شبكات التفاعل الإنساني تحرك التاريخ

في بحث مشترك بين مؤرخين

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

شبكات التفاعل الإنساني تحرك التاريخ

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

أصدرت سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية، شهر مارس (آذار) لهذا العام، كتاباً بعنوان: «الشبكة الإنسانية: نظرة محلقة على التاريخ العالمي» للمؤرخين: جون روبرت مكنيل، وويليام هاردي مكنيل، الذي ترجمه الدكتور مصطفى قاسم. الكتاب يعيد طرح سؤال كبير شغل بال المؤرخين وفلاسفة التاريخ، وهو: كيف حصل التقدم البشري؟ وكيف وصل إلى ما صار إليه حالياً من رفاه لا يمكن نكرانه؟ ليكون الجواب هو فحوى الكتاب كله، المتمثل في كون محرك التاريخ هو شبكات التفاعل الإنساني الرابطة للبشر بعضهم ببعض، التي بدأت في الحضارات الأولى رخوة وبخيوط متقطعة، لتصبح مع مر التاريخ أكثر متانة وصلابة واتساعاً، إلى درجة أننا لا نقدر في حاضرنا هذا على فصل أفراد العالم بعضهم عن بعض.
الكتاب طريف من جوانب عدة، أولها لأنه كتب من طرف أب (وهو مؤرخ وأستاذ في جامعة «شيكاغو») وابنه (وهو مؤرخ وأستاذ في جامعة «جورج تاون»)، ومن النادر أن نجد عملاً مشتركاً بين أب وابنه وفي التخصص نفسه. أما طرافته الثانية فتكمن في طموح المؤلفين الكبير المتجلي في محاولة كتابة موجز للتاريخ الإنساني، واختصاره في دفتي هذا الكتاب، أما الطرافة الثالثة فتتجلى في معاودة التأريخ للمسار الإنساني دون السقوط في نقيصة التمركز الأوروبي، مع إعلان واضح أن التقدم البشري صناعة عالمية ساهمت فيه كل الحضارات من دون استثناء.
لكي تقرأ التاريخ البشري كله، فأنت تحتاج إلى أن تقضي العمر كله في التهام مكتبة كاملة في التاريخ، وهيهات ذلك! الأمر الذي دفع بالأب والابن «مكنيل» إلى توفير هذا المؤلف المضغوط للقراء الذين يريدون معرفة كيف وصل العالم إلى ما صار إليه حالياً؛ لكن ليست لديهم القدرة ولا الوقت لذلك.
إن المفهوم المركزي بالكتاب هو «الشبكة»، الذي تمت معالجته على طول المتن المشكل من تسعة فصول، التي جاء ترتيبها كالآتي: التلمذة الإنسانية، والتحول إلى إنتاج الغذاء: بين أحد عشر ألف سنة وثلاثة آلاف سنة خلت، والشبكات والحضارات في العالم القديم، ونمو الشبكات في العالم القديم والأميركتين، وتكثف الشبكات، ونسج خيوط الشبكة العالمية، وكسر الأغلال القديمة وإحكام خيوط الشبكة الجديدة، والضغوط على الشبكة، والصور الكبيرة والممكنات بعيدة المدى.
ينتمي هذا الكتاب إلى نموذج جديد من الكتابة التاريخية، أصبح طاغياً في السنوات الأخيرة، والذي يسعى إلى تجاوز السردية الغربية للتاريخ التي تميزت بالتمركز الأوروبي، معلناً التوجه نحو «التاريخ العام»، ومركزاً على الخطوط العامة التي تخص البشرية جمعاء، والتي ساهمت برمتها فيما نحن عليه من مستوى الرفاه والتقدم. إن هذا المبحث المتخصص في التاريخ العالمي يؤكد على أن الحضارة الإنسانية واحدة، وأنها انتقلت من مركز إلى آخر، مع حدوث إضافات وتحولات مع كل عملية انتقال، والتي نذكرها مختصرة كما وردت