلى «المفاصلة» التي قسمت الإسلاميين في الرابع من رمضان 1999.
وبحسب مقال للسياسي المعارض علي السيد، فإن من أعدوا مذكرة العشرة دفعتهم السلطة لمواجهة «كبيرهم الذي علمهم السحر»، أو أنهم لم يقدروا الأمر حق تقديره، وأن الترابي حين رأى أن أمر المذكرة يستهدفه مباشرة وشخصياً، اختار أن ينازلهم في ميدان الحزب الحاكم، مستعيناً بقواعد الحزب وجماهيره، ولسان حاله يقول: «الفيصل هو الجماهير والقواعد، والعمل عبر مؤسسات الحزب وأجهزته، وليس التدبير بليل، كما حدث بشأن مذكرة العشرة، التي حجبت عنه وتفاجأ بها تماماً في لحظة تقديمها».
يقول السيد إن الترابي حقق انتصاراً تكتيكياً حصل بموجبه على إعادة انتخابه أميناً عاماً للحزب الحاكم، وبذلك سجل نصراً تكتيكياً مؤقتاً على أصحاب المذكرة، فاستعانوا عليه بما سماه الكاتب «السلطة القاهرة وسيف الرئيس»، فسارع في الرابع من رمضان 1999 بحل المجلس الوطني «البرلمان»، الذي يترأسه الترابي ويقود عبره معركته، ثم أعلن حالة الطوارئ في البلاد.
بتلك القرارات، أبعد البشير «الإسلامي» شيخ الإسلاميين نهائياً عن دائرة التأثير، وراجت مقولة أن «الثورة السودانية أكلت أباها»، ولم يكتف الرئيس البشير بحل المجلس الوطني، بل جمد الأمانة العام للحزب الحاكم، التي كان يقودها الترابي أيضاً.
ولم تتوقف الانشقاقات و«الصراعات» داخل جسد الإسلاميين السودانيين بعد ذهاب الترابي، وتأسيسه للحزب الضرار «المؤتمر الشعبي»، فبعد انفصال جنوب السودان في يوليو (تموز) 2011، برزت إلى السطح جماعة «سائحون»، وهي جماعة مكونة في الأصل من مقاتلين (مجاهدين) سابقين إبان الحرب مع جنوب السودان، وقدمت ما عرف بمذكرة «الألف أخ»، وطالبت بإجراء إصلاحات إدارية، لكنها كانت أكثر حصافة لأنها أقرت بقاء الرئيس البشير رئيساً للحزب والدولة.
ثم جاءت مجموعة أخرى، تكونت أساساً من «أساتذة جامعات»، وانتقدت في مذكرات الأداء السياسي للنظام الحاكم، في 28 سبتمبر (أيلول) 2013، ولكن النظام قمع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد آنذاك، ومن أبرز قادتها الإسلامي غازي صلاح الدين.
وبلغ الصراع بين هذه الجماعة ومركز السلطة وقتها (الحزب) ذروته، فبعض رجال الحزب اعتبر ما قاموا به «تطاولاً» على سلطة الحزب والدولة، فتكونت لجنة محاسبة ل 46 قيادياً وموقعاً على المذكرة، قررت في 21 أكتوبر 2013 تجميد عضوية بعضهم في الحزب الحاكم، وفصل آخرين، وتكونت تبعاً لذلك «حركة الإصلاح الآن»، بقيادة غازي العتباني.
ثم توالت أجواء الصراع تباعاً، وبلغت ذروتها بقرارات الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2013، التي أطاحت برجلي الإسلاميين القويين: علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، وعدد آخر من كبار المسؤولين. وقيل وقتها إن الغرض من إبعادهم «إتاحة الفرصة للشباب»، لكن التشكيلات الحكومية اللاحقة لم تلتزم بالشباب كثيراً، إذ أبقت على عدد كبير من «شيوخ الحكم» في مواقعهم، وأبرزهم رئيس الوزراء الحالي بكري حسن صالح، ورئيس المجلس الوطني إبراهيم أحمد عمر، إضافة للرئيس عمر البشير.
ووصفت المعارضة وقتها ما حدث بأنه «انقلاب»، ونقلت «الشرق الأوسط» عن المتحدث باسم تحالف المعارضة الموالي لحزب الترابي، كمال عمر، تشكيكه في الرواية الرسمية، وقوله: «هذه إقالة كاملة الدسم»، وقوله: «الرئيس منذ فترة يبحث عمن يطمئن لهم في مقبل حياته، لذا اختار أكثر الناس قرباً له، وهو نائبه الأول الجديد بكري حسن صالح».
ونسبت الصحيفة إلى عمر أن الرئيس البشير غير مطمئن لنائبه الأول، وأنه أجرى ترتيبات كثيرة الهدف منها إقصائه ومجموعته، وأنه لم يعد يرغب في سماع أصوات معارضة تحول بينه وبين وضع كل السلطات تحت يده، وقوله: «المقالون يضمرون شراً كبيراً للنظام، لكنهم انحنوا للعاصفة مؤقتاً».
