«مسرى الغرانيق» لأميمة الخميس... ذوبان الشخصيات واستنطاق المدن

«مسرى الغرانيق» لأميمة الخميس... ذوبان الشخصيات واستنطاق المدن
TT

«مسرى الغرانيق» لأميمة الخميس... ذوبان الشخصيات واستنطاق المدن

«مسرى الغرانيق» لأميمة الخميس... ذوبان الشخصيات واستنطاق المدن

تلج الروائية والكاتبة السعودية أميمة الخميس عالماً مختلفاً للكتابة الروائية، بعيداً عن نهجها الذي غالباً ما يتخذ منحى اجتماعياً على نسق أعمالها الروائية السابقة: «الوارفة» و«زيارة سجى» و«البحريات»، كما في عملها الجديد «مسرى الغرانيق في مدن العقيق»، الصادرة عن «دار الساقي» في 559 صفحة. وتتركز الرواية حول شخصية مزيد الحنفي النجدي، برحلاته المبتدئة باليمامة، المتنقلة ما بين بغداد والقدس والقاهرة وحتى الأندلس، في سعي نحو تطبيق وصايا سبع اكتشفها أثناء رحلاته. لأول وهلة، يظهر الجهد المبذول في البحث والسرد من منطلق تاريخي لتتمحور الحكاية بشكلٍ أو بآخر في اليمامة حيث حكمها بنو الأخيبر واستبدوا فيها.
هذا العمل، وإن كان مختلفاً، فإنه امتداد لأعمال أميمة الخميس السابقة بنمطٍ مختلف، إذ إنها جميعاً تتمركز على المنطقة الوسطى في الجزيرة العربية، كما أن الكاتبة تخرج فيه عن الساردة الأنثوية باختيار شخصية ذكورية لسرد الحكاية.
يبرز حضور اليمامة في بداية الرواية، إلا أن ملامح نجد تنتقل إلى المدن الأخرى عبر شخصية مزيد الذي يناقض الصورة النمطية لأعرابي قادم من اليمامة، والانطباع عنه باعتباره «الصحراوي الجلف» أو «الجاهل»، ليثبت عكس ذلك بعمله كبائع للكتب، وبعمق ثقافته وافتتانه بالكتب والفلاسفة والمفكرين وإجادته إلقاء الشعر.
يعكس هذا العمل الروائي أيضاً مبلغ التنوع الثقافي والديني في العالم الإسلامي في عام 402هـ، وامتداداً إلى عام 405هـ، وإن كانت تلك التعددية تتعرض للتقهقر فيما بعد عبر إلغاء الآخر وشيطنة أي معتقد يخالف ما يعتنقه المرء، إلى الحدّ الذي وصف فيه الفلاسفة بالهرطقة والإلحاد وظهور جماعات سرية مثل جماعة السراة.
تبدأ رحلة مزيد من خلال انتقاله إلى بغداد بصخبها وتنوع تركيبتها الثقافية، التي تسبب له صدمة اجتماعية وحضارية، عانى منها وانعكست على نفسيته، فبات يوصف نفسه «بالصحراوي الذي لا يستسيغ السمك ويتقزز من رائحته النفاذة رغم محاولات الآخرين إقناعه بلذة طعمه»، كما أن تجربته في «دار الندوة» تركت تأثيراً سلبياً بالغاً عليه بهيبتها كمركز فكري، وإن كانت مليئة بالمتملقين والنرجسيين ممن عاملوه بعدائية كدخيل. من هنا، تبدأ مرحلة أزمته الداخلية وتساؤلاته المتشككة مثل: «ماذا فعلت بنفسك يا مزيد؟ ماذا غرسك بينهم؟»، أو «هل أنا عفّ نزيه أم أنني لم أصل ساحة وغي الشياطين بعد؟»، و«لا يوجد لدينا حق خالص، ولا باطل خالص»، تقلب مزيد بين المدن كرحّالة استكشافي جعله يصل إلى قناعة بضرورة مروره بمرحلة تطهر بلا دنس وخطايا نتيجة انفتاحه على العالم الخارجي إذ «سلخت عني مزيد اليمامة، وجعلتني صحيفة بيضاء يخط القدر فوق ضلوعي وصاياه السبع»، ولكن هذه الوصايا السبع تبدو غير مقنعة، بل عبارة عن مواعظ تختفي بين طيات الرواية، وقد كان من الممكن توظيفها بشكلٍ أكبر إذ هي غير مرتبطة بمتن العمل الروائي مثل الوصية الثالثة: «العالم هو نار ونور، اشرب من أكواب المعرفة دون أن تلسعك نيرانها، فهي غايتك العظمى وفيها نجاتك».
وعموماً يمكن القول، إن المدن هي بطل رئيسي في الرواية، إلى جانب شخصية مزيد، بدءاً بجزء من العنوان «مدن العقيق»، واستكمالاً في السرد حيث تفوق سطوة المدن وتأثيراتها على الحوارات وتركيبة الشخصيات التي رافقت مزيداً في رحلاته حول المدن، إذ تذوب كل شخصية وتختفي حال انتقاله إلى مدينة جديدة.
وينطبق ذلك أيضاً على العلاقات العاطفية السريعة المتآكلة التي مرّ بها مزيد، إذ تظهر فجأة وتنتهي بعجالة فلا يتبقى منها إلا هواجسه ووقوفه على الأطلال. ونلاحظ على الرواية أيضاً، تكلفاً في استخدام اللغة في أجزاء منها، فهناك جمل مركّبة كثيرة أدّت إلى نوع من الثقل في القراءة، وقد يكون ذلك ناتجاً عن السعي لعكس الحقبة الزمانية للرواية، عام 402 للهجرة.
وتسببت هذه الجمل المركبة بالتشتت لا سيما أن هناك توصيفات ليس لها علاقة بحبكة الرواية مثل: «أسدل فوقهما ستائر بيضاء منعشة، وفي طياتها شيء يشبه الفرح»، و«خلّفنا هدير البحر خلفنا ورائحة مطر وغيوم تتجمع فوق رؤوسنا».
لكن تظل الرواية بشكلٍ عام جريئة بفكرتها وأسلوبها الذي خرجت فيه الروائية أميمة من بوتقة الأعمال الاجتماعية إلى التجريب الذي يستلهم المدن ويتطرق إلى حقبة زمنية وتاريخية سابقة، على نسق «موت صغير» و«قواعد العشق الأربعون»، التي توحي بشكلٍ أو بآخر بعهد جديد للروايات التي تتنقل في بلدان مختلفة من خلال الأسفار والرحلات، عاكسة ثقافات مختلفة في الوقت نفسه.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.