إقبال ضعيف في ثاني انتخابات برلمانية ليبية بعد القذافي

16 في المائة نسبة المشاركة واقتحام مقرات

إقبال ضعيف في ثاني انتخابات برلمانية ليبية بعد القذافي
TT

إقبال ضعيف في ثاني انتخابات برلمانية ليبية بعد القذافي

إقبال ضعيف في ثاني انتخابات برلمانية ليبية بعد القذافي

أظهرت النتائج الأولية لنسبة الاقتراع في ثاني انتخابات عامة في ليبيا بعد سقوط نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي، تدني نسبة المشاركين في الانتخابات التي يفترض أن تسفر عن مجلس نواب جديد يحل محل المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في تولي السلطة، حيث شارك نحو 16 في المائة فقط من الناخبين الليبيين في التصويت بحلول ظهر أمس.
ونفت وزارة الداخلية الليبية أمس إشاعات عن تعرض أحد المرشحين لمجلس النواب عن دائرة طرابلس لمحاولة اغتيال، مؤكدة أن هذه الأخبار عارية عن الصحة. وأرجع مسؤولون رسميون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» ضعف مشاركة الناخبين إلى حرارة الطقس وارتفاع درجات الحرارة على أغلب المناطق خاصة في غرب ليبيا، حيث يعد شهر يونيو (حزيران) الجاري أشد أشهر السنة حرارة في البلاد.
وكانت السلطات الليبية استبقت هذه الانتخابات بتشديد قواعد التسجيل، بحيث ألزمت الناخبين بإظهار بطاقة الرقم الوطني للاستدلال على هويتهم، بينما غالبية الليبيين يفتقدون وجود هذه الوثائق بسبب المخاوف الأمنية والفوضى السياسية التي تعرقل الخدمات الأساسية للدولة. وطبقا للتقارير الأولية التي أصدرتها غرفة العمليات بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، فإن أقل من ربع مليون ناخب أدلوا بأصواتهم من أكثر من مليون ونصف مليون ناخب.
وبلغت نسبة المشاركة في العاصمة الليبية طرابلس 19 في المائة، بينما وصلت إلى 13 في المائة فقط في بنغازي (شرقا) ثاني أكبر المدن الليبية، وإلى 15 في المائة في مصراتة ثالث أكبر مدينة. وقال عبد الحكيم الشعاب، عضو مجلس المفوضية، في مؤتمر صحافي عقده أمس، إن عدد مراكز الانتخاب التي جرى افتتاحها بلغ 1619 مركزا، وذلك بنسبة 97 في المائة من مجموع المراكز التي جهزتها المفوضية. ونوه بأن الظروف المناخية لم تمنع أبناء ليبيا من التوجه إلى مراكز الاقتراع لقول كلمتهم أمام التاريخ وللأجيال المقبلة، مشيرا إلى أن الأوضاع تسير بشكل منضبط وكما هو مخطط له، وفق ظروف أمنية مستقرة.
وبلغ عدد الناخبين المسجلين في الانتخابات الحالية نحو 1.5 مليون ناخب، وهو تقريبا نصف عدد الناخبين في انتخابات يوليو (تموز) عام 2012 بعد أن شددت اللجنة الانتخابية قواعد التسجيل في قوائم الناخبين. ويتنافس في هذه الانتخابات نحو 1628 مرشحا على 200 مقعد على مستوى 13 دائرة انتخابية، بينما شارك أكثر من 11 ألف ناخب ليبي في 22 محطة انتخابية موزعة في 13 دولة بالخارج في المرحلة الأولى يومي السبت والأحد الماضيين. وقال مسؤولون إن بعض مراكز التصويت ظلت مغلقة لأسباب أمنية في بلدة درنة الشرقية، وهي معقل للإسلاميين، وفي الكفرة في الجنوب الشرقي التي كثيرا ما تشهد اقتتالا قبليا، وفي مدينة سبها الجنوبية الرئيسة.
وعبر طارق متري، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، لدى زيارته أحد مراكز الاقتراع في طرابلس ومقر المفوضية العليا للانتخابات، عن أمله في أن يقترع الليبيون بأعداد كبيرة، ورأى أن انتخابات كهذه نجاحها مرتبط إلى حد كبير بإقبال الليبيين عليها. وأضاف: «لقد أراد الليبيون هذه الانتخابات، وعليهم أن يعبروا عن إرادتهم بالاقتراع»، مؤكدا أن «ليبيا تحتاج إلى مؤسسات سياسية يثق بها الناس، ومؤسسات سياسية لا يطعن أحد بشرعيتها وتُظهر كل التنوع الذي يعرفه المجتمع الليبي».
