رحيل فؤاد عجمي

رحيل فؤاد عجمي
TT

رحيل فؤاد عجمي

رحيل فؤاد عجمي

في أول مرة أتعرف فيها على البروفسور فؤاد عجمي كنت طالبا للدراسات العليا، وذلك عندما قرأت كتابه «المحنة العربية»، الذي ترك لدي انطباعا عميقا، إنه يجيد وصف العذابات الفكرية والسياسية والثقافية في العالم العربي التي حلت في أعقاب هزيمة عام 1967، ولا يزال دون منافس في هذا المضمار. في فترة لاحقة، عندما كنت أسعى إلى التعرف على شيعة لبنان، قرأت كتابه «الإمام المُغيّب»، الذي يدور حول الإمام الراحل موسى الصدر بقدر ما يتعلق بتاريخ عائلة البروفسور عجمي ذاته. يتميز الكتاب، مثل كثير من كتابات عجمي، بالحميمية والاطلاع العميق والأسلوب الجميل. دائما ما أنصح بقراءة هذا الكتاب وكتاباته الأخرى لطلابي. الأمر الجدير بالذكر على وجه خاص في علم البروفسور عجمي كيفية جمعه بين التاريخ السياسي والتقدير العميق للثقافة والأدب والتاريخ. كان راويا بالفطرة، إذ كان يكتب ويقدم سردا أساسيا، ولم يكن شخصا متزلفا أو متملقا في نخبة القوة الأميركية، كما وصفه البعض.

* برنارد هيكل: البروفسور عجمي.. كان رجلا رقيق المشاعر ذا علم.... تحدث كثير عن «أمراض» العرب وكل أمله أن يراهم يوما يخرجون من الأزمات السياسية التي غرقوا فيها
* قابلت البروفسور عجمي منذ خمس سنوات وسارت الأمور بيننا على ما يرام، وقد أرجع ذلك إلى أساليبنا «البلدي» القديمة. نشأت صداقتنا بفضل حقيقة أن أصولنا نحن الاثنين ترجع إلى الأقاليم اللبنانية ولا نشعر بالارتياح لأهل العاصمة المتصنعين في بيروت. كان البروفسور عجمي شيعيا من أرنون في الجنوب، وأنا ماروني من نيحا في الشمال. كنا نحن الاثنان نعتز بالولايات المتحدة التي قدمت لنا وطنا جديدا، وحررتنا من أغلال العالم القديم، ومنحتنا فرصا مذهلة.
في أول انطباع، بدا البروفسور عجمي محللا متشككا ومتشائما تجاه العالم العربي، حيث كان يتحدث عن الأمراض التي يعاني منها العرب. ولكنه انطباع خاطئ. لقد كان رجلا عطوفا يهتم كثيرا بشأن العرب – كل العرب – ويريد أن يراهم وهم يخرجون من الأزمات السياسية التي غرقوا فيها. وعلى النقيض من كثير من أبناء عصره، رفض عجمي القبول بأن المخرج هو الاشتراكية، أو، في مرحلة لاحقة، الإسلام السياسي. بالنسبة له كانت كلتا الآيديولوجيتين تمثلان جانبين مختلفين من عملة الاستبداد ذاتها، ويمثلان وعودا كاذبة وطرقا سياسية مسدودة. كان الأمل الوحيد من وجهة نظره هو الديمقراطية الليبرالية. يمكن أن يساعد ذلك تفسير حماسه الخاطئ وتأييده للغزو الأميركي في العراق. كان يجب أن يعرف على نحو أفضل، وعلى وجه التحديد أن المجتمع العراقي تعرض لتدمير بالغ جراء حكم صدام، ونظام العقوبات، وأن الغزو وما حدث في أعقابه سوف يجعل من المستحيل بناء أي كيان مترابط. كما أخطأ البروفسور عجمي أيضا في ثقته في قدرة الولايات المتحدة على حسن إدارة الأمور.
وفي الفترة الأخيرة، ألف كتابا مؤثرا عن الحرب في سوريا، دافع فيه عن التدخل العسكري الغربي للمساعدة على هزيمة نظام الأسد. يجب مرة أخرى قراءة هذا باعتباره دليلا على مشاعره الثابتة تجاه العرب، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو انتمائه الشخصي، بالإضافة إلى إيمانه المستمر بقدرة الولايات المتحدة على تحقيق التوازن لصالح من تعرضوا لمعاناة طويلة.
الأمر الوحيد الذي لا يستطيع العديد من أعضاء السلك الأكاديمي أن يتسامحوا فيه مع البروفسور عجمي هو ما بدا منه من عدم اكتراث تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولا يخفى أن البروفسور عجمي كان يحظى بإعجاب الكثيرين في إسرائيل والمناصرين لها، ولم تكن لديه مشكلة في وجود إسرائيل. كان يرى أن إسرائيل واقع سياسي لا يمكن إلغاؤه، لذلك يجب على العرب القبول به، بل وحتى مصادقتها من أجل تحقيق تنميتهم. في الواقع، كان عجمي يرى أن انشغال العرب بإسرائيل حارة سياسية أخرى مسدودة تحول بينهم وبين التقدم، بينما يسمح ذلك ببقاء أنظمة استبدادية للبقاء في السلطة باسم الصراع مع الكيان الصهيوني. أشك أيضا، ولكني لا أملك دليلا على ذلك، في أن آراءه تجاه إسرائيل والفلسطينيين تأثرت بالتجربة العصيبة التي مر بها الشيعة في جنوب لبنان في السبعينات، عندما خضعوا وقتها لسيطرة منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت توصم بالفساد والوحشية في ذلك الوقت. قد يرى المرء في موقف البروفسور عجمي خيانة لفلسطين، ولكن على الأرجح أن جذور هذا الموقف ترجع إلى فهم واضح لوجوب تكيف العرب مع الواقع، في هذه القضية وغيرها من القضايا. ومن المثير للاهتمام الإشارة إلى أن كتب البروفسور فؤاد عجمي، ما زالت محل إعجاب بالغ وتحظى بقراءة واسعة في العالم العربي.
على الرغم من كل ما يحمله من تعقيدات وما قد يشوبه من تناقضات، فإن ما تركه البروفسور فؤاد عجمي يمثل معلما تركه رجل رقيق المشاعر وذو علم. سوف يجد الدارسون في العالم العربي الكثير الذي يمكنهم الاستفادة منه في أعماله.
* أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون

* أفشين مولافي : فؤاد عجمي والوضع السياسي العربي
* «انتحر مساء يوم 6 يونيو (حزيران) 1982 وعمره 62 سنة في بلكونة منزله غرب بيروت» الشاعر المعروف والأستاذ بالجامعة الأميركية ببيروت خليل الحاوي. وتلقى الحاوي تعليمه بذات الجامعة ثم بجامعة كمبريدج». هكذا بدأت إحدى أفطن المقالات في الوضع السياسي العربي في قصر أحلام العرب: أوديسة جيل التي كتبها الراحل فؤاد عجمي ونشرت عام 1998.
«أين العرب؟» قالها الحاوي حينها في اليوم الذي اجتاحت فيه الدبابات الإسرائيلية لبنان. «من الذي سيمسح وصمة العار عن جبيني؟» وبعدها في عشية ذلك اليوم أزال وصمة العار بإطلاق النار على نفسه. أوحى انتحار الحاوي لفؤاد عجمي قصة أكبر عن الرجال والنساء العرب الذين يحلمون بالحداثة ولكنهم يائسون بسبب ضعفهم وسياسات بلادهم البالية والتقاليد العنيدة والطائفية الخطرة. كانت مقالة مدهشة عنوانها «انتحار خليل الحاوي: قداس جيل» والفصل الأول فيما اعتبره أحد أهم أعمال فؤاد عجمي «قصر أحلام العرب».
لمن عرفوا الأستاذ عجمي مثلنا، عجمي الرجل وليس الكاريكاتير، فهمنا أن مقالة الحاوي كانت شخصية بعمق. وعجمي يئس أيضا من الوضع السياسي العربي وعبر للعالم بوضوح عن رؤيته في «قصر أحلام العرب» الذي نشر عام 1998.
وكتب عجمي: «عندما يتحدث الغربيون والإسرائيليون (الأعداء) وعندما لا يستمع (المستشرقون) يتحدث العرب بالصراحة والرمز».. «لم يحتاجوا للكثير من التفاصيل فكان بإمكانهم الحديث بإيجاز عما حدث بعالمهم فمسار الأحداث لتاريخهم الحديث معروف لديهم».
فما هي القصة التي حكوها عن السقوط؟
من «المد الثقافي والسياسي في الخمسينات»، ذلك المد الذي أتى بالمعرفة المتزايدة للتعلم والثقة السياسية بالقومية الجماعية والانعتاق الأكبر للنساء والأدب والشعر الجديد الذي أعاد صياغة الشكل الموقر للفن، تبددت تلك الثقة بعد عقد من ذلك في حرب الأيام الستة عام 1967 وصُنع عالم جديد.
في ذلك العالم الجديد كتب عجمي «اتجه الشباب إلى السياسة الثيوقراطية (الدينية) وتركوا السياسة العلمانية التي كانت لمن هم أكبر منهم سنا». وعندما رجع فؤاد عجمي إلى تلك اللحظة بذاكرته بعد نحو عقدين من الزمن كتب: «في صميم هذا السرد الممتد يكون المأزق، خط الخطأ الجيلي بين الآباء العلمانيين وأبنائهم الثيوقراطيين».
في ذلك العالم الجديد انتحر خليل الحاوي في شرفة منزله غرب بيروت ثم أصبح الوضع السياسي العربي قاسيا، لا سيما في المدن الرئيسة بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت. وربما كان هذا سبب تعلق عجمي بالشعراء والرواة، إذ كانوا يمنحونه الأمل.
عرفت فؤاد عجمي كطالب في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز. وقبل سفري لمصر لدراسة اللغة العربية خلال إجازة الصيف سألته عما يجب أن أقرأه، فقال لي: «لدي عشرون كتابا لك: جميعها لنجيب محفوظ». وكان أخبرني مرة عن الأيام القلية التي قضاها في صحبة الكاتب نجيب محفوظ.
كان فؤاد عجمي كاتبا غزير الإنتاج لكن كان لكتبه مكانة خاصة في قلبه. فهي تروي القصص التي يريد أن يحكيها وكان يلفها إحساس من الأسف والشفقة.
في كتابه «الإمام المُغيب: موسى الصدر وشيعة لبنان» الذي نشر عام 1987، كتب عجمي: «قاد موسى الصدر أتباعه اللبنانيين في وقت بدأوا يطالبون فيه ببلدهم. واختفى وترك لهم نصا وذاكرة وبعض المؤسسات في وقت كان فيه البلد بأكمله مكانا محطما. الشباب خلف أكياس الرمل مع ملصقات الإمام يدافعون عن حطامهم وطوائفهم. لقد أتى مقياس من المساواة إلى لبنان».
وكتب في كتابه «المحنة العربية» الذي نشر عام 1981 «ليس من تسلية في المادة التي ترد هنا: في تاريخ للأوهام واليأس والسياسات التي تنحدر بصورة متكررة إلى سفك الدماء، وللتحولات المتخيلة التي يعقبها اليأس لأن هناك جوهرا غير قابل للتغيير يشوه كل ذلك ويفترس كل النيات الطيبة ويسخر ممن يحاولون تغيير الأشياء».
وفي كتابه «بيروت: مدينة الندم» الذي نشر عام 1988 رثى حالة الحرب الأهلية في لبنان وكتب «قبل السقوط وقبل الأحداث الفظيعة والدمار السياسي خلال العقد الماضي، كانت هناك حكايات عن لبنان، حكايات عن بلد جبلي صغير على شاطئ البحر المتوسط، عن بيروت المدينة الساحرة حيث تنحدر سلسلة الجبال المثيرة نحو البحر. كانت هناك حكايات عن أناس يتسمون بروح الإقدام والمبادأة عاشوا حسب فطنتهم ولاقحوا بين صرامة الحق العربية الإسلامية في الشرق وأساليب ومفهوم الحق في الغرب».
أما في كتابه «قصر أحلام العرب: أوديسة جيل» الذي نشر عام 1998 فتوقع انتفاضة مصر عام 2011: «ليس هناك قانون للسلام الاجتماعي، ولا سعادة محتومة أو تمدن محتوم في أي أرض. كانت هناك مناحات على شاطئ النيل وأوقات عمّت فيها الاحتفالات. وهناك دور حاسم للإرادة الإنسانية يرقب دورة الحياة وتأتي بالأشياء حسب المواسم، ولا يكفي عزاء الإشادة بالأرض الطيبة والنهر الصبور. وعلى تلك المقاييس على الضفاف أن تقرأ وتراقب بحذر».
* باحث بمعهد السياسة الخارجية بجامعة جون هوبكنز للدراسات الدولية

* دوغلاس مارتن: رحيل الخبير في التاريخ العربي فؤاد عجمي
* توفي الأحد الماضي عن 68 سنة فؤاد عجمي الأكاديمي والمؤلف والإذاعي والمعلق على شؤون الشرق الأوسط. وساعد عجمي على تجميع الدعم لغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، عن طريق تقديم الاستشارات الشخصية لكبار صناع السياسة. وقالت مؤسسة هوفر في جامعة ستانفورد، حيث كان عجمي من كبار أساتذتها في بيان، إن سبب وفاته مرض السرطان.
فؤاد عجمي عربي يئس من وصول الحكومات الاستبدادية بطريقتها الخاصة للديمقراطية واعتقد أن على الولايات المتحدة مواجهة ما سماه «ثقافة الإرهاب» بعد هجمات عام 2001 الإرهابية على نيويورك وواشنطن. وشبّه ديكتاتور العراق صدام حسين بهتلر.
عمل عجمي جاهدًا على وضع التاريخ العربي في منظور أكبر. وكثيرًا ما أشار إلى غضب المسلمين على فقدانهم السلطة في الغرب عام 1683 عندما فشل حصار الأتراك لفيينا. وقال إن تلك الذكرى أدت إلى نوع من التعاسة الذاتية والخداع الذاتي، حيث إنهم يلومون بقية العالم على مشكلاتهم. ويقول إن الإرهاب هو إحدى النتائج.
تلك وجهة نظر طرحها برنارد لويس المؤرخ البارز لشؤون الشرق الأوسط في برينستون والمفكر الشعبي الذي حث الولايات المتحدة أيضا على غزو العراق ونصح الرئيس جورج بوش.
اعتاد معظم الأميركيين على آراء عجمي على أخبار قناتي «سي بي إس» و«سي إن إن» وبرنامجي «بي بي إس» (شارلي روز) و«ساعة الأخبار»، حيث كانت تضفي لحيته المميزة وأسلوبه المنمق قوة على آرائه التي تبدو موثوقًا بها. وكتب عجمي ما يفوق 400 مقالاً للمجلات والصحف منها «نيويورك تايمز»، إضافة إلى ستة كتب عن الشرق الأوسط اشتمل بعضها على تجاربه الشخصية كمسلم شيعي في مجتمعات ذات أغلبية سنية.
ودعته كوندوليزا رايس عندما كانت مستشارة الأمن القومي إلى البيت الأبيض في عهد الرئيس بوش، ووجه النصح إلى بول وولفويتز عندما كان نائب وزير الدفاع. وفي خطاب عام 2002 أشار نائب الرئيس ديك تشيني إلى تنبؤ عجمي بأن يقابل العراقيون التحرير بواسطة الجيش الأميركي بالفرح.
وواصل عجمي خلال السنوات التي تلت غزو العراق دعم التدخل بوصفه يساعد على الاستقرار. لكنه قال هذا الشهر إن رئيس الوزراء نوري المالكي بدد فرصة لتوحيد البلد بعد التدخل الأميركي وأصبح ديكتاتورًا. وفي وقت قريب فضّل السياسات الأكثر عدوانية تجاه إيران وسوريا. وكان أشد انتقاد عجمي للحكام المستبدين العرب الذين يفتقرون للدعم الشعبي. لكن استخدامه لكلمات مثل «قبلي» و«رجعي» و«عشائري» لوصف الشعوب العربية أوغر صدور البعض، وكذلك اعتقاده أن الأمم الغربية يجب أن تتدخل في المنطقة لتصحيح الأخطاء. واتهمه الناقد الفلسطيني إدوارد سعيد الذي توفي عام 2003 بأن لديه صفات عنصرية جلية». وامتدحه آخرون على توازنه فكتب دانيال بايبس وهو مفكر متخصص في شؤون الشرق الأوسط في مجلة «كومنتري» عام 2006 أن عجمي تجنب «الشعور العربي الراسخ العام عن غدر وخيانة إسرائيل».
ولد فؤاد عجمي في 19 سبتمبر (أيلول) عام 1945 على سفح قلعة بناها الصليبيون في قرية أرنون المغبرة جنوب لبنان. وأتت أسرته من إيران (تعني كلمة عجمي «فارسي» في اللغة العربية) وكانت من مزارعي التباكو الأثرياء. وانتقلت أسرته إلى بيروت عندما كان في الرابعة من عمره.
وعندما كان صبيًا كان يسخر منه أطفال المسلمين السنة لكونه شيعيًا وقصيرًا، وكتب في قصر أحلام العرب: أوديسة الأجيال 1998 «دراسة للمفكرين العرب في الجيلين الأخيرين». وعندما كان عجمي مراهقًا كان متحمسًا للقومية العربية وهي قضية انتقدها فيما بعد. كما وقع في حب الثقافة الأميركية خاصة أفلام هوليوود، ولا سيما أفلام رعاة البقر. وفي عام 1963 وقبل عيد ميلاده الثامن عشر بيوم أو يومين انتقلت أسرته إلى الولايات المتحدة. ودرس عجمي بكلية أوريغون الشرقية (صارت جامعة الآن) ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة واشنطن بعد كتابته أطروحة عن العلاقات الدولية وحكومات العالم. ثم درّس العلوم السياسية في برينستون. وفي عام 1980 عينته مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز مديرًا لدراسات الشرق الأوسط. ثم انضم إلى مؤسسة هوفر عام 2011. بحث كتابه الأول «المحنة العربية: الفكر السياسي العربي والممارسات السياسية منذ حرب عام 1967»، (1981) وحالة الفزع والشعور بالهشاشة والضعف في العالم العربي بعد انتصار إسرائيل في حرب عام 1967. وعرض كتابه التالي «الإمام المغيب: موسى الصدر وشيعة لبنان»، (1986) لرجل دين إيراني ساعد على تحول الشيعة اللبنانيين من «أقلية محتقرة» إلى لاعبين سياسيين فاعلين. وقدم عجمي في كتابه «بيروت: مدينة الندم» مقدمة طويلة وبعض النصوص المصاحبة لمقالة مصورة بقلم إيلي ريد.
ويتحدث كتاب «قصر أحلام العرب» عن كيف حاول جيل من المفكرين العرب تجديد ثقافة أوطانهم من خلال قوى الحداثة والعلمانية. ووصفته كريستيان سيانس مونيتور «بالنظرة الصافية لآمال العرب المفقودة».
وأدان البعض ذلك الكتاب من ضمن ما أدين به لتلك النبرة بوصفه سلبيًا للغاية. وقال المفكر أندرو روبن الذي يكتب في صحيفة «ذا نيشن»: «يعبر عن معاداة العروبة التي احتضنتها واشنطن واللوبي الموالي لإسرائيل».
وحصل فؤاد عجمي على الكثير من الجوائز منها زمالة ماك آرثر عام 1982 وميدالية العلوم الإنسانية الوطنية عام 2006. وترك عجمي زوجته ميشيل.
وصف آدم شاتز مظهر عجمي المميز في صحيفة «ذا نيشن» عام 2003 «بلحيته الدراماتيكية وملابسه الساحرة الأنيقة وأخلاقه الغزلية تقريبًا» وواصل: «يتحدث في التلفزيون بسخرية وثقة يحبها الرجال الذين على رأس السلطة، خاصة أولئك القادمين من خلفيات متواضعة، وخلافًا للعرب الآخرين لا يبدو أن له دوافع شخصية، إنه واحد منا، إنه العربي الطيب».
* خدمة «نيويورك تايمز»

* هشام ملحم : قدم أفكارا عظيمة بشأن ما يعاني منه العالم العربي
* «قدم عجمي أفكارا عظيمة بشأن ما يعاني منه العالم العربي. يمكنك أن تتفق أو تختلف معه فيما يتعلق بالحلول أو التحذيرات التي يقدمها، ولكن في رؤيته النافذة لتعقيد العالم العربي، كان شديد الإخلاص في الإشارة إلى التناقضات».
«التقط عجمي مرة بعد أخرى أزمة العرب في العصر الحديث، وحاضرهم المعذب وماضيهم المجيد، وكيف تتعرض أحلامهم في مستقبل أفضل دائما للعراقيل».
«روى عجمي قصة الاشتياق والأسف والإحباط، وعبر عنها بأسلوب شعري جميل. قد يكتب آخرون موضوعا أو مقالا أو كتابا، ولكنهم لا يحملون تلك الموهبة والمشاعر والأسلوب الأدبي الذي يقدمه فؤاد عجمي».
«كانت بيننا اختلافات سياسية، ولكن سواء كنت تتفق معه أو لا، يجب أن تقرأ له».
«دائما ما كنت أحسده على إتقانه للغة الإنجليزية في كتاباته».
«كان شغفه بأدونيس وجوزيف كونراد والشعراء العرب يغذي أسلوبه الجميل. يمكنك الرجوع إلى أعماله لاكتساب الأفكار وتقدير الأسلوب الذي يقدم لك الفكرة من خلاله، فحتى الطريقة التي يكتب بها والكلمات التي يستخدمها تشكل جزءا من الموضوع ذاته».
«امتلك عجمي قدرة على نقل تجربة جيل كامل، وكأنها تراتيل لتأبين جيله من العرب. تمتع عجمي بالجرأة والرؤية الثاقبة التي سمحت له بالحديث عن المحنة المأساوية التي حلت بجيل كامل».
«أحب عجمي الأدباء العرب. أدونيس كان بطلا وكذلك محفوظ كان بطلا».
* صحافي ومعلق سياسي

* إيميل حكيم : ساعدنا على استيعاب المحنة العربية من وجهة نظر أوسع
* «البروفسور عجمي شخصية معقدة، فقد استطاع تقديم أفضل تقييم لانهيار المجتمعات العربية والفكر السياسي العربي، ولكنه جمع مع هذا التقييم توصيات سياسية شديدة التفاؤل، تشوش على التقييم المتشائم السابق».
«في تقييمه للوضع، لا يوجد له منازع، وهو قاسٍ مع العرب بطريقة لا يجرؤ عليها كثيرون منهم. كما امتلك قليلا من الشفقة على الذات. وكانت لديه رؤية قاسية تجاه الأمراض التي تعاني منها المجتمعات العربية. وهذا هو أكبر إنجازاته».
«كان موقفه من حرب العراق خطأ مأساويا، ولكن حتى عندما كان مخطئا، لم يكن من السهل مطلقا رفض آرائه وبراهينه».
«من أكبر إسهاماته أنه ساعدنا على استيعاب المحنة العربية من وجهة نظر أوسع. وكان يتحدث عن المنطقة على نطاق أوسع. ولم يكن الأمر يتعلق بإسرائيل والغرب فقط».
«ليس من العدل تماما قصر إسهامات عجمي على حرب العراق وحدها، فقد قدم ما هو أكبر من هذا بكثير».
«كانت قدرة عجمي على التعبير عن ذاته بأسلوب جميل، على الرغم من أن اللغة الإنجليزية ليست لغته الأم، سمة جديرة بالملاحظة».
* كبير زملاء في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية

* بول وولفويتز: العالم فقد صوتا عربيا وأميركيا متفرد القوة
* حرمت وفاة فؤاد عجمي في عطلة نهاية الأسبوع هذا البلد والعالم من صوت متفرد القوة - صوت عربي وأميركي في الوقت ذاته، كان يمكن أن يساعد في توجيهنا كما فعل في الماضي من خلال مخاطر وتعقيدات الشرق الأوسط الذي ينتمي إليه.
عندما أصبحت عميدا لمدرسة جون هوبكنز للعلاقات الدولية المتقدمة عام 1994 كان الأستاذ عجمي مديرا لدراسات الشرق الأوسط، وكان من جوانب المتعة في تلك الوظيفة إمكانية التفاعل معه بصورة منتظمة.
سيكون من الصعب اليوم العثور على شخص يكتب في السياسة الدولية بتلك البلاغة والقوة وتمكنه الاستثنائي اللافت من اللغة الإنجليزية، من شخص ليست الإنجليزية اللغة الأم بالنسبة له. وتمتع عجمي مع تلك البلاغة بالشجاعة البارزة. كان يتحدث عن الحقيقة كما يراها دون مواراة حول الزوايا، وأكسبه ذلك الكثير من الأعداء. ولد عجمي في لبنان وتقبل قيم وطنه المختار الولايات المتحدة، لكنه لم يفقد أبدا نظرته إلى المنطقة التي أتى منها وتعقيداتها ومآسيها التي ستقلقل ذلك الجزء من العالم لفترة طويلة مقبلة. تشبعت كتاباته بشعور عميق من المأساة، النابعة من الصدام بين القوة الأميركية بـ«جيوشها وآلياتها وجديتها» و«منطقة كبيرة غامضة»، حيث يمكن أن يرعب الأميركان شعب العالمين العربي والإسلامي، وحيث يمكن أن تفوق المنطقة قوة الأميركان ذكاء وصبرا على الانتظار. بإمكان أميركا أن تمني العراقيين بآمال الثقافة السياسية اللائقة، وبإمكان أعداء هذا المشروع أن يتراجعوا إلى التعصب الحاد للقتال وعدم التسامح.
* نائب وزير الدفاع الأميركي بول وولفوفيتز



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.