الأصدقاء المقربون يتشاركون كل شيء ...حتى الموجات الدماغية

{جذور} الصداقة تعمق التشابه في الاستجابات الفكرية

الأصدقاء المقربون يتشاركون كل شيء ...حتى الموجات الدماغية
TT
20

الأصدقاء المقربون يتشاركون كل شيء ...حتى الموجات الدماغية

الأصدقاء المقربون يتشاركون كل شيء ...حتى الموجات الدماغية

«القلوب سواقٍ» يقول المثل عندما تتوارد وتخطر نفس الأفكار لدى شخصين بعيدين، أي أنها تتلاقى مثل النهيرات الصغيرة... ماذا إذن عن العقول؟ تقول دراسة جديدة بأن عقول الأصدقاء المقربين تتلاقى في أفكارها و«شجونها» أيضا!
لطالما عرف الباحثون أنّ الإنسان يختار صديقا يشبهه في جوانب مختلفة كالعمر، والعرق، والدين، والوضع الاجتماعي - الاقتصادي، والمستوى التعليمي، والميول السياسية، ونسبة الجمال الخارجي، وحتى قوّة قبضة اليد.
وفي المقابل، يبرز ميل الإنسان إلى تكوين العلاقات مع الإنسان الآخر الأقلّ شبهاً له في مجموعات الصيد وزرع الثمار والمجتمعات الرأسمالية على حدّ سواء.

جذور الصداقة

ولكنّ دراسة جديدة رجحت أنّ جذور تكوين الصداقات أعمق مما كان يتوقّعه الباحثون. فقد وجد العلماء أن عقول الأصدقاء المقربين تجاوبت بتماثل شديد أثناء مشاهدتهم لسلسلة من مقاطع الفيديو القصيرة وذلك في جوانب: التركيز، ونشاط نظام المكافأة، وإنذارات الملل التي كانت متطابقة.
وقد ثبت أنّ الاستجابات التي ولّدتها مقاطع الفيديو التي تناولت مواضيع متنوعة كمخاطر كرة القدم في الجامعة، وسلوك المياه في الفضاء الخارجي، وحركات الممثل ليام نيسون في أحد مشاهده المضحكة، كانت شديدة التطابق بين الأصدقاء، مقارنة بالاستجابات التي صدرت عن أشخاص لا تربط بينهم علاقة صداقة.
وبمعنى آخر، بات الباحثون قادرين على توقّع قوّة العلاقة الاجتماعية التي تربط شخصين بالاعتماد على المسح المغناطيسي للدماغ. وعبّرت كارولاين باركينسون، المتخصصة بالعلوم الإدراكية في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس عن صدمتها بمستوى التشابه الشديد والاستثنائي بين الأصدقاء، مضيفة أنّ النتائج كانت «دامغة أكثر مما كنت أعتقد». ونشرت باركينسون وزميلاها تاليا ويتلي وآدم كلينبوم من جامعة دارتموث نتائج دراستهما في دورية «نيتشر كوميونيكيشنز».
وقال نيكولاس كريستاكيس، صاحب كتاب «متصل: قوة الشبكات الاجتماعية وكيف ترسم عالمنا؟»، وهو عالم أحياء من جامعة يال في حديث نقلته وسائل الإعلام الأميركية: «أعتقد أنّ هذا البحث مهمّ جداً، لأنّه يبيّن أن الأصدقاء لا يتشابهون بالأمور السطحية فحسب، بل أيضاً في تركيبة أدمغتهم».

«كيمياء قوية»

