نجا سعادة... من طبيب أشعة إلى مصمم أزياء راقية

لم يخف المصمم اللبناني نجا سعادة سعادته للمشاركة في أول أسبوع موضة تشهده الرياض أخيراً. فالمرأة السعودية، حسب قوله: «تفهم الموضة وتُقدرها أكثر عندما تكون منفذة باليد وبخطوط عصرية».
وهذا ما قدمه لها من خلال فساتين وبنطلونات، قال إن تطريز بعضها وتنفيذه استغرق مئات الساعات لتأتي بالشكل المطلوب.
وليس غريباً أن يركز المصمم على الدقة في التفاصيل. فقبل أن يكون مصمماً عمل لست سنوات كطبيب أشعة. وكان مشهوداً له بالبراعة في مجاله، إلا أن حلم الطفولة ظل يلحّ عليه، ويذكّره بتلك الرسمات التي كان يخطها في دفاتره المدرسية، إلى أن استجمع قوته وترك كل شيء وراءه ليتفرغ لتصميم الأزياء. لم يندم ولو دقيقة على قراره.
قبل أن يتوجه نجا بتشكيلته المكونة من نحو 30 قطعة، إلى الرياض، تخصص في فساتين الزفاف واستقطب عدداً لا يُستهان به من الزبونات اللواتي عشقن أسلوبه وكرمه في استعمال تطريزات دقيقة تضفي عليهن البريق الذي يحلمن به ويحتجنه في ليلة العمر.
يعلق أنه فخور بهذه التشكيلة التي أطلق عليها عنوان «قصة طائر»، لأن خطوطها الأنثوية وتفاصيلها الفخمة ستبقى شاهدة على مشاركته في أول أسبوع موضة على مستوى عالمي في السعودية، كما على مهارته وقدرته على منافسة الكبار، ممن سبقوه بعقود.
وبالفعل تهادت العارضات في فساتينه، وكأنهن يؤدين رقصة بجع. الفرق أنه قدم تصاميمه بألوان تتباين بين الأزرق والوردي والأخضر والأبيض والذهبي والأحمر. بعبارة أخرى بكل ألوان الطيف وبدرجات منتقاة بعناية نثر عليها بعض الريش هنا وهناك لتكتمل الصورة. وأنهى العرض بفستانين للزفاف. الأول أبيض والثاني ذهبي بذيل طويل تشعر بثقله نظرا للتطريزات الدقيقة التي زينت كل سنتيمتر فيه تقريباً.
فكرته أن كل فتاة تحلم بأن تكون أميرة متوَّجة في ليلة العمر، فلمَ لا يقدم لها هذا الحلم على طبق جاهز؟!
وشرح أنه تخيل المرأة كطائر جميل نظراً لقدرتها على التأقلم مع أي بيئة. «فرغم ثقافة الرحيل والترحال التي تحكم حياته، يتكيّف مع الأماكن ويتأقلم مع الظروف ويتحدّى العوائق بجمال، فإذا كان حراً طليقاً أو أسير قفص فهو يُغرّد بحبّ وإيجابيّة. هو تماماً كالمرأة بكلّ حالاتها والتي مهما أثقلتها تجارب الحياة، تبقى قادرة على إخفاء الحزن والألم في كلّ مرّة تخرج فيها إلى الضوء لتواجه المُجتمع بتحد وثقة».
لا تعرف هنا إن كان يقصد المرأة السعودية التي أكدت قوتها، هذا الأسبوع، في مجالات كثيرة، أم تلميحه لتجربته الشخصية في تحدي الظروف لتحقيق حلم الطفولة؛ فهو ليس كغيره توجه لمهنة صعبة أحبها فحسب، بل ضحَّى بوظيفة كان ماهراً فيها وتضمن له عيشاً رغداً. وليس ببعيد أن معظم المحيطين به استغربوا خطوته، خصوصاً أنه كان بإمكانه أن يكتفي بممارسها كهواية.
يعلق على الأمر بقوله إنه لا يحب أنصاف الحلول «عندما أقوم بأي عمل، فإنني أصب فيه كل طاقتي وحبي، وإلا ما الفائدة؟». ويتابع: «الحياة قصيرة ولا يجدر أن نهدرها في أمور لا تمنحنا الرضا عن أنفسنا. منذ طفولتي، وأنا أحلم بأن أكون مصمم أزياء. لم أكن مثل غيري أرسم الطبيعة وأشكال الورود، بل كنت دائماً أرسم فساتين مفصلة، وهو ما ذكرني به والداي باحتفاظهما برسوماتي هذه».
بعد ست سنوات من العمل كطبيب أشعة، انخرط في معهد الموضة ببيروت ليصقل موهبته، ويريد أن يؤكد لكل من يعرفه، ويتعامل معه أن الموضة بالنسبة له فن وثقافة في الوقت ذاته «على الأقل من ناحية أنها تعكس الثقافة التي نعيش فيها. وهذا ما أركز عليه عند تصميم أي قطعة. الجانب التجاري لا يخطر على بالي في لحظة التصميم».
أما عن عدم تردده في قبول دعوة المشاركة في أسبوع الموضة بالرياض، فكان نابعاً أيضاً من رغبته في التعرف على ثقافات الغير والتعريف بنفسه في الوقت ذاته وسط باقة من المُبدعين، لأن التحدي مع الكبار له طعم خاص.