السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

معركة الرئاسة... الاستقطاب بين الإسلام السياسي والعسكر

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية
TT

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

السودان... عملية «الطائر الطنان» النسخة الإخوانية

لا يدري أحد، أو حتى يستطيع التكهن بما قد يحدث في السودان في غضون الأيام أو الأشهر القريبة المقبلة، فالأزمة الاقتصادية «استحكمت حلقاتها»، فأنهكت هياكل البلاد، وطحنت عظم المواطنين، وحمي صراع السلطة، ليس بين الحكومة ومعارضيها وحدهم، بل حتى داخل المجموعة المتنفذة نفسها.
وانتقلت «الخلافات والصراعات المكتومة» لعقود من دائرة التذمر والهمس إلى العلن، في شكل تصريحات صادرة عن القادة وأحاديث المسؤولين وتذمر المواطنين وأصوات المحذرين من تغيير قد يؤدي إلى «انهيار الدولة»، وتحركت رمال البلاد كلها باتجاه تغيير وشيك، أطرافه معارضون وحكوميون، وإسلاميون وعسكريون.
ويخشى على نطاق واسع من نسخة سودانية لما عرف إبان «ألمانيا النازية» بـ«عملية الطائر الطنان» أو «ليلة السكاكين الطويلة». خلال تلك العملية، نفذ الجيش النازي سلسلة تصفيات سياسية ضد فرقتين شبه عسكريتين اتسمتا بالعنف والطموح، وقتل في ليلة واحدة أكثر من 85 من قيادات الفرقتين، رغم دورهما في تثبيت أركان النازية. ثم استغل أدولف هتلر الحادث لتصفية منتقدي حكمه من بين قادة الجيش النازي الذين نفذوا العملية التي أخذت الاسم الكودي: «الطائر الطنان»!

في محاولة للملمة الصراع الإسلاموي، شهد المقر الكلاسيكي للإسلاميين السودانيين، بضاحية العيلفون شرق الخرطوم، يوم الجمعة 27 أبريل (نيسان) الماضي، أعمال اجتماع مجلس شورى الحركة الإسلامية (الاسم الكودي لإخوان السودان)، بعد تعثر طويل راجت أثناءه أحاديث عن اتجاه لحل الجناح الآيديولوجي للنظام السوداني (الحركة الإسلامية)، أو في أحسن الأحوال دمجه في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، الذي حين أنشئ كان الهدف أن يكون واجهة لها.
وعلى غير العادة، عقد الاجتماع في سرية تامة، بعيداً عن كاميرات وأعين الصحافيين والإعلاميين، ولم تسمع وسائل الإعلام به إلا بعد أن أكمل انعقاده وأعلن توصياته. وأهم أجندة في هذا الاجتماع كانت «حسم مستقبل الحركة»، بين حلها ودمجها وتذويبها في الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، لكن الاجتماع خلص إلى تعزيز وجودها، وقرر عقد مؤتمرها العام في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد إلغائه - أو تأجيله - لعام كامل.
واللافت في الاجتماع كان حضور الرئيس عمر البشير، بصفته رئيساً للهيئة القيادية العليا، بعد أن راج قبلها أنه «غاضب» عليها، وأن ما يتم تداوله بشأن حلها يجئ بإيعاز منه شخصياً، لكن مشاركته في اجتماع الجمعة قد تؤكد تغيراً في موقفه، لكن بعض المحللين رأوا أن القصد من المشاركة «الإشراف مباشرة» على ما قد يدور في كواليس الاجتماع. وما يعضد هذا التحليل غياب نائبه الأول رئيس الوزراء بكري حسن صالح، ساعده الموثوق الذي يشغل في الوقت ذاته منصب نائب رئيس الهيئة القيادية، أي تطبيق لـ«ثنائية تبادل الأدوار».
الرئيس البشير، الذي يتردد أنه على خلاف مع بعض رموز وقيادات الحركة الإسلامية التقليدية، طلب في كلمته للاجتماع «إفساح المجال أمام الشباب» في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، ورهن مستقبل البلاد بمشاركتهم، كما طالب بحسب صحيفة «الصيحة»، المملوكة لأحد أقاربه، بالنزول للقواعد ودعمهم، بمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، بما يمكن تفسيره بأنه دعوة للقيادات التاريخية للتنحي.
