«اجتماعات الربيع» ترفض الحمائية عقاباً لممارسات تجارية «غير عادلة»

انتقلت أجواء الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى مناقشات اجتماعات الربيع في واشنطن، التي ينظمها صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث التقى مسؤولو العالم المتقدم وجهاً لوجه، وطرحت أميركا وجهة نظرها بشأن خطورة الممارسات التجارية غير العادلة، ووافقتها البلدان الأوروبية من حيث المبدأ، لكنها جددت رفضها لأن تكون الإجراءات الحمائية هي الوسيلة المتبعة لمقاومة الممارسات غير العادلة.
وفي خطابه أمام اجتماعات الربيع، قال وزير الخزانة الأميركي، ستيف منوتشين «إن ضمان أن تكون التجارة حرة ونزيهة ومتبادلة ستعزز التجارة العالمية وتدعم نمواً أقوى وأكثر استدامة. وللمساعدة في دفع هذه الأهداف، ينبغي أن يكون صندوق النقد الدولي صوتاً قوياً لأعضائه من أجل تفكيك الحواجز التجارية وحماية حقوق الملكية الفكرية».
وبدا صندوق النقد مؤخراً متحفظاً بعض الشيء على الإجراءات الحمائية الأخيرة للولايات المتحدة، حيث حذرت مديرة الصندوق من شبح الحرب التجارية في ظل قلق عالمي من أن تندفع القوى الاقتصادية الكبرى في تطبيق رسوم انتقامية رداً على ما فعله ترمب؛ الأمر الذي يقوّض التجارة العالمية في وقت بدأ العالم يتعافى فيه من تبعات أزمة 2008 المالية.
- لاغارد تدعو للحوار التجاري
وأكدت كرستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، في اجتماعات الربيع انتقادها لما وصفته بـ«التدابير الاستثنائية»، داعية لإقامة «منصة للحوار» بشأن السياسات التجارية.
وحملت كلمات وزير المالية البرازيلي، إدواردو ريفينيتي، خلال اجتماعات الربيع انتقاداً مبطناً أيضاً لأميركا بقوله، إن «الخطر الأكبر هو تصاعد الخلافات التجارية»، وإن الانطواء على الذات ليس «الطريقة المفيدة» للتصدي للخلل في الموازين التجارية.
وكانت البرازيل ضمن البلدان التي أعفتها إدارة ترمب بصفة مؤقتة من تطبيق رسوم حمائية على واردات الصلب والألمنيوم حتى أول مايو (أيار) المقبل.
ولم تكن هذه الرسوم هي الإجراء الحمائي الوحيد هذا العام، حيث سبقها فرض واشنطن تعريفات استيراد مرتفعة على الغسالات ومعدات الطاقة الشمسية.
وخصت إدارة ترمب العملاق الصيني برسوم جمركية على سلع بقيمة 50 مليار دولار تستوردها الولايات المتحدة من الصين، متهمة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بسرقة الملكية الفكرية والتكنولوجيا.
- فرنسا توافق الولايات المتحدة وترفض مواجهة الصين
وأبدت فرنسا استعدادها للإقرار بضرورة أن تحسن الصين ممارساتها التجارية، وقال وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير: «إننا نشاطر (الأميركيين) تشخيصهم» مضيفاً: «نواجه صعوبات فيما يتعلق بالقدرات الإنتاجية الفائضة للصلب، ولدينا مشكلة مع حماية وسائلنا التكنولوجية، لا نريد أن تتعرض التكنولوجيا الفرنسية للنهب».
غير أنه رفض في المقابل «الدخول في معركة مع الصين» ستكون برأيه «عديمة الجدوى وغير مفيدة»، داعياً إلى حض الصين على الدخول في حوار بناء. وقال، إن فرنسا تبذل كل ما في وسعها لتفادي حرب تجارية، وتؤيد قواعد المعاملة بالمثل، وهي القواعد «الوحيدة القادرة على الاستمرار».
ولفت إلى أن الدول الأوروبية تقف صفاً واحداً بهذا الصدد وتتقدم «بصورة موحدة»، مؤكداً بذلك كلاماً صدر عن نظيره الألماني أولاف شولتز.
وطالت انتقادات منوتشين أوروبا أيضاً عندما تحدث عن البلدان التي تتوسع في فائضها التجاري، مثل ألمانيا، وقد التقى معه صندوق النقد الدولي حول هذه النقطة؛ إذ أبدى قلقه حيال الفائض التجاري الألماني المستمر. وتجاوزت الصادرات الألمانية إلى الولايات المتحدة 111 مليار يورو العام الماضي، وهو ما يفوق بكثير الواردات التي بلغ مجموعها 61 مليار يورو فقط.