في مقدمة المترجم: «بدأ التقدم الإنساني في جنوب غربي آسيا ومصر ووادي السند، ومنها انتشرت الحضارة (هي التعقيد والتنسيق المتزايد اقتصادياً وسياسياً وثقافياً... في المجتمع) إلى مجتمعات أخرى في شرق آسيا وجنوبها؛ حيث الصين والهند، قبل أن تنتقل إلى جنوب أوروبا مع الحضارة اليونانية - الرومانية، ثم يعود المركز الحضاري إلى جنوب غربي آسيا ومصر مع ظهور الإسلام، ثم ينتقل إلى أوروبا الغربية، ليعم بعدها العالم بأسره شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً». ومع كل انتقال تزداد الحضارة تعقيداً وتشابكاً عن مرحلتها السابقة، مدمجة معها أكبر قدر من البشر طوعاً أو كرهاً، وهو ما كان يؤدي إلى التقارب في رؤى العالم ونماذج الفكر والممارسة.
إن مفتاح التقدم الإنساني إذن، يتجلى في شبكات الاتصال والتبادل وتنسيق الجهد البشري، ونقل ذلك عبر أرجاء المعمورة، وإذا كان الإنسان يتطلع إلى تغيير حالته حتى تتطابق مع آماله، فإن الشبكات ساهمت في تنسيق ونقل النماذج المقترحة من طرف الشعوب كلها، في تلاقح أدى إلى تراكمات نحن ننعم بها الآن.
ولا بد من الإشارة إلى أن المؤلفين يؤكدان على أن الشبكة الإنسانية في مستواها الأساسي تعود إلى: تبادل اللغات والمعلومات والسلع والجينات والزيجات والأمراض، والتقنيات والأسلحة... وهي كلها من كانت تنسج شبكة من الاتصال والتفاعل بين البشر؛ سواء من أجل التعاون والتنافس، والتي بدأت فضفاضة ومتقطعة أحياناً، سماها الكتاب بـ«الشبكة العالمية الأولى» حيث كان عدد الناس قليلاً ومنتشراً في أرض شاسعة، وهو ما جعل الشبكة غير محكمة الربط؛ لكن مع ازدياد كثافة السكان جراء اختراع الزراعة على مسرح التاريخ التي وفرت الاستقرار، تعقدت الشبكة إلى أن وصلت ما يسمى «الشبكة الكونية»؛ حيث وصلت سرعة التبادلات مداها الأقصى، فدخلنا في دوامة توحيدية ساهم فيها بقوة بروز بنية تحتية ممثلة في السفن والطرق والسكك الحديدية والإنترنت.
إن البشرية ما كانت لتتجاوز ستة مليارات من الناس، ولا أن تجتمع ضمن شبكة كونية واحدة، لولا الكم الهائل من التفاعلات والارتباطات والتدفقات وتبادلات الغذاء والطاقة والتقنية والمال.
نخلص من هذه الإطلالة الخاطفة حول الكتاب، بما كتبه المترجم مصطفى قاسم عن بلدنا العربي، فهو يرى أنه ما زال عندنا بعض الأفراد مرتبطين بفكر ماضوي غير مستوعب تماماً لحركية التاريخ وقدر التقدم، إلى حد أن هناك من يرى أن أزهى عصورنا توجد في الماضي، وأن تقدمنا لا يتحقق إلا بالعودة للوراء، أي إلى نماذج متخيلة للكمال، فهؤلاء عنده نشاز جداً ولهم معايير للتقدم والكمال تختلف عن بقية البشر. والعجيب هو أنك تجدهم من أكبر المستهلكين لمنجزات الرفاه التي تحققت عبر التاريخ الطويل للبشرية، وهذا يعد دليلاً ضدهم يثبت أن قانون التقدم يسري على الجميع بما فيهم معارضوه.
بكلمة واحدة نقول: إن الحضارة غادرت الشبكة البسيطة القديمة، ودخلت شبكة أكثر تعقيداً وتنسيقاً للجهد البشري، وهو ما يزيد من توحيد البشر في رؤية للعالم مشتركة.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
TT