ومنذ الانقلاب الذي نفذته الحركة الإسلامية السودانية في 30 يونيو (حزيران) 1989، فإن الصراعات بين الإسلاميين الحاكمين بدأت ولم تنته؛ بدأت أثناء عملية التمويه الماكرة لإخفاء هوية الانقلاب، التي كشفها الترابي بمقولته الشهيرة ساعة الانقلاب: «قلت للبشير: اذهب إلى القصر رئيساً، وسأذهب إلى السجن حبيساً».
وتم حبس الترابي مع قادة الأحزاب والحكم المنقلب عليه تمويهاً، وراج بعدها أن نائب الترابي وقتها، علي عثمان محمد طه، أبقى شيخه في السجن أكثر من الفترة المتفق عليها، ورتب الأوضاع بحيث تمكنه من السيطرة على مكامن القوة في النظام.
اللعبة الماكرة لم تنطل على المعارضين ورفاق الحبس، ونقل عن زعيم الشيوعيين الراحل محمد إبراهيم نقد أنه قال للترابي في المعتقل: «كفاك سجناً، فقد جاملتنا كثيراً»، لكنها على ما يبدو انطلت على إسلاميين كثر فأصبحوا «شاهد ما شافش حاجة»، ما أتاح لمجموعة طه التمكين على حساب قائدهم التاريخي.
وتردد بعد فترة من عودة الترابي للأضواء أنه «حل» الحركة الإسلامية لصالح حزب المؤتمر الوطني، الذي أنشئ في الأصل ليكون واجهة أكثر مرونة للإخوان السودانيين، ومنح قادتها «مصحفاً» فهم منه أن حركتهم أصبحت خارج اللعبة السياسية فعلياً.
ثم تواصل التذمر والتنافس و«التعارك» بين الإسلاميين الحاكمين، الذين انقسموا إلى تيارين: «القصر» وهو موال للرئيس، و«المنشية» الموالي لحسن الترابي، نتيجة لما عرف بـ«مذكرة العشرة»، التي وقعها عشرة من قادة الإسلاميين البارزين ضد الترابي، وأدت لاحقاً إلى «المفاصلة» التي قسمت الإسلاميين في الرابع من رمضان 1999.
وبحسب مقال للسياسي المعارض علي السيد، فإن من أعدوا مذكرة العشرة دفعتهم السلطة لمواجهة «كبيرهم الذي علمهم السحر»، أو أنهم لم يقدروا الأمر حق تقديره، وأن الترابي حين رأى أن أمر المذكرة يستهدفه مباشرة وشخصياً، اختار أن ينازلهم في ميدان الحزب الحاكم، مستعيناً بقواعد الحزب وجماهيره، ولسان حاله يقول: «الفيصل هو الجماهير والقواعد، والعمل عبر مؤسسات الحزب وأجهزته، وليس التدبير بليل، كما حدث بشأن مذكرة العشرة، التي حجبت عنه وتفاجأ بها تماماً في لحظة تقديمها».
يقول السيد إن الترابي حقق انتصاراً تكتيكياً حصل بموجبه على إعادة انتخابه أميناً عاماً للحزب الحاكم، وبذلك سجل نصراً تكتيكياً مؤقتاً على أصحاب المذكرة، فاستعانوا عليه بما سماه الكاتب «السلطة القاهرة وسيف الرئيس»، فسارع في الرابع من رمضان 1999 بحل المجلس الوطني «البرلمان»، الذي يترأسه الترابي ويقود عبره معركته، ثم أعلن حالة الطوارئ في البلاد.
بتلك القرارات، أبعد البشير «الإسلامي» شيخ الإسلاميين نهائياً عن دائرة التأثير، وراجت مقولة أن «الثورة السودانية أكلت أباها»، ولم يكتف الرئيس البشير بحل المجلس الوطني، بل جمد الأمانة العام للحزب الحاكم، التي كان يقودها الترابي أيضاً.
ولم تتوقف الانشقاقات و«الصراعات» داخل جسد الإسلاميين السودانيين بعد ذهاب الترابي، وتأسيسه للحزب الضرار «المؤتمر الشعبي»، فبعد انفصال جنوب السودان في يوليو (تموز) 2011، برزت إلى السطح جماعة «سائحون»، وهي جماعة مكونة في الأصل من مقاتلين (مجاهدين) سابقين إبان الحرب مع جنوب السودان، وقدمت ما عرف بمذكرة «الألف أخ»، وطالبت بإجراء إصلاحات إدارية، لكنها كانت أكثر حصافة لأنها أقرت بقاء الرئيس البشير رئيساً للحزب والدولة.
