قاديروف يهدد دولاً غربية بمحاربتها في سوريا

TT

قاديروف يهدد دولاً غربية بمحاربتها في سوريا

رئيس الشيشان رمضان قاديروف أعلن الحرب على الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. ومستعد للثأر لسوريا، وقيادة جحافل المحاربين إلى هذا البلد «دفاعا عن السيادة الروسية»، لـ«معاقبة» قادة الغرب الذين «يستخدمون الوضع في سوريا من أجل ممارسة ضغوط إضافية على روسيا».
هكذا، بروح «المحارب الذي لا يهدأ» كما يحلو له أن يطلق على نفسه، فسر الرئيس الشيشاني تطورات الوضع في سوريا، بصفتها حلقة أخرى في مسلسل الحرب الكونية التي يشنها الغرب على روسيا منذ ثلاثة عقود.
بالنسبة إليه يبدو المشهد واضحا لا لبس فيه: «كل ما حدث ويحدث في سوريا هو نتيجة واستكمال للحرب التي بدأت على روسيا من خلال الشيشان في تسعينات القرن الماضي، وعندما نجحنا بمنع انهيار روسيا وتفككها بسبب الحرب الشيشانية جاءت أزمة أوسيتيا الجنوبية (الحرب الروسية الجورجية 2008) ثم الحرب في أوكرانيا وبعد ذلك في سوريا... كل هذا استمرار لتلك الأحداث التي شهدتها روسيا في محاولة لأضعاف قوتها»!
وحذر قاديروف في مقابلة مع قناة تلفزيونية فيدرالية روسية بثت أمس، من أنه «إذا استمر الوضع هكذا فسوف يكون على روسيا أن تستخدم القوة العسكرية للدفاع عن نفسها»، مذكرا بأنه تمرس على فنون القتال خلال الحرب الشيشانية ومستعد للعودة إلى حمل السلاح، وقال: «جئت إلى السياسة من الحرب، والمهمة القريبة إلى قلبي هي الحرب دفاعا عن الشعب والدولة، وأنا جاهز لتلبية أي أوامر تصدر عن القائد الأعلى للجيش (الرئيس) مهما كانت درجة صعوبتها».
لا يترك الزعيم الشيشاني الذي يوصف في الصحافة الروسية بأنه «الابن المدلل» للرئيس فلاديمير بوتين، فرصة تمر من دون أن يعلن ولاءه في شكل مبالغ فيه غالبا. وفي هذه المرة كان حازما كعادته في إعلان استعداده لتنفيذ أي أوامر يصدرها الرئيس. وهو أضاف: «الشباب جاهزون (وحدات المقاتلين الشيشان التابعة له) وأعتقد أن الوقت حان لنتخلى جميعا عن مناصبنا... الجنرالات ورؤساء الأقاليم والمقاطعات وأن نتقدم الصفوف»، موضحا أنه «يوجد الآن في سوريا وحدات شيشانية تتولى المحافظة على الأمن في بعض المناطق، ومستعدون لإرسال كتائب ووحدات جديدة ومستعد أن أكون على رأسها».
وأكد أن الحرب المقبلة ستكون للدفاع عن سيادة روسيا، و«لقد مررنا بكل ذلك (الحرب) راكمنا تجربة كبيرة، لذلك علينا أن نكون في المقدمة». مضيفا أنه «يفخر بأن جزءا كبيرا من المسؤولية في الحرب على الإرهاب في سوريا ملقاة على كاهلنا (الشيشانيين)».
وقاديروف الذي يتهمه الغرب بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في الشيشان، وورد اسمه على «لائحة ماغنيتسكي» الأميركية بين 49 مسؤولا روسيا متهمين بانتهاكات حقوقية، لم يفته أن يفرض من جانبه عقوبات على القادة الغربيين تزامنت مع ردود الفعل الروسية الغاضبة على الضربة الغربية الأخيرة على سوريا، فهو أبلغ وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية أن «دونالد ترمب وأنجيلا ميركل وغيرهما من قادة الغرب إذا جاءوا إلى الشيشان سيتم اعتقالهم فورا وزجهم في السجن». كما هدد بـ«مصادرة أرصدة القادة الغربيين المصرفية إن وجدت في الجمهورية الشيشانية».
وتحولت تصريحات الرئيس الشيشاني النارية إلى مادة واسعة الانتشار في وسائل الإعلام الروسية، فهو يتدخل في كل شؤون السياسة الداخلية أو الخارجية، ولا يترك مجالا إلا ويعلن رأيا فيه، يسير على هوى الكرملين في الغالب. وعندما اشتدت المواجهة الكلامية مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وجه قاديروف إليه رسالة مفتوحة نصحه فيها بأن «يترفع عن الصغائر وأن يفكر مع روسيا في بناء مستقبل البشرية». وعندما وقعت الأزمة الروسية التركية بعد إسقاط الطائرة الروسية في 2015 شن قاديروف حملة شعواء على أنقرة، وقال إنها «لا تقاتل الإرهاب بل تتعامل معه وتساعد على تدمير الشعوب والدول الإسلامية»، لكنه عاد بعد الصلح مع تركيا إلى تخفيف لهجته حيالها.
وعرض يوما على بريطانيا المساعدة في مكافحة الإرهاب، وأكد أن لدى الشيشان خبرة واسعة في هذا الأمر على الدول العظمى أن تستفيد منها.
وفي حادثة نادرة تخالف توجهات الكرملين، دب الحماس بالرئيس الشيشاني يوما بسبب المشاهد المروعة لاستهداف المسلمين في ميانمار فأعلن أنه مستعد للتوجه على رأس جيش لمحاربة السلطات هناك، وأكد أنه «لو أيدت روسيا هؤلاء الشياطين لعارضتها علنا»، لكن هذه العبارات الحماسية سرعان ما ذابت عندما اتضح أن موسكو وثقت تعاونا عسكريا مع ميانمار، ودافعت عنها ضد «الهجمة الغربية».
وأعلن الكرملين على لسان الناطق باسمه ديمتري بيسكوف في وقت لاحق أن «الرئيس الشيشاني لم يقصد كلماته حرفيا».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.