وفق معايير طالبان، فإن إذاعة «صوت الشريعة» هي المصدر الوحيد للأخبار والفتاوى الشرعية. الإذاعة كانت الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي خاطبت الأفغان لمدة ست سنوات أي منذ ظهور جماعة طالبان في ولاية قندهار قبل اثنين وعشرين عاما. معظم برامج الإذاعة ركزت على فتاوى دينية لا تتجاوز الأوامر والنواهي وكانت الإذاعة تحذر وتبشر مستمعيها بما تراه مناسبا لهم عبر مجموعة من رجال الدين نصبوا أنفسهم كأهل العلم والحكمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
ظل الوضع قائما حتى سئم الأفغان من هذه الحالة وسط غياب تام للبرامج الترفيهية. أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تلاها تدخل أميركي في أفغانستان وضربات لحكومة طالبان وحلفائها من تنظيم القاعدة. الحرب فتحت للأفغان صفحة جديدة من خلال وسائل إعلام بدأت تغزو البيوت الطينية والعشوائية لأغلب الأفغانيين مع اختلاف لغاتهم وعاداتهم وتقاليدهم القبلية.
ففي الوقت الذي استثمرت وبكل سخاء كل من الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية والمجتمع المدني الغربي بوسائل إعلام أفغانية ملايين الدولارات بعد رحيل نظام طالبان عام 2001، يواجه الإعلام الأفغاني اليوم مشاكل عديدة، فهو مهدد بالتلاشي مع انسحاب الممول الأميركي والغربي الذين بدأوا بمغادرة البلاد بهدوء منذ نهاية 2014 تاركين وراءهم الإعلام الوليد والإعلاميين لمصيرهم.
تقول نقابة الصحافيين الأفغان ومقرها كابل إن هناك أكثر من خمسين محطة تلفزيونية في أفغانستان وأكثر من مائتي محطة راديو تبث برامجها على موجات إف أم وبضع المئات من الصحف والمواقع الإلكترونية، إضافة إلى وكالتين للأخبار، وهو يعد إنجازا أفضل في المنطقة وربما في العالم. لكن كل هذه المحطات والصحف والإذاعات في واقع الأمر والتي تبث برامج مختلفة تمتزج بين الترفيه وحلقات نقاش سياسية وندوات حوار إما تعود لأمراء الحرب السابقين وتجار المخدرات الذين يتسترون وراء هذه المحطات البراقة مستغلين التطور الجديد ليخفوا وراءهم عالما من الحروب وانتهاكات بحق الإنسانية وأعمالا تخريبية ارتكبوها إبان الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي.
القطاع الإعلامي في أفغانستان شهد طفرة كبيرة بين عامي 2005 و2014 قبل أن ينقطع الدعم المالي لعشرات المحطات التلفزيونية والمجلات والصحف اليومية والأسبوعية مع خروج قدر كبير من المؤسسات الدولية وتلك التابعة للأمم المتحدة التي كانت المصدر الأساسي في تمويل وسائل إعلام عملت من أجل تكريس دعائم الديمقراطية الوليدة في هذا البلدة الذي مزقته الحروب المتتالية ولا يزال يعاني تداعياتها المختلفة.
وفق تقارير دولية ومستقلة، فإن وضع الإعلام وحرية البيان والتعبير في أفغانستان أفضل بكثير من الدول المجاورة مثل إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى وبفضل الوجود الدولي وحضور لافت للمجتمع الدولي في البلاد قفز القطاع الإعلامي الأفغاني قفزات عالية خلال السنوات الماضية، غير أن ذلك لا يعني أنه ليست هناك مشاكل أو عراقيل تواجه هذا القطاع فبسبب التوترات الأمنية واستمرار الحرب في جميع أنحاء البلاد وتهديدات المسلحين للمؤسسات الإعلامية والصحافيين خصوصا بعد 2014 مع تسلم الحكومة الأفغانية الملف الأمني أصبح وضع الإعلام يتجه من السيئ إلى الأسوأ.
كما يتعرض الإعلاميون والصحافيون إلى مضايقات من قبل بعض الأطراف الأفغانية، وهو ما حصل مع شبكتي «طلوع نيوز» التلفزيونية و«تي في1»، وباستمرار حيث هددتهما جماعات مقربة من حركة طالبان، وذلك بعد بثهما سلسلة تقارير خلال حرب قندز من سبتمبر (أيلول) إلى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2015، وبسبب ما تقول الجماعات الدينية المتشدد بأنه انفلات من قواعد الشريعة في هذه القنوات من قبيل بث برامج موسيقية وحفلات رقص لا يزال المجتمع الأفغاني ينظر إليها بعين الريبة والشك.
إلى ذلك يتعرض الإعلام في أفغانستان للانحسار والتهديد سواء من جانب الحكومة أو من المعارضين المسلحين على حد سواء، وأن الصحافيين لا يشعرون بالأمان ولا يمكنهم نشر الحقائق وتدقيقها، وأن بعض جهات الصحافة دخلت في تواطؤات، وبعضها وقع رهينة لأصحاب المال والسلطة.
