صناعة «الأخبار الكاذبة»

سقراط دعا إلى سيطرة الدولة على ما سماه «سرديات أشعار الحرب»

صناعة «الأخبار الكاذبة»
TT

صناعة «الأخبار الكاذبة»

صناعة «الأخبار الكاذبة»

لم تبدأ صناعة الأخبار (الكاذبة) في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وإن كان المصطلح اكتسب شهرة عالمية بسبب تغريداته الشخصية المتكررة على تطبيق «تويتر» في إطار هجائه لتلفزيون «سي إن إن» وصحيفة «نيويورك تايمز» التي اتهم فيها أكبر مؤسسات الإعلام الأميركي بنشر أخبار كاذبة.
فالمصادر التاريخية القديمة حافلة بأمثلة كثيرة على استخدامات متكررة لحقائق ملفقة أو بديلة، أو نقيضة أو أقله روايات منحازة عن الأحداث والأشخاص والأشياء.
هناك مثلاً إشارة في «الجمهورية» كتاب أفلاطون المعروف عن أن سقراط معلمه قال بضرورة سيطرة الدولة على ما سماه «سرديات أشعار الحرب»، وأن أعمالاً مثل قصائد هوميروس ينبغي ألا يُسمَح بوصولها للعامة. ويبدو أن السلطات الحاكمة عبر التاريخ أخذت بنصيحة سقراط تلك وعمَمتها لتشمل بناء منظومة متكاملة من الخداع والأساطير التي تمكنها الحفاظ على السلم الأهلي وتماسك المجتمع، حتى إن المؤرخ البيزنطي الأهم في القرن السادس الميلادي بروكوبيوس خط سجلاً سرياً لاذعاً عن الوقائع المشينة في سيرة حياة الإمبراطور جستنيان لم يجرؤ على نشره خلال حياته، في الوقت الذي كان يكيل مدائح بما خص شجاعة الإمبراطور في نصوصه «التاريخية» المنشورة كلها.
«الباسكواندي» كان ربما أقرب نموذج تاريخي لعمل يقترب من شكل الصحافة كما نعرفها اليوم لجهة دورها نشر الأخبار الكاذبة تحديداً. ففي إطار أجواء الانتخابات البابوية عام 1522، طفق الشاعر بييترو أريتانيو يكتب قصاصات فيها سونيتات لاذعة بحق كل المرشحين باستثناء أولئك الذين كان يدعمهم آل مديشي - أولياء نعمته - ويعلقها على نصب تمثال نصفي يعرف بـ«الباسكوينو» بالقرب من ساحة نافونا في روما، ومنها اشتق اسم «الباسكوندي» لاحقاً ليصف ظاهرة توسعت في انتشارها تلك الأيام تتركز حول قصاصات مكتوبة باليد تحمل أخبار شائنة - أكثرها كاذبة - ضد الشخصيات المعروفة.
تقليد «الباسكواندي» الإيطالي تطور في فرنسا القرن السابع عشر إلى ما يعرف بـ«الكانارد»، وهي نوع من منشورات مطبوعة سيطرت على صناعة الأخبار الكاذبة في شوارع باريس لقرنين على الأقل، وكانت تسرد قصصاً ملفقة وانتقادات لاذعة ضد المشاهير وربما رسوماً لإثارة اهتمام السذج. ويعتقد مؤرخون أن هذه المنشورات لعبت دوراً مهماً في المرحلة السابقة للثورة الفرنسية، وأسهمت دون شك في إثارة الكراهية الشعبية نحو شخص الملكة ماري أنطوانيت، التي انتهت بإعدامها علناً عام 1793.
وعلى الأغلب، فإن القصة المنقولة عنها بأنها تساءلت: «لمَ لا يأكل الشعب الكعك المحلى إن لم يجد الخبز؟!»، هي تلفيق من إحدى الـ«كانرادات» التي وافقت أخبارها الكاذبة الأجواء الفرنسية المحتدة وقتها.
لكن التطور الأهم في صناعة نشر الأخبار الكاذبة حصل على الجانب الآخر من «القنال الإنجليزي»، وفي لندن القرن الثامن عشر تحديداً. ففي عام 1772 صدرت أول صحيفة بالشكل الذي نعرفه اليوم. كانت تلك «مورنينغ بوست» (أو «بريد الصباح») واعتمدت صيغة نشر فقرات متتالية - بحسب موعد ورودها إلى الصحيفة - يحمل كل منها أخباراً تتقصد الإثارة وأغلبها كاذب أو مبالَغ به دون أي ترتيب أو تبويب. واللطيف أن بعض كاتبي هذه الفقرات كانوا يتلقون أموالاً مقابل جهودهم في جمع الإشاعات من المقاهي العامة والطرقات وكتابتها على قصاصات ورقية يرسلونها لمكتب الصحيفة، بينما تطوع آخرون للكتابة ربما لبناء سمعة مهنية أو حتى لمجرد بث أخبار كاذبة عن أشخاص أو أنشطة أو حتى كتب جديدة. وقد حظيت تلك النوعية من المطبوعات بإقبال شعبي واسع وأصبحت خلال وقت قصير من أهم أدوات تشكيل الرأي العام. وتذكر المصادر من تلك الفترة أن لندن وحدها كانت تصدر فيها عام 1788 عشر صحف يومية، وثماني صحف تصدر ثلاث مرات في الأسبوع وتسع أسبوعيات.
لم تكن القوانين في فرنسا وقتها تسمح بنشر معظم نوعية الأخبار التي كانت تحفل بها صحف لندن، لكن تأثيرها ما لبث أن وصل إلى البر الأوروبي عبر مجموعة من صحف سرية بدائية ومنشورات، ولاحقاً عبر صحف فرنسية اللغة كان يصار إلى إصدارها من لندن وترسل تالياً إلى باريس تكون حافلة بالفضائح وقصص الإثارة الملفقة.
في القرن العشرين، لعبت الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) دوراً مهماً في بلورة فن صناعة الأخبار الكاذبة والتحكم بالسرديات. إذ من المعروف أن الحكومة البريطانية استدعت بعد شهر تقريباً على اندلاع الأعمال القتالية خمسة وعشرين من أهم الكتاب والصحافيين في الإمبراطورية - أرثر كونان دويل، وتوماس هاردي، وجون ماسفيلد وإتش جي ويلز وغيرهم - إلى اجتماع سري في مقر يعرف بـ«ويللينغتون هاوس» جنوب حديقة القديس جيمس بلندن. وقد طلبت الحكومة وقتها من قادة الفكر والأدب هؤلاء الالتزام بنشر مقالات وكتبٍ وأعمال أدبية تدعم المجهود الحربي البريطاني وتمسك بزمام السردية عن مجريات الحرب لتكون وفق مصالح الإمبراطورية. وبالفعل فقد اندفع هؤلاء - كل في مجاله - للترويج للحرب، والمشاعر الوطنية البريطانية بينما التزموا بفرض حظر تام على كل ما قد يتعارض مع هذه الدعاية. ويحصي أحد المصادر أكثر من 105 ملايين نسخة مطبوعات أنتجها ذلك الفريق قبل أن يُكشف عن وجوده عام 1935 من قبل الناشر الأميركي جورج دوران الذي تحدثت مذكراته عن عمله في صناعة البروبغاندا لمصلحة الحلفاء خلال الحرب العظمى بالتنسيق مع مجموعة سرية تعمل بتوجيه الخارجية البريطانية وتعرف بالـ«ويللينغتون هاوس».