تقدّم نتائج هذه الدراسة إثباتاً واضحاً على صحّة المعنى الكبير الذي نملكه عن الصداقة، عن أنّها أكثر من مجرّد اهتمامات مشتركة أو نشاط على وسائل التواصل الاجتماعي... بل هي ما ندعوه «الكيمياء القويّة».
وقالت باركينسون: «ترجح نتائجنا أنّ الأصدقاء قد يتشابهون في طريقة اهتمامهم ومعاملة الناس من حولهم. هذا الأسلوب المشترك في التعامل مع المحيط يساعد الناس على بناء الصداقات بسهولة أكبر، وفي الحصول على التفاعل الاجتماعي السلس الذي يمنح شعوراً كبيراً بالمكافأة».
تعليقاً على التقرير الجديد، قال كيفن أوشنر، متخصص في علم الأعصاب الإدراكي من جامعة كولومبيا، والذي يدرس الشبكات الاجتماعية: «إنّه بحث جيّد، ومثير، ويفضي إلى أسئلة أوسع من الإجابات التي يوفّرها».
ولإثبات أنّ الكيمياء تفوق الخصائص والصفات قوّة، روى أوشنر المثال التالي من حياته الخاصة: «كنت وزوجتي المستقبلية نعمل في مجال علم الأعصاب، وكان كلانا مسجّلا في مواقع للتعارف، ولكننا لم نلتق أبداً. بعدها، اجتمعنا كزملاء، وعرفنا خلال دقيقتين، أننا نمتلك نوع الكيمياء التي يؤدي إلى بناء علاقة».
تضع باركينسون (31 عاماً) التي تشبه الممثلة سالي فيلد في شبابها، نظارة مصنوعة من مادة صلبة، وتصف نفسها بالشخصية الانطوائية، ولكنها تعتبر أنّها «كانت محظوظة بأصدقائها».
تأتي الدراسة الجديدة في إطار موجة اهتمام علمي بطبيعة، وتركيبة، وتطوّر الصداقة. وخلف هذه الحماسة، نجد طبعاً أدلّة كثيرة على أنّ غياب الصداقات يسمم حياة الإنسان، ويفرض عليه أعباء جسدية وعاطفية كبيرة شبيهة بتلك الناتجة عن حالات أخرى شائعة كالسمنة وارتفاع ضغط الدم والبطالة وعدم ممارسة الرياضة والتدخين.
يسعى العلماء إلى تحديد السبب الذي يجعل من الصداقة «مفيدة»، والوحدة «مضرّة». ويمكن القول إنّ الأدلّة التي جمعوها حتى اليوم في هذا الموضوع مثيرة للاهتمام، حتى ولو لم تكن مؤكدة.

بحث علمي

أثبت كريستاكيس وزملاؤه أخيراً أن الأشخاص الذين ينعمون بعلاقات اجتماعية قوية لديهم تركيزات أقلّ من غيرهم من الـ«الفيبرينوجين» fibrinogen، وهو بروتين مرتبط بالالتهابات المزمنة التي يُعتقد بأنّها مصدر الكثير من الأمراض. إلّا أنّ السبب الذي يجعل من الاختلاط الاجتماعي عاملاً مساهماً في منع الأمراض لا يزال غير واضح حتى اليوم.
أثبتت باركينسون وزملاؤها في وقت سابق أن الناس يعون تلقائياً كيف ينسجم جميع الأشخاص الموجودين في دائرتهم الاجتماعية مع بعضهم البعض. ورغب الباحثون بمعرفة سبب ارتباط أطراف شبكة اجتماعية معينة بصداقة حميمة، في حين أنّ آخرين بالكاد يعرفون بعضهم البعض.
استوحى الباحثون عملهم من دراسة أوري هاسون من جامعة برنستون، وقرروا استكشاف تفاعل الناس العصبي مع المحفزات الطبيعية اليومية، والتي أتت على شكل مقاطع فيديو في هذا الاختبار.
بدأ الباحثون اختبارهم بشبكة اجتماعية محددة: صف كامل يتألف من 279 خريجا من جامعة لم يذكر اسمها، عرفها عالمو الأعصاب فيما بينهم على أنّها كليّة الأعمال في جامعة دارتموث.
طُلب من الخريجين الذين يعرفون بعضهم البعض، ويعيش الكثير منهم سوياً في السكن الجامعي أن يملأوا استمارة يحددون فيها مع مَن من زملائهم يتشاركون وجبات الطعام، ويذهبون إلى السينما ومن منهم يدعونه إلى المنزل؟ وبناء على الإجابات، رسم الباحثون شبكة اجتماعية تتضمن درجات مختلفة من الارتباط: أصدقاء، أصدقاء الأصدقاء، وأصدقاء من الدرجة الثالثة، وأصدقاء كيفن بيكون.
بعدها، طُلب من الخريجين أن يشاركوا في دراسة تتضمن تصويرا بالرنين المغناطيسي للدماغ، فوافق 42 شخصاً منهم. وبالتزامن مع تعقّب جهاز تصوير الرنين المغنطيسي لتدفق الدم في أدمغتهم، شاهد الطلاب المشاركون سلسلة من مقاطع فيديو مختلفة.
خلال تحليل صور الرنين المغناطيسي الخاصة بالطلاب، وجدت باركينسون وزملاؤها انسجاماً قوياً بين أنماط تدفّق الدم (مقياس النشاط العصبي)، ودرجة الصداقة بين مختلف المشاركين، حتى بعد السيطرة على العناصر الأخرى التي قد تشرح أوجه الشبه بين الاستجابات العصبية كالإثنية والدين ودخل العائلة.
كما حدّد الباحثون مناطق معيّنة توضح أنماط الانسجام بين الأصدقاء: منطقة «النواة المتكئة» nucleus accumbens في الدماغ الأمامي الجبهي، اللاعب الأساسي في نظام المكافأة، ومنطقة «المغقف» superior parietal lobule الموجودة في أعلى وخلفية الدماغ، التي يقرّر فيها الدماغ كيف يخصص الاهتمام بالمحيط الخارجي.
باستخدام هذه النتائج، استطاع الباحثون أن يدرّبوا خوارزمية (برنامج كومبيوتري ذات منهج) للتنبّؤ المسافة الاجتماعية بين شخصين بناء على التشابه النسبي بين أشكال استجاباتهم العصبية.
وأكّدت باركينسون أن هذه الدراسة كانت «المدخل الأوّل، وإثباتا للمفهوم» وأنّها وزملاءها لا يزالون يجهلون ما قد تعنيه أشكال الاستجابة العصبية: ما هي المواقف، والآراء، والاندفاعات، والتعقيدات الدماغية التي قد تكشفها صور الرنين المغناطيسي.
ويعتزم الباحثون في خطوتهم التالية تجربة الوضع المعكوس: أي إخضاع الطلاب الجدد الذين لا يعرفون بعضهم البعض لتصوير الرنين المغناطيسي، لتبيان من منهم تتشابه أشكال استجاباتهم العصبية وقد ينتهي بهم الأمر أصدقاء مقربين.