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم
توافد العشرات في معرض الجزائر للحصول على نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وما لهما وما عليهما... في زمن الروبوتات المؤنسنة والعقول الذكية الاصطناعية وما لها وما عليها، تحدُث من حين لآخر هزات عنيفة تحلج بعض العقول الهانئة، ذات القناعات القانعة، فتستيقظ بغتة على أسئلة طارئة. مدوِّخة بلْ مكهرِبة.

- ما هذا الذي يحدث؟

تماماً كما حدث في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر، حدث ذلك منذ طبعتين في الصالون الدولي للكتاب في باريس، إذ حضر كتاب كبار ذوو شهرة عالمية، كل واحد منهم يركب أعلى ما في خيله، وحطّت رحالَها دورُ نشرٍ لا يشقّ لها غبار. لكن المنظمين والمشاركين والملاحظين والمراقبين والذين يعجبهم العجب، والذين لا يعجبهم العجب، على حين غرة وفي غفلة من أمرهم، فوجئوا بآلاف القادمين من الزوار شباباً وبالغين، كلهم يتجهون صوب طاولة، تجلس خلفها كاتبة في العشرينات، لا تعرفها السجلات العتيقة للجوائز، ولا مصاطب نقاش المؤلفين في الجامعات، أو في القنوات الشهيرة المرئية منها والمسموعة. الكاتبة تلك شابة جزائرية تفضّل أن تظلَّ حياتها الخاصة في الظِّل، اسمها سارة ريفنس، وتُعد مبيعات نسخ رواياتها بعشرات الملايين، أما عدد قرائها فبعدد كتّاب العالم أجمعين.

وكالعادة، وكما حدث منذ سنوات مع الروائية الجزائرية الشابة سارة ريفنس، أثار القدوم الضاج للكاتب السعودي أسامة مسلم ذهول جل المهتمين بالشأن الثقافي والأدبي، حين حضر إلى المعرض الدولي للكتاب في الجزائر 2024. وقبله معرض الكتاب بالمغرب ومعارض كتب عربية أخرى، وفاجأ المنظمين والزوار والكتاب فيضانُ نهر هادر من الجموع الغفيرة الشابة من «قرائه وقارئاته». اكتظ بهم المكان. جاءوا من العاصمة ومن مدن أخرى أبعد. أتوا خصيصاً للقائه هو... هو وحده من بين الكتاب الآخرين الكثر المدعوين للمعرض، الذين يجلسون خلف طاولاتهم أمام مؤلفاتهم، في انتظار أصدقاء ومعارف وربما قراء، للتوقيع لهم بقلم سائل براق حبرُه، بسعادة وتأنٍّ وتؤدة. بخط جميل مستقيم، وجمل مجنّحة منتقاة من تلافيف الذاكرة، ومما تحفظه من شذرات ذهبية لجبران خليل جبران، أو المنفلوطي أو بودلير، أو كلمة مستقاة من بيت جميل من المعلقات السبع، ظلّ عالقاً تحت اللسان منذ قرون.

لا لا... إنهم جاءوا من أجله هو... لم تأتِ تلك الجموع الغفيرة من أجل أحد منهم، بل ربما لم ترَ أحداً منهم، وأكاد أجزم أنها لم تتعرف على أحد منهم... تلك الجموع الشابة التي ملأت على حين غرة أجنحة المعرض، ومسالكَه، وسلالمَه، وبواباتِه، ومدارجَه، واكتظت بهم مساحاته الخارجية، وامتدت حتى مداخله البعيدة الشاسعة. يتدافعون ويهتفون باسم كاتبهم ومعشوقهم، هتافات مضفورة بصرخات الفرح:

- أووو... أووو... أووو أسامة...!!

يحلمون بالظفر برؤيته أخيراً عن قرب، وبلقائه هذه المرة بلحمه وعظمه، وليس شبحاً وصورة وصوتاً وإشارات خلف الشاشات الباردة لأجهزتهم الإلكترونية. يأملون بتوقيعه على الصفحة الأولى من إحدى رواياته، ولتكن روايته «خوف» مثلاً.

هكذا إذن... الأدبُ بدوْره، أضحى يرفض بيت الطاعة، بل يهدمه ويِؤسس قلعته الخاصة، التي تتماهى مع هندسة ذائقة العصر الجديدة، القابلة للنقاش. إنها الإشارة مرة أخرى ومنذ ظهور الكائن البشري من نحو ثلاثة مليارات سنة، على أن الزمن يعدو بالبشر بسرعة مدوخة، بينما هم يشاهدون - بأسف غالباً - حتف الأشياء التي تعوّدوا عليها، وهي تتلاشى نحو الخلف.

