معرض التصميم في ميلانو... تاريخ عريق من الإبداع

جانب يُستعرض فيه تاريخ التصميم في إيطاليا - جانب من المعرض
جانب يُستعرض فيه تاريخ التصميم في إيطاليا - جانب من المعرض
TT

معرض التصميم في ميلانو... تاريخ عريق من الإبداع

جانب يُستعرض فيه تاريخ التصميم في إيطاليا - جانب من المعرض
جانب يُستعرض فيه تاريخ التصميم في إيطاليا - جانب من المعرض

ليس من باب المبالغة القول إن الحس الجمالي يسري في عروق الطليان منذ أقدم العصور؛ من عهد الإمبراطورية الرومانية، التي ما زالت آثارها المنتشرة على ضفاف المتوسط تشهد لفنونهم الراقية ومعمارهم الفريد، إلى النهضة الأوروبية التي انطلقت من قلب توسكانة لتخصب الحضارة الغربية بروائع الرسم والنحت والابتكارات الرائدة، إلى أيامنا هذه التي فُتحت فيها أبواب متاحف العالم الكبرى، يتقدمها متحف الفن الحديث في نيويورك، لأبرز التصاميم الإيطالية في الأثاث والسيارات والأدوات المنزلية والأجهزة الإلكترونية.
ليس مستغرباً إذن أن يتحول معرض ميلانو للتصميم، الذي يفتح أبوابه كل عام في مثل هذه الأيام في عاصمة الشمال الإيطالي، إلى محط أنظار المصممين والمهندسين المعماريين، وكبرى الشركات المنتجة للمفروشات وتجهيزات المنازل ومخططي المشاريع المُدُنية. أكثر من 200 ألف متر مربع، و650 من كبار المصممين في العالم، يعرضون آخر مبتكراتهم في المفروشات الحديثة وتجهيزات المطابخ والحمّامات والسيارات والدراجات النارية والهوائية والسفن السياحية واليخوت والتطبيقات التكنولوجية المتطورة في قطاع البناء، في أكبر وأهم معرض من نوعه؛ معظم العلامات التجارية والصناعية العالمية تتهافت عليه، فيما يحج إليه عشاق الابتكارات والأفكار الرائدة بمئات الآلاف منذ 57 عاماً.
لكن معرض ميلانو ليس مقصوراً على المصممين والمبدعين الإيطاليين في هذه المدينة، التي تُعتبر قلب إيطاليا الصناعي والتجاري، حيث إن ربع المشاركين فيه تقريباً من الأجانب، دلالة على سمعته وتأثيره عالمياً. فشركة «لاند روفر» للسيارات جاءت لتعرض فيه، للمرة الأولى بعد معرض جنيف، أول سيارة من طراز «جاكوار»، بمحرّك كامل الدفع الكهربائي، تعلق عليه آمالاً كبيرة كرهان لتثبيت موقع متقدم لها في سوق السيارات الكهربائية التي تحتدم المنافسة فيها منذ سنوات. كما أقامت شركة «هيرميس» للملبوسات والكماليات الفاخرة جناحاً شاسعاً لها، يضم آخر مبتكراتها من أقمشة المفروشات والحقائب الجلدية وأواني الطعام المزخرفة، بتصاميم فنانين من شتى أنحاء العالم، إضافة إلى لوازم الفروسية الشهيرة التي كانت في أساس انطلاق هذه المؤسسة الفرنسية التاريخية عام 1837، التي نافت مبيعاتها في العام الماضي على 6 مليارات دولار.
المصمم الإيطالي الشهير جيورجيو آرماني، الذي يتخذ من ميلانو المقر الرئيسي لأنشطته، يفرد جناحاً لمفروشاته وتصاميمه المنزلية، مستنداً إلى النجاح الباهر الذي أصابه بتأثيث برج خليفة في الإمارات العربية المتحدة. أما شركة «سامسونغ» الكورية، فقد اختارت معرض ميلانو لتقيم فيه أكبر جناح لها حتى الآن خارج كوريا، يضم آخر مبتكراتها في مجال التجهيزات المنزلية الإلكترونية المتطورة.
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في معرض هذه السنة أول منزل مبني بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، من غير غبار ولا ضجيج، وبكلفة أقل من الأساليب التقليدية. ومعروف أن هذه التقنية ستقوم عليها الثورة الصناعية الجديدة، التي ستلغي مفاهيم الإنتاج الصناعي وطرائقه السائدة، وتحد من استخدام اليد العاملة والمواد الخام اللازمة للإنتاج.
لكن التجوال في هذه الواجهة التصميمية العالمية لا يكتمل من غير زيارة المواقع الجانبية الملحقة بالمعرض، في أحياء المدينة الأنيقة، حيث تنعقد ندوات وحلقات نقاش ومحاضرات يديرها مشاهير المصممين والمبدعين والمهندسين المعماريين، الذين جعلوا من التصميم إحدى الركائز الأساسية الأربع للاقتصاد الإيطالي، إلى جانب الصناعات الغذائية وصناعة الأدوية والسياحة، حتى باتت واردات إيطاليا منه تعادل قيمة فاتورتها النفطية منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.
وليس من ختام أجمل لهذا التجوال سوى التنزه في مجمع فيتوريو إيمانويلي، الذي يعود بناؤه إلى مطالع القرن الماضي، كأول مجمع من نوعه في العالم للمحلات التجارية، والاستمتاع بواجهاته الفخمة، التي تبرز من بينها واجهة المحل الأول الذي افتتحته علامة «برادا» الشهيرة للحقائب، ثم التوقف لاستراحة في مقهى «غوتشي» الأنيق لرشف فنجان من القهوة، وتصفح مجلة «Domus»، التي أصدرتها مجموعة من المصممين الإيطاليين عام 1928، لتصبح اليوم مرجعاً عالمياً.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.