لكن سياسة السلطات البريطانية في تشجيع انتشار الأعمال المكتوبة على تنوع أشكالها كأداتها الأهم لتوجيه الرأي العام - وذلك بالطبع قبل مرحلة انتشار السينما أو اختراع التلفزيون - يبدو أنها حملت في طياتها بذور إفشال فرض سردية محددة عن أجواء الحرب. فقد خلق تكثيف نشر المواد الأدبية والفكرية المؤيدة للحرب نوعاً من حمى قراءة بين العامة في البلاد، لا سيما بين جيل الشباب الذي أدى الخدمة العسكرية ودفع ثمنها الباهظ، وهو ما دفع أفراداً موهوبين بينهم إلى التورط بكتابات خارج السياق سجلت المشاعر الحقيقية التي عايشها بعضهم على الجبهات أو في المشافي الميدانية أو حتى الحياة اليومية في ظل الحرب. وعلى الرغم من أن تلك الأعمال لم تكن وقتها كافية لمواجهة الجهد الثقافي المنظم الذي تولته مجموعة «ويللينغتون هاوس» فإنها اليوم تُعتبر المصادر التي يأخذ عنها المؤرخون في قراءة الحرب العظمى التي فقدت هالتها الكاذبة كما صورتها أعمال مجموعة «ويللينغتون هاوس»، وأصبحت ترى بشكل متزايد كما هي بالفعل: «مذبحة كبرى ومأساة بشرية تامة».
وقد تعلم الأميركيون بعدها فنون البروبغاندا هذه من خبرتهم مع البريطانيين والألمان خلال مشاركتهم بالحرب وطوروها نحو صناعة متكاملة للسيطرة على الرأي العام وخلق الأساطير كأداة أساسية في ترسانة القتال التي تمتلكها الإمبراطورية الأميركية الصاعدة. وكانت الحرب الباردة بين الشرق والغرب ملعباً لاستعراض تقنيات القوة «الناعمة» تلك، والوصول بها إلى حد الاحتراف. وهناك مصادر عدة تتحدث عن سيطرة شبه تامة للأجهزة الاستخبارية وقتها على نتاج العدد الأكبر من الصحافيين والمثقفين والأدباء والفنانين وحتى الموسيقيين، وتوجيهه بطرق مباشرة أو غير مباشرة نحو خدمة مصالح الإمبراطورية. وهناك بالفعل وثائق سُربت عن قوائم لأسماء مشهورة من هؤلاء كانوا وفي مراحل مختلفة يتلقون دفعات منتظمة من وكالة الاستخبارات الأميركية عبر واجهاتها الثقافية المختلفة.
ولعل فضيحة «كمبردج أناليتيكا» و«فيسبوك» الأخيرة إشارة لتدشين عهد جديد أصبح فيه بث الأخبار الكاذبة وصناعة السرديات الملفقة أمراً فائق السهولة بما لا يُقاس بعد ذلك بالتطور المتسارع لتكنولوجيا أدوات الاتصال وتعدد منصات التواصل الاجتماعي التي من شأنها أنْ فتَحَت الأبواب مشرعة ليس فقط أمام الكتاب المأجورين، بل وأمام كل متطوع للتضليل يرى أن ما يكتبه يستحق المشاركة على الفضاء السيبيري. ومن دون أدنى شك فإن مصداقية تلك الأخبار لا تنطلي إلا على سُذج القراء بينما الغالبية العظمى منهم تستمر في استهلاكها بوصفها مصدراً للترفيه أو إرضاءً للفضول أو تصريفاً لمشاعر الحسد والكراهية التي قد تعتمل في القلوب، الأمر الذي تؤكده استطلاعات الرأي المتكررة عن تدنٍّ غير مسبوقٍ في ثقة الجمهور بمصادر أخباره، لا سيما تلك التي تأتيه من بيوتات الصحافة العريقة ومحطات التلفزيون الأشهر. وتلك مسألة لا تقف خطورتها عند تشويه سمعة أفراد مشهورين أو مؤسسات أو حتى أنظمة فحسب، وإنما تتعدى ذلك إلى تهديد أسس فكرة الديمقراطية برمتها وهي الأسطورة الجامعة التي تقوم عليها المجتمعات المعاصرة، فتلك الفكرة بُنيت على أساس معانٍ سامية مجسدة في كلمات أفقدها صانعو الأخبار الكاذبة قيمتها أو كادوا، لتتناثر كما رمادٍ في الفضاء السيبيري المظلم.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».