ثم جاءت مجموعة أخرى، تكونت أساساً من «أساتذة جامعات»، وانتقدت في مذكرات الأداء السياسي للنظام الحاكم، في 28 سبتمبر (أيلول) 2013، ولكن النظام قمع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد آنذاك، ومن أبرز قادتها الإسلامي غازي صلاح الدين.
وبلغ الصراع بين هذه الجماعة ومركز السلطة وقتها (الحزب) ذروته، فبعض رجال الحزب اعتبر ما قاموا به «تطاولاً» على سلطة الحزب والدولة، فتكونت لجنة محاسبة ل 46 قيادياً وموقعاً على المذكرة، قررت في 21 أكتوبر 2013 تجميد عضوية بعضهم في الحزب الحاكم، وفصل آخرين، وتكونت تبعاً لذلك «حركة الإصلاح الآن»، بقيادة غازي العتباني.
ثم توالت أجواء الصراع تباعاً، وبلغت ذروتها بقرارات الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2013، التي أطاحت برجلي الإسلاميين القويين: علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع، وعدد آخر من كبار المسؤولين. وقيل وقتها إن الغرض من إبعادهم «إتاحة الفرصة للشباب»، لكن التشكيلات الحكومية اللاحقة لم تلتزم بالشباب كثيراً، إذ أبقت على عدد كبير من «شيوخ الحكم» في مواقعهم، وأبرزهم رئيس الوزراء الحالي بكري حسن صالح، ورئيس المجلس الوطني إبراهيم أحمد عمر، إضافة للرئيس عمر البشير.
ووصفت المعارضة وقتها ما حدث بأنه «انقلاب»، ونقلت «الشرق الأوسط» عن المتحدث باسم تحالف المعارضة الموالي لحزب الترابي، كمال عمر، تشكيكه في الرواية الرسمية، وقوله: «هذه إقالة كاملة الدسم»، وقوله: «الرئيس منذ فترة يبحث عمن يطمئن لهم في مقبل حياته، لذا اختار أكثر الناس قرباً له، وهو نائبه الأول الجديد بكري حسن صالح».
ونسبت الصحيفة إلى عمر أن الرئيس البشير غير مطمئن لنائبه الأول، وأنه أجرى ترتيبات كثيرة الهدف منها إقصائه ومجموعته، وأنه لم يعد يرغب في سماع أصوات معارضة تحول بينه وبين وضع كل السلطات تحت يده، وقوله: «المقالون يضمرون شراً كبيراً للنظام، لكنهم انحنوا للعاصفة مؤقتاً».
المجموعة المعزولة نفسها ليست على وفاق، فقد تم تداول واسع عن صراع قوي بين طه ونافع على خلافة البشير، ظهر أول مرة بشكل لافت في مؤتمر شورى الحزب الحاكم في 2015، الذي انتهى بانقسام غير معلن، وانعكس على انتخابات 2015 التي خالفت نتائجها النسبة المألوفة للفوز (99.9) في المائة من جملة الأصوات، وتردد وقتها أن مخاشنة أعقبت الانتخابات، اتهم فيها الرئيس قيادات لا ترغب في ترشيحه بأنها خططت لتلك النتيجة المخيبة لآماله.
لكن الصراع تجدد وأخذ شكلاً جديداً مع قرب نهاية الدورة الرئاسية الحالية، التي ينص الدستور على أنها الأخيرة للبشير في السلطة، متمثلة في تيارين: يدعو أحدهما لتعديل الدستور لإتاحة دورة رئاسية جديدة للرئيس، والآخر يدعو للالتزام بالدستور، واختيار رئيس جديد من بينهم.
ورغم أنف الدستور، الذي ينص على أن الدورة الحالية للرئيس البشير في الحكم هي الأخيرة، نهضت حملة منسقة في الولايات وبعض الدوائر تدعو لتعديل الدستور، وإعادة ترشيح الرئيس البشير مجدداً في انتخابات 2020، بل وأطلق بعضهم تصريحات مثل «الدستور ليس قرآناً»، وهم يستندون أساساً إلى فرضية أن أوضاع البلاد لا «تحتمل تغييراً»، ومن الأنسب التجديد للبشير.
