من مجنون ليلى إلى مجنون إلسا

أسطورة العاشق العربي الأول انتقلت إلى باريس

أراغون مع إلسا... أشهر قصة حب فرنسية في النصف الأول من القرن العشرين  -  سلفادور دالي
أراغون مع إلسا... أشهر قصة حب فرنسية في النصف الأول من القرن العشرين - سلفادور دالي
TT

من مجنون ليلى إلى مجنون إلسا

أراغون مع إلسا... أشهر قصة حب فرنسية في النصف الأول من القرن العشرين  -  سلفادور دالي
أراغون مع إلسا... أشهر قصة حب فرنسية في النصف الأول من القرن العشرين - سلفادور دالي

الحب يبتدئ قويا عاصفا كالنهر الجارف ثم يتراخى شيئا فشيئا بمرور الأيام والسنوات. هذه هي سنة الحياة وطبيعة الأشياء. الحرمان - أو عدم الوصال - هو وحده الذي يجعل جذوة الحب متقدة تتحدى الزمن. وأما الوصال - وبخاصة العيش المشترك الدائم - فيؤدي إلى خفوت جذوة الحب، إلى انطفاء الحب، إلى ذبول الحب. وللأسف فإن الحب يذبل كما تذبل الورود. لماذا تذبل الورود الجميلة؟ لماذا تتبخر الحياة بسرعة؟ متى سيلتحق كاتب هذه السطور بالملأ الأعلى؟
وهكذا انتهت العلاقة الشهيرة بين غالا والشاعر الفرنسي بول إيلوار بعد سنوات كثيرة من الحب والوئام والخصام. وراحت الروسية الحسناء تبحث في أعماقها عن علاقة جديدة، أو بالأحرى عن عبقرية جديدة. ووقع اختيارها على شخص آخر لا يقل جنونا عن إيلوار إن لم يزد أضعافا مضاعفة هو: سلفادور دالي. ولكن دالي لم يكن قد أصبح بعد دالي الذي نعرفه. وإنما كان مجرد شاب خجول مغمور لم تتفتح عبقريته بعد. وقد قدم إلى باريس من إسبانيا بحثا عن الإلهام والشهرة والغنى أيضا. فقد كان فقيرا مدقعا تفوح منه رائحة الفقر على مسافة ستين كيلومترا على الأقل... كان يخجل من حاله وكثرة فقره. كان شابا إسبانيا يجوب شوارع باريس طولا وعرضا دون أن يملك شيئا آخر في جيبه غير عبقريته الكامنة التي لم تتفجر بعد. فجاءت غالا لكي توقظه وتقدح شرارة العبقرية فيه. عندما سألوا الروسية الحسناء عن سبب اختيارها لشاب فقير معدم أجابت: لأني أدركت فورا أنه عبقري! وغالا، مثل إلسا، مثل بقية الروسيات الملهمات، كانت تبحث عن الشهرة والعباقرة. فهي لم تترك بلادها وأسرتها هرباً من الحرب الأهلية والثورة البلشفية فقط، وإنما بحثا عن تأكيد الذات وفعل شيء كبير يعوض عن فقدان الأهل والوطن والأحباب. وهكذا رافقت غالا سلفادور دالي طيلة السنوات الصعبة: سنوات الحرمان والعذاب ومحاولات الوصول. فعملت على إدخاله في الجماعة السريالية وبذلت كل جهودها لإقناع أندريه بريتون به. وهكذا انضم إليهم وقدم لهم أعماله الأولى إلى جانب مخرج سينمائي عظيم هو لويس بونويل. وشيئا فشيئا راح دالي يخرج من خوفه المزمن من الفقر حتى اشتهر وأصبح من أغنى الفنانين في العالم. أصبحت لوحاته تباع بمئات الألوف أو ملايين الدولارات في باريس ونيويورك وغيرهما من العواصم العالمية. على هذا النحو وصل سلفادور دالي إلى قمة المجد. وكل ذلك بفضل موهبته الخارقة بطبيعة الحال، ولكن أيضا بفضل دعم غالا وتشجيعها المتواصل له. ولذلك قال عبارته الشهيرة: «لولا غالا لما كنت شيئا، إنها أكسجيني». وهكذا ينطبق عليه القول المأثور: وراء كل رجل عظيم امرأة.
ولكن عندما وصل دالي إلى ما يبتغيه أصبح يهذر ويخرف ويتطرف في جنونه المفتعل أو الحقيقي، لا أحد يعرف؟.. انظروا إليه في الصورة المنشورة كيف يشير بيديه ويفتل شاربيه المعقوفين كالمنجل ويصرخ من دون سبب معروف ويرعب كل من حوله على المائدة... ووصل به الأمر إلى حد مدح هتلر وفرانكو علنا في إحدى السهرات! وعندئذ طرده أندريه بريتان شر طردة من جماعة السرياليين

