الطبيب المكي عبد الغفار وقصة أول صور للحج بعدسة أحد أبناء المدينة المقدسة

في مزاد سوذبي لكتب السفر... مغامرون ورحالة وصيادو كنوز

الطبيب المكي عبد الغفار وقصة أول صور للحج بعدسة أحد أبناء المدينة المقدسة
TT

الطبيب المكي عبد الغفار وقصة أول صور للحج بعدسة أحد أبناء المدينة المقدسة

الطبيب المكي عبد الغفار وقصة أول صور للحج بعدسة أحد أبناء المدينة المقدسة

دائماً هناك ما يبهر في مزادات كتب السفر والأطالس والتاريخ الطبيعي، سواء كان ذلك في هيئة كتب قديمة تفوح برائحة المغامرة والدهشة، أو في هيئة صور عتيقة تحمل بصمات الزمن وأنفاس مصوريها، وحتى الأطالس بها من الجمال ما يؤهلها لأن تعتبر أعمالاً فنية في حد ذاتها.
في مزادها القادم لكتب السفر والأطالس الذي سيقام يوم 15 مايو (أيار) تقدم سوذبيز مجموعة ضخمة من الكتب والرسومات والصور. ولعل من أهم المعروضات مجموعة شديدة الندرة التقطت في عام 1888 لمكة المكرمة بعدسة المصور السيد عبد الغفار. وحسب ما يذكر ريتشارد فاتوريني، مدير قسم الكتب والأطالس بالدار تكتسب الصور أهمية خاصة من كون عبد الغفار أول مصور عربي يصور مدينة مكة. تقدر المجموعة بأكملها بسعر 80 إلى 120 ألف جنيه إسترليني، وتضم أول صورة تم إيجادها لمحمل كساء الكعبة في مكة، وصورة المسجد والكعبة المقدسة في مكة، ومخيم الحجاج في ستنا ميمونة، وخيم الحجاج في جبل عرفات، وصورتين للطائف، وصورة لشريف جاهير مع ابنيه والجمل، وصورة لوحة في مسجد الرسول، صلى الله عليه وسلم، في المدينة المنورة. التقطت الصور بتاريخ نحو 1885 - 1888، وهي النسخ الأصلية الوحيدة التي عثر عليها من هذه الصور بحوزة مالكها.
لكن، من هو السيد عبد الغفار؟ تعرف عنه ويكيبيديا بأنه طبيب كان يعمل في مكة، وأنه تعلم التصوير على يد المستشرق الهولندي سنوك هرخرونيه الذي قطن في مكة لمدة ستة أشهر في عام 1885. أقام هرخرونيه في مدينة جدة عام 1884 لمدة سبعة أشهر، واعتنق الإسلام على يد قاضي جدة الشيخ إسماعيل أغا، وسمى نفسه عبد الغفار. ويقول المؤرخون، إن هرخرونيه ادعى اعتناق الإسلام ليتسنى له الدخول إلى مكة، وفعل ذلك وأقام بها لأشهر ودرس على أيدي علماء مكة. وتمكن هرخرونيه من جمع معلومات كثيرة مكّنته من تأليف كتاب سماه «صفحات من تاريخ مكة». وبسبب شكوك كثيرة حول نيته من دخول مكة والتشكيك في إسلامه طلب شريف مكة من هرخرونيه مغادرة مكة ليعود إلى هولندا. لكنه طلب من الدكتور السيد عبد الغفار أن يلتقط مجموعة من الصور لمكة ولمنى ومواقع الحجيج، وأن يرسلها له. شملت الصور مواقع مخيمات الحجاج بالقرب من جبل عرفات. وأعاد سنوك هرخرونيه نشر مجموعة من صور عبد الغفار في اثنتين من الصحف النادرة: مكة (لاهاي: م. نيهوف 1888 - 1889) ومناظر جميلة للكعبة (ليدن: بريل، 1889).
يقول فاتوريني في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إن «هرخرونيه اتخذ لنفسه اسم عبد الغفار؛ وهو ما تسبب في حيرة وخلط لأن اسم مضيفه في مكة كان الدكتور السيد عبد الغفار». أسأله إن كان أخذ اسم الطبيب المكي الذي استضافه لأشهر، ويجيب «هذا ما يعتقد الناس أنه تحية لمضيفه؛ فهو عاش في منزل الطبيب المكي لفترة، وكان هرخرونيه أراد السفر لبلده، وعلّم عبد الغفار التصوير ويعتقد أن عبد الغفار ربما فكر في تأسيس أول استوديو للتصوير بمكة، فهي الصور الأولى من نوعها التي التقطها واحد من أهل المدينة المقدسة».
يشير فاتوريني إلى أن الصور التي التقطها الطبيب عبد الغفار نادرة للغاية، وأن المجموعة المعروضة في المزاد الوحيدة من نوعها المعروفة في العالم، والتي كانت ملكاً لأحد المقتنين. يشير أيضا إلى أن جامعة ليدن تضم في أرشيفها بعض الصور المشابهة. لكن الصور التي التقطها عبد الغفار والتي تضم 14 صورة أصلية بعدسته وواحدة مطبوعة، تستمد ندرتها وأهميتها من حقيقة أنها التقطت بواسطة أحد سكان مكة؛ وهو ما أثار الاهتمام ويفسر السعر العالي لها. من ضمن مجموعة الصور هناك صورة للمحمل المصري الذي يحمل كسوة الكعبة، وأقول له ‘ن هناك صوراً مشابهة للمحمل التقطها المصور المصري صادق بيه في 1881، لكن فاتوريني يوضح الفرق بينهما قائلاً: «تختلف صورة المحمل التي التقطها الطبيب المكي عن صور صادق بيه في أنها التقطت في مكة المكرمة، بينما التقط صادق بيه صورة موكب المحمل في مدينة جدة».
في الصور التي تبدو عليها بعض العلامات السوداء التي يرجعها فاتوريني لكونها مطبوعة من نيغاتيف زجاجي معطوب، تصور جانباً من مدينة مكة تبدو فيه المباني التقليدية في الحجاز تتميز بالنوافذ الخشبية التي يطلق عليها أهل المدينة اسم «الرواشين»، كما يلاحظ وجود توقيع بقلم الطبيب عبد الغفار. يشير فاتوريني إلى أن عبد الغفار وقّع اسمه على جميع الصور وكتب الشروحات بخط يده على كل منها، ويؤكد على أن عبد الغفار أظهر مهارة عالية في التقاط الصور وتحميضها، وبخاصة في الطقس الحار الذي تتمتع به المدينة المقدسة.
أسأله إن كانت الصور عًرضت من قبل للعامة، ويجيب «ليس هذه المجموعة، لكن كان هناك عرض للصور الموجودة بأرشيف جامعة ليدن في أكتوبر (تشرين الأول) 2004 (50 عاماً من العلاقات الهولندية العربية)».
كما يتضمن المزاد كتابي سنوك هرخرونيه النادرين لصور مكة من عام 1888 و1889، حيث استقى إلهامه في رسوماته التصويرية من صور عبد الغفار (يقدر سعر كل منهما بنحو 15 إلى 20 ألف جنيه إسترليني). وتتضمن الأعمال البارزة الأخرى نسخة أولى نادرة لكتاب «تاريخ المحمل والحج إلى مكة» منذ القرن الـ13 وحتى القرن 20 بقلم جوميير (القرن الثالث عشر - العشرين) (المعروضة رقم 300، مقدرة بسعر 5 إلى 7 آلاف جنيه إسترليني) ومجموعة جميلة من 33 صورة لمكة والحج تم التقاطها بفترة الثلاثينات (المعروضة 301، مقدرة بسعر 10 إلى 15 ألف جنيه إسترليني).
أشير إلى صورة بديعة من كتاب ريتشارد بيرتون «رواية شخصية عن رحلة حج لمكة والمدينة» ويجيب بأن كتاب بيرتون يظهر في السوق الفنية من وقت لآخر؛ فهو أول أوروبي يدخل مكة والمدينة: «شيء لطيف أن يوجد هذا الكتاب في المزاد أيضاً».

