«حزب الله» يفتتح معركة رئاسة الحكومة ولا ضمانات لتزكية الحريري

ترجيح إتمام تفاهم يشمل الرئاستين الأولى والثانية

لقطة رؤساء لبنان في اجتماع سابق.
لقطة رؤساء لبنان في اجتماع سابق.
TT

«حزب الله» يفتتح معركة رئاسة الحكومة ولا ضمانات لتزكية الحريري

لقطة رؤساء لبنان في اجتماع سابق.
لقطة رؤساء لبنان في اجتماع سابق.

رغم انشغال القوى السياسية كافة بحسابات الساعات الأخيرة التي تسبق موعد الاستحقاق النيابي المرتقب الأحد المقبل، وضع «حزب الله» ملف رئاسة الحكومة على الطاولة، فحسم نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم عودة نبيه بري إلى سدة رئاسة البرلمان للمرة السادسة على التوالي، وأعلن أن لا مرشح جاهزا للحزب لرئاسة مجلس الوزراء معتبرا أنه ليس بالضرورة أن يكون رئيس الحكومة صاحب كتلة نيابية كبيرة أو نائبا حتى.
وتخالف تصريحات قاسم هذه كل ما أشيع طوال الفترة الماضية عن أن التسوية الرئاسية، التي أدت إلى وصول العماد ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية وتولي سعد الحريري رئاسة الحكومة، لاحظت الحصول على تعهد من «حزب الله» ببقاء الحريري رئيسا لمجلس الوزراء طوال فترة ولاية عون. وهو ما أكده القيادي في «التيار الوطني الحر» والمرشح إلى الانتخابات النيابية في دائرة الشوف - عالية، ماريو عون، لافتا إلى أن التسوية الرئاسية «لاحظت لا شك تمسكنا كتيار بالحريري رئيسا للحكومة باعتباره شريكا في العملية الإصلاحية الكبيرة التي انطلقنا فيها، أما ما يُحكى عن حصولنا على تعهد من (حزب الله) في هذا الخصوص، فأمر غير دقيق على الإطلاق». وقال عون لـ«الشرق الأوسط»: «عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة المقبلة شبه محسومة، وهو ما نسعى إليه من خلال السعي لتأمين أوسع كتلة نيابية، كما يفعل أيضا الرئيس الحريري نفسه. فنحن بالنهاية في حالة الحفاظ على التفاهمات القائمة، وهو رافق الرئيس عون منذ اليوم الأول لانتخابه والمطلوب أن يبقى في سدة رئاسة الحكومة لتنفيذ المشاريع والإصلاحات التي التزم بها لبنان في الاجتماعات الدولية الأخيرة سواء في روما أو باريس أو بروكسل».
ورجح عون أن يحصل تفاهم سياسي بعد الانتخابات النيابية يشمل رئاستي الحكومة ومجلس النواب معا، مستغربا استباق البحث بهذين الملفين واضعا ما يحصل بإطار «المناورات السياسية السابقة لأوانها». وأضاف: «نحن لم نبحث هذين الملفين لا في تكتل التغيير والإصلاح ولا في الغرف السياسية، وننتظر ما ستفرزه الانتخابات النيابية من نتائج لنبني على الشيء مقتضاه، وإن كان من الصعب المساس في المرحلة الحالية بالتفاهمات السياسية القائمة».
وكان قاسم، حسم في لقاء تلفزيوني أن رئيس المجلس النيابي القادم هو نبيه بري، معتبرا أنه «سيصل إلى المجلس ليس بواسطتنا فقط، فهناك كتل وازنة تؤيده برئاسة المجلس». وعلق عون على الموضوع قائلا: «لا شك أن الأرجحية لعودة الرئيس بري إلى رئاسة المجلس، لكن الأمور لا تزال مفتوحة، ونحن لم نقرر بعد في هذا الخصوص».
ولدى سؤاله عن مرشح «حزب الله» لرئاسة الحكومة، قال قاسم: «لا مرشح جاهزا لدينا لرئاسة الحكومة ونقرر من هو مرشحنا عندما نرى تركيبة المجلس النيابي، والموضوع له علاقة بتقدير كل جهة من يصلح لرئاسة الحكومة».
ولم يستغرب القيادي في تيار «المستقبل»، النائب السابق، مصطفى علوش المواقف الصادرة عن «حزب الله»، معتبرا أن «المستقبل» بالنهاية بمواجهة مفتوحة مع الحزب وبالتالي لا ننتظر منه أن يُعلن أن الرئيس الحريري مرشحه لرئاسة الحكومة المقبلة، مشددا على أن «ما يضمن عودة الحريري إلى موقعه الحالي هو حصوله على أكبر كتلة نيابية ممكنة وبالتالي أصوات اللبنانيين التي ستصب في صناديق الاقتراع هي الكفيلة بتعبيد الطريق أمام رئاسته الحكومة من جديد».
وقال علوش لـ«الشرق الأوسط»: «لو صح ما أشيع في الفترة الماضية عن تعهد حصل عليه الرئيس عون من (حزب الله) بخصوص بقاء الرئيس الحريري رئيسا لمجلس الوزراء طوال فترة ولايته الرئاسية، لسمعنا من الشيخ قاسم كلاما آخر». وأضاف: «من الطبيعي أن يسعى الحزب لإيصال نواب يستقوي بهم على الرئيس الحريري، ومن الطبيعي بالمقابل أن نسعى مع حلفائنا ومع كل من يؤمنون بأن الرئيس الحريري ضمانة للاستقرار لبقائه في موقعه بعد الانتخابات».



اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)
تطورات نوعية في ممارسات الجماعة الحوثية ضد السكان خلال العام الماضي (أ.ف.ب)

كجميع الأعوام السابقة منذ انقلاب الجماعة الحوثية وسيطرتها على العاصمة اليمنية، صنعاء، وغالبية مؤسسات الدولة ومناطق واسعة من البلاد، شهد العام الماضي انتهاكات واسعة ومتعددة لحقوق الإنسان في مختلف المناطق والمحافظات.

واتهم حقوقيون الجماعة الحوثية بالاستمرار في قمع السكان وإرهابهم وانتهاك حقوقهم، مع تصعيد ممارساتها العدائية بحق المدنيين تحت مختلف المبررات، وبوسائل متنوعة، وهو ما أدى إلى تسببها في مضاعفة المعاناة، ومفاقمة الأوضاع المعيشية المعقدة.

ويرى مطهر البذيجي المدير التنفيذي للتحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (تحالف «رصد») أن العام الماضي شهد تصعيداً حوثياً لانتهاكات حقوق الإنسان تحت مبرِّر مناصرة الفلسطينيين في غزة ضد الحرب الإسرائيلية وأحداث جنوب لبنان؛ إذ استغلت الجماعة ذلك لتبييض جرائمها والتنصل من تقديم الخدمات للسكان وتحسين أوضاعهم المعيشية والتهرُّب من جهود السلام.

وقال البذيجي لـ«الشرق الأوسط» إن العام الماضي كان حافلاً بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، التي نجمت عن الهجمات الحوثية على طرق الملاحة الدولية في المياه المحيطة باليمن؛ ما أسفر عن تدخل غربي مباشر، إلى جانب مزاعم المواجهة مع إسرائيل التي تسببت في تعرُّض البلاد ومنشآتها الحيوية لغارات إسرائيلية فاقمت من معاناة السكان.

الهجمات الحوثية على السفن تسببت بمفاقمة الأوضاع المعيشية لليمنيين (أ.ف.ب)

وأشار إلى استمرار الجماعة في تجنيد الأطفال، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين ومواجهة الغرب وإسرائيل، وقصف الأحياء السكنية وحصار المدن وزراعة الألغام والاعتقالات التعسفية، ومصادرة رواتب الموظفين العموميين، وتعمدها إهدار صحة اليمنيين وسلامتهم بتسببها في تدهور القطاع الطبي والخدمات الصحية، وتأثير أعمالها العدائية على وصول الغذاء لكل السكان، وتراجع المساعدات الإغاثية المقدَّمة لهم.

ولفت البذيجي إلى اقتحام الحوثيين مقر مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في خرق للقوانين والمعاهدات الدولية التي تحفظ أمن وسلامة المقرات والمنشآت الأممية، واختطاف عمال وموظفي منظمات الإغاثة والمنظمات الدولية والأممية، وتلفيق الاتهامات لهم بالتخابر.

13 ألف ضحية

كشف تقرير حقوقي رسمي حديث عن توثيق 2167 واقعة انتهاك حقوقي خلال العام الماضي، ما أسفر عن تضرر 12895 ضحية من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية، شملت استهداف مدنيين، وزراعة ألغام، واعتقالات تعسفية، وتهجيراً قسرياً، وتدمير ممتلكات عامة وخاصة.

اختطاف موظفي الأمم المتحدة واقتحام مقراتها كان أبرز الممارسات الحوثية في العام الماضي (رويترز)

وذكرت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان (حكومية مستقلة) في تقرير لها مع بداية العام الحالي أن 657 مدنياً قُتِلوا أو جُرِحوا في 564 واقعة استهداف، وكان عدد القتلى 214 فرداً، بينهم 27 طفلاً و6 نساء، أما الجرحى فبلغ عددهم 443، منهم 74 طفلاً و52 امرأة.

وبحسب التقرير، سقط 196 ضحية نتيجة انفجار ألغام مضادة للأفراد والعبوات الناسفة، منهم 40 طفلاً و11 امرأة، بينما تعرَّضت 624 ضحية للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، بالإضافة إلى تهجير أكثر من 10140 مدنياً قسرياً في 128 واقعة، وسقوط 81 ضحية في حوادث قتل خارج القانون، فضلاً عن تفجير 14 منزلاً.