المجموعة المعزولة نفسها ليست على وفاق، فقد تم تداول واسع عن صراع قوي بين طه ونافع على خلافة البشير، ظهر أول مرة بشكل لافت في مؤتمر شورى الحزب الحاكم في 2015، الذي انتهى بانقسام غير معلن، وانعكس على انتخابات 2015 التي خالفت نتائجها النسبة المألوفة للفوز (99.9) في المائة من جملة الأصوات، وتردد وقتها أن مخاشنة أعقبت الانتخابات، اتهم فيها الرئيس قيادات لا ترغب في ترشيحه بأنها خططت لتلك النتيجة المخيبة لآماله.
لكن الصراع تجدد وأخذ شكلاً جديداً مع قرب نهاية الدورة الرئاسية الحالية، التي ينص الدستور على أنها الأخيرة للبشير في السلطة، متمثلة في تيارين: يدعو أحدهما لتعديل الدستور لإتاحة دورة رئاسية جديدة للرئيس، والآخر يدعو للالتزام بالدستور، واختيار رئيس جديد من بينهم.
ورغم أنف الدستور، الذي ينص على أن الدورة الحالية للرئيس البشير في الحكم هي الأخيرة، نهضت حملة منسقة في الولايات وبعض الدوائر تدعو لتعديل الدستور، وإعادة ترشيح الرئيس البشير مجدداً في انتخابات 2020، بل وأطلق بعضهم تصريحات مثل «الدستور ليس قرآناً»، وهم يستندون أساساً إلى فرضية أن أوضاع البلاد لا «تحتمل تغييراً»، ومن الأنسب التجديد للبشير.
ويقود هذه المجموعة من خلف الكواليس النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه، وعدد من العسكريين، وتبريرها المعلن أن بقاء البشير هو الضامن لعدم تفجر الأوضاع، لذلك تدعو لتعديل الدستور، وإتاحة دورة رئاسية أخرى للبشير. لكن المبرر غير المعلن أن «جماعة طه» لا تؤيد البشير إلا نكاية في مجموعة أخرى، وتلبس قضيتها ثوب الحرص على التيار الإسلامي من الفناء، بـ«الانحناء قليلاً» للموجة الدولية الآتية من الغرب، بتقليل نفوذ الإسلاميين في الحكم، والحيلولة دون القضاء على التيار الإسلامي كلياً.
أما المجموعة المناوئة، التي تعمل من خلف «الساتر»، فترى أن سكوت البشير على الحملة غير الرسمية لإعادة ترشيحه يعني رضاه عنها، وبالتالي خرقه لاتفاق «غير معلن» بأن يتنحى بحلول عام 2020، ليخلفه رئيس الوزراء الحالي بكري حسن صالح، ونافع علي نافع نائباً للرئيس.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «السوداني» المستقلة، فإن صوت المجموعة المناوئة لإعادة ترشيح البشير لم يعد خافتاً. ويذكر التقرير أن أبرزهم نافع علي نافع وأمين حسن عمر، وآخرين يسندونهما سراً، ويضيف: «إنهم يتسمون بالقدرة على المواجهة، والوضوح في مواقفهم دون مواربة، ولبعضهم وجود قاعدي معتبر، يراهن عليه في حسم الأمر».
الرئيس البشير بدوره، ورغم أنه لم يعلن بعد تراجعه عن تصريحاته السابقة بزهده في الحكم، اتخذ إجراءات وقرارات أعفى بموجبها بعض رموز الحكم، وعين بموجبها آخرين.
ومن بين القرارات المثيرة التي اتخذها أخيراً، قراره إعادة مدير الأمن والمخابرات السابق صلاح عبد الله «قوش» إلى منصبه، بعد عزله عنه قبل عقد من الزمن، بل واتهامه بالضلوع في انقلاب عسكري، بالتعاون مع عسكريين إسلاميين، أبرزهم العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم»، وسجنه في محابس جهازه التي أسسها بنفسه، قبل تقديمه للمحاكمة ثم الإفراج عنه.
وتروى الخرطوم حكاية «عودة قوش» بعدد من الروايات التي تقول إن الرجل لم يكن مشاركاً في انقلاب من حيث الأصل، لكن مجموعة من إخوانه الإسلاميين انتهزوا فرصة انقلاب العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم»، وألحقوه به لإبعاده من طريقهم، فيما تقول رواية أخرى إنه كان ضالعاً في ذلك الانقلاب، لكن موازين القوى والاصطراع الداخلي اضطرت البشير للاستعانة به، ليس ضد المعارضين بل ضد «إسلاميين» يملكون نفوذاً داخل الأجهزة الأمنية والاستخبارية، يشكل وجودهم خطراً على بقاء الرئيس.
وفي حكومته الأخيرة، حرص الرئيس على توظيف «عسكريين» في مناصب مهمة، فقد أوكل منصب رئيس الوزراء إلى رفيقه ومرافقة خلال حكمة بكري حسن صالح، ثم أوكل منصب وزير المالية لعسكري، وأعاد تكوين هيئة الأركان العامة بهيئة جديدة، وضع على رأسها العميد كمال عبد المعروف، بديلاً لرئيسها السابق عماد الدين عدوي.