وينتقد ترمب بصفة مستمرة شركاء أميركا التجاريين الذين يحققون فائضاً تجارياً على حسابها، وتبرز ألمانيا مثالاً واضحاً على ذلك، حيث حققت في عام 2017 فائضاً مع واشنطن بقيمة 244.9 مليار يورو (300.6 مليار دولار).
وسبق وأن انتقد مسؤولون أوروبيون أسلوب ترمب في التفاوض على تخفيض عجز بلاده التجاري عبر التهديد بتطبيق إجراءات حمائية، معتبرين ذلك أشبه بالمفاوضة تحت تهديد السلاح، ويعتقد المحللون أن أي اتفاق أميركي مع ألمانيا وشركائها الأوروبيين من المرجح أن يؤدي إلى إجبار برلين وبروكسل على قبول نظام الحصص على شحناتهما من الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة.
وقال مصدر أوروبي لوكالة الصحافة الفرنسية: «يتهيأ لنا أن الولايات المتحدة تلعب بالنار. إن ممارسة الضغط على الجميع وعلى الأخص على الحلفاء ليس بالوسيلة المفيدة».
وأقرّ رئيس مجموعة العشرين للمالية، أول من أمس، بـ«حدود» قدرة المجموعة على التعامل مع سيناريوهات الحرب التجارية، حيث قال: «هذه المجموعة كانت مهمة جداً في التصدي للأزمة المالية عام 2008، ويجب أن تواصل العمل معاً». غير أن التجارة ليست من صلاحيات وزراء المالية، وهم لا يتناولون هذا الملف إلا عندما يكون النمو العالمي في خطر.
- بريطانيا تدعم حرية التجارة وتنتقد الصين
وقال وزير الخزانة البريطاني، فيليب هاموند، للصحافيين: «نحن داعمون لحرية التجارة، لا نؤمن بأن فرض التعريفات هي الطريقة في النهاية لحل المشكلات في النظام التجاري العالمي، ونحن دائماً نناقش مع شركائنا لمقاومة استخدام أداة فرض التعريفات لحل النزاعات التجارية».
لكن هامون ألقى باللائمة أيضاً على العملاق الآسيوي، حيث قال: «نحن أيضاً نتفهم إحباط» الولايات المتحدة «الصين ليست اقتصاداً مفتوحاً بالشكل الذي نرغب فيه وواحدة من الأمور التي كنت أركز عليها هذا الأسبوع هو محاولة إقناع الصين بأخذ موقف إيجابي لفتح اقتصادها».
وكانت الصين أول البلدان التي بادرت بطرح رسوم انتقامية من واشنطن؛ مما أقلق المراقبين من اقتراب شبح الحرب التجارية، حيث اعتبرت بكين أن أميركا تعطي مزارعي الصويا دعماً يمنحهم ميزة تنافسية غير عادلة في السوق الصينية، وبناءً على هذه الافتراضات قامت بالإعلان عن فرض تعريفة على 106 منتجات أميركية من ضمنها الصويا، أكثر الصادرات الزراعية الأميركية قيمة للصين.
وقالت وزارة التجارة الصينية، إن بكين مستعدة تماماً للتعامل مع أي آثار سلبية قد تنتج من نزاعها التجاري مع الولايات المتحدة، معتبرة أن زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية لن يكون لها أثر كبير بشكل عام على صناعاتها المحلية.
وفي لهجة متشددة قال، قاو فينغ، المتحدث باسم الوزارة، إن الولايات المتحدة ستكون مخطئة إذا كان هدفها احتواء صعود الصين.
وكان المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبرتو أزفيدو، حذر في وقت سابق من أن «القطعية في العلاقات التجارية بين القوى الاقتصادية الرئيسية قد تحبط الانتعاش الاقتصادي المسجل في السنوات الأخيرة، ويهدد النمو الاقتصادي ويهدد الكثير من الوظائف».
وتعرضت منظمة التجارة العالمية للانتقادات في الأشهر الأخيرة لعدم تمكنها من إيجاد تسوية في إطار تعددي للخلافات التجارية بين الولايات المتحدة وبعض البلدان، وفي طليعتها الصين التي تتهم في غالب الأحيان بعدم احترام قواعد التجارة الدولية.