أراغون وإلسا

متى التقى أراغون بإلسا لأول مرة؟ أو بالأحرى متى التقت إلسا بأراغون؟ ذلك أنها هي التي كانت تبحث عنه، تريده، تطارده. فقد كان أراغون آنذاك في أوج شبابه وذروة عبقريته. كان أمير الشعراء. وكان طويلا، جميلا، تنثال عليه النساء من كل حدب وصوب. وما كان من السهل على تلك الروسية المهاجرة أن تخترق الصفوف لكي تصل إلى قلبه. يضاف إلى ذلك أن أراغون كان خارجا للتو من قصة حب هائلة مع سيدة أميركية معروفة تدعى: نانسي كونار. لقد خرج منها محطما، مستنزفا، فارغا. ومعلوم أن الحب السابق لا يخرج من القلب بسهولة، وفترة النقاهة قد تطول أو تقصر، وكثيرا ما تخلف وراءها جراحات وندوبا يصعب لأمها. فالحب الكبير نادر ويدفع ثمنه غاليا: أي عدا ونقدا. الحب ليس مزحة بسيطة! الحب لعبة خطرة: الغالب فيها مغلوب! صحيح أن له طعم الشهد في البداية، ولكن قد يكون له طعم العلقم في النهاية. وهناك شعراء وفنانون كثيرون انتحروا من أجل قصة حب. ولكن أراغون المعتد بجماله وشبابه وعبقريته لا يمكن أن يسقط من أول ضربة. فالمستقبل أمامه والفرص النسائية كثيرة. ومن يعلم؟ فقد يجيء الحب من حيث ندري ولا ندري، وفي معظم الأحيان من حيث لا ندري.
الحزن يصهرنا معا ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
الحب لا يجيء عندما نريده نحن أو نتمناه أو نستجديه بكل إلحاح. الحب يجيء عندما يريد هو، وفي غفلة من الزمان والوشاة، وحتما عندما لا نريد أو لا نتوقع على الإطلاق. ولكنه عندما يجيء فإنه يفرض نفسه كالملك المتوج لا يناقش ولا يرد. من يستطيع أن يقاوم قصة حب؟ في تلك الأمسية الجميلة، وفي أحد أجمل المقاهي الباريسية الواقعة على منتصف الطريق بين المونبارناس والبور رويال كان لويس أراغون على موعد مع القدر! كان على موعد مع أكبر قصة حب في حياته. فعندما دخل إلى مقهى لاكلوزري دو ليلا (أي بستان الليلك!) كانت إلسا تريوليه جالسة وكأنها تنتظره... كان لقاء بمحض الصدفة، دون ترتيب ولا ميعاد. ولكنه بدا وكأنه كان مرتبا منذ سنوات وسنوات:
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا
ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
على أي حال هناك مواعيد سرية لا ندري بها ولا نعرفها، إنما تنعقد خارج إرادتنا، وتبدو وكأنها محتومة أكثر من المواعيد الحقيقية. ذلك أن يد القدر تسوقنا إليها غصبا عنا شئنا أم أبينا. من بين هذه المواعيد ذلك اللقاء الذي حصل بين شاعر فرنسا الأكبر وإلسا تريوليه. فأراغون الذي كان يتسكع في الحارة مع زميلين له من المجموعة السريالية قال فجأة: لماذا لا ندخل ونشرب شيئا في هذا المقهى؟ وأما إلسا التي كانت قد ملت من إقامتها في باريس وخابت آمالها في اصطياد آخر رجل له معنى، بل وأوشكت على جمع حقائبها والعودة إلى موسكو، فقد نهضت من غرفتها فجأة وراحت تتسكع في الشوارع حتى قادتها قدماها على غير وعي منها إلى هذا المقهى الجميل جدا والشهير جدا أيضا. كانت تريد أن تروح عن نفسها، أن تفكر بمصيرها ومستقبلها: هل تبقى في فرنسا أم تعود إلى روسيا؟ قلنا بأنه مقهى شهير لأنك عندما تجلس على مقاعده وتنظر أمامك على الطاولة تجد أسماء كبار شعراء فرنسا وفنانيها منقوشة على الخشب. فهنا جلس بودلير أو فيرلين. وهناك جلس سارتر أو سيمون دو بوفوار. وفي مكان ثالث جلس بريتون وأراغون وإيلوار، إلخ... ذلك أن المقهى لا يزال موجودا وبإمكانك أن تزوره متى شئت وتتعرف على الزوايا والخبايا التي جلس فيها كبار أدباء فرنسا وشعرائها ومبدعيها. وعلى هذا النحو حصل اللقاء التاريخي بين الشاعر السريالي والحسناء الروسية وانعقدت عرى أشهر قصة حب في النصف الأول من القرن العشرين. إنها قصة مجنون إلسا على غرار مجنون ليلى.. ومعلوم أنه بعد حرب الجزائر الاستعمارية التي أدانها بقوة، راح الشاعر الفرنسي الكبير لويس أراغون يشيد بعظمة الحضارة العربية ويبدي إعجابه الشديد بمجنون ليلى إلى درجة أنه سمى نفسه مجنون إلسا! بل ونشر ديوانا شهيرا بهذا الاسم. وهذا يعني أن أسطورة العاشق العربي الأول ظلت حية على مدار القرون. بل وانتقلت إلى مختلف الحضارات والثقافات. وسوف تظل حية ما دام القلب يخفق في شتى أنحاء العالم. المجد والخلود إذن للحب: لليلى الغالية ومجنونها الكبير:
ألست وعدتني يا قلب أني
إذا ما تبت عن ليلى تتوب
فها أنا تائب عن حب ليلى
فما لك كلما ذكرت تذوب