ويقول القيادي الإسلامي رئيس جهاز الأمن الأسبق د. قطبي المهدي إن «أزمة» إعادة انتخاب الرئيس لدورة رئاسية جديدة أربكت حزب المؤتمر الوطني الحاكم، لأنها جاءت من خارجه في شكل تأييد من الولايات ومناسبات جماهيرية.
ويرى المهدي أن طرح قضية إعادة انتخاب الرئيس قبل أوانها استفزت قيادات حزبية، فخرجت عنها تصريحات متضاربة، بعضهم أيد الفكرة دون تحفظ، فيما اعترض عليها بعضهم، مضيفاً: «وضعت الحملة الحزب في حرج بالغ لأنه لم يستطع أن يقول رأياً مؤسسياً، وكان عليه التدخل كمؤسسة، لكنه لم يستطع أن يقول أي شيء».
ووصف المهدي في تعليقه على استفسار «الشرق الأوسط» عجز الحزب الحاكم عن تقديم رأي مؤسسي، وفشله في تحديد توجه جاد من المسألة، بأنه ضعيف، وقال: «للأسف، المؤتمر الوطني أصبح حزباً ضعيفاً خائفاً غير قادر على أخذ زمام المبادرة».
وأرجع المهدي تضارب المواقف بين قيادات الحزب إلى حالة الارتباك التي تشهدها الساحة السياسية، وإلى فشل الحزب في قول رأيه كمؤسسة بوضوح.
ومنذ أعوام، كان المهدي قد أعلن لـ«الشرق الأوسط» أن صلاحية حكومة الإنقاذ الحاكمة في السودان لأكثر من 3 عقود قد انتهت، بمقولته الشهيرة: «الإنقاذ دواء جيد انتهت صلاحيته». ومثله يتساءل الكاتب يس أبو صالح، وفقاً لموقع «راديو دبنقا»، لكن بلغة معارضة، عما إن كانت دورة حكم الإسلاميين للسودان قد اكتملت، وأن التحالف بينهم وبين العسكر قد بلغ ذروته، ويقول: «هناك مؤشرات كثيرة تدلل على أن التحالف القائم بين الإسلاميين والعسكر يلفظ أنفاسه».
والخطوات المتسارعة نحو صدام أو صدامات تطرح سؤالاً في غاية الأهمية حول لحظة المواجهة، سؤالاً لا يكتفي المحللون بمجرد طرحه، بل يذهبون إلى أن صراعات الإسلاميين تذهب باتجاه مواجهة وشيكة بينهم وبين العسكريين، بعد انتقال الأمر من الكواليس إلى العلن. وبرز ذلك في تصريحات على ألسنة مسؤولين رفيعي المستوى أشاروا دون مواربة إلى «مؤامرات يطلقها البعض»، بل يهمس بعضهم بأن «الأزمة الاقتصادية» الحالية، وما نتج عنها من أزمة المحروقات وارتفاع كلفة المعيشة، نتيجة تخطيط «إسلاميين» يسعون إلى الضغط على العسكريين ومؤيدي الرئيس لإفشالهم.
وجاء تحذير نائب الرئيس لشؤون الحزب ومساعده في الرئاسة د. فيصل حسن إبراهيم، في مخاطبة حزبية بحاضرة ولاية جنوب كردفان، مدينة كادوقلي، من تصفية الحسابات، مستخدماً مصطلح «الحفر»، ويعني التآمر المكتوم، تجاوزاً جريئاً للهمس إلى العلن. فقد نقلت عنه صحف الخرطوم تحذيره شديد اللهجة من التآمر الداخلي في الحزب الحاكم.
كما أن قيادياً إسلامياً شهيراً ومعروفاً بمواقفه الناقدة للنظام قطع بأن «العسكريين» بشكل عام ينحازون إلى «رفاق السلاح»، بغض النظر عن انحيازاتهم الآيديولوجية. وفي حال نشوب مواجهة بين «العسكري» البشير وإسلاميين، عبر تنظيماتهم و«ميليشياتهم» الخاصة، فإن العسكر سيتحدون «خلف قائدهم».
والقيادي الإسلامي، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأول مرة، أشار أيضاً إلى دور جهاز الأمن والمخابرات الذي أعيد إليه «قوش» لـ«تطهيره» من العناصر الإسلامية المناوئة للرئيس، كما ألمح إلى أن قوات «الدعم السريع»، التي لا علاقة لها بالإسلاميين بل بقائدها و«مكونها»، لن تتردد لحظة في حسم أي «شغب إسلامي أو غير إسلامي» ضد البشير.
ومع تفاقم الأزمات، وانسداد آفاق الحلول، يضع الجميع أيديهم على قلوبهم، مستبطئين أو مستعجلين «عملية الطائر الطنان»، أو «ليلة السكاكين السودانية الطويلة»، وهو السؤال الوجودي الذي طرحه الكاتب المعارض فتحي الضو قبل فترة: «هل يمكن أن يؤدي اختلاف الرؤى والآراء بين الفرقاء لأن نشهد (ليلة السكاكين الطويلة) السودانية، بدوافع حب السلطة، وفقه المصالح، وغريزة البقاء»؟!