ولفتت وكالة الأنباء الرسمية إلى ما وصفته بـ«حالة من الإحباط الشديد سادت أمس عامة الناس في مدينة درنة»، التي تعد المعقل الرئيس للجماعات المتطرفة في شرق ليبيا، بسبب أنهم لم يتمكنوا من ممارسة حقهم الانتخابي لاختيار ممثليهم في مجلس النواب. وتسبب سوء الأوضاع الأمنية وتخوف المشرفين على العملية الانتخابية من استهدافهم أو تفجير محطات الانتخاب في إغلاق 17 مركزا للاقتراع، بينما شهدت المراكز الواقعة في القرى والمناطق وضواحي المدينة بطئا شديدا وإقبالا منخفضا جدا على الانتخاب بسبب تأثير عدم إقامتها داخل المدينة على ضواحيها.
واقتحم محتجون مقر المفوضية العليا للانتخابات الليبية في بلدة الكفرة (جنوب شرقي البلاد)، وأغلقوا عشرة مراكز اقتراع في البلدة احتجاجا على غياب وجود مراقبين بها، فيما أعلنت مصادر داخل المفوضية تأجيل الاقتراع لأسبوع آخر. وتزايد الإقبال الذي بدا ضعيفا صباح أمس في بنغازي، حيث وصف أحد المسؤولين نسبة الإقبال بأنها «جيدة جدا»، فيما قال مسؤول آخر إن «النسبة تعد فوق المتوسطة دون تسجيل أي خروق أمنية».
من جهته، أكد العقيد عبد السلام العجيلي، مساعد رئيس غرفة العمليات الرئيسة لتأمين الانتخابات، أن العملية الانتخابية تسير بشكل طبيعي، مشيرا إلى أن الحالة الأمنية بشكل عام جيدة، ولم تسجل أي خروق أمنية على الإطلاق، وفق التقارير الأمنية الواردة من مندوبي الغرفة بالدوائر الانتخابية في ليبيا كافة.
كما أكد العقيد محمد سويسي، مدير مديرية أمن العاصمة طرابلس، غياب حدوث أي خروق أمنية على الإطلاق، موضحا أن كل مراكز الاقتراع في طرابلس، البالغ عددها 274 مركزا، مؤمنة بشكل جيد من منطقة رأس غزال إلى جنزور ويوجد بها عناصر من رجال الشرطة، إضافة إلى التمركزات الأمنية للطلب عند الحاجة.
وظهر رئيس الوزراء السابق علي زيدان بصورة مفاجئة للإدلاء بصوته في طرابلس، بعدما عاد من أوروبا، حيث كان فر إلى هناك حين أقاله البرلمان في مارس (آذار) الماضي، حيث نقلت عنه وكالة رويتز قوله إنه يأمل أن تحقق الانتخابات أهدافها المرجوة، وأن يبدأ مجلس النواب بداية جديدة أفضل مما سبق.
من جهته، قال عبد الله الثني، رئيس الحكومة الانتقالية، بعد التصويت في أحد مراكز الاقتراع بالعاصمة طرابلس، إن «هذا يوم تاريخي للشعب الليبي، ويؤكد أن الشعب ماض في بناء دولته دولة المؤسسات ودولة الرأي والرأي الآخر والتداول السلمي لجميع الليبيين». وحث من سماهم «الثوار الشرفاء» على الاستعداد لحماية المراكز الانتخابية والدفاع عنها في كل أنحاء ليبيا ليتحقق حلم الجميع ببناء برلمان يمثل ليبيا خير تمثيل.
وخلص الثني في تصريحات للصحافيين إلى أن «العملية الانتخابية تسير بكل سلاسة، والمراكز الانتخابية مفتوحة بنسبة نحو 90 في المائة. وكل الأمور مطمئنة وبخير»، مشيرا إلى أنه بخصوص مقاطعة أقلية الأمازيغ العرقية «فمنذ البداية هم لم يشاركوا، وهو وضع خاص». وأما مدينة درنة فقد تعهد الثني بأنه ستكون هناك ترتيبات لاحقة خلال هذا الأسبوع، لكنه لم يفصح عنها.
وكان الثني شارك في اجتماع أول من أمس حضره نوري أبو سهمين رئيس البرلمان لمناقشة آليات وضوابط صرف الميزانية العامة للدولة، بالإضافة إلى كون الحكومة المؤقتة الحالية هي حكومة تسيير أعمال. وقال بيان للبرلمان إنه جرى التطرق إلى آخر الترتيبات التي قامت بها الحكومة بشأن تأمين انتخابات مجلس النواب، وكذلك الأوضاع الأمنية في بنغازي والموانئ النفطية.
ويأمل شركاء ليبيا في الغرب أن تساعد الانتخابات على إعادة بناء دولة قادرة على البقاء، فيما لا يزال جيش ليبيا الذي تشكل حديثا في مرحلة تدريب ولا يمكنه مجاراة المقاتلين الذين تمرسوا خلال الانتفاضة ضد القذافي التي استمرت ثمانية أشهر بدعم من حلف شمال الأطلنطي (الناتو) عام 2011.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم