أزمة نقدية في السودان... وقضية الرواتب تتخطى الدبلوماسيين

ارتفاع جنوني في الأسعار والبنك المركزي يحدد سقفاً للسحب من البنوك... وشح في العملات الصعبة

TT

أزمة نقدية في السودان... وقضية الرواتب تتخطى الدبلوماسيين

إلى أين تتجه الأمور في السودان؟ سؤال بدأ يتردد على شفاه المواطنين المحاطين بسلسلة أزمات تمتد من الرواتب إلى شح السيولة النقدية، وانعدام المحروقات، وجنون الأسعار الذي بات بلا أفق.
وتفاقمت الأزمة المعيشية والاقتصادية في السودان، وزادت حدتها خلال الأشهر المنصرمة من العام الجاري، وبلغت ذروتها بشكوى وزير الخارجية السابق إبراهيم غندور للبرلمان، من فشل الحكومة في تسديد مستحقات الدبلوماسيين، وإيجارات سفارات السودان في الخارج لسبعة أشهر متتالية.
فبعد أقل من يومين من شكواه، أصدر الرئيس عمر البشير قراراً رئاسياً «مقتضباً» أقال بموجبه وزير الخارجية دون إبداء أسباب؛ لكن تكهنات وتحليلات صحافية موالية للحكومة أرجعت الإقالة إلى أن الوزير «كشف للعالم والناس إفلاس الحكومة»، فيما أكدت تقارير أخرى مناوئة أن الغندور لم يفعل أكثر من كشف ما يعيشه الناس، بإزاحة ستار السرية ونقله للعلن.
الدبلوماسيون ليسوا وحدهم من تأخرت رواتبهم، فالمعلمون في الخرطوم نظموا وقفة احتجاجية على تأخير صرف مرتباتهم في 12 أبريل (نيسان) الجاري، وقالت لجنة المعلمين في بيان، إن الرواتب على قلتها وعدم كفايتها تأخر صرفها لأكثر من 45 يوماً، ومثلهم معلمون في ولايات أخرى من البلاد.
وعاد بنك السودان للاعتراف ضمناً بوجود أزمة رواتب، للدبلوماسيين في الخارج، بعد تكذيبها أول من أمس. وأكد البنك أنه يعمل حالياً على مراجعة متأخرات وزاره الخارجية، التي قدرها بـ29 مليون دولار من ميزانيتها، في الوقت الذي قدر فيه الوزير المقال العجز بنحو 30 مليون دولار.
وبجانب أزمة الرواتب، تشهد البلاد أيضاً أزمات كبيرة في المحروقات وغاز الطهي، فمنذ فترة تقارب الشهر، يعاني المواطنون من انعدام غاز الطهي، فيما تتراص في صفوف طويلة مئات السيارات والشاحنات والناقلات في محطات الخدمة، للحصول على حصتها من الوقود. بل وتكررت أزمة المحروقات مرتين خلال شهر، على الرغم من الإنكار الرسمي لوجودها، فبعد أن انفرجت الأزمة في العاصمة الخرطوم الأسبوع الماضي، عادت للتفاقم مجدداً، بينما تشكو معظم ولايات البلاد من انعدام كلي لوقود الديزل والبنزين، ويباع في بعضها بالسوق السوداء بأسعار خيالية بلغت 250 جنيهاً للجالون، وسعره الرسمي 26 جنيهاً، فيما تخشى الولايات الزراعية من خسائر في الموسم الزراعي بسبب ندرة الوقود.
لمواجهة أزمات صرف الرواتب والمعيشة، اضطرت الحكومة السودانية لاتخاذ إجراءات تقشفية عنيفة، ترتب عليها تدهور مريع في سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وانعكس على أسعار السلع الغذائية الرئيسية، إذ بلغ سعر قطعة الخبز الواحدة جنيهاً بعد أن كان سعرها نصف جنيه، وارتفع سعر سلعة السكر الاستراتيجية 26 جنيهاً للكيلوغرام الواحد، بعد أن كان سعره لا يتجاوز 14 جنيهاً، وتنطبق هذه الزيادات على السلع الأخرى كافة.
وأثار هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار غضباً شعبياً واسعاً، نتجت عنه الاحتجاجات الشهيرة مطلع العام الجاري، التي عرفت باحتجاجات الخبز؛ لكن السلطات واجهتها بعنف لافت، وألقت القبض على مئات النشطاء والقادة السياسيين، ثم أفرجت عنهم بقرار رئاسي مطلع الشهر الجاري؛ لكن أسباب الاحتجاج والتظاهر لا تزال تتفاقم في البلاد؛ بل إن موجة سخرية لافتة من القرارات الحكومية احتلت وسائط التواصل الاجتماعي وأحاديث الناس؛ لكن اندلاع احتجاجات جديدة متوقع في كل لحظة.
وكانت لجنة رئاسية مكونة من محافظ بنك السودان ووزراء القطاع الاقتصادي، قد اتخذت في فبراير (شباط) الماضي، قرارات لمواجهة الارتفاع الحاد في أسعار السلع، ولوقف تدهور سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، عن طريق امتصاص السيولة وتحجيم الكتلة النقدية المتداولة خارج الجهاز المصرفي.
وتنفيذاً لتلك القرارات، وجه بنك السودان المركزي البنوك العاملة في البلاد «سراً» بتحديد حجم السحب من حسابات العملاء، وشنت الأجهزة الأمنية حملة واسعة على تجار العملات في السوق الموازية، بهدف وقف تدهور سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، إذ بلغ أدنى مستوياته في التاريخ، فقد كان يباع وقتها بسعر 45 جنيها للدولار الواحد، واضطر إلى رفع السعر الرسمي للدولار من 18 إلى 28 جنيهاً.
وخلقت تلك القرارات أزمة سيولة حادة في البلاد، بيد أنها أوقفت جزئياً تدهور سعر العملة الوطنية، فارتفع سعر صرف الجنيه إلى 34 جنيهاً للدولار، بعد أن كان 45 جنيهاً. لكن متعاملين في النقد الأجنبي ومحللين يقولون إن سعر صرف الجنيه ارتفع؛ لكنه ارتفاع غير حقيقي، وإن سعر الصرف سيعود للارتفاع مجدداً متى ما رفعت قيود السحب من حسابات المتعاملين مع البنوك.
الحكومة رغم الأزمة التي أثرت في كل حياة الناس، لا تعترف علناً بعجزها عن مواجهة التردي الاقتصادي، ولا تتجه إلى أسبابه الفعلية بحسب محللين، ولهذا كذب بنك السودان وزير الخارجية ببيان صدر مطلع هذا الأسبوع وقال إنه سدد ما قيمته 92 في المائة من مطالبات وزارة الخارجية؛ لكن تقارير صحافية نشرت في الصحف المحلية ذكرت أمس أن الرئاسة في اجتماع مع محافظ بنك السودان حازم عبد القادر، ووزير الخارجية المكلف محمد عبد الله إدريس، دعت لمراجعة متأخرات وزاره الخارجية، واعترفت بعد يوم واحد من تكذيب الوزير، بعجز قدره 29 مليون دولار من ميزانية الخارجية، في الوقت الذي قدر فيه الوزير المقال العجز بنحو 30 مليون دولار.
ونقلت صحيفة «الأخبار» المستقلة أمس، أن بنك السودان بعد أن راجع الحسابات المشتركة بشأن ميزانيه الخارجية، أعلن التزامه أمام رئاسة الجمهورية بالبدء فوراً في سداد متأخرات الخارجية، وبالفعل شرع في سداد الدفعة الأولى منذ الخميس الماضي.
ويقول الخبراء إن أزمة الاقتصاد السوداني ذات الطبيعة الهيكلية، أطلت بعد انفصال جنوب السودان، وذهاب البترول جنوباً، وفقدانه لأكثر من 80 في المائة من إيراداته النفطية، و90 في المائة من مصادر عائداته من العملات الأجنبية.
ودرجت الحكومة على إرجاع تعثر الاقتصاد إلى العقوبات الأميركية المفروضة على البلاد؛ لكن بعد قرار الرئيس دونالد ترمب برفعها كلياً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، برزت أزمة الاقتصاد بشكل لافت، وفقدت الخرطوم «شماعة» كانت تعلق عليها إخفاقها الاقتصادي.
وأدت سياسة تحجيم الكتلة النقدية إلى شح لافت في السيولة، ويلاحظ المراقب تكدس أعداد كبيرة من المواطنين أمام البنوك وداخلها، محاولين سحب أموالهم؛ لكن البنوك ترفض تجاوز السقف غير المعلن للسحب في حدود 2000 جنيه يومياً على وجه التقريب، كل هذا والبنك المركزي ينفي إصدار منشور بتحجيم السيولة، وتسبب انعدام السيولة في نشوء «تجارة الشيكات»، وتُسيل فيها الشيكات من قبل تجار بنسبة تقارب 10 في المائة من قيمة الشيك.
ودفعت سياسة امتصاص السيولة ووقف السحب عدداً كبيراً من المواطنين إلى محاولة سحب أموالهم، وتحويل أرصدتهم إلى عملات أجنبية، فيما أصرت البنوك على تحجيم حتى السحب من ماكينات الصرف الآلي، ويلاحظ المراقب صفوفاً متراصة من المواطنين حول تلك الآلات التي توجد بها نقود، وهو ما دفع مصدر مصرفي للقول إن 90 في المائة من أموال المودعين ستصبح خارج البنوك إذا فتح باب السحب؛ بل ويقول مراقبون إن «تجارة وتصنيع الخزن» لقيت رواجاً كبيراً في الأسواق خلال الفترة الماضية، فالكل يريد حفظ أمواله السائلة بخزينة داخل منزله بدلاً من إيداعها البنوك.
ونتيجة لتلك السياسات ارتفع معدل التضخم في البلاد إلى 55.6 في المائة، في مارس (آذار) الماضي، بعد أن كان في حدود 54.34 في المائة في فبراير، وفقاً لتقارير الجهاز المركزي للإحصاء، على الرغم من أن السياسات كانت تهدف لخفض التضخم إلى 19.5 في المائة بنهاية عام 2018، بما ينعكس في ارتفاع متواصل في أسعار السلع، وتدهور في سعر صرف الجنيه، دون أفق واضح لحل ناجز.
ولم يعد أمام المواطنين خيار سوى مواجهة ما يشهدونه ولا يملكون له تغييراً من تردٍ في معاشهم ومعيشتهم، سوى اللجوء إلى السخرية والطرفة. تقول ربة منزل إنها درجت على السؤال بشكل يومي عن سعر أي سلعة تنوي أن تشتريها من المتجر القريب؛ «لأن الأسعار تتغير بشكل يومي».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.