أفلام رعب حديثة بأبعاد جديدة وقديمة

أعداؤها من الداخل والخارج على حد سواء

{أخرج} بوادر القلق الأول
{أخرج} بوادر القلق الأول
TT

أفلام رعب حديثة بأبعاد جديدة وقديمة

{أخرج} بوادر القلق الأول
{أخرج} بوادر القلق الأول

في الأشهر القليلة الماضية شاهدنا عدداً كبيراً من أفلام الرّعب كالعادة في المواسم التي تسبق أو تلي تلك النّخبة من الأفلام التي تدخل سباق الجوائز السنوية. فهناك أفلام رعب على مدار السنة تقريباً وهي تخلف، من ناحية الكم، ما كان منتشراً في الأربعينات والخمسينات من أفلام الوسترن التي كانت تسود سنوات تلك الفترة من دون منافس فعلي.
لكن قلة من أفلام الرعب هي تلك التي تفرز خلال المشاهدة وبعدها ما يتجاوز عوامل التخويف. It على سبيل المثال، نضح بمواقف تجمع بين مراهقين وسر من الماضي يرتدي ثياب وحش طليق، لكن ما بين انتمائه لسينما التخويف وبين خلاصته الموضوعية لا يوجد ما يؤدي لرسالة اجتماعية أو سياسية عاكسة لمضمون معمّـق.
«جرائم فيليسكا بالفأس» لتوني فالنزويللا يرمي إلى تقديم قاتل يضرب بالفأس ولا أكثر من ذلك، في حين أنّ الأجزاء التالية من The Ring وSaw ليست سوى مشاهد من حفلات تعذيب مختلفة تنتمي، كما في أفلام أخرى مشابهة، إلى حالات منعزلة. في «الحلقة» شريط يفتح الباب أمام الماضي وفي السلسلة الأخرى، سجناء يحاولون البقاء على قيد الحياة في غرف تحت أرضية منعزلة.
وجه آخر
لكن ما شاهدناه في نحو متعاقب خلال الأشهر الأربعة الماضية كفيل بإعادة أفلام الرّعب إلى أدوارها المفقودة عندما كان الفيلم منها هو إعلان موقف ما حيال موضوع يتجاوز فعل الخوف بصرف النظر عن مصدره. هذان الفيلمان هما «أخرج» (Get Out) لجوردان بِل، والثاني والأحدث: «مكان هادئ» لجون كرازنسكي.
ما يجمع بينهما هو وجود عدو مدمر. صحيح أنّ لكل فيلم رعب أعداءه وأشراره سواء من الآدميين أو من المخلوقات المتوحشة الآتية، ربما، من العالم البعيد، إلّا أنّ العدو في هذين الفيلمين ليس فقط هيئات شكلية لوحوش أو حالات لآدميين ينتقلون إلى الجريمة الوحشية، بل هو عدو كامن في المجتمع ذاته. لا يمكن صرفه بتجاهله ولا تؤدي مواجهته إلّا لكشفه وخطره.
إلى جانب تقديم الفيلمين عدواً يمثل وضعاً وليس مجرد شكل مخيف، فإنّ الملاحظة المهمّـة الأخرى هي أنّ مصدر هذا العدو يختلف على نحو تناقضي. في «أخرج» هو عدو يكمن في داخل المجتمع الذي تقع فيه الأحداث. في «مكان هادئ» هو عدو يكمن في خارج ذلك المجتمع. في الفيلمين المجتمع هو واحد: الزمن الحاضر في الفيلم الأول والزمن القريب المقبل في الفيلم الثاني وكلاهما يدور في أميركا اليوم. كلاهما عن خطر، لكنّ الخطر داخلي في الأول وخارجي في الثاني.
«أخرج» هو عن الوجه العنصري المتجذر، حسب الفيلم، والمتواري وراء ظلالات هشّـة. كريس واشنطن (دانيال كاليويا) أفرو - أميركي عادي الشأن لديه فتاة بيضاء (أليسون ويليامز) توضح المشاهد الأولى بينهما عن حب يريدان تتويجه بالزواج. لذلك، ومن باب التمهيد، يقرّران زيارة عائلتها الثرية التي تعيش خارج المدينة. يسأل كريس صديقته روز عن شكل اللقاء المتوقع مع عائلتها من منطلق أنّه أسود البشرة. إنّه قلق داخلي يبدو طفيفاً ويتم ذكره مرّة واحدة خلال مطلع الفيلم وجوابها عليه أنّ والديها منفتحان وأن كريس لا يجب أن يقلق.
العكس التام هو ما سيحدث. طبعاً اللقاء في البداية ودي للغاية. الأب (برادي ويتفورد) والأم (كاثرين كينر) يغمران كريس باستقبال بشوش وتودّد ظاهر. الوحيد الذي يكشف عن عداوته هو ابنها الشاب جيريمي (كالب لاندري جونز). لاحقاً ما سيتبدى لكريس أنّه وقع، وبرضى صديقته وموافقتها في مصيدة يعدّها أفراد العائلة لمن هم في مثل لونه. وكنّا رأينا في مطلع الفيلم مشهد خطف لشاب أسود أخطأ العنوان فدخل حياً راقياً يقطنه البيض. سيارة تلحق به وتخطفه. لاحقاً ما نرى هذا الرجل موجوداً في الحفل الذي أقامته العائلة في دارها الواسع. نشاهده وقد تم تطويعه وخسر هويته وبدا كما لو أنّ الحياة النوعية خرجت من بين جوانبه كما فعلت مع الخادمة السوداء التي باتت تشبه الروبوت.
