ثورة عشائر العراق تزيد حياة «سنّة بغداد» جحيما

ثورة عشائر العراق تزيد حياة «سنّة بغداد» جحيما
TT

ثورة عشائر العراق تزيد حياة «سنّة بغداد» جحيما

ثورة عشائر العراق تزيد حياة «سنّة بغداد» جحيما

مع ارتفاع حدة التوتر الطائفي في مدينة بغداد، تتلقى مشرحتها يوميا الكثير من الجثث، معظمها مصابة بطلقات نارية بالرأس واغلبيتهم من السنة وبعض علامات التعذيب بادية عليها.
وحينما تأتي العائلات إلى المشرحة بحثا عن ذويها، تتوجه إلى غرفة بها خمس شاشات تلفاز بعرض 48 بوصة تعرض ما يمكن وصفه بأنه مشهد من الجحيم – حيث الجثث الممتلئة بالرصاص تعرض واحدة تلو الأخرى. أولئك الذين حضروا يوم الأربعاء غادروا المشرحة وسط حالة من خيبة الأمل والارتياح، مستاءون لأنهم لم يعرفوا مصير أحبائهم، وسعداء لأنّهم لم يتأكدوا من وجود جثثهم في المشرحة، ليسوا هنا، على الأقل حتى الآن.
وفي الوقت الراهن، لم تصل وتيرة الاغتيالات الطائفية إلى حد المذابح الجماعية التي شهدها عام 2005 وحتى عام 2007، حينما كانت المشرحة تتلقى ما يقرب 100 جثة يوميا، ممن قتلوا خلال التفجيرات الانتحارية وأغلبها كان يعود الى السنة الذين أعدموا بواسطة الميليشيات الشيعية.
ومع ذلك، يطل شبح الماضي المريع ويكاد يفترس خواطر السنة في بغداد، الذين وجدوا أنفسهم وعلى نحو مفاجئ وسط المدينة التي يهيمن عليها الشيعة المهددون من قبل المتطرفين السنة، أي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، الذين يريدون إبادة كل الشيعة.
يقول مثنى العاني، وهو سني يبيع الأجهزة المنزلية في حي العامرية ذي الأغلبية السنية بغرب بغداد: "من الإنصاف أن نقول إن الخوف يعيش داخلنا حاليا، إن خوفي الوحيد الآن هو إذا اعتقلوني، فماذا ستصنع زوجتي وأطفالي من دوني؟ أعلم أنه إذا اقتادوني إلى السجن، وإذا لم يقتلوني اليوم، فحتما سيفعلون ذلك لاحقا".
خلال عمليات الاختطاف والقتل الأخيرة، يرى السنة في بغداد نذر الشر تلوح في الأفق، حيث يمكن للجدران التي بناها الأميركان لحمايتهم، أن تكون سببا في حصارهم، مما يجعلهم فريسة هينة للميليشيات الشيعية المتحمسة الآن، وبعض منهم كانوا قد اغتالوا السكان السنة بالجملة خلال السنوات العجاف الخالية.
توقف الكثيرون من السكان السنة عن الذهاب إلى أعمالهم خشية من نقاط التفتيش، حين انضم رجال الميليشيات الشيعية إلى قوات الجيش والشرطة العراقية. ويقول الكثيرون إن السيارات المحملة بأفراد الميليشيات الشيعية تجوب شوارعهم وأحياءهم ليلا، وهم يقذعون السكان السنة بأحط السباب؛ في حين يحاول العديد منهم مغادرة العراق.
تتزايد أعداد الرجال المخطوفين الذين تصل جثثهم إلى مشرحة بغداد بشكل مثير للقلق. وخلال الأسبوع الثالث من شهر يونيو (حزيران)، عثر في بغداد على ما لا يقل عن 21 جثة مجهولة الهوية، ومعظمها مصاب بطلق ناري في الرأس، على حد تصريح أحد مسؤولي الأمم المتحدة.
الى ذلك، صرح مسؤول في وزارة الداخلية العراقية مشترطا التكتم عن هويته، أن الشرطة عثرت على 23 جثة. فيما يختفي الآخرون بكل بساطة، وعلى الأرجح إلى السجون العراقية المكتظة بقاطنيها، غير أنه لا يمكن تأكيد ذلك على وجه اليقين.
وصرحت جاكلين بادكوك، نائب ممثل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والتنمية في العراق، قائلة: "إننا نعترف بكل تأكيد بوجود جثث مجهولة الهوية يعثر عليها في بغداد، وتشير بعض الأدلة الى أن الناس تعرضوا للتعذيب".
