الإمارات العربية المتحدة تولي اهتماما متزايدا بالتعليم المهني

المعهد الوطني يهدف إلى إمداد الطلبة بالمهارات والتهيؤ للمستوى الدولي

أكثر من 20 ألف طالب يلتحقون بالمعهد الوطني للتعليم المهني في دبي (نيويورك تايمز)
أكثر من 20 ألف طالب يلتحقون بالمعهد الوطني للتعليم المهني في دبي (نيويورك تايمز)
TT

الإمارات العربية المتحدة تولي اهتماما متزايدا بالتعليم المهني

أكثر من 20 ألف طالب يلتحقون بالمعهد الوطني للتعليم المهني في دبي (نيويورك تايمز)
أكثر من 20 ألف طالب يلتحقون بالمعهد الوطني للتعليم المهني في دبي (نيويورك تايمز)

تعني مواصلة الدراسة بعد الحصول على شهادة الثانوية العامة بالنسبة لمصعب المعماري خوض غمار تجربة جديدة في مجال غير تقليدي.
يقول المعماري، البالغ من العمر 20 عاما، والذي يدرس بكلية الهندسة في الإمارات العربية المتحدة: «يعمل جميع أعضاء عائلتي من الذكور في الشرطة أو في الجيش، ولهذا فقد قررت تغيير هذا المسار، فأنا لا أريد السير على منوالهم، أنا أريد المزيد، أريد العمل في وظيفة من نوع مختلف».
غير أنه، وبدلا من الالتحاق بالجامعة، فقد سجل المعماري اسمه في برنامج لتدريس الهندسة العملية يوفره المعهد الوطني للتعليم المهني في دبي. يعلق المعماري على ذلك الاختيار بقوله: «أريد أن أعرف إذا ما كنت أتمتع بالمهارات الحقيقية التي تؤهلني للحصول على وظيفة، ليس ذلك فحسب، بل أكون جديرا بالحصول على تلك الوظيفة، ولهذا قررت الالتحاق بالمعهد الوطني للتدريب المهني».
ويوفر المعهد، الذي أُنشئ في عام 2006. مجموعة من الدورات التعليمية لمدة عام أو عامين، والتي تهدف إلى إمداد خريجي الجامعات بالمهارات والمؤهلات العملية وتجهيزهم لمواصلة التعليم العالي على المستوى الدولي إذا ما قرروا خوض تلك التجربة.
ويتجه كثير من الطلبة الإماراتيين إلى البحث عن وظائف في الجيش أو الشرطة، مما يجعل نسبة الطلبة الذكور في الجامعات تصل فقط إلى 30%.
وفي السياق ذاته، وحسب تقرير حديث صدر عن المجموعة البحثية المستقلة «المجلس الدولي للأمن والتنمية (ICOS)» ودراسة مستقلة أجرها البنك الأهلي التجاري في المملكة العربية السعودية، بلغت معدلات البطالة بين الإماراتيين نحو 12%. كما أشارت دراسة أعدها المكتب الاستشاري العالمي «ديلويت» إلى أنه رغم توفر الوظائف وفرص العمل، تبقى مشكلة أن الطلبة المتخرجين ربما لا يملكون المهارات الضرورية اللازمة للالتحاق بتلك الوظائف.
يقول إيمانويل دورو، مدير استشاري بـ«ديلويت الشرق الأوسط»: «في الوقت الذي روجت الإمارات العربية المتحدة مفهوم أنها المحور التعليمي الأهم في المنطقة، ما زالت هناك فجوات كبيرة بخصوص العرض والطلب في مجال القوى العاملة اللازمة لعدد من الصناعات، من بينها مجالا الطاقة والرعاية الصحية». والأمل معقود على دراسات التعليم المهني التي ربما تساعد في سد تلك الفجوة.
خلال محادثة هاتفية أُجريت معه، يقول ناجي المهدي، مدير المعهد الوطني للتعليم المهني: «يتبادر إلى ذهن المرء سؤال مهم عند مناقشة قضية التسرب من التعليم، وهو لماذا يتسرب البعض من التعليم؟ والإجابة هي أن نظام التعليم الخاص بنا ربما لا يقدم نفسه بشكل جيد وجذاب للطلبة، ولهذا السبب يبدو التعليم المهني في غاية الأهمية لأنه يوفر للطلبة حرية كبيرة في الاختيار وبالتالي فرصا أكبر للنجاح».
وقد فتحت المزيد من المؤسسات التي توفر دراسات التعليم المهني أبوابها على مدار العامين الماضيين. فقد أنشأ مجلس أبوظبي التنفيذي في عام 2010 مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني، كما سيفتتح تسع مدارس، أربع منها جاهزة بالفعل لبدء العمل، لنفس الغرض بنهاية العام الحالي.
وتشير ليلى حتيت، التي تعمل استشارية تعليم بشركة الاستشارات الإدارية «بوز آند كومباني» في الإمارات العربية المتحدة، إلى أنه رغم ذلك «لم يحصل مجال التعليم المهني والفني على نصيبه العادل من سوق التعليم في الإمارات العربية المتحدة».