الابتسامة... كيف ستبدو أسناننا في المستقبل؟

الابتسامة... كيف ستبدو أسناننا في المستقبل؟
TT
20

الابتسامة... كيف ستبدو أسناننا في المستقبل؟

الابتسامة... كيف ستبدو أسناننا في المستقبل؟

في عالم تتسارع فيه التقنيات، لم يعد الجمال مقتصراً على البشرة أو الشعر، بل دخلت الأسنان عصراً جديداً من الابتكار. وبحلول عام 2045، لن تكون زيارة طبيب الأسنان فقط لعلاج التسوّس أو الخلع، بل ستتحول إلى طقس تجميلي متكامل يعكس الرفاهية والهوية الشخصية.

من الطب إلى الجمال

وفي مقالة مثيرة للإعلامية المتخصصة في شؤون التجميل الطبي، الصحافية لوسي ماكواير، نُشرت في مجلة «فوك للأعمال» (Vogue Business) في 14 أبريل (نيسان) 2025 بعنوان: «كيف ستبدو أسناننا عام 2045؟»، ذكرت أنها استشارت برنامج الذكاء الاصطناعي المفتوح «OpenAI GPT-4o»، كما استشارت عدداً من شركات طب الأسنان المتخصصة في إدخال الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان، بالإضافة إلى استشارة عدد من أساتذة طب الأسنان في جامعة لندن والأكاديمية البريطانية لتجميل الأسنان؛ وكانت هذه الخلاصة: «من الطب إلى الجمال: ثورة في مفهوم الأسنان».

لطالما ارتبطت العناية بالأسنان بالطب الوقائي أو العلاجي، لكنّ الآن هناك تحولاً هائلاً نحو النظر إلى الأسنان بصفتها عنصراً جمالياً يجب الاعتناء به بنفس دقة العناية بالبشرة.

وتتوقع التقارير أن تصبح الأسنان جزءاً من الروتين التجميلي اليومي، بفضل التقنيات المتطورة التي تسمح بتحقيق نتائج مثالية دون ألم أو تدخل جراحي كبير.

وسيتجسّد التقدم في هذا المجال بأبرز الابتكارات والتطورات الآتية:

• عدسات فائقة الرقة. من أبرز الابتكارات التي نتوقع انتشارها هو استخدام العدسات التجميلية (veneers) فائقة الرقة التي لا تتطلّب برد الأسنان الطبيعي، كما هو الحال في هذه الأيام؛ مما يحافظ على بنيتها ويمنحها مظهراً طبيعياً جذاباً، بسبب تطور تقنية «النانو» حينها بشكل كبير.

