تعرضت خطة الحكومة الهندية بإقامة وتطوير أول قاعدة عسكرية خارجية في أسابمشن، إحدى جزر سيشل في المحيط الهندي، لتعقيدات صعبة بعد أن تخلت حكومة الأرخبيل عن الاتفاق بسبب ضغوط من حزب المعارضة في الجزيرة. وتعد هذه هي الضربة الثانية التي تتلقاها الدبلوماسية الهندية في التعامل مع دول الجزر في المحيط الهندي منذ دخولها في علاقات مريرة مع المالديف التي كانت تعتبر من أفضل حلفاء الهند حتى الآونة الأخيرة.
وبموجب الاتفاق الموقع بين الهند وسيشل، خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي مودي إلى الجزيرة في مارس (آذار) من عام 2015، كانت الهند تعتزم تجديد مهبط الطائرات في جزيرة أسامبشن، الواقعة إلى شمال مدغشقر، وتحديث رصيف المراكب الصغيرة، وإنشاء مرافق سكنية لحرس سواحل الجزيرة. أما الغرض المعلن، فهو لوضع حد للقرصنة البحرية حول جزر شرق أفريقيا في المحيط الهندي.
وكان الاتفاق مهماً للغاية؛ نظراً لأنه منح الهند الفرصة لوضع أصولها الاستراتيجية مباشرة في المحيط الهندي، ومنح كلاً من الهند وسيشل الحق في استخدام المرافق المذكورة، مع إمكانية استخدامها أيضاً من جانب أطراف ثالثة، شريطة ألا تكون أطرافاً معادية للمصالح الوطنية لأي من الطرفين الرئيسيين. ولجملة من الأسباب غير المعلنة، لم يصادق برلمان سيشل على الاتفاق خلال فترة ولاية الرئيس السابق، جيمس ميشيل. وبعد تولي الرئيس داني فوري منصبه في أكتوبر (تشرين الأول) في عام 2016، أعيد فتح المناقشات مع الهند بشأن الاتفاق، حيث تريد سيشل إعادة النظر في شأن الاتفاق المعني بالبنية التحتية العسكرية على جزيرة أسامبشن. واضطرت الحكومة الهندية إلى إرسال وزيرة الخارجية آنذاك إس جيشلنكار في زيارة غير معلنة إلى سيشل في أكتوبر من عام 2017، وذلك مع مواجهة الاتفاق للمزيد من العقبات. والتقى الوزير الهندي برئيس سيشل. وتمت تسوية الخلافات، ونُقل عن النائب العام في سيشل، فرانك آلي، قوله إن الهند سوف تتمكن من الوصول إلى المنشأة المذكورة، وكذلك الدول الصديقة الأخرى في المنطقة، لكنها لن تستخدم في نقل أو الاحتفاظ بالأسلحة النووية. ولقد تم إدراج هذا الموقف الرسمي من جانب حكومة سيشل في الاتفاق عند إعادة التفاوض بشأنه.
وسربت تفاصيل الاتفاق النهائي في أوائل مارس (آذار) إلى الإنترنت إلى جانب فيديو على موقع «يوتيوب»، مع الخرائط الكاملة، وموقع المنشآت المقترحة. وفي أعقاب تسريب تلك المستندات، غيّر زعيم المعارضة في برلمان سيشل، ويفيل رامكالاوان، من موقفه السابق المؤيد للاتفاق. وأعلن «وفاة» الاتفاق. وبعد ذلك بوقت وجيز، قال الرئيس داني فوري، إنه لن يقاوم معارضة المشروع في برلمان بلاده.
وتحظى سيشل بنموذج مميز من الحكومة الرئاسية، غير أن الرئيس داني فوري يقوم حالياً بنوع من التعايش السياسي مع تحالف المعارضة الذي فاز بالانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2016. ولذلك؛ تعتمد حكومة سيشل على المعارضة البرلمانية في التصديق على ذلك الاتفاق. ووفقاً إلى دستور سيشل، لا يمكن تنفيذ أي معاهدة أو اتفاق دولي إلا بعد التصديق عليه بموجب قانون أو قرار صادر عن برلمان البلاد.
ويقول رالف فولسير، الناشط السياسي والمعارض السابق في سيشل، والذي قاد المظاهرات الوطنية ضد القاعدة العسكرية الهندية في بلاده: «من الواضح أن الهند ترغب في إقامة قاعدة عسكرية على جزيرة أسامبشن بهدف مراقبة حركة المرور في قناة موزمبيق في المحيط الهندي، ولا سيما مراقبة نقل الطاقة الخاص بالصين حول العالم. وسيشل جزيرة صغيرة يبلغ تعداد سكانها 90 ألف مواطن، ولا يمكنها أن تتحمل الانحياز نحو طرف على حساب آخر. إننا لا نؤيد الهند كما أننا لا نعارض الهند، ولسنا موالين ولا مناوئين للصين، إننا موالون لبلادنا سيشل فحسب».
وعلى الرغم من الأنباء السيئة بشأن مشروع الجزيرة، أعلنت حكومة سيشل من جانب منفرد الأسبوع الماضي، أن الرئيس فوري سوف يقوم بزيارة رسمية إلى الهند في يونيو (حزيران) المقبل.
ووفقاً للمصادر المطلعة، أكد الرئيس فوري للجانب الهندي، أنه ملتزم بمشروع جزيرة أسامبشن، وأن الحكومة سوف تعمل على تمرير الاتفاق في البرلمان من أجل التصديق عليه. وتعتقد نيودلهي أن الاتفاق في حالة جمود في الآونة الراهنة، لكن لا يزال من الممكن إعادة تفعليه وتنفيذه في وقت لاحق، وذلك وفقاً للمصادر الدفاعية الهندية.
ويمكن إظهار مقدار الدفء في العلاقات بين الهند وسيشل من خلال حقيقة مفادها أنه في عام 1986، ساعدت الخطوط الجوية الهندية في مهمة سرية في منع الإطاحة في انقلاب عسكري برئيس سيشل آنذاك، ألبرت رينيه، عندما قدم له رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي طائرته الخاصة ليعود بها إلى سيشل من اجتماع حركة عدم الانحياز في هراري.
ووقّع البلدان على مذكرة للتفاهم بشأن التعاون الدفاعي في عام 2003، وفي عام 2009، أرسلت سفن القوات البحرية الهندية في دوريات مراقبة وحراسة المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلاد ضد القراصنة الصوماليين.
ومنذ ذلك الحين، عززت نيودلهي بالمروحيات، وقوارب الدوريات، وطائرات المراقبة البحرية قدرات سيشل على المراقبة والاستطلاع والرصد، والتحكم في المنطقة الاقتصادية الخالصة. وكجزء من اتفاقيات عام 2015، تمكنت الهند من بناء شبكة من 6 محطات رادار ساحلية تحت إدارة قوات حرس السواحل في سيشل.
يذكر جايديب برابهو، المتخصص في السياسة الخارجية والنووية، الأسباب الحقيقية لمعارضة الاتفاق المشار إليه. أولاً، يخشى السكان المحليون في سيشل أن التواجد الهندي وتدفق العمالة إلى تلك الدولة الصغيرة سوف يؤدي إلى هيمنة الهنود على اقتصاد البلاد؛ مما يؤثر سلباً على العمالة المحلية. ثانياً، يرى الكثير من السكان المحليين أن بناء القواعد العسكرية في البلاد بمثابة هجوم عسكري وتدخل في سيادة البلاد. ثالثاً، لا يريد أصحاب المصالح في سيشل لأراضيهم أن تكون رهينة الصراع بين مختلف القوى الأجنبية، أي الهند والصين. ولقد حافظت حكومة سيشل على علاقات ودية مع كلا البلدين، ولا ترغب في أن تكون في وضعية تجبرها على الاختيار بين مختلف الأطراف إذا ما ثارت الصراعات. رابعاً، يشير حزب المعارضة في سيشل إلى قرب جزيرة أسامبشن من جزيرة ألدابرا المرجانية، وهي من مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو، وهي موطن أكبر عدد من السلاحف العملاقة في العالم.
يقول هارش آر بانت، المحلل الذي يعمل لدى مؤسسة أبحاث المراقبة ومقرها العاصمة نيودلهي: «الصين هي كلمة السر الدائمة في مشاكل الهند مع المالديف وسيشل. على الرغم من أن بصمتها في المالديف أكثر وضوحاً منها في سيشل. لكن هذا مجرد الجانب المعلن من القضية. فإن الدول الصغيرة مثل سيشل، وموريشيوس، والمالديف، وحتى سريلانكا، تعتبر عرضة للتدخلات الأجنبية. لكنها تجد من المفيد أيضاً التلاعب مع الدول الكبرى في صالحها، ولا يمكنك أن تضن عليهم بذلك».
ضربة جديدة لدبلوماسية نيودلهي في المحيط الهندي
سيشل تتراجع عن اتفاق عسكري بعد تدهور العلاقات مع المالديف
ضربة جديدة لدبلوماسية نيودلهي في المحيط الهندي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة