الموسيقى والسياسة

الأغاني لعبت دوراً مهماً خلال ثلاث حقب اعتباراً من ستينات القرن الماضي

روجر ووتر صاحب أغنية «الجدار»
روجر ووتر صاحب أغنية «الجدار»
TT

الموسيقى والسياسة

روجر ووتر صاحب أغنية «الجدار»
روجر ووتر صاحب أغنية «الجدار»

قال الفيلسوف الألماني الشهير «نيتشه» في نهاية القرن التاسع عشر إن الحياة بلا موسيقى تفقد من قيمتها الكثير، فهي بالنسبة له غذاء روحي وفكري في آن واحد، فأنغامها ساهمت في توليد أفكار كثيرة له نتفق مع بعضها ونختلف مع كثير منها أيضاً، وذلك على الرغم من أن الخيط أو الحدود الفاصلة بين الموسيقى والفكر لم تكن واضحة على الإطلاق في عهده، فلقد كان التطور الأكبر للموسيقى مع الغناء في القرن العشرين فأصبحت الأغنية صناعة كاملة الأركان، بل سلعة تخضع للعرض والطلب وتعلو عنهما بالذوق، الذي يختلف من شخص لآخر ومجتمع لآخر بطبيعة الحال.
ولكن واقع الأمر أن الموسيقى لعبت دوراً سياسياً هاماً خلال ثلاث حقب اعتباراً من ستينات القرن الماضي، خاصة مع ظهور تيار ما عُرف «بالروك» الشهير والذي خرج عن النطاق التقليدي لتيارات ومدارس الموسيقى المختلفة على رأسها «البلوز» و«الجاز» و«البوب» وغيرها. وقد بدأ هذا النوع من الموسيقى والغناء على خلفية ظهور فرقة «البيتلز» الشهيرة في بريطانيا، التي غيرت بشكل كبير إيقاع العزف والكلمات معاً فأصبح لهما من المعاني السياسية ما لهما.
حتى أنه في أوج الحرب الباردة سافر هذا الفريق إلى روسيا وكان له جمهوره بالملايين في كل أنحاء العالم، وبالفعل اقتفت الكثير من الفرق أثر هذا الفريق وطورت الأنغام والكلمات، خاصة في بريطانيا حيث تم تدشين تيار «الروك» ومنها انتشر إلى باقي أنحاء العالم. وقد تميز الأداء الموسيقي بارتفاع وتيرة النغمة وسرعتها، خاصة مع الاستخدام الثقيل للغيتار والذي وضع تقليداً موسيقياً جديداً وصل لأفق ميزها ما هو معروف بتيار الـ«هيفي ميتل» إلى اليوم. ونظراً لطبيعة هذا التيار الموسيقي فإنه لم يلق تقديراً أو فهماً كبيراً في العالم العربي في مطلعه - بل وحتى الآن - لاختلافه الملحوظ عن الأداء المرتبط بثقافتنا الموسيقية الشرقية، وزاد من هذه الهوة الأشكال المتواضعة بل المُستغربة لبعض الفرق وشذوذ بعضها عن المقبول فكرياً. ولكن حقيقة الأمر أن صخب هذه الفرق لم يمنع من قيام الكثير منها بحمل فكر سياسي وثقافي جديد في أنغامها، فأصبح هذا التيار يحمل في طياته نواة رؤية سياسية ليبرالية عميقة تتجاوز في انتشارها الكثير من الكتب والمقالات، لأنها تخاطب العامة من خلال الوجدان والتذوق والعقل معاً. لقد مرت على هذه الأفكار وأنا أشاهد منذ سنوات حفلاً للموسيقي البريطاني العبقري «روجر