المفاد الناتج عن ذلك ليس أنّ العنصرية في أميركا ما زالت موجودة (مثل هذا التقرير نجده في نشرات الأخبار التلفزيونية)، بل في أنّها عميقة التّجذر في النفوس. عائلة أرميتاج لا تختلف عن عصبة الكوكلس كلان إلّا في أنّها كاذبة حين تعبر عن انفتاحها وفي أنّها مستعدة لممارسة نوع متقدم من تطويع الرجل الأفريقي ليكون عبداً من صنع العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين.
إنّه العدو الداخلي الذي يشير إليه الفيلم بسبابته. تحت رماد الماضي لا تزال هناك نار مستعرة. وبعيداً عن أحداث دامية تعرّض فيها السود لعنصرية عنيفة من البيض (رجال شرطة أو مدنيين)، هناك أحداث مخيفة تقع وتنطلق من خفايا النفس وتسلك طريقاً يبدو أليفاً وودوداً إلى أن يكشف عن ذاته.
عدو بيننا
في «مكان هادئ» الذي انطلق لعروض ناجحة قبل أسبوعين (وحط في المركز الأول تماماً كما فعل «أخرج» من قبل)، هذا العدو آت من الخارج.
الزمن هنا قريب (بعد عامين فقط من الآن) خلالها استُعمرت الأرض من قِبل مخلوقات (فضائية؟) غريبة تصطاد ضحاياها بالسمع فقط. لذلك من بقي حياً من البشر لا يستطيع إصدار أي صوت إذا ما أراد البقاء حياً. الناس تعيش في صمت دائم صعب التطبيق.
نفهم أنّ احتلال تلك المخلوقات للأرض شاسع، لكنّ نجاح المخرج جون كرازينسكي الأول هو تقديم نموذج مصغّــر لحالة أكبر حجماً.
إنّها عائلة بيضاء قوامها الأم إيفيلين (إميلي بْـلنت) والأب لي (كرازنسكي) والفتاة ريغان (ميليسنت سيموندز) والصبي ماركوس (نوا جوب). هذه تعيش في ركن من غابة بعد أقل من سنة على انتشار وحوش تسترق السمع على البشر وتقضم حياة من يطلق صرخة أو يُصدر صوتاً. لذلك تعيش العائلة في السر داخل بيت (أقرب إلى كوخ كبير) مستسلمة لشروط البقاء أحياء عبر عدم الحديث أو إصدار أي صوت مهما كانت الدواعي. في مشهد مفزع تدوس الأم خلال نزولها سلماً يؤدي إلى غرفة تحت الأرض على مسمار كبير فينغرس في قدمها. لا تستطيع إطلاق صرخة الألم ويتركنا الفيلم أمام الإحساس بها فقط.
في مشهد آخر لها تنجب طفلاً لا يستطيع كتم بكائه ما يضعها والعائلة في حال أصعب. كل ذلك والزوج يحاول من مطلع الفيلم حتى نهايته القيام بمسؤولياته حيال حماية العائلة كاملة.
«مكان هادئ» يكاد أن يكون فيلم رعب كامل المواصفات على هذا الأساس. فيلم تستطيع أن تجد له ظلالاً سابقة وأخرى لاحقة لولا أنّه في الوقت ذاته فيلم يحمل في جانبه موضوعاً اجتماعياً مهماً. هو غلاف لما يكمن في داخله تماماً كحال «أخرج».
لكنّ الفارق هو أنّ فيلم جوردان بل يتحدث عن عدو يعيش بيننا، يتحدث «مكان هادئ» عن عدو يحطّ علينا. هذا الوضع ليس المحتوى الكامن في عمقه بل حقيقة أنّ هذا الاحتلال آت من منبع غريب. بالتالي هو غزو من جانب قوى شريرة تترصد الأميركيين وتلتهمهم.
لتأسيس ذلك، يختار كرازينسكي عائلة بيضاء (على أساس أنّها ما زالت رمزاً أميركياً أكثر من سواها من الأعراق) وواقع أنّها عائلة يرمز بدوره إلى جذور الحياة الأميركية المهددة من عوامل خارجية. هي عائلة معبّـرة عن معظم الأميركيين المشتركين معها في لون البشرة وفي التكاتف العائلي.
في زمن مضى كان يمكن لهذا الوضع أن يحمل رمزاً مختلفاً كالغزو الشيوعي الذي أثار مخاوف الشعب والمؤسسة في الولايات المتحدة فتناولته أفلام رعب وخيال - علمي متعددة من أبرزها «غزو ناهشي الجسد» Invasion of the Body Snatchers لدون سيغال (1958).
