ديفيد ويزرستون المهاجم السابق في صفوف فريقَي سانت جونستون وفولكيرك الاسكتلنديين، يتحدث عن المشكلات التي عانى منها خلال مسيرته الكروية، وخصوصاً الأشياء التي تبدو غائبة للعامة وواضحة للاعبين وتتعلق بالصحة الذهنية. يقول ويزرستون:
ثمة توقع راسخ في الحياة يقضي بضرورة أن يجد الرجال حلاً للمشكلات التي يواجهونها، وأن يتكيفوا مع الظروف التي يجدون أنفسهم فيها ويبدون دوماً في حالة سعادة ورضا. إلا أنني اليوم أود الكتابة عن المشكلات التي عايشتها داخل مجال كرة القدم، وكيف أعتقد أنها أثرت على مسيرتي المهنية.
وأود التأكيد في بداية حديثي أنني لا أحمل بداخلي ميولاً انتحارية، ولم أعانِ من تلك النزعات قط من قبل، رغم معاناتي بعض الأحيان من الاكتئاب. في الواقع، من الصعب للغاية الكتابة عما مررت به، وقد نازعتني رغبة الكتابة عن هذا الأمر على مدار فترة طويلة، لكن المفارقة تكمن في أنه يتعين عليّ الكتابة عن القلق، وأن أملك رباطة الجأش التي تمكّنني من إنجاز مهمة الكتابة. وهنا تحديداً تكمن المشكلة.
ولا أزال أذكر أول مرة شعرت خلالها بالتوتر قبل مباراة. كان ذلك خلال فترة مشاركتي في صفوف سانت جونستون عام 2008 وكنا نخوض مواجهة أمام هاميلتون على استاد مكديارميد بارك خلال موسمي الأول كلاعب كرة قدم محترف. لم أكن قد شاركت في التشكيل الأساسي لمباراة منذ تولي مدرب جديد مهمة تدريب الفريق في أكتوبر (تشرين الأول)، وبعد ذلك فجأة شعرت أنني أُلقي بي في مواجهة طوفان الدوري الممتاز الاسكتلندي الذي لا يرحم.
قبل ذلك، كنت دوماً أشعر بالاسترخاء والهدوء قبل المباريات، لكنني شعرت في ذلك اليوم بسيل من الشكوك يجتاحني حيال قدراتي، وتسلل القلق إلى نفسي. ورغم أنني حاولت تهدئة نفسي بأنني لا ينبغي أن أشعر بالتوتر، فإن جسدي بدا مختلفاً تماماً. شعرت أنني متوعك بدنياً، وعجزت عن الأكل وتحدثت إلى من حولي بالكاد، وواجهت صعوبة في التنفس وثقلاً في خطواتي. وكانت كل هذه الأعراض بسبب الأعصاب وافتقاري إلى إيماني بنفسي وسيطرة القلق عليَّ. وأعتقد بأمانة شديدة أن أي شخص يقول إن التوتر أمر جيد بالنسبة إلى المرء، لم يعايش في الواقع هذا الشعور. ويمكنني التأكيد بنسبة 100 في المائة أن المرء يشعر أن جسده في حال أفضل وذهنه أصفى وكل شيء أكثر يسراً عندما يكون في حالة استرخاء قبل مباراة ما.
عندما كنت في الـ21 من عمري، كنت في ذروة لياقتي البدنية وكانت سرعتي العنصر الرئيس في أدائي خلال المباريات، لكن في ذلك اليوم خالجني الشعور بالإرهاق بعدما جريت مرة واحدة فحسب، وأحسست بأن ساقي تنهار ولم تكن لدي أدنى طاقة لفعل أي شيء. وقدمت أداءً رديئاً خلال المباراة، وكانت تلك بداية النهاية بالنسبة إليّ. وكانت هذه نقطة البداية لعشر سنوات سيطر عليّ خلالها ذلك الشعور وبداية منحنى الهبوط في مسيرتي الكروية.
في الواقع، غرفة تبديل الملابس وملعب التدريب مكانان من الصعب الوجود فيهما إذا كنت تعاني القلق أو الاكتئاب، فليس بهما مساحة للاختباء وعندما كنت صغيراً شعرت أن الأمر شاقٌّ عليّ. ولا أزال أذكر كيف سيطر عليَّ شعور قوي بالتوتر جعلني عاجزاً عن المشاركة في اللعب، ولحسن الحظ كنت على مقعد البدلاء. ولم أتناول أي طعام وشعرت بغثيان وانعدام الطاقة داخلي لفعل أي شيء. وكانت تلك المرة الوحيدة في حياتي التي صارحت فيها شخصاً آخر بأنني أشعر بالتوتر. وبعد نحو 15 دقيقة، نزلت إلى أرض الملعب بديلاً للاعب مصاب. وربما كان أفضل ما بالأمر أنه لم يتسنَّ لي الوقت للتفكير في الأمر، وقدمت يومها أداءً جيداً.
ومع هذا، فإنه منذ ذلك الحين، بدأ التوتر يهاجمني كل مباراة. وشعرت بالغثيان مرات عدة، مرة داخل الملعب في أثناء الإحماء وأثّر هذا الأمر على أدائي باستمرار.
كان الأمر الأسوأ على الإطلاق أن هذا الوضع تحول إلى دوامة تشدني باستمرار نحو الأسفل. لقد افتقرت إلى الثقة وشككت في نفسي، ما جعلني أقدم أداءً أكثر سوءاً، الأمر الذي فاقم شكوكي في قدراتي. وأتذكر ذات مرة أنني اتصلت بالنادي أعتذر عن مشاركة صباح إحدى المباريات لأنني شعرت بتعب شديد. وقد شعرت بخزي بالغ حيال هذا التصرف وقضيت اليوم بأكمله مستلقياً في الفراش وسيطر عليّ شعور بالغ السوء. واعتدت النظر إلى الأشخاص المغرورين المفعمين بالثقة في النفس وأتمنى لو أنني كنت مثلهم.