ووترز»، الذي أسس فريق «بينك فلويد» الشهير، خاصة وهو يغني ألبوم الفرقة «الحائط The Wall» ويضع على خلفيته حائط الفصل الإسرائيلي وينتقده، فهو من أكثر المؤيدين للقضية الفلسطينية، كما أنني تذكرت خلال هذه الحفلة أيضاً دوره السياسي العظيم في معارضة «حرب الفوكلاند» وانتقاداته اللاذعة لرئيسة الوزراء «ثاتشر» آنذاك، وهو يغني لها «ماجي ماجي ماذا فعلنا لنستحق هذا»، بل إنه بدأ إحدى فقرات الألبوم «القطع الأخير» يقول «برجينيف أخذ أفغانستان وبيغن أخذ بيروت وجالتيري (رئيس الأرجنتين) أخذ العلم البريطاني» ثم يطالب بعد ذلك بوضعهم جميعاً مع شخصيات سياسية أخرى في مستشفى للأمراض العقلية ليبعد ضرر فكرهم عن المجتمعات لحين التخلص منهم. وينهى ألبومه بجملة يقول فيها: «رماد أو ماس، عدو أو صديق فسنصبح سواسية في النهاية».
وقد كان وقع هذا الألبوم قوياً للغاية لحشد المعارضة على رئيسة الوزراء البريطانية وتبصير العالم بضرورة التوصل لتسوية للمشكلات السياسية عبر الحوار والتفاوض.
كذلك فإن نموذجاً آخر تبادر لذهني للمؤلف والموسيقي «نيل بيرت» المنتمي للفريق الكندي «رش»، فعلى الرغم من انتماء هذه الفرقة لتيار «الروك المتطور»، فإن أغلبية ألبوماتهم تمثل في حقيقة الأمر مفاهيم فكرية قوية وعميقة مرتبطة بشكل مباشر بكون كاتب الكلمات أديباً تحصل كتبه على أعلى مبيعات، ولا أخفي تأثري الشديد بهذه الشخصية منذ أن كنت شاباً سواء على المستوى الأدبي أو الموسيقي أو السياسي أو اللغوي مع اختلافي مع بعض جوانب فكره، ولعل من أعظم البواماته «لوحات متحركة» عام 1981، الذي تضمن أغنية تنتقد التسلط الفكري والقائمين عليه في المجتمعات فتصفهم «بأنهم سريعو الحكم والغضب، بطيئو الفهم، تمشي معهم أيادي الجهل والإجحاف والخوف متعانقة»، كما أن ألبوم الفرقة الشهير «تمسك بشعلتك» يعكس في كثير من أغانيه مُثلاً سياسية وفكرية عليا للتطور ومجاراة الزمن والتقرب إلى إنسانيتنا.
وهكذا صارت الموسيقى أداة فنية وسياسية دولية، تعبر الحدود وتربط بين قطاعات من المجتمعات لا علاقة لبعضهم ببعض، فتنقل لهم الفكر والترفيه والتذوق في بوتقة واحدة يسهل على الإنسان البسيط اعتناقها، فالموسيقى لا حدود لها ولا تقف على أبواب المجتمعات بل تعلو على الحواجز، ولهذا نجد الرئيس الأميركي «أوباما» يحضر حفلاً خاصا في عيد الميلاد منذ ما يقرب من سبع سنوات يستمع فيها للأغنية الكورية الشهيرة «جانجام ستايل» والرقصة الغريبة المصاحبة لها، فيتمايل بجسده ومع مساعديه ووزرائه تفاعلاً معها دون فهم كلمة واحدة منها، تماماً مثلما أتوقع أن يكون الفيلسوف الألماني «نيتشه» في الوقت نفسه كان يتلوى في قبره من صخب وتفاهة الأغنية.



البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
TT

البازعي: «جائزة القلم الذهبي» متفردة... وتربط بين الرواية والسينما

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)
د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

أعلنت «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» انتهاء المرحلة الأولى من عملية التحكيم للقائمة الطويلة التي شارك فيها 1967 مشاركاً من 49 دولة حول العالم، وبدء المرحلة الثانية للجائزة لتحديد القائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر (كانون الأول) قبل إعلان الفائزين في فبراير (شباط) المقبل.

وأكد الدكتور سعد البازعي، رئيس الجائزة خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين في الرياض، أن أرقام المشاركات التي تلقتها اللجنة مبشّرة وتعطي سمة عالمية من حيث عدد الدول التي جاءت منها المشاركات، مبيناً أن «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» تربط بين الرواية والسينما، وهو أمر لم نعتد على رؤيته من قبل، على حد تعبيره.

د. سعد البازعي رئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» (الشرق الأوسط)

وكانت هيئة الترفيه السعودية أطلقت في سبتمبر (أيلول) الماضي «جائزة القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً»، التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر قابلية للتّحويل أعمالاً سينمائية، بمجموع جوائز يصل لـ740 ألف دولار، وإنتاجات سينمائية لعدد من الأعمال الفائزة.

وعدّ المستشار تركي آل الشيخ، حينها، الجائزة فرصة لظهور جيل جديد من الكتاب باللغة العربية، والمساهمة في الوصول إلى بنك متكامل من الروايات والمحتوى العربي، الذي يتواكب مع الإنتاجات السعودية والعربية الضّخمة.

وأوضح البازعي في رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط» بأن الجائزة قد تدعم مستقبلاً ترجمة أعمال عربية إلى لغات أخرى، دعماً للأدب العربي، وقال: «إذا كان هناك حضور للأدب العربي عالمياً لا يمكن أن يكون إلا من خلال الترجمة، وتحويله عملاً سينمائياً وترجمته، الأعمال السينمائية والروائية التي حققت قدراً من العالمية كانت مترجمة، نحن في حاجة إلى دعم الأدب العربي بالتأكيد، وأعتقد أن الترجمة مهمة ويُحمَد للجائزة أنها تدعم الترجمة، وربما في المستقبل ندعم ترجمة الأعمال العربية إلى لغات أخرى، هذا قد يكون من التطورات المطلوبة التي أتمنى أن تحصل».

المستشار تركي آل الشيخ يتحدث خلال المؤتمر الصحافي للجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

انتهاء المرحلة الأولى

استهل الدكتور سعد حديثه بإعطاء لمحة عن مراحل الجائزة الأساسية التي بدأت في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأضاف: «الجائزة أنهت المرحلة الأولى من التحكيم التي انتهت من القائمة الطويلة كما هو معلن، وبدأت المرحلة الثانية والعمل على القائمة الطويلة للخروج بالقائمة القصيرة بحلول 30 ديسمبر، ومن ثم إعلان الفائزين في فبراير المقبل».

انتهت المرحلة الأولى للتحكيم على أن تبدأ مرحلة اختيار القائمة القصيرة قبل إعلان الفائزين فبراير المقبل (جائزة القلم الذهبي)

جائزة متفردة

ذكر رئيس جائزة القلم الذهبي مزايا عدة للجائزة تجعل منها متفردة وتصل للعالمية، من أبرزها التأكيد على الشفافية، وتوخي الحياد في التحكيم، إلى جانب السماح للأفراد بالمشاركة، ودعم العلاقة بين الرواية والسينما.

وفنَّد ذلك بقوله: «الأعمال تُرسَل رقمياً لكل المحكمين ولا يعرفون مَن هو مؤلف العمل، كذلك من المسائل التي اختلفت بها الجائزة عن غيرها أنها تسمح للأفراد بتقديم أعمالهم، والأكثر تفرداً للجائزة أنها تدعم العلاقة بين الرواية والسينما، حيث تكافئ الأعمال الكبرى بأربع جوائز تحولها أفلاماً سينمائية، اثنتان رواية واثنتان سيناريو».

د. سعد البازعي رئيس الجائزة يستعرض تفاصيلها خلال إطلاق الجائزة سبتمبر الماضي (هيئة الترفيه)

وعدّ البازعي قيمة الجائزة الكبيرة المقدرة بـ740 ألف دولار بأنه ليس الرقم النهائي، حيث يتطلب تحويل الأعمال الفائزة أفلاماً سينمائية إلى ملايين، وقال: «الهيئة العامة للترفية التزمت بتحويل هذه الأعمال أفلاماً سينمائية، بما في ذلك من تكلفة إضافية ستجعل من الجائزة الأعلى من نوعها بالمطلق». وتابع: «نحن أمام تكريم نوعين بينهما علاقة وثيقة لم نعتد رؤية جائزة تربط بينهما الرواية والسينما، وهذا فيه خدمة كبيرة لصناعة السينما السعودية، التي ظل صناعها يشتكون من قلة النصوص لسنوات طويلة، الآن نتمنى أن تتوفر لأن من شروط قبول الرواية أن تكون صالحة لتحويلها فيلماً».

