Salvador Allende
(2004)
عندما أزال غوزمان
قشور الماضي في تشيلي
«سلفادور أللندي خط منهج حياتي. أتذكر 11 سبتمبر (أيلول) 1973. لن أنسى أبدا وحشية الديكتاتورية التي استولت على الحكم لأكثر من سبع عشرة سنة من المعاناة والموت والتشريد وكبت الذكريات»
يبوح المخرج باتريثو غوزمان بذكرياته في هذا الفيلم المعنون باسم رئيس جمهورية تشيلي الاشتراكي سلفادور أللندي الذي أطاح به الانقلاب العسكري بعد ثلاث سنوات من الحكم. ينقل غوزمان خطباً ومواقف من الرئيس السابق كما انعكاسات خاصة بحياته هو كمخرج تسجيلي وجد نفسه بين ألوف المثقفين الذين تم إلقاء القبض عليهم، إثر الانقلاب، إلى أن نال حريته بعد ثلاث سنوات من السجن فترك البلاد إلى فرنسا حيث أنجز هناك أحد أهم أفلامه وهو «معركة تشيلي».
التاريخ أعلاه يذكرنا بـ11 سبتمبر آخر بالطبع والمخرج الوحيد الذي ربط بين التاريخين هو البريطاني كن لوتس في جزئه من فيلم «2001 / 9 / 11». لكن «سلفادور أللندي»، المنجز بعد أربع سنوات من عملية نيويورك، يشير إلى سقوط نحو 3 آلاف قتيل تشيلي خلال يوم الانقلاب وما بعد، مضيفاً إلى سجل مكاشفاته اتهامه المباشر للرئيس الأميركي رتشارد نيكسون الذي رأى في أللندي خطراً على الولايات المتحدة بسبب نظامه اليساري وتقرّبه من الرئيس فيدل كاسترو وصداقته لتشي غيفارا فأوعز لوكالة الاستخبارات الأميركية بالتدخل والمساعدة في تغيير النظام.
في فيلم سابق لغوزمان عن أللندي، وهو «تشيلي، ذاكرة مستعصية»، عمد المخرج إلى تحليل التدخل الأميركي كقرار سياسي كسلسلة أحداث تاريخية. وصرف الكثير من الجهد في سبيل تقديم رؤية مضادة للسياسة الأميركية الخارجية. هنا ينصب معظم الحديث حول الداخل. وفي النهاية يلحظ أن غالبية التشيليين لم تعد تأبه لما حدث في تلك الفترة ويعزو ذلك إلى خطة منظمة لمحو آثار أللندي من الذاكرة.
غوزمان لا يخفق في إظهار تأييده للنظام السابق وشعوره بالحب الكبير للفترة التي شهدتها تشيلي تحت حكم أللندي. لكنه إذ يتولى الخوض في السياسة يضعها في إطار فني جيد يتيح في أكثر من مناسبة توفير لغة شعرية مناسبة. على أن إعجاب غوزمان بألليندي ليس إعجاباً أعمى. لا يتوانى المخرج في معرض تناوله فترة الحكم وفترة ما بعده، مناقشة قرارات أللندني التي بدت كما لو سارعت في تأليب الولايات المتحدة ضده.
في مطلع الفيلم نرى المخرج نفسه وهو يزيل قشرة طلاء أبيض من على حائط قديم لتظهر من تحت القشرة شعارات وكتابات سياسية أُخفيت عن أعين العسكر. لقطة مناسبة لما يسارع الفيلم بإزالته من قشور تاريخية ليكشف لما كان المخرج يخفيه. بدوره. ينتقل غوزمان إلى بعض المقابلات ساعياً للنقاش وليس للسؤال تاركاً في الوقت ذاته قدراً كبيراً من حرية الموقف للمتحدث (كما الحال مع السفير الأميركي لتشيلي في ذلك الحين إدوارد كوري). وفي أحد المشاهد يتساءل غوزمان إذا ما كان أللندي نفذ أسمى شروط الديمقراطية بالفعل أو أنه كان ينتحر سياسياً. المناسبة هي إدراكه أن أللندي فشل في فعل شيء ما حيال خطط الولايات المتحدة زعزعة حكمه.
ليس أن هذا الفيلم التسجيلي الكلاسيكي متردد في إظهار لون انتمائه، لكنه يوظف المناسبة لمداولة واقعية في الوقت الذي يتمتع فيه بخبرة مخرجه في منوال الفيلم التسجيلي التي برهنت عن نصاعتها في أكثر من مناسبة.