ويقود هذه المجموعة من خلف الكواليس النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه، وعدد من العسكريين، وتبريرها المعلن أن بقاء البشير هو الضامن لعدم تفجر الأوضاع، لذلك تدعو لتعديل الدستور، وإتاحة دورة رئاسية أخرى للبشير. لكن المبرر غير المعلن أن «جماعة طه» لا تؤيد البشير إلا نكاية في مجموعة أخرى، وتلبس قضيتها ثوب الحرص على التيار الإسلامي من الفناء، بـ«الانحناء قليلاً» للموجة الدولية الآتية من الغرب، بتقليل نفوذ الإسلاميين في الحكم، والحيلولة دون القضاء على التيار الإسلامي كلياً.
أما المجموعة المناوئة، التي تعمل من خلف «الساتر»، فترى أن سكوت البشير على الحملة غير الرسمية لإعادة ترشيحه يعني رضاه عنها، وبالتالي خرقه لاتفاق «غير معلن» بأن يتنحى بحلول عام 2020، ليخلفه رئيس الوزراء الحالي بكري حسن صالح، ونافع علي نافع نائباً للرئيس.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «السوداني» المستقلة، فإن صوت المجموعة المناوئة لإعادة ترشيح البشير لم يعد خافتاً. ويذكر التقرير أن أبرزهم نافع علي نافع وأمين حسن عمر، وآخرين يسندونهما سراً، ويضيف: «إنهم يتسمون بالقدرة على المواجهة، والوضوح في مواقفهم دون مواربة، ولبعضهم وجود قاعدي معتبر، يراهن عليه في حسم الأمر».
الرئيس البشير بدوره، ورغم أنه لم يعلن بعد تراجعه عن تصريحاته السابقة بزهده في الحكم، اتخذ إجراءات وقرارات أعفى بموجبها بعض رموز الحكم، وعين بموجبها آخرين.
ومن بين القرارات المثيرة التي اتخذها أخيراً، قراره إعادة مدير الأمن والمخابرات السابق صلاح عبد الله «قوش» إلى منصبه، بعد عزله عنه قبل عقد من الزمن، بل واتهامه بالضلوع في انقلاب عسكري، بالتعاون مع عسكريين إسلاميين، أبرزهم العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم»، وسجنه في محابس جهازه التي أسسها بنفسه، قبل تقديمه للمحاكمة ثم الإفراج عنه.
وتروى الخرطوم حكاية «عودة قوش» بعدد من الروايات التي تقول إن الرجل لم يكن مشاركاً في انقلاب من حيث الأصل، لكن مجموعة من إخوانه الإسلاميين انتهزوا فرصة انقلاب العميد محمد إبراهيم «ود إبراهيم»، وألحقوه به لإبعاده من طريقهم، فيما تقول رواية أخرى إنه كان ضالعاً في ذلك الانقلاب، لكن موازين القوى والاصطراع الداخلي اضطرت البشير للاستعانة به، ليس ضد المعارضين بل ضد «إسلاميين» يملكون نفوذاً داخل الأجهزة الأمنية والاستخبارية، يشكل وجودهم خطراً على بقاء الرئيس.
وفي حكومته الأخيرة، حرص الرئيس على توظيف «عسكريين» في مناصب مهمة، فقد أوكل منصب رئيس الوزراء إلى رفيقه ومرافقة خلال حكمة بكري حسن صالح، ثم أوكل منصب وزير المالية لعسكري، وأعاد تكوين هيئة الأركان العامة بهيئة جديدة، وضع على رأسها العميد كمال عبد المعروف، بديلاً لرئيسها السابق عماد الدين عدوي.
ويقول القيادي الإسلامي رئيس جهاز الأمن الأسبق د. قطبي المهدي إن «أزمة» إعادة انتخاب الرئيس لدورة رئاسية جديدة أربكت حزب المؤتمر الوطني الحاكم، لأنها جاءت من خارجه في شكل تأييد من الولايات ومناسبات جماهيرية.
ويرى المهدي أن طرح قضية إعادة انتخاب الرئيس قبل أوانها استفزت قيادات حزبية، فخرجت عنها تصريحات متضاربة، بعضهم أيد الفكرة دون تحفظ، فيما اعترض عليها بعضهم، مضيفاً: «وضعت الحملة الحزب في حرج بالغ لأنه لم يستطع أن يقول رأياً مؤسسياً، وكان عليه التدخل كمؤسسة، لكنه لم يستطع أن يقول أي شيء».
