اتفاق تهجير جديد جنوب دمشق... واستمرار معارك مخيم اليرموك

روسيا تقدم عرض «تسوية» لفصائل المعارضة في ريف حمص

دخان يتصاعد من مخيم اليرموك جراء قصف من قوات النظام السوري أمس (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من مخيم اليرموك جراء قصف من قوات النظام السوري أمس (أ.ف.ب)
TT

اتفاق تهجير جديد جنوب دمشق... واستمرار معارك مخيم اليرموك

دخان يتصاعد من مخيم اليرموك جراء قصف من قوات النظام السوري أمس (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من مخيم اليرموك جراء قصف من قوات النظام السوري أمس (أ.ف.ب)

أعلنت «جبهة تحرير سوريا» و«فيلق الشام» رفض العرض الذي قدمته روسيا لوقف العمليات العسكرية في ريف حمص الشمالي، في وقت يبدأ اليوم خروج دفعة من معارضي جنوب دمشق بعد انتهاء تنفيذ اتفاق يتعلق بمخيم اليرموك الذي استمرت الهجمات عليه أمس.
وقالت «جبهة تحرير سوريا» و«فيلق الشام» إن العرض الروسي «مُذل ومُهين للشعب السوري عامة، وأبناء ريف حمص خصوصاً، لخلوه من أي ضمانة للمدنيين». وقالت «الجبهة» في بيانٍ لها: «لقد بذلنا الغالي والنفيس، وقدمنا دماءنا رخيصة من أجل حماية أهلنا المدنيين وشعبنا، وما تقاعسنا يوماً عن نصرة هذا الشعب، وعملنا جاهدين في كل جولة من جولات التفاوض على تجنيب أهلنا المدنيين وشعبنا الثائر القصف وإجرام النظام، وبعد كل هذا لا يمكن القبول بتسليم رقاب أهلنا لنظام طائفي ارتكب كافة الجرائم».
ومن جانبه، أكد «فيلق الشام»، في بيانٍ له، أن المطلب الروسي «مرفوض فهو لا يحفظ كرامة الأهالي في ريف حمص الشمالي وجنوب حماة ولا يحفظ حقوقهم».
وطالبت الفصائل، الحكومة التركية، بالتدخل في الملف السوري، لمنع روسيا والنظام من ارتكاب مجازر بحق المدنيين أو تهجيرهم قسرياً.
وكانت هيئة التفاوض عن شمال حمص وجنوب حماة تلقت عرضاً روسياً خلال اجتماعها، الثلاثاء، يقضى بخروج جميع المقاتلين الرافضين للتسوية مع عوائلهم إلى جرابلس وإدلب خلال ثلاثة أيام وتسليم الأسلحة الثقيلة. كما تضمن تسوية أوضاع المسلحين الراغبين بالتسوية، بالإضافة إلى دخول «قوات الأسد» إلى المنطقة وفتح طريق حماة - حمص المقطوع منذ 6 سنوات. ونص الاتفاق على تعهد المجموعات المسلحة بتسليم جميع خرائط الأنفاق والألغام، وكشف أماكن مستودعات الذخيرة والمواد المتفجرة.
وعقب الكشف عن العرض أعلنت فصائل مدينة تلدو بمنطقة الحولة و«الفيلق الرابع» العاملون بريف حمص الشمالي رفض العرض الروسي، كما خرجت مظاهرات في مختلف مدن الريف الشمالي تطالب الفصائل بالبقاء في المنطقة، وصد هجوم النظام الذي يهدد به.
وكانت وكالة الأنباء الألمانية نقلت عن مصادر سورية واسعة الاطلاع، أنه تم (الثلاثاء) وقف الأعمال القتالية في محافظة حمص، ونقل مسلحي المعارضة إلى محافظة إدلب. وقالت: «بعد اجتماعات مارثونية استمرت لمدة ثلاثة أيام على معبر الدار الكبير شمال غربي مدينة حمص بين قادة المجموعات المسلحة وبين ضابط من الجيش الروسي تم التوصل إلى الاتفاق الذي يخرج بموجبه من يريد المغادرة، وتسوية وضع من بقي في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال حمص، وهي الرستن وتلبيسة وعدد من القرى والبلدات في ريف حمص الشمالي».
وتسيطر فصائل المعارضة على تلك المناطق منذ بداية عام 2012، وكانت تعتبر معقل فصائل المعارضة، وفشلت القوات الحكومية التي شنت عشرات العمليات العسكرية لاستعادة تلك المناطق التي أصبحت ملاذاً لمسلحي المعارضة الذين خرجوا من أحياء حمص القديمة بداية عام 2014.