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
TT

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)

لم يكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في لبنان بعد أكثر من سنتين على الشغور ليحصل راهناً لولا المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. إذ إن «الثنائي الشيعي»، المتمثل في حركة «أمل» و«حزب الله»، تمسّك بمرشحه رئيس تيار «المرَدة»، سليمان فرنجية، طوال الفترة الماضية، بينما امتنع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وزعيم «أمل»، عن الدعوة لأي جلسة انتخاب لعام كامل رابطاً أي جلسة جديدة بحوار وتفاهم مسبق. غير أن الوضع تغيّر، عندما ترك «الثنائي» تشدده الرئاسي جانباً بعد الحرب القاسية التي شنتها إسرائيل على «حزب الله»، وأدت لتقليص قدراته العسكرية إلى حد كبير، كما حيدّت قادته الأساسيين وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله. ثم أتى سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الحليف الأساسي لـ«حزب الله» وإيران ليقطع «طريق طهران - بيروت» التي كانت الطريق الوحيدة لإمداد الحزب برّاً بالسلاح والعتاد، ليؤكد أن النفوذ الإيراني في المنطقة اندحر... ما اضطر حلفاء طهران في بيروت إلى إعادة حساباتهم السياسية. ولعل أول ما خلُصت إليه حساباتهم الجديدة، التعاون لانتخاب قائد الجيش، المدعوم دولياً، رئيساً للبلاد.

