البشير يتخلص طوعا من كبار معاونيه وعلى رأسهم طه ونافع

المعارضة: التشكيل الجديد أنهى آمال التغيير.. ولكنه هدية لإسقاط النظام

مساعد الرئيس السوداني السابق نافع علي نافع (يسار) في مؤتمر صحافي مع بديله الجديد إبراهيم غندور في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
مساعد الرئيس السوداني السابق نافع علي نافع (يسار) في مؤتمر صحافي مع بديله الجديد إبراهيم غندور في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

البشير يتخلص طوعا من كبار معاونيه وعلى رأسهم طه ونافع

مساعد الرئيس السوداني السابق نافع علي نافع (يسار) في مؤتمر صحافي مع بديله الجديد إبراهيم غندور في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
مساعد الرئيس السوداني السابق نافع علي نافع (يسار) في مؤتمر صحافي مع بديله الجديد إبراهيم غندور في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

في خطوة متوقعة، وضع الرئيس السوداني عمر البشير حدا للتكهنات التي ظلت تشغل الخرطوم طوال الأشهر الماضية، بإعلان تشكيل حكومي خرج بموجبه القادة الإسلاميين الكبار الذين ظلوا يشاركون البشير السلطة منذ الانقلاب في 1989.
وأعلن في الخرطوم في وقت مبكر من صباح أمس عن خروج النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه، ونائب الرئيس الحاج آدم، ومساعده نافع علي نافع، فضلا عن وزير النفط عوض الجاز، وعدد آخر من رجال الصف الأول في الحكم.
وكشف رسميا عن تسمية الفريق أول ركن بكري حسن صالح نائبا أول للبشير بديلا لطه، وحسبو محمد عبد الرحمن خلفا لنائب الرئيس الحاج آدم، وإبراهيم غندور مساعدا لمساعد الرئيس نافع علي نافع.
وحاول مساعد الرئيس الجديد إبراهيم غندور تصحيح تصريحات سابقه لنافع علي نافع، بالقول إن «رئاسة البرلمان ستجرى بالانتخاب من أعضائه»، وذلك بعد أن ذكر الأخير أن رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر استقال وعين مكانه الفاتح عز الدين، فيما عين عيسى بشري نائبا له في محل نائبة رئيس البرلمان سامية أحمد محمد.
وقال نائب الرئيس السابق لشؤون الحزب نافع علي نافع في تصريحات صحافية أعقبت اجتماع المكتب القيادي للحزب، الذي طال حتى صبيحة أمس، إن «التغيير شمل بعضا من الوزراء وأبقى البعض الآخر، وشملت التغييرات عددا كبيرا من الوزراء ووزراء الدولة».
وأضاف نافع أن «الأساس في التشكيل هو أن يقدم شبابا خضعوا للتجربة والاختبار في المركز والولايات، وأن الحزب أبقى على الوزارات التي يقودها ممثلون لشركاء الحكم من الأحزاب الحليفة للحزب الحاكم».
ويعد خروج كل من طه ونافع والجاز وعبد الحليم المتعافي وأمين حسن عمر، وهم الرجال الذين صنعوا الإنقاذ مع البشير دفعة واحدة، من أكبر مفاجآت التشكيل الوزاري الذي أعلن أمس، بحسب مراقبين. فيما يثير بقاء كل من عبد الرحيم محمد حسين وعلي كرتي في مواقعهم الكثير من الأسئلة، لا سيما وأن حسين كان من المرشحين للذهاب في أقرب تغيير.
وقال نائب رئيس المؤتمر الوطني الجديد إبراهيم غندور، في مؤتمر صحافي ثاني عقد في نفس اليوم، إن «حزبه درج على العمل الشوري منهجا في اختيار الكوادر الحزبية لشغل المواقع التنفيذية بالدولة». وأضاف أن «التغييرات التي حدثت في الجهاز التنفيذي جاءت وفقا لقراءة لقدرات الوزراء ولخبراتهم وتجاربهم وأنها لم تأت عشوائيا».