وتضيف حتيت أنه في دول أخرى، مثل فنلندا على سبيل المثال، يختار 50% من الطلبة الذين يلتحقون بالمرحلة الثانوية أن يدرسوا شكلا من أشكال التعليم الفني والمهني. ومعروف تاريخيا أن الإماراتيين كانوا يعملون بمجال التجارة ولديهم إرث من تقاليد المهارات العملية التي تتماشى مع تجارة السفر بالبحر.
تقول ناتشا ريدج، المدير التنفيذي لمؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة إن «الكثير من الصبية الإماراتيين لديهم رغبة كبيرة للعمل في حرفة النجارة، فهناك تاريخ كبير في الخليج فيما يخص العمل في مجال المصنوعات الخشبية والحرف الأخرى، لكن للأسف افتقدنا كثيرا من تلك الحرف التي تتميز بالمهارة».
وتضيف ريدج أن «التعليم المهني سوف يمثل فرصة عظيمة للإماراتيين لإحياء ذلك الإرث من التقاليد، وربما يساعدهم أيضا في تأسيس الأعمال الخاصة بهم في المجالات التي يرغبونها، ويحفزهم كذلك على الخوض في ريادة الأعمال وابتكار مجالات عمل جديدة».
وقد انتشر الميل تجاه التدريب المهني على طول وعرض الإمارات ووصل إلى جميع مستويات التعليم، حيث جرى افتتاح مدرستي تعليم ثانوي فني في إمارة عجمان في شهر أغسطس (آب). وقد قبل معهد التكنولوجيا التطبيقية بمجمع عجمان التقني بالفعل 250 طالب من طلاب الصف الثامن، وخصص قاعات دراسية في حرمين منفصلين، أحدهما للذكور والآخر للإناث. ومع افتتاح هاتين المدرستين وصل العدد الإجمالي للمدارس الثانوية الفنية في الإمارات إلى تسع مدارس. غير أن غالبية مناهج التعليم الفني والمهني تُوفر لمستوى ما بعد المرحلة الثانوية.
وتضم كليات التقنية العليا، التي أُنشئت قبل 25 عاما، نحو 20.000 طالب يدرسون في 17 حرما جامعيا، مما يجعلها مؤسسة التعليم العالي الأكبر في الإمارات. بيد أن الاتجاه مؤخرا لرفع معايير قبول الطلبة أدى إلى انخفاض حاد في أعداد الطلبة الجدد، حيث انخفض العدد من 8.000 طالب في عام 2010 إلى أكثر بقليل من 4.200 في العام الماضي، حسب تقرير أعدته مجموعة أكسفورد الاستشارية العام الجاري. وقد زاد عدد الطلاب الجدد المقبولين هذا العام إلى 5.479 طالب.
لكن ناجي المهدي، مدير المعهد الوطني للتعليم المهني، يقول: إنه في مجتمعاتنا «هناك ما يمكن أن نسميه وصمة عار مرتبطة بالتعليم المهني، وهي أن الناس ينظرون إليه على أنه خيار بديل إذا لم يتسن للطالب الحصول على الدرجات العالية التي تؤهله للالتحاق بالجامعة. بيد أنه يتوجب علينا أن نوضح أن التعليم المهني يحتل مكانة مهمة بين مجالات التعليم الأخرى، فتنوع الخيارات هو ما سوف يؤدي إلى تقوية اقتصاد بلادنا».
ولهذه الغاية، جرى إنشاء الهيئة الوطنية للمؤهلات في عام 2010 كجهاز فيدرالي لوضع الخطوط العريضة والمبادئ التوجيهية للمعايير الأكاديمية الوطنية في جميع مستويات التعليم في الإمارات.
وفي غضون ذلك، تقوم كليات التقنية العليا بتحديث عروضها من مناهج التعليم حتى تصبح أكثر جذبا للطلبة. يقول سام شو، مساعد نائب رئيس إحدى اللجان في المؤسسة: «نقدم برامج جديدة، مثل الدبلومة التطبيقية في مجال تجارة التجزئة، حتى نوفر للطلبة المزيد من الخيارات».
تضيف ناتشا ريدج، المدير التنفيذي لمؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة: «أعتقد أن الشباب الإماراتي لم تتوفر له بعد الخلفية كافية بماهية التعليم الفني، وأعتقد أنهم بالتأكيد لن يلتحقوا به إذا ما صُور لهم على أنه بديل للتعليم الجامعي يجري تشجيع الطلبة الأقل من حيث القدرات الأكاديمية على الالتحاق به».. غير أنها تضيف أن «الدفعة الكبيرة التي جرى توفيرها مؤخرا لهذا المجال من التعليم، والتي تزايدت على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة، لم تغير كثيرا من مشهد التعليم في الإمارات العربية المتحدة، لكنها تبقى مجرد بداية».
* خدمة «نيويورك تايمز»



«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».