ووصف المهدي في تعليقه على استفسار «الشرق الأوسط» عجز الحزب الحاكم عن تقديم رأي مؤسسي، وفشله في تحديد توجه جاد من المسألة، بأنه ضعيف، وقال: «للأسف، المؤتمر الوطني أصبح حزباً ضعيفاً خائفاً غير قادر على أخذ زمام المبادرة».
وأرجع المهدي تضارب المواقف بين قيادات الحزب إلى حالة الارتباك التي تشهدها الساحة السياسية، وإلى فشل الحزب في قول رأيه كمؤسسة بوضوح.
ومنذ أعوام، كان المهدي قد أعلن لـ«الشرق الأوسط» أن صلاحية حكومة الإنقاذ الحاكمة في السودان لأكثر من 3 عقود قد انتهت، بمقولته الشهيرة: «الإنقاذ دواء جيد انتهت صلاحيته». ومثله يتساءل الكاتب يس أبو صالح، وفقاً لموقع «راديو دبنقا»، لكن بلغة معارضة، عما إن كانت دورة حكم الإسلاميين للسودان قد اكتملت، وأن التحالف بينهم وبين العسكر قد بلغ ذروته، ويقول: «هناك مؤشرات كثيرة تدلل على أن التحالف القائم بين الإسلاميين والعسكر يلفظ أنفاسه».
والخطوات المتسارعة نحو صدام أو صدامات تطرح سؤالاً في غاية الأهمية حول لحظة المواجهة، سؤالاً لا يكتفي المحللون بمجرد طرحه، بل يذهبون إلى أن صراعات الإسلاميين تذهب باتجاه مواجهة وشيكة بينهم وبين العسكريين، بعد انتقال الأمر من الكواليس إلى العلن. وبرز ذلك في تصريحات على ألسنة مسؤولين رفيعي المستوى أشاروا دون مواربة إلى «مؤامرات يطلقها البعض»، بل يهمس بعضهم بأن «الأزمة الاقتصادية» الحالية، وما نتج عنها من أزمة المحروقات وارتفاع كلفة المعيشة، نتيجة تخطيط «إسلاميين» يسعون إلى الضغط على العسكريين ومؤيدي الرئيس لإفشالهم.
وجاء تحذير نائب الرئيس لشؤون الحزب ومساعده في الرئاسة د. فيصل حسن إبراهيم، في مخاطبة حزبية بحاضرة ولاية جنوب كردفان، مدينة كادوقلي، من تصفية الحسابات، مستخدماً مصطلح «الحفر»، ويعني التآمر المكتوم، تجاوزاً جريئاً للهمس إلى العلن. فقد نقلت عنه صحف الخرطوم تحذيره شديد اللهجة من التآمر الداخلي في الحزب الحاكم.
كما أن قيادياً إسلامياً شهيراً ومعروفاً بمواقفه الناقدة للنظام قطع بأن «العسكريين» بشكل عام ينحازون إلى «رفاق السلاح»، بغض النظر عن انحيازاتهم الآيديولوجية. وفي حال نشوب مواجهة بين «العسكري» البشير وإسلاميين، عبر تنظيماتهم و«ميليشياتهم» الخاصة، فإن العسكر سيتحدون «خلف قائدهم».
والقيادي الإسلامي، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأول مرة، أشار أيضاً إلى دور جهاز الأمن والمخابرات الذي أعيد إليه «قوش» لـ«تطهيره» من العناصر الإسلامية المناوئة للرئيس، كما ألمح إلى أن قوات «الدعم السريع»، التي لا علاقة لها بالإسلاميين بل بقائدها و«مكونها»، لن تتردد لحظة في حسم أي «شغب إسلامي أو غير إسلامي» ضد البشير.
ومع تفاقم الأزمات، وانسداد آفاق الحلول، يضع الجميع أيديهم على قلوبهم، مستبطئين أو مستعجلين «عملية الطائر الطنان»، أو «ليلة السكاكين السودانية الطويلة»، وهو السؤال الوجودي الذي طرحه الكاتب المعارض فتحي الضو قبل فترة: «هل يمكن أن يؤدي اختلاف الرؤى والآراء بين الفرقاء لأن نشهد (ليلة السكاكين الطويلة) السودانية، بدوافع حب السلطة، وفقه المصالح، وغريزة البقاء»؟!


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.