• تجديد بالخلايا الجذعية. تشير التوقعات إلى أن تجديد أنسجة اللثة التي تترهل أو تلتهب بسبب أمراض اللثة أو الأسنان المفقودة باستخدام الخلايا الجذعية سيصبح ممارسة شائعة، مما يفتح الباب أمام علاج الشيخوخة الفموية وتعويض التآكل الطبيعي للأسنان بطرق طبيعية بالكامل.

• عيادات الأسنان تتحول إلى منتجعات تجميلية. لن تكون العيادات في المستقبل مجرد أماكن للمعالجة، بل ستكون أقرب إلى المنتجعات الصحية، حيث تقدم خدمات، مثل: «ديتوكس الفم» (تنقية الفم من السموم) الذي يستخدم «البروبيوتيك» أو «البكتيريا الحميدة» لتنقية الفم من البكتيريا الضارة، بالإضافة إلى علاجات بالضوء الأزرق أو الأحمر لتحفيز صحة اللثة وقتل البكتيريا المسببة لأمراضها. كما سيتم تطوير أجهزة الليزر الناعم لقتل جرثومة اللسان التي تفرز مركبات كبريتية طيارة تتسبّب برائحة فم كريهة. وهكذا فسيتمتع الكل بابتسامة جذابة ولثة صحية ورائحة فم عطرة.

الابتسامة الهادئة: جمال غير معلن

وفي مقابل موضة الابتسامات البيضاء اللامعة المنتشرة حالياً فإن خوارزمية الذكاء الاصطناعي تشير إلى أن في 2045 سيظهر توجه جديد نحو ما يُعرف بـ«الابتسامة غير المكتشفة»، وهي عبارة عن تحسينات تجميلية خفية لا تُكتشف بالعين المجردة. والهدف هنا ليس أن يعرف الآخرون أنك خضعت لتجميل، بل أن تبدو ابتسامتك طبيعية ومتناسقة بلا تكلف؛ بحيث يقول من يراها أولاً لحاملها: وجهك أصبح أجمل، ما السبب؟ ماذا فعلت؟

وتغيّر وسائل التواصل الاجتماعي قواعد اللعبة؛ إذ إن منصات مثل: «إنستغرام» و«تيك توك» أصبحت ساحة مفتوحة لمحتوى العناية بالأسنان، حيث تنتشر مقاطع فيديو تشرح إجراءات تبييض الأسنان، واستخدام التقويم الشفاف، وحتى مراجعات للعدسات التجميلية. وهذا الانتشار خلق جيلاً أكثر وعياً واهتماماً بجمال الفم؛ مما شجّع الأطباء والشركات على الاستثمار في تقنيات أكثر أناقة وأقل إزعاجاً. وهكذا يتوقع الخبراء أن وسائل التفاعل الاجتماعية ستقدّم دوراً أكبر في توعية المجتمع وفي تحديد خيارات العلاجات الترفيهية للفم.

وخلاصة القول: أسناننا في المستقبل لن تكون فقط دليلاً على الصحة، بل بطاقة تعريف جمالية تعبّر عن أسلوب حياتنا وتوجهاتنا الشخصية. وبينما كانت العناية بالأسنان تُعدّ في السابق رفاهية للبعض، فإن السنوات المقبلة قد تجعل منها ضرورة؛ مثل: استخدام كريمات الوقاية من الشمس أو «السيروم» الليلي. وستختفي بعض تخصصات طب الأسنان؛ مثل: زراعة الأسنان وصناعتها بسبب التطور المتكامل في الخلايا الجذعية وتقنية «النانو». كذلك فإن تخصصات أشعة الأسنان وأمراض الفم ستعوّض عنها خوارزميات الذكاء الاصطناعي. كما يتوقع أن يؤدي التطور الهائل الذي سيشهده علم تقنيات المناعة وتطور فهمنا لمنع انشطار الخلايا السرطانية إلى القضاء بشكل كامل على سرطان الفم والحنجرة. كما أن علماء المناعة سوف يتوصلون إلى الحلول لمعالجة جميع أنواع تقرحات الفم بشكل كامل.