بعد 3 سنوات داخل ملعب «كوين أوف ذي ساوث»، لم يجدد عقدي وعلى امتداد 6 أسابيع بقيت دونما تعاقد. وعقدت العزم على التخلي عن لعب كرة القدم بدوام كامل، لكن لحسن الحظ حصلت على فرصة التدريب مع فولكيرك. وبعد توتري بادئ الأمر في أثناء التدريبات والمباراة الأولى لي مع فريقي الجديد، سرعان ما شعرت بتحسن وأنني في حال أفضل. وأرى أن هذا التحسن يعود إلى أمرين: أولهما أن المدرب كان ممتازاً في تعامله معي، فقد أغدق عليّ الثناء، وأدرك تماماً ما أتقنه، واستغلني داخل الملعب على النحو الذي يتواءم معي بالصورة المثلى. الأمر الآخر: كان أفراد الفريق أصغر سناً وكان المناخ العام داخل غرفة تبديل الملابس أكثر وداً. وتزامن ذلك مع أفضل فترة في مسيرتي الكروية، فقد قضيت ما بين 8 و9 أشهر دون التعرض لأي إصابة تقريباً، وكنت أشارك في المباريات كل أسبوع.
أما العام التالي، فكان قصة مختلفة، ذلك أنني تعرضت لإصابة في الكعب خلال فترة الاستعداد للموسم الجديد. ورغم أنني عاودت الانضمام إلى الفريق في سبتمبر (أيلول)، فلم أكن أقدم أداءً جيداً داخل الملعب. وأتذكر عندما عاودت اللعب وشعرت أنني في مستوى جيد من اللياقة البدنية، لكن بسبب الإصابات وغيابي لأسابيع شعرت بالتوتر مجدداً وخلال الشوط الأول من المباراة تغلب عليَّ لاعب جناح الخصم باكتساح.
خلال المباراة، شعرت أن ساقيَّ تعجزان عن حملي ولم يكن بداخلي طاقة، بجانب شعوري بصداع شديد -أتذكر أن المدرب قال حينها إنني أبدو في حالة بدنية سيئة، وربما كان على حق. وأتمنى لو أنني امتلكت القدرة على إخباره الحقيقة آنذاك.
في الواقع، كانت لياقتي البدنية مرتفعة، لكن شعوري بالقلق كان المشكلة الحقيقية. ولعبت بالكاد ثانياً في صفوف فولكيرك بخلاف الفترة الجيدة التي قضيتها بين فبراير (شباط) ومارس (آذار)، وأدركت أن فترة وجودي داخل النادي أوشكت على نهايتها. وبذلك عادت مشكلاتي القديمة لتطل برأسها، أو بالأحرى لم تختف من الأساس.
وبمرور السنوات، تعلمت كيفية التعامل مع مثل هذه المشاعر، لكنها لم تختفِ تماماً قط. ولم يكن بمقدوري ابتلاع الطعام قبل المباريات رغم أن بمقدوري الاسترخاء بعض الأحيان، فإن الحقيقة تظل أنني لم أعد اللاعب ذاته ثانية قط. ولم أشعر براحة البال والثقة التي كنت أشعر بها في عمر الـ19 قط. وأسفر هذا الوضع عن مشاركتي بالمباريات على نحو متقطع.
وكانت السنوات التي عايشتها منذ تعرضي للإصابات بمثابة مشكلة مستمرة، وغابت عني سرعتي داخل الملعب. ورغم أنني لا أزال أحمل بداخلي رغبة حثيثة في خوض التدريب، فإن جسدي خذلني. لقد فقدت الثقة، وشعرت بالقلق وبأنني غير لائق بدنياً في كل سبت، حتى في الأوقات التي كانت لياقتي البدنية خلالها على ما يرام. ولم أتمكن مطلقاً من تقديم مستوى الأداء الذي كنت أرغبه، ومع أنني كنت أبلي بلاءً حسناً في أثناء التدريبات، فإنني لم أشعر بالثقة قط.
واليوم، عندما أتطلع بعيني نحو الماضي، أتمنى لو أنني طلبت العون أو على الأقل تحدثت إلى مدرب أثق به، لكنني لم أفعل ذلك وأنا على ثقة من أن هذا الأمر يحدث مع كثيرين غيري. وحتى يومنا هذا، لا يزال الاعتلال الذهني واحداً من «التابوهات» الكبرى في عالم كرة القدم.
دائماً ما يقول الناس إن المرء يجني ما زرعه في الحياة، وينطبق هذا القول ذاته على كرة القدم. وإذا لم يسمح ذهنك لجسدك بالتحرك على النحو الذي تدرب عليه، فإنك لن تجني حينها أي مكافآت. ورغم أنه كانت لديّ مسيرة مهنية لا بأس بها، فإنها في الواقع كان ينبغي أن تكون أفضل من ذلك كثيراً، وربما سيظل هذا الاعتقاد ملازماً لي ما تبقى من عمري.
ويزرستون: القلق النفسي أسوأ خطر على مسيرة اللاعبين
مهاجم سانت جونستون وفولكيرك السابق يرى أن غرف الملابس مكان قاسٍ لمن يعاني التوتر
ويزرستون: القلق النفسي أسوأ خطر على مسيرة اللاعبين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة