6 سنوات أخرى؟... دلالات فوز بوتين في المنظورين الأميركي والعالمي. سؤال شغل مساحة كبيرة من عناوين أبرز المجلات والصحف العالمية. غلاف مجلة «نيوزويك» الأسبوعية الأميركية، تناول مقالاً عنون خصيصاً للحديث عن فوزه وما بعد: «إلى متى سيبقى فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا؟». وبوصف دقيق رسم كاتبه لحظات الانتصار الذي كان محسوماً سابقاً. بدأ بوقفة الرئيس على منصّة بمقر حملته بالقرب من الساحة الحمراء. عاد ليفوز بفترة رئاسية رابعة بعد حصوله على نحو ثلثي الأصوات، لتتمدّد فترة حكمه 6 سنوات أخرى. يدرك بوتين أنّ وحدة الشعب الروسي وحبه للوطن، كانا أوثق دعامة في سنوات المحن الصعبة، فجاء خطابه مركّزاً على الوحدة لمواجهة التحديات الخارجية. لم يشكر الشعب على انتخابه، بل ركّز على عظمة روسيا. خدم بوتين فترتين رئاسيتين، من عام 2000 لعام 2008، قبل تبادل الوظائف مع ديمتري ميدفيديف، رئيس الوزراء. وعاد للكرملين في عام 2012. فهل سيستمر بحكم روسيا وهو في الـ77 من عمره؟ عملية إعادة انتخابه تأتي في وقت تواجه روسيا الغرب في حربي سوريا وأوكرانيا، فضلاً عن اتهامات مؤامرات الكرملين وتدخّله في الانتخابات الرئاسية الأميركية وأوروبا. أقدام روسيا عالقة برمال دول متعدّدة، لكنّ الرئيس في خطابه لم يتحدّث عن استراتيجية سياسية سيتّبعها ولم يعطِ وعوداً قبل فوزه أو بعده. ولكنّ بعض المحللين يرون أنّه ليست لديه نية للتراجع عن المواجهة الخطيرة المتزايدة مع واشنطن وحلفائها، وتبقى شعبيته المحلية معتمدة إلى حدّ كبير على قدرته في مواجهة الغرب. يشكّل بوتين اليوم لكثير من الروس، الأمل بإعادة بناء روسيا العظمى، وهذا ما يحاول كثير من الوسائل الإعلامية المؤيدة ترويجه، فقد وصفته مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير قناة «روسيا اليوم»، بأنّه «والد الأمة»، وهو مصطلح مخصص لشخصيات مثل فلاديمير لينين، مؤسس الاتحاد السوفياتي. فهل يقوى بوتين على مواجهة قوى سياسية مخضرمة تتّحد لإخراجه من منظومة السياسة العالمية؟ يتحدث الكاتب عن أنّ سقوط بوتين لن يكون على يد القادة الغربيين الذين يحاولون إضعافه من خلال العقوبات الاقتصادية أو الطرد الدبلوماسي، بل يزعمون أنّ سقوطه سيأتي على الأرجح نتيجة لاقتتال الكرملين. فقد اتُهم دولياً بارتكاب جرائم حرب بسبب الدمار الذي لحق بالشيشان وسقوط طائرة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 فوق أوكرانيا بصاروخ مزعوم من روسيا. وفي الوقت نفسه، يقول إندري كوليسنيكوف، وهو محلل سياسي في مركز أبحاث كارنيغي في موسكو: «عليه أن يضمن أمنه الشخصي قبل أن يتمكن من التخلي عن السلطة». ويقول بعض معارضيه إنّه من السذاجة أن نتوقع من بوتين التنحي جانباً، فيما كتب أوليغ كوزلوفسكي، وهو ناشط معارض، في موقع على الإنترنت: «دعونا لا نتحدث عن 6 سنوات أخرى»... «بوتين، لن يترك السلطة إلا عندما يموت، أو عندما يُجبر على الرّحيل. ولا يرتبط أي من الحدثين بالتقويم الانتخابي».
المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغربhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85/5084991-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%86%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%87%D9%8A%D9%85%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8
المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».
جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».
عاصمة عالمية للإعلام والثقافة
ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».
وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.
ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.
تقارب وأرضية مشتركة
رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.
لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.
برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.
أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.
الحضور العربي
وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.
وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.
ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.
منصة مهمة لتبادل الخبرات
مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».
وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.
التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي
ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».
وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».