وأضافت: "إنه رقم صغير نسبيا، لكنه في ارتفاع، ومثير للقلق كذلك".
ويوما بعد يوم، تسهل مشاهدة سكان السنة في بغداد وسط أحيائهم المزدحمة. وهناك شكوك تفيد بوقوفهم سرا مع المتمردين السنة، وتتصاعد تلك الشكوك مع اقتراب المتشددين السنة من بغداد، على حد قولهم، مما يزيد مخاوفهم من الانتقام.
وقال السكان السنة في ستة أحياء داخل بغداد إنهم تعرضوا لمعاملة قاسية منذ سقوط الموصل بأيدي "داعش" في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي. وبينما استمرت عمليات الاختطاف والقتل في صفوف السنة لعدة شهور، إلا أنهم بدأوا عقب سقوط الموصل بالشعور بأنهم صاروا مستهدفين نظرا لوضعهم الطائفي.
ففي الغزالية، وهو حي يقع على مفترق طرق رئيسة تقسم مناطق السنة والشيعة، يبدو الفرق ما بين العالمين واضحا للعيان. فالجانب الشيعي يتميز بكثرة الأعلام السوداء المعلقة على مصابيح الشوارع، فيما يلعب الأطفال في الشوارع الجانبية، ويقف بعض النسوة بقرب مداخل المنازل. أما على الجانب السني، تبدو الشوارع شبه خالية وتستقبل المحال القليل من الزبائن على الرغم من ان ابوابها مفتوحة.
ويقول محمد أركان، الذي يدير مصنعا للمراتب والوسائد في الجانب السني: "لقد صرنا معزولين هنا وبطريقة متعمدة". مشيرا إلى نقاط التفتيش التي تنظم المداخل والمخارج على الطرق، وأضاف: "إنهم يفعلون ذلك لأن شيئا ما سيحدث".
واستطرد: "يشعر الجميع هنا بالخوف بسبب جيش المهدي"؛ في إشارة واضحة منه إلى الجناح العسكري للحركة التي يقودها مقتدى الصدر الذي استعرض يوم الجمعة عشرات الآلاف من قواته الذين يلوحون بأسلحتهم في استعراض للقوة. وقال أيضا: "إنهم عائدون للقتال، لكننا لا نعلم من الذي يخططون لقتاله".
وانقطع محمد عن وصف مخاوفه حينما دخل ثلاثة من رجال الشرطة إلى غرفة الماكينات الصغيرة لديه ليسألوه ما الذي كانت تصنعه المراسلة الصحافية هنا. كان الخوف باديا بكل وضوح على وجهه، إذ تنحى برأسه وألقم القطن داخل الماكينة التي تصدر صوتا صاخبا.
غالبا ما يكون الوضع على هذا النحو في المناطق السنية. حتى أنه لم يسمح للمراسلة بدخول حي العامرية، حيث يقطن العاني.
وفي حي العدل، الذي ينقسم بين السنة والشيعة، طافت مفرزة عسكرية في سيارة هامفي خلف سيارة المراسلة الصحافية في الاثناء التي كانت تجري مقابلاتها، ولم يكن ذلك إلا لضمان أن الناس لا يتفوهون بأكثر من التهاني المهذبة.
وفي حي الاعظمية ظهرت شعارات الموت على جدران المساجد. هذا الحي يسكنه السنة ويقع في وسط بغداد القديمة، تشير إلى وفاة شخص ما على أيدي مجهولين. وتحمل هذه الشعارات الموسومة بالقماش الأسود والأبيض، أسماء القتلى والدعوات لهم، وهي وسيلة تقليدية للحداد في المنطقة.
ويوم الأربعاء، وجدت جثة لمزارع من ضواحي بغداد مسجاة بين تسع جثث أخرى على أسرة خفيفة متحركة – أربعة منهم كانوا ضحايا لإطلاق الرصاص، وصلت جثثهم في الصباح، وفقا لسجلات المشرحة وواحد منهم كان بلا بطاقة هوية.
أمّا في الخارج فكانت عشر نساء ينتحبن وهنّ متشحات بالسواد ويضربن صدروهن، كما أغشي على بعضهن من شدة الحرارة. فيما صرخت واحدة قائلة: "قتلوه الجبناء"، في إشارة إلى المزارع المقتول.

*خدمة (نيويورك تايمز)



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.