تقنية جديدة لتقليل مدة التئام العظام

يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
TT

تقنية جديدة لتقليل مدة التئام العظام

يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)

طوّر فريق بحثي من جامعة هونغ كونغ في كوريا الجنوبية، طلاءً مبتكراً يستجيب للضوء لتسريع اندماج العظام مع الزّرعات الجديدة بعد إجراء جراحات العظام. وقد ثَبُت أن الطلاء المطور يقلّل من وقت الالتئام إلى أسبوعين فقط، ممّا يسرّع معدل التعافي بعد الجراحة إلى الضعف، فضلاً عن تقليل خطر رفض الجسم للغرسات.

ويستكشف حالياً، الفريق صاحب الابتكار، بقيادة البروفيسور كيلفن يونغ واي كوك، من قسم جراحة العظام والصّدمات، كلية الطب السريري في جامعة هونغ كونغ (HKUMed)، تطبيق هذه التكنولوجيا في جراحات استبدال المفاصل الاصطناعية، بما في ذلك جِراحات استبدال الركبة التي تُجرى بشكلٍ شائع في هونغ كونغ.

وفي بيان صحافي صدر الجمعة، قال يونغ واي كوك: «أثبتت التّجارب على الحيوانات أن هذه الطريقة تعمل على تسريع عملية دمج العظام مع الغرسة بشكلٍ كبيرٍ، مما يؤدي إلى زيادة مضاعفة في معدل الاندماج».