لدى مراجعة تاريخ لبنان المستقل، يتبيّن أن التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية ليس أمراً طارئاً على الحياة السياسية في البلاد، بل هو طبع كل المسار التاريخي للاستحقاقات الرئاسية اللبنانية.

ويشير جورج غانم، الكاتب السياسي الذي واكب عن كثب الأحداث اللبنانية، إلى أن «الخارج، منذ أيام بشارة الخوري، الرئيس الأول بعد استقلال لبنان عام 1943، كانت له الكلمة الأساسية في اختيار الرؤساء في لبنان وفرضهم. ويضيف: «الانتخابات لا تحصل بتوافقات داخلية... بل يبصم مجلس النواب على قرارات خارجية».

ويشرح أن الخوري انتُخب في مرحلة كان فيها التنافس البريطاني الفرنسي في أوجه، وكان البريطانيون يحاولون جاهدين وضع حد لنفوذ باريس في المشرق. ولذا، تعاونوا مع «الكتلة الوطنية» في سوريا والحكم الهاشمي في العراق والحكم في مصر ومع «الكتلة الدستورية» في لبنان، عندما كانت المنافسة على الرئاسة الأولى محتدمة بين إميل إده المدعوم فرنسياً، وبشارة الخوري المدعوم بريطانياً ومن حلفائهم العرب، وبما أن فرنسا كانت دولة محتلة وخسرت الحرب، نجح المرشح الرئاسي اللبناني الذي يريده البريطانيون الذين سيطروا يومذاك على منطقة الشرق الأوسط.

انتخاب كميل شمعون

ويلفت غانم، الذي حاورته «الشرق الأوسط»، إلى أنه بعد هزيمة الجيوش العربية في «حرب فلسطين» عام 1948، برز تنافس أميركي - بريطاني للسيطرة على المنطقة، فبدأت تسقط أنظمة سواء في مصر أو سوريا، وتبلور محور مصري - سعودي في وجه محور أردني - عراقي مدعوم بريطانياً. وفي ظل الاضطرابات التي كانت تشهدها المنطقة وإصرار الخوري على الحياد في التعامل مع سياسة الأحلاف، سقط الخوري، وانتُخب كميل شمعون بدعم بريطاني - عربي، وتحديداً أردني - عراقي. ومن ثَمَّ، إثر انكفاء بريطانيا بعد «حرب السويس» عام 1956، دخلت الولايات المتحدة في منافسة شرسة مع الاتحاد السوفياتي. وفي تلك الفترة كانت الموجة الناصرية كاسحة ما جعل شمعون يواجه بثورة كبيرة انتهت بتفاهم مصري - أميركي على انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً.

من فؤاد شهاب... إلى سليمان فرنجية

الواقع أن شهاب انتُخب عام 1958 بتوافق مصري - أميركي نشأ بعد انكفاء البريطانيين ونضوج التنافس الأميركي - السوفياتي وصولاً إلى عام 1964. عند هذه المحطة حين انتُخب شارل حلو، المحسوب أساساً على «الشهابيين»، رئيساً، في المناخ نفسه، ولكن هذه المرة برضىً فاتيكاني - فرنسي مع نفوذ مستمر أميركي - مصري.

ويضيف غانم: «بعد حرب 1967 انكفأت (الناصرية) وضعُفت (الشهابية) وانتشر العمل الفدائي الفلسطيني... وتلقائياً قوِيَ الحلف المسيحي في لبنان المدعوم غربياً، وفي ظل حضور فاقع لإسرائيل في المنطقة. وبعد اكتساح «الحلف الثلاثي» الماروني اليميني السواد الأعظم من المناطق المسيحية في الانتخابات، جاء انتخاب سليمان فرنجية عام 1970، بفارق صوت واحد، تعبيراً عن هذا المناخ وعن ميزان القوى الجديد في المنطقة».

الاجتياح الإسرائيلي و«اتفاق 71 أيار

ويتابع جورج غانم سرده ليقول: «انتخاب إلياس سركيس رئيساً عام 1976 جاء بتفاهم سوري - أميركي حين كان النفوذ والدور السوريين يومذاك في أوجه... وقد دخلت حينها قوات الردع السورية والعربية إلى لبنان». أما انتخاب بشير الجميل عام 1982 فأتى بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وفي ظل دعم أميركي وأطلسي مطلق. وانسحب هذا المناخ على انتخاب أمين الجميل مع فارق وحيد هو أن المسلمين المعتدلين في لبنان الذين لم يؤيدوا بشير، أيدوا انتخاب شقيقه أمين.

لاحقاً، عام 1984، حصلت «انتفاضة 6 شباط» الإسلامية، فتراجعت إسرائيل وألغي «اتفاق 17 أيار» الذي فرضته تل أبيب بالقوة. وهكذا، بحلول عام 1988 لم يكن ميزان القوى المرتبك يسمح بانتخاب رئيس للبنان، فكانت النتيجة الشغور الرئاسي الذي استمر لمدة سنتين تخللتهما «حرب التحرير» والحرب بين الجيش و«القوات اللبنانية»... وانتهى بتوقيع «اتفاق الوفاق الوطني في الطائف» عام 1989، وهو اتفاق عربي - دولي أنتج انتخاب رينيه معوض، ثم مباشرة بعد اغتياله، انتخاب إلياس الهراوي. وظل لبنان يعيش في ظل هيمنة سورية، شهدت انتخاب العماد إميل لحود عام 1998 وتمديد ولايته حتى عام 2007.

ميشال سليمان وميشال عون

ويتابع جورج غانم السرد فيشير إلى أنه «في عام 2004، وبعد اجتياح العراق قامت معادلة جديدة في المنطقة، فتمدّدت إيران إلى العراق وازداد نفوذ (حزب الله) في لبنان، وخصوصاً بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005»، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ومع انتهاء ولاية إميل لحود الثانية، لم يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس حتى عام 2008 حين كان هناك صعود قطري - تركي في المنطقة. وهكذا، جاء «اتفاق الدوحة» الذي أوصل العماد ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة بموافقة سعودية - مصرية بعد «أحداث 7 مايو/ أيار» التي كرّست نفوذ «حزب الله».

وأردف: «لكن اتفاق الدوحة سقط عام 2011 بعدما اندلعت الأزمة السورية، فضرب الشلل عهد الرئيس سليمان، وقد سلّم قصر بعبدا للفراغ عام 2014. وفي ظل التوازن السلبي الذي كان قائماً حينذاك، عاش لبنان فراغاً رئاسياً ثانياً طال لسنتين ونصف السنة في أعقاب تمسك (حزب الله) بمرشحه العماد ميشال عون. ولم تتغير التوازنات إلا بعد وصول الجيش الروسي إلى سوريا عام 2015، و(تفاهم معراب) بين عون ورئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، وأيضاً تفاهم عون مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وكانت هذه التفاهمات قد تزامنت مع حياد أميركي بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران وعشية انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما... ما أدى إلى انتخاب عون رئيساً عام 2016».

غانم يلفت هنا إلى أنه «مع انطلاق عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأ التشدد تجاه إيران والتصعيد ضد (حزب الله)، ولذا بدأ عهد عون يخبو... حتى بدأ يحتضر مع أحداث 17 أكتوبر 2019». ثم يضيف: «ومع انتهاء ولاية عون ترسّخ توازن سلبي بين (حزب الله) وحلفائه من جهة، والقوى المناوئة له من جهة أخرى، الأمر الذي منع انتخاب رئيس خلال العامين الماضيين. لكن هذا التوازن انكسر بالأمس لصالح خصوم إيران السياسيين، وهكذا أمكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد».