وظلت التكهنات، التي لم تختلف كثيرا عما جرى إعلانه أمس، تسود منذ الكشف على لسان طه أن البشير يعكف على إحداث تغيير كبير يحل مشكلات البلاد.
وتدعو المعارضة إلى إسقاط نظام الحكم أو تفكيكه، وإقامة نظام بديل على أنقاضه، على الرغم من إمكانية قبولها لحكومة انتقالية بمشاركة الحزب الحاكم تعد لانتخابات حرة نزيهة، وتعقد مؤتمرا دستوريا يضع حدا لمشكلات الحكم في السودان.
وهو ما جعل قوى المعارضة ترى في التغيير الذي حدث «إحدى عجائب الإنقاذ التي لا تنقضي»، حسبما أفاد المتحدث باسم تحالف قوى الإجماع الوطني كمال عمر لـ«الشرق الأوسط»، والذي وصف التغيير بأنه «انقلاب»، وشكك في الرواية الرسمية التي تقول إن «النائب الأول السابق طه خرج برضاه، ولفتح المجال أمام التجديد بقوله: هذه إقالة كاملة الدسم»، وأضاف: «الرئيس ومنذ فترة يبحث عمن يطمئن لهم في مقبل حياته، لذا اختار أكثر الناس قربا له وهو نائبه الأول الجديد بكري حسن صالح».
وجزم عمر بوجود هواجس كبيرة لدى الرئيس ضد نائبه الأول السابق، وأنه أجرى ترتيبات كثيرة ليقصيه ومجموعته بالقاضية، ما جعل المجموعة تنحني للعاصفة.
ونفى عمر احتمال تحقيق مصالح الشعب من هذا التغيير، بقوله: «هو تغيير لمصلحة برنامج الرئيس في حكومة بلا أصوات معارضة، تمكنه من جمع كل السلطات في يده».
وأوضح المعارض البارز أن تشكيل الحكومة الجديدة أنهى آمال التغيير تماما بالنسبة لشعب السودان، ولم تعد هناك خيارات أمامه سوى تكثيف جهوده لإسقاط النظام، معتبرا تشكيل الحكومة الجديدة «هدية النظام للمعارضة لإسقاطه».
وسخر عمر مما سماه «ادعاء قبول القرارات» من المجموعة التي أخرجت، بقوله: «هم يضمرون شرا كبيرا بمواجهة النظام، لكنهم انحنوا للعاصفة مؤقتا».
وقال عضو «حركة الإصلاح الآن»، التي تكونت من آخر المنشقين عن حزب الرئيس البشير، أسامة توفيق تعليقا على التغييرات الوزارية، إن «المؤتمر الوطني يحمل بذرة فنائه في داخله، مثل غيره من الأحزاب الشمولية، لأن التغيير لم يأت بطريقة طبيعية، وإن من أخرجوا، أخرجوا مرغمين وليس برغبتهم».
وأضاف أن العلة في المنهاج السياسي وطريقة التفكير وليس في الأشخاص، وتابع أن «هذا قرار فوقي على الرغم من أن كثيرا من الوزراء الجدد مشهود لهم بالنزاهة والاستقامة، ووجودهم ضمن هذا الوضع يشبه قيادة عربة فارهة في طريق عربات تجرها الدواب، لن يكون هناك فرق بين الاثنين مهما كانت العربة فارهة وسريعة».
وأرجع توفيق تلك القرارات إلى رغبة الرئيس في التجديد لنفسه لدورة رئاسية مقبلة، لذا أزاح كل المنافسين المحتملين عن طريقه، وتعليقا على إقالة كل من طه ونافع في وقت واحد، قال توفيق: «هناك صراعات بين الرجلين، والمؤتمر الوطني اعتاد إعفاء من يختلفون معه، والعلاقة بين نافع وطه ليست حميمة».
ودعا توفيق المجموعة المبعدة عن السلطة للتفرغ للعمل الاجتماعي والدعوي، وكتابة مذكراتهم، والمشاركة في التنمية المجتمعية، وقال: «علهم يكونوا أكثر فائدة مما كان عليه الحال وهم في السلطة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.