المونديال بين تقليعات المتابعين وأناقة اللاعبين

الموضة لا تفوت أي مناسبة للترويج لنفسها وتحقيق أهدافها الخاصة

المنتخب البريطاني وبدلات من متاجر «ماركس أند سبنسر»  -  المنتخب الإيطالي لدى وصوله إلى البرازيل في بدلات من «دولتشي أند غابانا»
المنتخب البريطاني وبدلات من متاجر «ماركس أند سبنسر» - المنتخب الإيطالي لدى وصوله إلى البرازيل في بدلات من «دولتشي أند غابانا»
TT

المونديال بين تقليعات المتابعين وأناقة اللاعبين

المنتخب البريطاني وبدلات من متاجر «ماركس أند سبنسر»  -  المنتخب الإيطالي لدى وصوله إلى البرازيل في بدلات من «دولتشي أند غابانا»
المنتخب البريطاني وبدلات من متاجر «ماركس أند سبنسر» - المنتخب الإيطالي لدى وصوله إلى البرازيل في بدلات من «دولتشي أند غابانا»

أينما وجدت فعالية مهمة، تأكد بأن الموضة ستتبعها وتكون حاضرة فيها بشكل أو بآخر. وبما أنه ليس هناك اليوم حدث أهم من كأس العالم، فإن البرازيل تحولت إلى منصة مفتوحة لكل الصرعات والألوان.
المتأمل للصور التي تبثها الوكالات وتلفزيونات العالم، يتأكد أن الموضة، وسيلة للتعبير عن الذات، أولا وأخيرا، وفي بعض الأحيان تعبر عن جوانب كامنة لا نستطيع الكشف عنها في الحياة اليومية بسبب القيود الاجتماعية، وهذا ما يفسر في كثير من الأحيان تقليعات الألوان والصرعات.
فالصور تظهر الجماهير المشجعة متزينة بكل الألوان، منهم من رسموا علم بلادهم أو علم بلد الفريق الذي يشجعونه على أجزاء من أجسامهم، فيما أخفى البعض الآخر رؤوسهم بالقبعات الغريبة ووجوههم بالكامل بخطوط قوس قزح وكأنهم في كرنفال يتطلب أقنعة.
وقد شملت هذه التقليعات عددا من اللاعبين الذين ظهورا بقصات غريبة، حيث عمدوا إلى طلاء شعرهم بلون مميز حتى تسلط عليهم الأضواء بشكل أكبر، خصوصا إذا أسعفه الحظ وسجل أهدافا. لكن تبقى هذه مجرد تقليعات وصرعات عابرة ستنتهي بمجرد انتهاء كأس العالم، تثير ابتسام الناظر إليها ودهشته أكثر مما تجعله يرغب فيها ويجري لمعانقتها، لسبب بسيط هو أن الموضة الحقيقية هي التي تبيع، وليس هناك من يمثل هذا الجانب أكثر من نجوم الملاعب، الذين تتنافس كبريات الشركات على التعاقد معهم للظهور في إعلاناتها وحملاتها الترويجية.
جاذبيتهم تبدأ في الملاعب، بقدراتهم على الركض والمراوغة وتسجيل الأهداف، لكنها تمتد بعيدا إلى الحياة العامة من خلال ماكينة الموضة الإعلانية. فكلما زاد عدد الأهداف التي يسجلونها زاد الإقبال عليهم من قبل بيوت الأزياء وشركات التجميل والعطور والساعات، بعد أن أصبحوا قدوة للرجل، تماما مثل نجوم هوليوود، وما يظهرون به أو يستعملونه من مستحضرات يثير اهتمامه ورغبته، وهو ما يدركه جيدا صناع الموضة ويستغلونه بكل الأشكال.
هذه المرة، ومنذ وصول اللاعبين إلى مطار البرازيل قبيل انطلاق كأس العالم 2014، بل وحتى قبل أن تقلع الطائرات من بلدانهم، كان واضحا بأن الموضة ستكون جزءا لا يتجزأ من المونديال، بدليل الكم الهائل من الصورة الجماعية التي التقطت لكل فريق، بكامل أناقته وتداولتها الصحف والمجلات، بما فيها صور المنتخب البريطاني، والمنتخب الإيطالي. صور تعرضت لكثير من التشريح والتعليقات. فالفريق الأول ظهر ببدلات مفصلة من متاجر «ماركس أند سبانسر» البريطانية التي توجد فروعها في كل شوارع الموضة، وتُعرف بأسعارها المتوسطة، حيث قدر سعر البدلة التي ظهر بها أعضاء المنتخب بـ199 جنيه إسترليني فقط.
في المقابل، اختار الفريق الثاني، بدلات من الثنائي «دولتشي أند غابانا»، التي يقدر سعرها بأكثر من ألف جنيه إسترليني، ليؤكدوا أن الإيطاليين لا يتنازلون عن أناقتهم أيا كان الثمن. بل حتى الفريق الألماني المعروف بعمليته أكثر من اهتمامه بأناقته، اختار بدلات «هيوغو بوس»، مما يجعل اختيار المنتخب البريطاني لماركة شعبية مثيرا للاستغراب، لا سيما وأن بريطانيا لا تفتقد للمصممين الذين يمكنهم أن يقوموا بهذه المهمة على أحسن وجه وبصدر مفتوح، بدءا من بول سميث إلى بيربيري مرورا بهاكيت أو أي واحد من خياطي سافيل رو.