من البديهي أن الكتابة على الصخور لم تعد تستهوي أحداً منذ أمد بعيد، سوى علماء الأركيولوجيا الذين لهم الصبر والأناة، وقدرة السِّحر على إنطاقها، وقد أثبتوا ذلك بمنحنا نص جلجامش، أول نص بشري كتب على الأرض، وأما نظام الكتابة فقد تجاوز معطى الشفهية إلى الطباعة، ثم إلى الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي و...!

على ذِكر الذكاء، فليس من الذكاء ولا الفطنة التغاضي عن الواقع المستجد، أو التعنت أمام فكرة أن العالم في تغير مدوّ وسريع، وقد مسّ سحره كل جوانبه ومنها سوق الأدب، ولا بد من الاعتراف أن المنتِج للأدب كما المستهلك له، لم يعودا خاضعين في العرض والطلب لشروط أسواقه القديمة، وإن لم تنقرض جميعها، في ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتوفر الـ«بلاتفورم» و«يوتيوب» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك» وهاشتاغ وما جاورها.

لكن الأمر الذي لا بد من توضيحه والتأكيد عليه، أن دمغة الأدب الجيد وسمة خلود الإبداع، لا تكْمنا دوماً وبالضرورة في انتشاره السريع، مثل النار في الهشيم، وقت صدوره مباشرة، وإلا لما امتد شغف القراء عبر العالم، بالبحث عن روايات وملاحم وقصص عبرت الأزمنة، بينما لم تحظَ في وقتها باهتمام كبير، والأمثلة على ذلك عديدة ومثيرة للتساؤل. أسامة مسلم، وسارة ريفنس وآخرون، كتّاب بوهج ونفَس جديدين، على علاقة دائمة ووطيدة وحميمية ومباشرة مع قرائهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فلا يحتاجون إلى وسيط. مؤلفون وأدباء شباب كثر عبر العالم، من فرنسا وأميركا وإنجلترا وكندا وغيرها مثل Mélissa Da Costa - Guillaume Musso - Laura Swan - Morgane Moncomble - Collen Hoover - Ana Huang وآخرين وأخريات ينتمون إلى عالم رقمي، تسيطر فيه عناصر جديدة تشكل صلصال الكتابة وجسر الشهرة... لم يمروا كما مر الذين من قبلهم على معابر الأدب، وتراتبية مدارسه المختلفة التي وسمت مراحل أدبية متوهجة سابقة لهم، ولم يهتموا كثيراً بالنّسَب الجيني لأجدادهم من الروائيين من القارات الخمس بمختلف لغاتهم، ولم يتخذوا منهم ملهمين، ولا مِن مقامهم هوى. كتابٌ شباب، أضحت مبيعات رواياتهم تتصدر أرقام السوق، فتسجل عشرات الملايين من النسخ، وتجتاح الترجمات عشرات اللغات العالمية، ودون سعي منهم ترصد ذلك متابعات صحافية وإعلامية جادة، وتدبج عنهم مقالات على صفحات أكبر الجرائد والمجلات العالمية، وتوجه لهم دعوات إلى معارض الكتب الدولية. كتاب لم يلجئوا في بداية طريقهم ومغامرتهم الإبداعية إلى دور النشر، كما فعلت الأجيال السابقة من الأدباء، بل إن دور النشر الكبيرة الشهيرة لجأت بنفسها إليهم، طالبة منهم نشر أعمالهم في طباعة ورقية، بعد أن تحقق نجاحهم من خلال منصات النشر العالمية وانجذب إليهم ملايين القراء. فرص سانحة في سياق طبيعي يتماهى مع أدوات العصر مثل: Wattpad - After Dark - nouvelle app - Creative Commons وغيرها.

ولأن التفاؤل الفكري يرى فرصة في كل عقبة، وليس في كل فرصة عقبة كما جاء على لسان وينستون تشرشل، ولأن الوعي بالحداثة يأتي متأخراً زمنياً، فإن ما يحدثه الكتّاب الروائيون الشباب Bests eller البستسيللر في العالم، من هزات مؤْذنة بالتغيير، ومن توهج استثنائي في عالم الكتابة، ومن حضور مُربك في معارض الكتاب، تجعلنا نطرح السؤال الوجودي التالي: هل ستتغير شروط الكتابة وتتبدل مقاييسها التقليدية، وهل ستنتفي معارض الكتاب أم تتغير. وكيف ستكون عليه إذن في الأزمنة المقبلة؟