في الجنوب، نقلت شبكة «سمارت» المعارضة عن مصدر قوله، إن «الترتيبات بدأت لخروج الدفعة الأولى من حافلات التهجير المرجح انطلاقها اليوم من البلدات الثلاث ببيلا ويلدا وبيت سحم جنوب دمشق باتجاه شمال سوريا». وأوضح المصدر أن الترتيبات الأولية بدأت عبر إزالة السواتر الترابية عند دوار الجمل في بيت سحم باتجاه مطار دمشق الدولي، وهو الطريق المتوقع لانطلاق الحافلات إلى مدينة جرابلس في حلب ومحافظة إدلب.
وقدّر المصدر العدد المبدئي للراغبين بالخروج من البلدات الثلاث بأكثر من 17 ألف شخص، مؤكداً أن الإحصائية قابلة للزيادة في ظل «الإقبال الكبير على مكاتب تسجيل الخروج».
بدورهم تناقل ناشطون محليون عبر مواقع التواصل الاجتماعي معلومات مماثلة حول بدء خروج الدفعة الأولى عند الساعة الثامنة والنصف صباح الخميس، تشمل 50 حافلة ترافقها 6 سيارات لمنظمة الهلال الأحمر السوري باتجاه مدينة جرابلس. ولفت الناشطون إلى أن الخروج على دفعات من بلدات ببيلا وبيت سحم ويلدا من المقرر أن ينتهي الاثنين المقبل، ولم تحدد بعد وجهة مقاتلي «جيش الأبابيل» الموجودين في البلدات، الذين ينتظرون موافقة روسيا والنظام على طلبهم الخروج باتجاه محافظة درعا.
وأكد المصدر المطلع لـ«سمارت» صحة الأنباء حول دعوات رجال دين في البلدات مثل أنس الطويل وصالح الخطيب المطالبة للأهالي بالبقاء في منازلهم مقابل ضمانات من النظام بعدم التعرض لهم. وقدر ناشطون وجود قرابة 100 ألف شخص في البلدات الثلاث التي تعرضت خلال السنوات الماضية لحملات عسكرية من قوات النظام والميليشيا المساندة لها.
وجاء في بيان لـ«الوفد الممثل لكافة التشكيلات العسكرية جنوب دمشق» الأحد الماضي، أن مقاتلي وعناصر الفصائل سيخرجون بموجب الاتفاق بسلاحهم الفردي فقط، مع ضمان الشرطة العسكرية الروسية لحماية البلدات بعد إتمام التهجير.
ويوجد في بلدات جنوب دمشق (يلدا وببيلا وبيت سحم) فصائل من «جيش الإسلام وحركة أحرار الشام الإسلامية وجيش الأبابيل ولواء شام الرسول»، بحسب الشبكة.
يأتي ذلك مع استمرار العملية العسكرية التي بدأتها قوات النظام ضد تنظيم داعش جنوب العاصمة، وبعد تنفيذ اتفاقات تهجير في محيط العاصمة وريفها، آخرها الاتفاق بمنطقة القلمون الشرقي، سبقه تهجير الفصائل ومدنيين من غوطة دمشق الشرقية.
وأفاد موقع «روسيا اليوم» أمس، بأن عملية إجلاء مسلحي «جبهة النصرة» عن الأحياء الجنوبية لدمشق قد انتهت عملياً، مشيرة إلى استمرار عدد من عناصر التنظيم المذكور في نشاطهم وانضمامهم لـ«داعش». ونقل الموقع عن مصدر أن «وحدات الجيش والقوات الرديفة مستمرة في الزحف على فلول (داعش) وما تبقى من مسلحي (النصرة)».
وقالت إن وحدات الجيش تواصل عملياتها تزامناً مع ضربات جوية على تحصينات وخطوط إمداد وتحرك «داعش» في منطقة الحجر الأسود.
وكانت 5 حافلات تقل نحو 200 مسلح مع ذويهم قد غادرت مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق، في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق إخراج المسلحين من المخيم، بحضور عناصر من الجيش السوري.
يذكر أن الحكومة السورية كانت قد توصلت إلى اتفاق مع المسلحين برعاية روسية، نصّ على خروج المسلحين من مخيم اليرموك إلى إدلب شمال غربي البلاد، وتحرير المحاصرين في بلدتي كفريا والفوعة هناك، والبالغ عددهم نحو خمسة آلاف على مرحلتين، وتحرير مخطوفي بلدة اشتبرق في ريف إدلب أيضاً على مرحلتين، وعددهم 85 من النساء والشيوخ والأطفال.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.