ووفق النتائج المنشورة في دورية «أدفانسد فانكشينال ماتيرالز»، فإن عملية دمج العظام مع الغرسة تسارعت من 28 يوماً إلى 14 يوماً فقط، مما أدى إلى مضاعفة السرعة بشكل فعّال.

وتُمثّل هذه الدراسة أول دراسة تَستخدم تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية بشكل غير جراحي. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى تقدّمٍ كبيرٍ في تطوير مواد حيوية جديدة قادرة على التّحكم عن بُعد في البيئة المناعية للعظام.

ويمكن أن يؤدي الاضطراب في البيئة المناعية العظمية أثناء مرحلة ما بعد الزّرع إلى ارتخاءِ الزرعة الجديدة، وإطالة وقت التعافي وزيادة المضاعفات بعد الجراحة، مما يؤدي في النهاية إلى فشل الزرعة. ولمعالجة هذه التحديات، طور فريق جامعة هونغ كونغ الطبية طلاءً مبتكراً يستجيب للضوء القريب من الأشعة تحت الحمراء (NIR)، يؤثر بشكل إيجابي على استجابة الخلايا المناعية، ممّا يُقلل بشكلٍ فعّالٍ من الالتهاب الحاد خلال المرحلة الحاسمة بعد الزرع.

وتتضمن هذه العملية توليد تيار ضوئي يُحفِّز تدفُّق الكالسيوم المتزايد في نوعٍ من الخلايا المناعية يُعرف بالخلايا البلعمية، مما يخلق بيئة مناعية عظمية أكثر ملاءمة. وهذا يُعزّز بدوره تكوين العظام، وبالتالي تسريع عملية دمج العظام بالزرع.

وتلعب الخلايا البلعمية دوراً محورياً في عملية تجديد العظام، وهي من بين الخلايا المناعية الأولى التي تستجيب، فتبدأ تفاعلاً متسلسلاً ضرورياً لتكامل العظام مع الغرسة.

وعند إدخال الغرسات، تُصبح هذه الخلايا المناعية نشِطة وتحفّز استجابة التهابية حادة، وتُطلِق السيتوكينات المؤيّدة للالتهابات، لتسهيل تجنيد الخلايا الجذعية المتوسطة (MSCs) وبدءِ عملية تجديد العظام. لذلك، من الأهمية في مكان استعادة بيئة متوازنة بين العظام والغرسة، خصوصاً بعد مرحلة الالتهاب الأولية، لمنع الالتهاب طويل الأمد وضمانِ نجاح تكامل الغرسة.

وعادةً ما يجري طلاء الغرسات العظمية بثاني أكسيد التيتانيوم (TiO2)، وهو غير سامٍ لخلايا العظام والبكتيريا، ولكن لديه حدود في استجابته للأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء.

في هذه الدراسة، استخدم فريق البحث هيدروكسيباتيت (HA)، المكوِّن الأساسي للعظام والأسنان، لتطوير سطحٍ قابلٍ للإثارة يستجيب للتيار الضوئي.

ويُولِّد الطلاء الجديد إشارات ضوئية كهربائية عند تعرّضه للأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء، ممّا يقلّل بسرعة من الالتهاب الحاد ويخلق بيئة مناعية مفيدة مصمّمة لحالة المريض، ويؤدي في النهاية إلى تسريع تكامل العظام مع الغرسة ويجعل الغرسات أكثر أماناً.

وأضاف البروفيسور يونغ واي كوك قائلاً: «نجح فريقنا في تطوير آلية جديدة تعمل على تعديل تمايز الخلايا المناعية بشكل غير جراحي وفقاً لدورة المناعة لدى المريض واحتياجاته»، وتابع: «هذا الاكتشاف له تأثيرٌ عميق على معدل نجاح جراحة العظام ويوفر اتجاهاً جديداً لمعالجة التّحديات السريرية، مثل رفض الزرع».