مما جعل التعليقات تتزايد على لباس المنتخب البريطاني هو أنه من المستبعد أن يكون أي أحد من الفريق الإنجليزي يشتري بدلاته من «مارك أند سبانسر»، لسبب بسيط هو أن كل لاعب يتقاضى الملايين، ويمكنه أن يشتري من أي مصمم عالمي، سواء من برادا أو لانفان أو توم فورد وغيرهم إذا لم ترُق لهم الأسماء البريطانية. التفسير الذي يخطر على البال، هو أن الخطوة رسالة لدعم شوارع الموضة البريطانية، واستقطاب المزيد من الزبائن إليها، لأن قطاع المنتجات المرفهة لا يحتاج إلى دعاية. فهو يحقق أعلى المبيعات منذ عام 2009 والتأثير الوحيد عليه بعد الأزمة العالمية التي عصفت بالعالم في 2008 أنها أنعشته أكثر.
في المقابل، تأثرت شوارع الموضة الشعبية سلبا، ولا يزال بعضها يعاني إلى حد الآن، بما في ذلك متاجر «ماركس أند سبنسر»، التي تشهد مبيعاتها تراجعا منذ عدة مواسم. من الظلم القول إن المنتخب البريطاني لم يبدو أنيقا في هذه البدلات، المكونة من قطعتين ومصنوعة من صوف الموهير، خصوصا وأنها مفصلة على مقاس كل لاعب، إلا أن مقارنته بأعضاء المنتخب الإيطالي لم تكن في صالحه.
فلاعبو إيطاليا كانوا أكثر وسامة وانسجاما مع أسلوبهم الإيطالي العصري، وبالتالي أكثر تألقا، وإن كان يحسب لأعضاء المنتخب البريطاني أنهم قدموا للأغلبية الساحقة من الرجال خيار الحصول على بدلة أنيقة بسعر معقول، عوض بدلة من مصمم عالمي قد يتعدى سعرها الـ3000 جنيه إسترليني. والهدف، هنا كما في كل مرة، تجاري محض، والمرجح أيضا أن مبيعات «مارك أند سبنسر» سترتفع هذا الموسم.
تيموثي إيفريست، الذي صمم بدلات المنتخب البريطاني في عام 2010 يؤكد هذا الأمر قائلا: «إن تكلفة كل البدلات يمكن أن تصل إلى 250.000 جنيه إسترليني»، مضيفا أنه على الرغم من أن أجسام لاعبي كرة القدم تبقى أفضل من أجسام لاعبي الرجبي مثلا، إلا أنهم لا يتمتعون بمقاييس أو مقاسات عارضي الأزياء، مما يجعل التفصيل الحل الأمثل حتى تبدو الصورة متألقة، ومع ذلك فإن الرقم المذكور يمثل لا شيء مقارنة بما يمكن تحقيقه من ربح على المدى البعيد.
والدليل برأي إيفريست أن التشكيلة المكونة من 7000 بدلة طرحتها «ماركس أند سبنسر»، في عام 2010 نفدت بسرعة وما زالت تعتبر الأكثر نجاحا إلى حد الآن.
كل هذه المعطيات تؤكد أن العمل مع أي فريق يعتبر صفقة مربحة لأي مصمم، ولا يمكن أن يخرج منها خاسرا حتى إذا أقصي الفريق من المباريات. فلانفان مثلا تتعامل مع فريق آرسنال بينما تروساردي مع يوفنتوس، وجيورجيو أرماني الذي وقع عقدا مع بايرن ميونيخ أخيرا، تناوب في السابق مع بول سميث على التصميم للمنتخب البريطاني وهلم جرا.
الثنائي «دولتشي أند غابانا»، مثلا، يعرفان جيدا أهمية التصميم لأي منتخب، فأنظار العالم تكون مصوبة نحوهم، وكل التفاصيل تكون تحت المجهر، لكنهما أيضا يتعاملان مع المهمة من وجهة نظر وطنية. يقول ستيفانو غابانا: «لاعبو كرة القدم يقتدى بهم وبمظهرهم، لكن البدلات التي يظهرون بها، بالنسبة لنا، مرآة للأناقة الإيطالية بكل تقاليدها في مجال التفصيل والخياطة.. لهذا فالعملية مزيج من هذه التقاليد والاعتزاز الوطني».
ويشير ستيفانو أيضا إلى أن البدلة إذا كانت مفصلة بشكل جيد، إضافة إلى اختزالها عنصر الاعتزاز الوطني، فإنها تعطي صاحبها الثقة ودفعة لإعطاء أحسن ما لديه. المفاجأة أن الفريق الياباني، على ما يبدو، غير مقتنع بهذه النظرة، لأنه اختار شركة دانهيل البريطانية عوض ماركة يابانية مثل «إيسي مياكي» أو «كوم ذي غارسون».



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.