ورصدت اللجنة وقائع استهداف 19 موقعاً ثقافياً ودينياً، وتدمير 506 ممتلكات، و16 حادثة اعتداء على منشآت تعليمية، إلى جانب 186 ضحية لتجنيد الأطفال دون سن الـ15، مؤكدة أنها نفَّذت 15 زيارة في إطار مهامها الميدانية، شملت محافظات مأرب وتعز والضالع ولحج وأبين وشبوة، للتحقيق في وقائع استهداف أحياء سكنية ومرافق خدمية ومعاينة آثار الانتهاكات.

وزارت اللجنة، بحسب تقريرها، السجون ومراكز الاحتجاز في المهرة وحضرموت وعدن؛ حيث قيَّمت أوضاع 3000 سجين ومحتجَز، بينهم نساء ومعتَقلون على خلفية النزاع المسلح، مذكّرةً بأن مجلس حقوق الإنسان أقرّ في دورته الـ57، أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مشروع قرار بشأن استمرار دعمها لتمكينها من القيام بعملها.

العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

وطالبت اللجنة بتمكينها من تنفيذ وأداء مهامها، معبرةً عن التزامها بمواصلة التحقيق في جميع الانتهاكات، لتحقيق العدالة للضحايا وتخفيف معاناتهم.

انتهاك الحريات الإعلامية

في سياق الانتهاكات التي تعرَّض لها اليمنيون خلال العام الماضي، أعلن مرصد حقوقي عن تسجيل 98 انتهاكاً ضد الحريات الإعلامية، منها 15 حالة اعتقال، و6 حالات احتجاز مؤقت لصحافيين قبل الإفراج عنهم، و3 حالات اعتداء، و17 حالة تهديد، بالإضافة إلى 40 حالة استجواب ومحاكمات أمام جهات غير مختصة.

وعدّ «مرصد الحريات الإعلامية (مرصدك)» اعتراف تنظيم «القاعدة» بإعدام صحافي يمني، وإصدار محكمة حوثية حكماً بالإعدام على صاحب شركة للخدمات الإعلامية ومصادرة ممتلكاته دون سند قانوني، أبرز انتهاكات الحريات الإعلامية خلال العام الماضي.

تردٍّ كبير شهدته الخدمات الصحية في مناطق سيطرة الحوثيين (أ.ف.ب)

وكان «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» أعلن أخيراً إعدام 11 يمنياً، بينهم الصحافي محمد المقري، الذي اختطفه التنظيم منذ 2015، خلال سيطرته على مدينة المكلا في حضرموت (شرق)، متهماً إياه بالعمل كجاسوس.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدرت ما تُسمَّى بالمحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة التابعة للجماعة الحوثية في صنعاء، حكماً بإعدام طه المعمري مالك شركة «يمن ديجيتال ميديا» رمياً بالرصاص، ومصادرة ممتلكاته التي استولى عليها نافذون من الجماعة قبل ذلك بعدة أشهر.

وبيَّن التقرير أن 57 انتهاكاً وقعت في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية على يد أطراف متعددة، بينما ارتكبت الجماعة الحوثية 27 انتهاكاً، إلى جانب 3 انتهاكات تقف خلفها شخصيات نافذة، وانتهاك واحد اعترف به تنظيم «القاعدة»، وانتهاكين على يد تحالف الازدهار، و5 انتهاكات من أطراف أخرى، و3 نفذتها جهات مجهولة.

الجماعة الحوثية لم تتوقف عن استهداف الصحافة والصحافيين (إعلام محلي)

ويفسر مجيب ثابت، وهو اسم مستعار لمحامٍ يقيم في العاصمة صنعاء وينشط في الدفاع عن ضحايا الانتهاكات الحوثية، زيادة أعداد وقائع الانتهاكات التي تكشفها التقارير والمنظمات الحقوقية في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية عن مثيلاتها في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بوجود مساحة لحرية الصحافة والإعلام في الأولى، وغيابها في الثانية تماماً.

وينوه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة الحوثية منعت الأنشطة الصحافية والإعلامية، ما لم تكن تابعة أو موالية لها، أو تخدم مشروعها بأي شكل من الأشكال، لافتاً إلى إغلاق إذاعة محلية والاستيلاء على كامل أجهزتها ومعداتها خلال العام قبل الماضي، رغم أنها لم تكن تبث سوى برامج ترفيهية، ثم الاعتداء على مالكها بعد رفضه تلك الإجراءات.

وأعاد ثابت، الذي فضّل إخفاء بياناته خوفاً على سلامته، التذكير بمئات المختطَفين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بالاحتفال بذكرى الثورة اليمنية ورفع علم الدولة، وبينهم كتاب وصحافيون لا تعلم عائلاتهم شيئاً عنهم حتى الآن، بعد مضي عدة أشهر على اختطافهم.

اقرأ أيضاً