هذا الفيلم تم إعادة صنعه مرتين سينمائيتين لاحقاً. مرة على يدي فيليب كوفمان سنة 1978 ومرّة بعنوان Body Snatchers من إخراج آبل فيرارا سنة 1993. ويستطيع الملم أن يلحظ اختلاف الرسالة الضمنية. فبعدما كانت تعنى بإظهار خطر حدوث غزو شيوعي لأميركا يسطو على الشخصية الأميركية ويدجنها، ابتعد فيلم كوفمان عن التصدي لمفادات سياسية وأطلق فيلم رعب جيدا كما هو بأقل ما يمكن من مفادات، نسخة فيرارا جاءت تابعة لموسم سياسي مختلف. في التسعينات وبعد أن خرجت الولايات المتحدة من حرب كبيرة (فيتنام) دخلت حرباً كبيرة أخرى (أفغانستان والعراق). نسخة فيرارا تدور حول غزو التطرف العسكري للولايات المتحدة.
فن جيد
بين نسخة كوفمان ونسخة فيرارا ولدت نسخة أخرى لغزو مختلف. المخرج جون كاربنتر (الذي كان حصد شهرته بعد تحقيقه ما تحوّل إلى جزء أول من سلسلة «هالووين») أقدم على تحقيق فيلم بعنوان «يعيشون» (They Live) سنة 1988. فيلم مر تحت رادارات النقد (العربي خصوصاً) على أساس أنّه مجرد فيلم رعب لا يستحق الوقت ولا يستأهل الكتابة عنه.
لكن «يعيشون» هو تحديداً العمل السياسي الأهم بين كل ما حققه المخرج كاربنتر من أفلام. والسبب هو أنه حكايته (نظارة تكشف عن أن معظم الأميركيين هم مخلوقات مخيفة) لا ترمز فقط إلى مبدأ غزو ما بل تربطه بالمؤسسة الاجتماعية القائمة على المبدأ الاستهلاكي في ظل مؤسسات اقتصادية تستخدم الأمن لتثبيت موقعها. في النظرة الأولى هم غزاة من الفضاء يحتلون أجساداً آدمية. في النظرة الثانية هم رمز للفارق الكبير بين الفقراء والأغنياء. المواطن الأميركي العادي (يؤديه رودي بايبر) سيكتشف الحقيقة دوما كلما وضع النظارة الخاصة على عينيه. الإعلان التجاري على المبنى واضح بلا نظارات، بنظارات ينقلب إلى كلمة واحدة تدعو للطاعة. من دون نظارات يرى حفنة الدولارات كما هي. حين يضع النظارة تنقلب إلى عبارة تدعو لعبادة المال فقط. سيجد أنّه مهدّد لأنّه يعرف الحقيقة ولم يتحوّل بعد إلى شكل لا كيان له. كل ذلك وسط ربط الحكاية بفترة حدوثها خلال الحقبة الريغانية.
والخطر الكامن في المؤسسة يتضح في سلسلة من أفلام الرعب كما أطلقها كل من جورج أ. روميرو في سلسلة «ليلة الأحياء الموتى» في أواخر الستينات، و- لاحقاً - وس كرافن في سلسلة «كابوس شارع إيلم». في الأولى الزومبيز هم نتاج اجتماعي هيمنت عليه القوى السياسية والإعلامية والاقتصادية، وفي الثانية هي حقائق من الحياة تتضح كلما استسلم الشخص للنوم. ولكرافن أيضاً أفلام رعب هي أكثر اتصالاً بمعاداة الحرب الفيتنامية وتصوير مآلاتها على أساس الضرر التي أدت إليه مثل «الهضاب لها أعين» (جزأين).
كل واحد من الأفلام المذكورة لديه حسنات في الكتابة والإخراج وشتى العناصر الفنية ما يجعل تناولها كأعمال رعب بمنأى عما ترمز إليه ممتعاً بحد ذاته. كل منها ينجح في تصوير هيمنة الخطر على الأنفس والهوية الفردية أو الجماعية. وكل منها يحفل بمرجعيات لأفلام حملت قبلها مثل هذه المسائل وكانت بدورها من أفضل ما أنجبته السينما في تاريخها.
بالعودة إلى آخرها: «مكان هادئ» فإنّ الصمت الذي يقطع أوصال العائلة يتوازى، في أهميته، مع حقيقة أنّ الفيلم بلا فصل ثالث. هناك التمهيد لكل شيء (الفصل الأول) ثم الحبكة (الفصل الثاني). أمّا الفصل الثالث الذي هو عادة ما يحمل الذروة النهائية وحلولها فهو غائب. ينتهي الفيلم لا بنصر بين للأميركي ولا بهزيمة مدمرة للغازين (على الرّغم من مشهد فرارهم)، بل بإيحاء أن المسيرة الصامتة للبقاء على قيد الحياة ستطول.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».