الكابتن الإنجليزي والبحث عن كنوز الملك سليمان

> من المعروضات النادرة والطريفة، هناك خطاب حول كابتن إنجليزي صياد للكنوز كان يحاول العثور على كنوز ملك سليمان ومعبده، نجح في إقناع السلطات العثمانية بإعطائه الإذن بالحفر والتنقيب في مدينة القدس ولمدة 3 أعوام دون أن يجد، واعتقد سكان المدينة أنه أثري متخصص، وأنه يقوم بعملية حفر، لكنه كان صائد ثروات، وبعد ذلك وجدت السلطات أن الأمر طال أكثر من اللازم وأعطوه مهلة 3 أشهر للانتهاء، وأصابه الذعر وبدأ في الحفر تحت قبة الصخرة في الحرم الشريف وقام برشوة الحراس، وبعد ست ليالٍ من الحفر، اكتشف أمره، وتمت مطاردته حتى مدينة جدة، حيث هرب عن طريق البحر، حسب تقرير أعده أحد المحققين، وكانت الواقعة خبراً تناقلته الصحف حول العالم، وحتى صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت أن الإنجليزي هرب وبحوزته تاج سليمان، وكانت قصة شهيرة ويعتقد أن الحادثة ربما كانت أحد القصص التي نبعت منها أفلام أنديانا جونز.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».