الشيخ صباح الأحمد: أمن الوطن فوق الحريات

أمير الكويت يؤكد أن لا تهاون مع الفاسدين

الشيخ صباح الأحمد لدى إلقائه كلمة للشعب الكويتي أمس (كونا)
الشيخ صباح الأحمد لدى إلقائه كلمة للشعب الكويتي أمس (كونا)
TT

الشيخ صباح الأحمد: أمن الوطن فوق الحريات

الشيخ صباح الأحمد لدى إلقائه كلمة للشعب الكويتي أمس (كونا)
الشيخ صباح الأحمد لدى إلقائه كلمة للشعب الكويتي أمس (كونا)

وجه أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، كلمة للمواطنين مساء أمس، بيّن فيها استياءه مما تشهده الساحة المحلية تجاه ما يتم تداوله عن وجود مؤامرة لتغيير نظام الحكم تقوم بها بعض الأطراف، وهي القضية ذاتها التي تحقق فيها النيابة العامة مع عدة شخصيات متهمة، وحظر النائب العام تناول تفاصيلها في الصحف ووسائل الإعلام المحلية.
وشدد الشيخ صباح الأحمد على أن هذه الاتهامات إن صحت فإنها تشكل جرائم خطيرة لا يمكن السكوت عليها أو التهاون بشأنها، لأنها تهدد أمن الوطن ودستور الدولة ومؤسساتها وسلطاتها العامة، وتمس القضاء المشهود له بالنزاهة والأمانة. وأضاف الشيخ صباح الأحمد في حديثه للمواطنين عبر كلمة متلفزة «ساءني كما ساءكم ما ازدحمت به وسائل الإعلام المختلفة وأدوات التواصل الاجتماعي من نشاط محموم في تناقل الاتهامات والأقوال المرسلة في كل الاتجاهات من غير دراية ولا تمحيص، وبما طال كل الأطراف، في إساءة إلى سمعة الناس وكرامتهم، دون سند أو دليل، وباتت المواقف تبنى وفقا للحسابات والأهداف الخاصة بعيدا عن الموضوعية والحق والعدالة، على نحو يرفضه الدين والمنطق السليم ويجافي ما جبلنا عليه من قيم ومبادئ أصيلة».
واعتبر الشيخ صباح في كلمته «هذه التصرفات غير المسؤولة تخالف تعاليم ديننا الحنيف الذي أمر المؤمنين بأن يتبينوا حتى لا يصيبوا قوما بجهالة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة، ونهى عن الفجور في الخصومة وعن الفحش في القول والعمل». وكشف الشيخ صباح الأحمد عن التقائه خلال الفترة الماضية بعدد من المواطنين والشخصيات العامة «اتسموا بالصراحة والوضوح، ولمست لديهم قلقا جراء التوتر والجدل العقيم وعدم الاستقرار الذي يكاد يصيب الدولة ومؤسساتها بالجمود، ووجوب الخروج من هذه الدوامة لتنطلق مسيرة العمل والبناء والتنمية الشاملة».
وقال أمير الكويت «الآن وبعد أن أصبحت هذه القضية برمتها تحت يد النيابة العامة التي تسلمت كل المستندات والأوراق والبيانات المتعلقة بها، فإنه يجب على الجميع أن يكفوا عن المجاهرة بالخوض في هذا الموضوع انتظارا لكلمة قضائنا العادل الذي يشهد له الجميع بالأمانة والحيدة والنزاهة، وهي الكلمة الفصل، لتحسم جدلا طال أمده». وأكد الشيخ صباح الأحمد أنه «لن يكون هناك أي تهاون أو تساهل تجاه من يثبت ضلوعه في جرائم الاعتداء على المال العام أو التكسب غير المشروع أو غيرهما من الجرائم، كما يجب على كل من لديه معلومات أو مستندات تتعلق بهذه القضية أن يبادر إلى إبلاغ النيابة العامة بما لديه، فهذا واجب وطني وشهادة حق يجب أداؤها عملا بقوله تعالى (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)». وأشار الشيخ صباح إلى أن «الإصرار على إثارة هذه القضية وأمثالها، ونشر الشائعات حولها، أصبح واضحا رغم إحالتها إلى النيابة العامة».
واعتبر الشيخ صباح الأحمد أن «تواتر افتعال الأحداث والأزمات لا يمكن أن يكون أمرا عفويا أو وليد الساعة، بل هو جزء من مخطط مدروس واسع النطاق يهدف إلى هدم كيان الدولة ودستورها وتقويض مؤسساتها وزعزعة الأمن والاستقرار فيها وشل أجهزتها والقضاء على القيم والثوابت التي بني على أساسها مجتمع الكويت، ونزع ثقة المواطنين في مستقبل بلادهم، وإضعاف الوحدة الوطنية وتمزيقها فئات متناحرة وطوائف متناثرة وجماعات متنازعة، حتى تصبح الكويت لا قدر الله لقمة سائغة وفريسة سهلة للحاقدين والطامعين».
وتساءل الشيخ صباح في كلمته الموجهة للمواطنين «هل ترضون هذا المصير المظلم لأمكم الكويت، النعمة الغالية التي أنعمها الله على أجدادكم وبها أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، والتي كفلت لكم ولأبنائكم الحرية والكرامة والرفاه والحياة الكريمة؟.. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟». وأكد الشيخ صباح الأحمد أن «حماية أمن الكويت وسيادتها واجب مقدس نذرنا أنفسنا له ولن نتراخى في أدائه، وهو أمانة في عنق كل مواطن نتعاون جميعا في حملها وحسن أدائها، ونؤكد اليوم ما أكدناه دائما أنه لا تهاون في حماية أمن الوطن وسلامة المواطنين، ولن نسمح بالمساس بالقضاء أو التطاول على السلطات العامة».
وأضاف الشيخ صباح الأحمد «ليفهم الجميع أننا لا ندعو أو نسمح بالتستر على الفساد والفاسدين، ولا نقبل السكوت عن أي انتهاك لحرمة المال العام، بل نعلنها على رؤوس الأشهاد بأننا نقف بكل حزم وقوة في مواجهة كل من تسول له نفسه الاعتداء على المال العام، فهو مال الشعب». ودعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد المواطنين لعدم التستر على الفساد أو انتهاك المال العام أو الخروج عن القانون، والمبادرة بالقنوات القانونية إلى تقديم ما لديهم من معلومات إلى الجهات المختصة.
وعبر الشيخ صباح الأحمد عن ألمه من حدوث هذه التصرفات والممارسات «بينما الكويت تتعرض لأخطار جسيمة وتواجه تحديات خطيرة، فالنيران المشتعلة حولنا يكاد لظاها يصلنا، والمشردون من ديارهم تجاوزت أعدادهم الملايين، والضحايا يتساقطون بالمئات يوما بعد يوم». وشدد الشيخ صباح على أن «الكويت والكويتيين أحوج ما يكونون إلى التكاتف والتلاحم والوقوف صفا واحدا للنجاة من هذه الأخطار التي عصفت وتعصف بمن كانوا أكثر قوة وأعز نفرا، فنحن الآن لا نملك ترف الخلاف والانقسام والجدل العقيم والألاعيب السياسية الخاصة، بينما الكوارث على الأبواب. فهل أنهم واعون لما يجري غير بعيد عنا؟ والعاقل من اتعظ بغيره». وأكد أن «أمن الوطن واستقراره وسيادة القانون واحترام القضاء فوق الحريات وقبل كل الحريات، وبقدر اعتزازنا بقيمة الحرية كإنجاز حضاري نفتخر به يكون حرصنا على صيانتها والحفاظ عليها».
وقال الشيخ صباح الأحمد إن «قيمة الحرية رهن بالتزامها بإطارها القانوني والأخلاقي الذي يحترم حريات الآخرين ويصون كرامتهم، فالحرية والمسؤولية صنوان لا يفترقان، وإلا فسوف تكون الفوضى بديلا للحرية، ويكون الدمار بديلا للبناء، ويحل الجدل والصراع بديلا للحوار والإنجاز.
وبين الشيخ صباح الأحمد أنه «لا خير في حرية تهدد أمن الكويت وسلامتها، ولا خير في حرية تنقض تعاليم ديننا وشريعتنا، ولا خير في حرية تهدم القيم والمبادئ والأخلاق، ولا خير في حرية تتجاوز القانون وتمس احترام القضاء، ولا خير في حرية تشيع الفتنة والتعصب وتجلب الفوضى والخراب والدمار».
واختتم الشيخ صباح الأحمد كلمته موقنا بأن «الكويت بأهلها الأوفياء عصية على كل من أراد بها سوءا، وستظل دوما بعون الله موطن الأمان والرخاء ومنارة للحضارة والازدهار، محفوظة بعناية المولى ورعايته، نسأله تعالى أن يديم علينا هذه النعمة الكريمة إنه سميع مجيب».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.