ومع موجة الحرية التي يتمتع بها الإعلام الأفغاني البعض يتهم هذا القطاع حتى من داخل المؤسسات الحكومية بأن هناك انفتاحا غير مبرر وانفلاتا في مستوى الحريات في بعض القنوات التلفزيونية مما يسبب إحراجا للحكومة أمام رجال الدين وبعض المؤسسات الدينية وأن حركة طالبان وباقي الجماعات المتشددة التي تبحث عن ذريعة لتعزيز صفوفها ومواصلة حربها ضد الحكومة تتخذ من هذا الانفلات ذريعة ووسيلة لتبرير هجماتها والإيحاء بأن الحكومة لا تفعل ما فيه الكفاية في مراقبة الإعلام الذي يبث برامج مخلة بالآداب والأخلاق وحتى مناقضة للشريعة والدين على حد تعبير الجماعات المتطرفة التي تبحث عن كل وسيلة وحجة لتبرير أفعالها.
تمويل الإعلام الأفغاني!
مستوى الحرية والانفتاح الذي يسود في قطاع الإعلام الأفغاني بسبب دعم الغرب له وحضور المجامع الدولي في هذا البلد استغل النظام الإيراني هذا الوضع لصالحه، وبحكم الجوار والحدود واللغة والثقافة المشتركة تغلغلت إيران في مؤسسات الإعلام الأفغاني عبر التسويق والترويج لثقافة إيرانية، وتسابقت الحوزات العلمية ومؤسسات صناع القرار في إيران في توفير الدعم المادي والمعنوي لمجموعة من القنوات التلفزيونية الأفغانية وعشرات الصحف والمجلات وذلك من خلال تدريب كوادر فنية لها في إيران أو تقديم منح دراسية للصحافيين والإعلاميين وإقامة ندوات علمية ونقاشية دعت إليها الصحافيين والمراسلين الأفغان إلى إيران، فضلا عن تقديم الدعم المالي بصورة شهرية لعدد من القنوات التي تدور في فلك السياسة الإيرانية الإقليمية أو الدولية خصوصا تلك القنوات والمحطات الإذاعية التي تتبع للأقلية الشيعية في أفغانستان.
وكان للنظام الإيراني تأثير كبير من خلال هذه القنوات في اتخاذ سياسات داخلية أو إقليمية من قبل الحكومة الأفغانية على مدى السنوات الماضية ولا تزال إيران لديها اليد الطولى في المؤسسة الإعلامية الأفغانية رغم شكاوى أغلب الأغلب الأفغان وانزعاجهم من التدخل الإيراني في وتغيير المعادلة لصالحها من خلال التمويل الهادف والسياسي للمؤسسات الإعلامية في أفغانستان.
المشهد الإعلامي بعد {طالبان}
حكومي
قناة (راديو تلفزيون دولتي) هي القناة والإذاعة الحكومية وهي أقدم وسيلة إعلامية عرفها الأفغان لكنها تعرضت لعدة مطبات حيث تعرض مبناها للحرق والنهب أيام سيطرة المتطرفين على كابل في عام 1992 ثم تعرض نفس المبنى الواقع في منطقة (وزير أكبر خان) وسط كابل للنهب والحرب وتدمير أجزاء منه أيام سيطرة طالبان على كابل وأغلقت القناة التلفزيونية أثناء الحرب بسبب عدم وجود كوادر فنية ومعارضة قادة طالبان بالإعلام المرئي، ومنذ رحيل طالبان حاولت السلطات الجديدة إعادة بث الروح إلى القناة الحكومية فتم تأسيس مبانٍ جديدة لها وتجهيزها بأحداث المعدات غير أنها فشلت في استقطاب عدد كاف من المشاهدين والمشاهدات بسبب عدم الكفاءة وعدم قدرة الموظفين على مواكبة التطورات السريعة والمتلاحقة في قطاع الإعلام الحديث.
حزبي
هناك عشرات المحطات التلفزيونية والإذاعات تتبع للأحزاب السياسية ولقادة المتطرفين السابقين الذين يحاولون الوصول إلى أنصارهم من خلال هذه المحطات التي تبث خطابات وكلمات القادة السياسيين في مختلف المناسبات والمجالات وهي تعمل جاهدة في تثبيت دعائم هؤلاء الساسة في المجتمع الأفغاني المنقسم عرقيا وطائفيا. بعض هذه القنوات متهمة بالتحريض على القتل والعنف وإثارة النعرات الطائفية والقبلية، كما أن السلطات متهمة أيضا باتخاذ سياسات التضرع وعدم الجدية في التعامل مع هكذا الملفات التي توسع الشرخ في المجتمع الأفغاني. أهم هذه القنوات والمحطات الناطقة باسم الأحزاب وقادة المتطرفين وأمراء الحرب هي (قناة نغاه) أي وجهة نظر لمحمد كريم خليلي الزعيم الشيعي ورئيس مجلس السلام الحالي في كابل، وقناة (دعوت) التابعة لعبد رب الرسول سياف أحد أبرز قادة المتطرفين وزعيم حزب الدعوة الإسلامية، وقناة (النور) التابعة للراحل برهان الدين رباني الزعيم المتطرف.
مستقل
هناك عدد محدود من القنوات التي تم تأسيسها من قبل صحافيين كبار ورجال أعمال يعيشون في الغرب والولايات المتحدة أبرزها (باقة قنوات طلوع وطلوع نيوز ولمر) فضلا عن عدد من الإذاعات التابعة لهذه الباقة التابعة لرجل أعمال أفغاني يحمل الجنسية الأسترالية وهو سعد محسني، هذه القنوات هي الأنجح أو هي تتميز بتنوع برامجها من قبيل ندوات الحوار وطاولات النقاش بالإضافة إلى المسلسلات.