جوزيف عون

البرلمان اللبناني انتخب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي بـ99 صوتاً من أصل 128 بعد سنتين وشهرين وعشرة أيام من الفراغ الرئاسي. وحمل «خطاب القسم» الذي ألقاه الرئيس المنتخب عون مضامين لافتة، أبرزها: تأكيده «التزام لبنان الحياد الإيجابي»، وتجاهله عبارة «المقاومة»، خلافاً للخطابات التي طبعت العهود السابقة. كذلك كان لافتاً تأكيده العمل على «تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح». ولقد تعهد عون الذي لاقى انتخابه ترحيباً دولياً وعربياً، أن تبدأ مع انتخابه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان»، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

خشّان: كل رؤساء لبنان يأتون بقرار خارجي ويكتفي البرلمان بالتصديق عليهم

دولة ناعمة

الدكتور هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه ليس خافياً على أحد أن «كل الرؤساء في لبنان يأتون بقرار خارجي، ويكتفي البرلمان اللبناني بالتصديق على هذا القرار بعملية انتخابهم»، ويضيف أن «لبنان عبارة عن دولة ناعمة تعتمد على الخارج، وهي مكوّنة من مجموعة طوائف تحتمي بدول عربية وغربية».

وتابع خشّان أن «مفهوم الدولة ركيك وضعيف في لبنان، والقسم الأكبر من اللبنانيين لا يشعرون بالانتماء للبلد. والمستغرب هنا انتخاب رئيس من دون تدخلات خارجية وليس العكس... لأنه واقع قائم منذ الاستقلال». ويشرح: «فرنسا كانت للموازنة الأم الحنون، والسُّنّة كانوا يرون مرجعيتهم جمال عبد الناصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم المملكة العربية السعودية. أما الشيعة فمرجعيتهم الأساسية إيران».

هزيمة «حزب الله»

وفق خشّان، «هزيمة (حزب الله) العسكرية نتج عنها هزيمة سياسية، وخصوصاً بعد سقوط نظام الأسد وفصل لبنان عن إيران جغرافياً، أضف إلى ذلك أن الحزب يتوق إلى إعادة إعمار مناطقه المدمّرة، ويدرك أنه لا يستطيع ذلك دون مساعدة خارجية... لقد استدارت البوصلة اللبنانية 180 درجة نحو أميركا ودول الخليج، كما سيكون هناك دور أساسي تلعبه سوريا، تحت قيادتها الجديدة، في المرحلة المقبلة».

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن لبنان شهد منذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي تطوّرات وأحداثاً استثنائية قلبت المشهد فيه رأساً على عقب. وبدأ كل شيء حين فجّرت إسرائيل أجهزة «البيجر» بعناصر وقياديي «حزب الله» ما أدى إلى قتل وإصابة المئات منهم. ثم عادت وفجّرت أجهزة اللاسلكي في اليوم التالي ممهِّدة لحربها الواسعة. ويوم 23 سبتمبر باشرت إسرائيل حملة جوية واسعة على جنوب لبنان، تزامنت مع سلسلة عمليات اغتيال خلال الأيام التي تلت وطالت قياديي ومسؤولي «حزب الله» وتركزت في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبدأت الاغتيالات الأكبر في 27 سبتمبر مع اغتيال حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، وتلاه اغتيال رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كما أنه في يوم 1 أكتوبر بدأت تل أبيب عملياتها العسكرية البرّية جنوباً قبل أن تطلق يوم 30 من الشهر نفسه حملة جوية مكثفة على منطقة البقاع (شرقي لبنان).

وتواصلت الحرب التدميرية على لبنان نحو 65 يوماً، وانتهت بالإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولقد سمح هذا الاتفاق للجيش الإسرائيلي بمواصلة احتلال قرى وبلدات لبنانية حدودية على أن ينسحب منها مع انتهاء مهلة 60 يوماً.

ولكن، خارج لبنان، تواصلت الصفعات التي تلقاها المحور الذي تقوده إيران مع بدء فصائل المعارضة السورية هجوماً من إدلب فحلب في 28 أكتوبر انتهى في ديسمبر (كانون الأول) بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى الرغم من إعلان أمين عام «حزب الله» الحالي، الشيخ نعيم قاسم، أن حزبه سيساند النظام في سوريا، فإنه صُدم بسرعة انهيار دفاعات الجيش السوري، ما أدى إلى سحب عناصره مباشرة إلى الداخل اللبناني، وترك كل القواعد التي كانت له منذ انخراطه في الحرب السورية في عام 2012.

وأخيراً، في منتصف ديسمبر، أعلن قاسم صراحة أن «حزب الله» فقد طرق الإمداد الخاصة به في سوريا... أي آخر انقطاع طريق بيروت - دمشق.