1969 مشاركة من 49 دولة

الأرقام التي وصلت للجائزة - بحسب الدكتور سعد البازعي - بلغت 1967 مشاركة من 49 دولة، يضيف بقوله: «هذه سمة عالمية للجائزة، نحن أمام جائزة عالمية بمعنى الكلمة، هناك مشاركات من أميركا، أستراليا، الأردن، السعودية وغيرها». تصنيفات الجائزة تشير إلى أن عدد المشاركين الذكور بلغ 69.7 في المائة، في حين حظيت مشاركة الإناث بنحو 30 في المائة، وشاركت 1347 رواية أصلية، 508 روايات مترجمة، إلى جانب 93 عمل سيناريو. وأشار البازعي كذلك إلى أن هنالك جوائز أخرى لم تفز بالجوائز الكبرى، لكنها تفوز بالتصنيف، مثل الكوميديا، الرعب، التشويق، الروايات التاريخية، الرومانسية، الغموض والجريمة، التشويق والإثارة، الفنتازيا، والواقعية.

القائمة الطويلة

أوضح رئيس لجنة القلم الذهبي أن اللجان فرزت نحو 2000 عمل للقائمة الطويلة، حيث تم اختيار 30 رواية، 7 روايات مترجمة، 10 أعمال سيناريو، بالإجمالي 47 عملاً. وأضاف: «معظم النصوص التي أُرسِلت لا علاقة لها بالسرد أو الرواية، وكان على اللجنة الاحتفاظ بالأعمال الجديرة، وأن يكون لها ترقيم دولي، وحقوق نشر، وإذا كانت مترجمة فحقوق ترجمة، كذلك كان على اللجنة مواجهة احتمالات التلاعب، سواء إدخال عمل لا يستحق أو الرقم الدولي غير صحيح، وعملية التأكد هذه أخذت وقتاً وجهداً».

القائمة الطويلة شملت 47 عملاً بين رواية ورواية مترجمة وسيناريو (جائزة القلم الذهبي)

القائمة القصيرة

سيتعين على لجنة التحكيم خلال الفترة المقبلة العمل على تحديد القائمة القصيرة من الأعمال التي تم اختيارها وعدد 47 عملاً، وفقاً للدكتور البازعي، الذي أوضح أن العدد لم يحدد بعد، ويعتمد ذلك على متغيرات كثيرة، منها عدد الأعمال الجيدة التي سيتم اختيارها، على حد تعبيره. وقال: «لو كان عدد الأعمال الجيدة 20 عملاً مثلاً، سنرفع عدد القائمة وتصبح قائمة طويلة، هناك مرونة». وتضم لجنة تحكيم «جائزة القلم الذهبي» روائيين ونقاداً ومخرجين وكتاب سينما، إلى جانب منتجين؛ وهو ما يجعلها قادرة على التعامل مع مختلف الأعمال المشاركة بشكل احترافي وشفاف، وفقاً للدكتور سعد البازعي. وفي رده على سؤال بشأن أبرز التحديات التي واجهت اللجان، أشار البازعي إلى أن ورود أعمال لا علاقة لها بالجائزة، وحدوث ازدواجية بين دور النشر والكتاب عبر إرسال العمل مرتين كانت من أبرز الصعوبات.

جائزة رقمية

وأكد الدكتور سعد البازعي أن «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً» تعدّ رقمية وغير ورقية، وهي الفكرة التي ابتكرها المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، وقال: «الأعمال تصل بنسخة (PDF)، وتصنف بأرقام دون ذكر اسم المؤلف ويقرأها أكثر من شخص، وفي النهاية يظهر من حصل على أكبر عدد من الترشيحات».

لأول مرة تتيح «جائزة القلم الذهبي» مشاركة الأفراد بأعمال أدبية (جائزة القلم الذهبي)

دعم صناعة السينما السعودية

ومن المتوقع أن يكون لـ«جائزة القلم الذهبي» تأثير إيجابي على المشهد الثقافي السعودي، لا سيما صناعة السينما، وفقاً للبازعي الذي أردف بقوله: «هذه الجائزة سيكون لها تأثير نوعي؛ لأنها تدعم الأدب الروائي، والأدب السينمائي، تدعم صناعة السينما، تأثيرها سيكون كبيراً، إذا أنتجت محلياً 4 أفلام رئيسة من روايات عربية معروفة هذا إنجاز كبير، الجوائز بصفة عامة تشجع الإنتاج وتحفّز الآخرين عليه».

وفي الختام، كشف الدكتور سعد، عن أن هنالك جائزةً ستكون مخصصة للجمهور ضمن القائمة الطويلة، حيث سيُفتح المجال للجمهور للتصويت، مشيراً إلى أن ذلك «فرصة للجمهور لكي يقول رأيه وجائزة مرصودة لعمل يفوز نتيجة التصويت الجمهور».

اقرأ أيضاً